غادرت إثيوبيا بعد أسبوع قضيته ما بين أديس أبابا ولاليبيلا الساحرة في الشمال. لم يكن أسبوعاً هيناً عليّ نفسياً ولا حتى جسدياً، فهناك الكثير من القلق. ولهذا، أردت قضاء بعض الوقت لاستجماع قوتي، والاسترخاء لبعض الوقت، فوقع اختياري على شاطئ دياني، في كينيا. أردت فقط قضاء شهر كامل من التركيز على العمل والكتابة، والاستمتاع بالشاطئ لشهر كامل، حسب ما تتيحه لي تأشيرة كينيا. وقع اختياري عليها بما أنها مدينة ساحلية، وإن كنت تعرفني جيداً، فستعرف أنني أنجذب للجزر والشواطئ في سفري. إضافة إلى أنني أفضّل الابتعاد بشكل عام عن المدن، ولهذا لم أزر نيروبي، عاصمة كينيا، على الرغم من أنني توقفت في مطارها لثلاث ساعات. لم أرد أيضاً أن أقضي أي وقت في مومباسا، على الرغم من اسمها وتاريخها الذي يحمل الكثير من القصص. وفي الحقيقة، لم يخيب شاطئ دياني رغبتي الكبيرة في العزلة والاسترخاء، والكثير من الكتابة.
لماذا اخترت شاطئ دياني
غالباً ما يشار إلى شاطئ دياني في كينيا على مجموعة من الشواطئ المترابطة الواقعة جنوب مومباسا والتي تشكل شاطئ دياني. أشهر شاطئين في كينيا هما شاطئ دياني وشاطئ جالو، ويمتد كل منهما لمسافة ١٥ كلم من الرمال البيضاء الناعمة.
الرمال البيضاء الفريدة التي تزين هذا الشاطئ الجميل مذهلة وفائقة النعومة، ويمكن أن تمتد في حالة انخفاض المد إلى مسافة تصل إلى ١٥٠ متراً. كما أن شاطئ دياني محمي ببحيرة ضحلة تليها شعاب مرجانية تقع على بعد حوالي كيلومتر واحد من علامة المياه المنخفضة. بصرف النظر عن توفير الحماية من المحيط، ستجدها مثالية للسباحة والغطس، وربما والغوص. إلا أن أشهرها ركوب الأمواج بالطائرة الورقية، والرياضات المائية مثل ركوب الأمواج شراعياً والتزلج الشراعي.
يُعتقد أن دياني، وربما كينيا الساحلية بأكملها، هي أصل حضارة شرق إفريقيا. لا يُعرف سوى القليل عن تاريخ دياني المحدد، لكن القليل من الأدلة تشير إلى أنه يمكن إرجاع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي.
وفي القرن التاسع، بدأ التجار الهنود والعرب بالاختلاط مع السكان الأصليين لخلق الثقافات السواحيلية الفريدة، والتي لا يزال الكثير منها مزدهراً حتى يومنا هذا. خلال هذه الفترة، تمتعت المنطقة الساحلية بأكملها في كينيا بعصر ذهبي للتجارة. وفي القرن الخامس عشر، وصل البرتغاليون إلى الساحل الكيني وسيطروا على المنطقة فعلياً لمدة قرنين من الزمان، وبعد ذلك سيطر عرب عمان.
ثم في مطلع القرن التاسع عشر، أنشأ البريطانيون موطئ قدمهم فيها وأعلنوا الساحل محمية بريطانية. كان فندق Jadini Beach Hotel أول فندق سياحي يتم بناؤه على شاطئ دياني عام ١٩٣٧. وكان في السابق منزلاً ريفياً.
رحالة رقمية على شاطئ دياني
يعد شاطئ دياني أحد أفضل الشواطئ في كينيا. إنها أكثر بُعداً وأقل ازدحاماً من الشواطئ الأخرى على طول الساحل الشرقي للبلاد. فهي تحتوي على شريط طويل جميل من الشواطئ الرملية والمياه النقية والعديد من الفنادق والمنتجعات المطلة على الشاطئ والتي يمكنك الاستمتاع بها.
كان روتيني اليومي هنا بسيطاً للغاية؛ أستيقظ في السابعة، وأجد إفطاري جاهزاً في الثامنة. وبعدها يبدأ يومي، بتصفّح بريدي الإلكتروني والرد على الرسائل لساعة، ثم تصفّح تويتر وإنستغرام إن كان هناك وقت. يبدأ تركيزي على الكتابة لليوم، حيث أعمل من العاشرة صباحاً وحتى الرابعة والنصف عصراً، تتخللها أوقات قصيرة للاستراحة والاسترخاء في المسبح. أنهي عملي تماماً في الخامسة مساءً لأتوجّه إلى البحر، أمشي على شاطئ دياني قليلاً، وأسبح أو أسترخي وأجلس على الرمال.
شكل أخر ليومي على شاطئ دياني، عادة ما يكون في نهاية الأسبوع
لا أعرف إن كان مميزاً أو مثيراً للاهتمام في الحقيقة. أستيقظ باكراً في الصباح، كما اعتدت خلال الأسبوع. أسبح على الشاطئ، أو أجلس في الصف الأمامي لمشاهدة شروق الشمس يسلب قلبي، فيما أتناول إفطاراً شهياً على الشاطئ. أقضي ساعة أو اثنين أخرى للقراءة هنا، فالشمس ممتعة، والجو جميل. ثم أسير لأتجول في أنحاء المدينة، وأزور المتاجر المحلية، أو أجلس في إحدى المقاهي لإكمال القراءة. أعود في المساء إلى الشاطئ للسباحة مرة أخرى، وتناول طبق كبير وشهي من المأكولات البحرية المشوية في مطعم The Oasis Beach، والحديث مع السائحين الآخرين، قبل العودة إلى غرفتي، والنوم.
هذا هو يومي المعتاد على شاطئ دياني، وكنت سعيدة بعدم القيام بأي شيء في نهاية الأسبوع، قبل مواصلة رحلتي في شرق أفريقيا. لذلك، إن كنت تبحث عن مكان للاسترخاء في كينيا، فلن تندم على زيارة شاطئ دياني.
العمل كرحالة رقمية من المقاهي أو مطاعم الفنادق
يتناسب شاطئ دياني بشكل مثالي مع أجواء المدينة الشاطئية الصغيرة، وعدد قليل من المباني والسيارات، ومساحة كبيرة على طول الشريط المذهل من الشاطئ الرملي الأبيض الناعم الملمس، حيث يمكن للمرء الاسترخاء. كنت أعمل يومياً من المقهى الملحق بالمسكن المشترك، وأحياناً من إحدى الفنادق المجاورة، مثل مطعم نوماد. إضافة إلى مقهى Pallet، الذي يوفر طاولات كبيرة مطلة على الشاطئ، وكراسي مظللة وطعاماً شهياً.
أين سكنت لشهر كامل على شاطئ دياني؟
اخترت غرفة خاصة في مسكن مشترك (هوستيل)، بتميز بوجود مسبح ومطعم مرفق به. اشتهر Diani Backpacker بكونه هوستيل الحفلات، والحياة الاجتماعية للرحالة الاقتصاديين والرحالة الرقميين. وهو كذلك فعلياً! حيث تقام الكثير من الأنشطة الاجتماعية، مع تنسيق رحلات الغروب أو التسلق للمحميات المجاورة.
لماذا اخترت المسكن المشترك مقابل الفنادق إذن؟ لأن الفنادق مملة، وتجعلك انطوائياً، وبعيداً عن الحياة الاجتماعية للرحالة الرقميين. أعرف أن الهوستيل وأجوائه غير مناسبة للجميع، وأصبح كذلك مع كثرة سفري وحاجتي للتركيز أو الخصوصية الكاملة. وهذا ما يجعل اختيار غرفة خاصة بحمامها أمراً مهماً لي.
وأفضل ما في الأمر هو أن هناك العديد من المنتجعات المطلة على الشاطئ بأسعار معقولة حيث يمكنك الوصول إلى الشاطئ في أي وقت. وجدت نفسي أتجول على طول الشاطئ كل صباح، وأسبح في المياه النقية، بينما أشاهد شروق الشمس. لقد كان وقتي هناك مثالياً للغاية، ولم أستطع أن أجد مكاناً أفضل للاسترخاء في كينيا.
الأنشطة الترفيهية والسياحية
من الجميل في شاطئ دياني أنك لا تسمع فيها أصوات المكائن أو ألعاب جتسكي المزعجة. وهذا ما يجعل الاسترخاء فيها صباحاً أو مساءً مريحاً للغاية. على الرغم من ذلك، كنت أذهب في رحلات قصيرة هنا وهناك كلما سنحت لي الفرصة، أو قلّ تركيزي على العمل.
زيارة كهف شيموني
أو كما يُعرف باسم كهف العبيد. في المقابل؛ شيموني هي كلمة سواحيلية تعني “مكان الكهف”، وتتمتع كهوف شيموني بتاريخ رائع يعود إلى قرون عديدة. ستراه واضحاً في العواميد الكلسية الضخمة الموجودة بداخلها، والتي تعطيك شعوراً ما بين الرهبة والخوف. تكمل الشعور بالرعب. وهي ليست مجرد تذكير ببعض أحلك الفترات في تاريخ البشرية ولكنها تمثل أيضاً جوهرة تاريخية رائعة تعود إلى قرون عديدة.
كانت الكهوف المرجانية القديمة في شيموني بمثابة حظيرة ينتظر فيها أكثر من مليون عبد قبل شحنهم إلى سوق العبيد في زنجبار وتنزانيا، ثم إلى اليمن بين عامي ١٨٦٠ و ١٨٩٥. ويُعتقد أن العبيد كانوا يُحتجزون هنا ما بين أسبوعين إلى ثلاثة، قبل أن يتم تعبئتهم في مراكب شراعية، والذين يصل عددهم تقريباً ١٠٠٠ عبد في المرة الواحدة. يموت الكثير من العبيد في هذه الرحلات، يصل إلى ٤٠٠ فرد منهم خلال تلك الرحلات، وتم إلقاؤهم في البحر لتأكلهم أسماك القرش.
زيارة جزيرة تشال
تقع في وسط خليج مسامبويني، على بعد ١٢ كم جنوب شاطئ دياني. تعتبر مكاناً مقدساً أكثر من كونها جزيرة، حيث تم استخدام هذه الجزيرة من قبل سكان الساحل الأصليين كمكان للعبادة لسنوات عديدة. في جوهرها، تقدم جزيرة شالي الكثير للسياح بدءاً من مركز الرياضات المائية المناسب لها وحتى رحلات القوارب الرائعة، مما يجعلها ملاذًا للزوار الباحثين عن الهدوء التام. تتمتع جزيرة شالي أيضاً بشاطئ أبيض مذهل، تحفه بشكل جميل الشعاب المرجانية، فيما تتوفر فيها الرياضات المتنوعة للغوص والرياضات المائية.
زيارة تلال شيمبا
تعتبر تلال شيمبا إحدى أكثر الغابات الساحلية تنوعاً في شرق أفريقيا، وتبعد عن شاطئ دياني حوالي ٤٥ دقيقة فقط. إنها ثاني أكبر غابة ساحلية في شرق أفريقيا، ويمكن لزوار المحمية استكشافها بحرّية تامة. ستتمكن من رؤية مناظر جميلة للقرى المحلية أثناء القيادة عبر التلال، بينما تحرر نفسك من زحام الحياة. كما أنك قد تكون محظوظاً بمعالم الحياة البرية التي يمكن العثور عليها في هذه المحمية، منها: الفيلة، ظباء السمور، الفهد، وغيرها.
كيف وصلت إلى دياني الساحلية
الوصول إلى شاطئ دياني أمر بسيط. يمكن الوصول إلى الشاطئ عن طريق الجو أو السيارة أو الحافلة، مع تعدد الخيارات وسهولتها – إلى حد ما.
تربط عدة رحلات جوية مطار جومو كينياتا الدولي بأوكوندا (مطار دياني) بشكل منتظم. بالإضافة إلى ذلك، تتوفر رحلات جوية من مطار نيروبي ويلسون إلى مطار أوكوندا بشكل منتظم. وشخصياً وصلتها عن طريق مغادرة أديس أبابا، والتوقف لثلاث ساعات في نيروبي، ثم الوصول إلى مطار أوكاندا.
استقليت سيارة بعدها من مطار أوكوندا، مروراً بمومباسا. ثم عليك عبور العبارة في ليكوني ثم اتخاذ الطريق المؤدي إلى أوكوندا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً حافلات مكوكية خاصة تربط مطار موي الدولي مع دياني، والتي يديرها المطار. بشكل عام، يستغرق السفر بالحافلة حوالي ست ساعات. وهو الخيار الذي استبعدته لأسباب كثيرة، منها طول المسافة، خاصة وأنني كنت قادمة من رحلة دولية.
التنقل في دياني
ستجد هنا الكثير من عربات التوك توك والدراجات النارية وسيارات الأجرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك القيادة بنفسك، أو استئجار الدراجات النارية من مركز التسوق.
يتوفر فيها النقل العام أيضاً، باستخدام الحافلات الصغيرة، والتي تسمى هنا ماتاتو، والذي يعد وسيلة نقل سريعة وموثوقة للرحلات قصيرة المدى. يعيب هذه الحافلات أن مواعيدها غير محددة، ولكنها عادة ما تكون متاحة طوال اليوم من الفجر (السادسة صباحاً) حتى حلول الليل. كما أنها تتوقف في أي مكان تقريباً.
ثلاثة أيام في كيليفي
حسناً.. أعرف أنني ذكرت “قضيت شهراً في دياني”، ولكنني استقطعت عدداً من الليالي وذهبت لزيارة منطقة قريبة منها. تبعد كيليفي ما لا يزيد عن ١٢٠ كلم، ولكن البنية التحتية السيئة جعلتها حوالي ٦ ساعات! كتبت تجربتي كاملة في هذه البلدة الصغيرة، والإبحار في كيليفي.
لا تعليق