كنت أتابع منذ فترة طويلة قناة على يوتيوب باسم “يوغا مع أدريان”. اعتدت ممارسة اليوغا معها في سنواتٍ مضت بشكل متقطع، وربما كان التركيز الأكبر على جلسة اليوغا الصباحية والمسائية، ليس أكثر. ثم قررت يوم ٢٣ مارس ٢٠٢٠ الانخراط في جلسات يوغا يومية، تقدّمها أدريان بعنوان “HOME – A 30 Day Yoga Journey“. احتفظت بهذه القائمة منذ أن أنشأتها أدريان في بداية العام، لكنني لم أمارس أي تمرين يومي منها. شدّني الاسم كثيراً، خاصة وأن “Home” من الكلمات التي لا تزال يشكّل تحديدها عائقاً لدي. وحتى ألتزِم بالثلاثين يوماً، تعهّدت على نفسي أن أسجّل التمارين كل يوم، وأنشر مقطعاً قصيراً على انستقرام، لا يزيد عن ١٥ ثانية. أبقيت إلى جانب ذلك في مذكرتي صفحة خاصة بممارسة اليوغا، أكتب في كل يوم اسم التمرين الذي مارسته، تاريخ اليوم، وشعوري ذلك اليوم. كان هذا التحفيز مفيداً بالنسبة لي ولالتزامي بالتمارين يومياً أيضاً.
كنت قبل أشهر أظن أن أزمة الفايروس هذه لن تطول أكثر من أسبوعين، وربما شهرٍ على الأكثر. لم أستشعر حجم التأثير إلا حينما فُرض الحجر المنزلي علينا في ماليزيا لأول أسبوعين، والذي يعني أن رحلتي في مارس قد ذهبت في مهب الريح. تغيّرت الخطة تماماً، وأصبح علي إيجاد طرق ناجحة لتمضية خلال هذين الأسبوعين. لم أكن قد جرّبت معنى البقاء قسراً في البيت، لكنني تذكّرت أحداث حرب ١٩٩٠، كنت حينها في التاسعة. لا يهم.. أحتاج إلى أمرين: المحافظة على اللياقة البدنية، وعلى عقلي الذي لم يستوعب الفكرة بعد.. ومن هنا جاءت فكرة ممارسة اليوغا يومياً!
استعداداتي لأجل التمارين اليومية
إحدى العادات السيئة التي لم أستطِع التخلص منها، أنني ألزِم نفسي بالكثير من التمارين في وقت قليل. أو أنني لا أخصص وقتاً كافياً للراحة من تلك التمارين. لذلك علمت أنني بحاجة إلى وضع استراتيجية وخطة بسيطة جداً، لتجنب أكبر ردة فعل سلبية هنا: الكسل.
خصصت معظم استعداداتي لتنحية غروري، خاصة بعد التمرين الأول. دوّنت في دفتر المذكرات بكل صراحة نتيجة أول يوم، وقبِلت مبكراً بأني النتائج الإيجابية ستكون بطيئة. حسناً! هذا سهل نوعاً ما، نحن محبوسون في البيت أربعة أسابيع على كل حال، ولا ندري حتى الآن متى يمكننا الخروج. تعاهدت مع نفسي على أمرين: إذا استمرّيت في ممارسة تمارين اليوغا كل يوم، سأشتري سجادة يوغا جديدة، بلون أحبه، حتى وإن كانت غالية الثمن. وسأشتري حامل كاميرا لتثبيت كاميرا GoPro بشكل أفضل من صفّ الكتب ووضع كأس كبيرة فوقها.
ما هو الوقت المناسب لأي تمرين يوغا خلال اليوم؟
ألقيت نظرة فاحصة على جدولي اليوم، معظم اتصالاتي في الظهر، ولا أكتب عادة إلا في المساء. إذن في الصباح! لا يزال البيت هادئاً والحركة فيه قليلة أساساً. كان علي التفكير جدياً، لأنه لا يمكنني تجنب ممارسة التمارين في المنزل هذه المرة، وهذا أمر لم أعتده أبداً. أجد صعوبة في الحفاظ على تركيزي في المنزل دون دافع خارجي من مدرّبة وغرفة مليئة بالناس. لديّ سماعات أذن عازلة للصوت، هذا جيد. يمكنني بها تجنب مكالمات “جون” التي لا وقت محدد لها. أو سيارات الإسعاف التي تقرر خرق هدوء أيام الحجر.
ما التحديات التي وجدتها؟
أصبحت ممارسة اليوغا في البيت أمراً مفضلاً لي. كنت خائفة في البداية من عدم قدرتي على التركيز، أو على تحدي نفسي، وأنني سأستسلم وأصاب بالكسل، وأنني لن أكون قادرة على عمل عدد من الوضعيات. لم يحدث أياً من هذا! لم أتكاسل، وحينما كنت أقرر أن لا يوغا اليوم، كان من باب الراحة، لا الكسل، وهناك فرق كبير بينهما. تركيزي أفضل، ويمكنني الآن ممارسة الوضعيات المختلفة وعيني مغمضة. الأمر الذي أقلقني هو وجودي في مكانٍ لم أعتد فيه ممارسة اليوغا، كأن أسافر مثلاً.. لم يحدث هذا إلا في الفترة الأخيرة في الحقيقة. وحتى عندما ذهبت إلى ملاكا الأسبوع الماضي، التزمت بالدقائق الثلاثين للتمارين. كان علي أن أفعل ذلك بنفسي.
ممارسة اليوغا أم التمارين الرياضية
سألني “هيلتون” بعد انتهاء الثلاثين يوماً إن كنت سأكمِل بتمارين يوغا يومية بعد هذه الفترة. كانت الإجابة: طبعاً! وبصراحة، لم يكن هناك أي محفّز لأن أغادر السرير خلال أول شهر من الحجر المنزلي سوى تمارين اليوغا القصيرة هذه. أضفت بعدها التمارين الرياضية المعتادة بالأوزان والأحزمة، لكنني استمرّيت على الأولى، عكس الثانية. وحتى اليوم، بمرور أكثر من ١٤٠ يوماً لازلت أحرِص على ممارسة اليوغا، لم أتخلَّ أو أتكاسل عن التمارين بأكثر من يومين خلال الشهر، ما عدا في شهر يوليو الماضي، كانت عشرة أيام لأسباب مختلفة لن أتطرق لها هنا.
لسنوات، ركزت على استخدام الأوزان والتدريب بتمارين (Bootcamp) قاسية، كل ذلك لتقوية جسمي والمحافظة على اللياقة التي أحتاج إليها دائماً في رحلات التسلق أو الغوص. لكنني دائماً ما كنت أتساءل عما إذا كانت اليوغا هي قطعة اللغز المفقودة في روتين اللياقة المعتاد، والتي نسيتها خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة. إضافة إلى أنني أحتاج إلى تمارين تساعد عقلي أكثر من جسمي هذه الفترة. وبالطبع، لن أنسى الموضة التي ظهرت فجأة فأصبح الجميع مدرب يوغا معتمد، وكلهم ذهبوا إلى النيبال للحصول على تلك الشهادات!
وحتى لا أتكاسل عن التمارين اليومية، حددت ما لا يزيد عن ٣٠ دقيقة، إضافة إلى ١٥ دقيقة لتمارين الأوزان. ويكفي هذا الوقت لمغادرة السرير! إليكم ما حدث عندما كنت أمارس اليوغا كل يوم لمدة شهر.
ما الذي تعلمته من ممارسة اليوغا كل يوم؟
ممارسة اليوغا تتطلب الكثير من التركيز والانضباط أكثر مما توقعت
لم تكن التمارين جديدة علي، وهناك مرونة كافية لممارسة الكثير منها. وعلى الرغم من معرفتي بأنواع مختلفة من التمارين إلا أنني أبقيتها بسيطة جداً بممارسة يوغا Vinyasa. تعتمد التمارين على وضعيات متعددة ومتتالية دون توقف مع التركيز على التنفس. لذلك كانت التمارين التي تقدمها “أدريان” جيدة. شعرت بانتباه عضلاتي للتمارين البسيطة التي لا تتطلّب أكثر من ٤٥ ثانية للوضعيات المختلفة. الوقوف المنتصب (الجبل)، الكوبرا، القوس، الكرسي… كانت ساقاي أو ساعداي يهتزان. وجدت نفسي أتعرّق لمجرد المكوث أقل من دقيقة في تلك الوضعيات التي تبدو بسيطة، وكأن جسدي نسيَ تماماً مرونته السابقة. لكنني لم أستسلم، وكنت أعرف أن عليّ التركيز لا أكثر. لا يهم شكل الوضعية التي عليّ أداؤها على قدر تمرين عضلاتي. التركيز هو كل ما أحتاجه.
أدركت أنني لست مرِنة كما أظن!
لم أكن أعرف أن الوقوف على ساعديّ بينما قدماي للأعلى بهذه الصعوبة. من النظرة الأولى، يبدو أنه عليك فقط تبيث رأسك ورقبتك، ثم دفع ساقيك للمقدمة، ورفعهما للأعلى.. تتاااااا! خطأ!
لطالما اعتبرت نفسي مرنة إلى حد ما، لكن عندما حاولت الاسترخاء في أوضاع أخرى مثل القارب (Boat Pose)، أدركت أن عضلات بطني ليست على ما يرام، كان الجزء العلوي من جسمي يهتز بشكل غريب. وحتى اليوم، لا تزال عضلات (Core Muscles) غير قوية كما يجب، ربما لأنني لم أركز عليها كتركيزي الكبير على عضلات الساقين والساعدين.
خفّ الألم في أعلى الكتف بعد بضعة أسابيع
هناك ألم دائم في أعلى الظهر ناحية اليمين، لا أعرف ما مشكلته كل هذه السنوات. أصبح ملازماً لي وكأنه الوضع المعتاد لهذا الجزء من جسمي. يزيد الألم أو ينقص على فترات، خاصة حينما أحمل حقيبة ظهري لفترات طويلة. لكن الوضع الآن مختلف تماماً! وعلى الرغم من أن عضلاتي لم تتأثر بشكل كبير يمكنني ملاحظته مقارنة بالتمارين الرياضية، إلا أنني أشعر بتحسن. توازني أفضل الآن، وقوفي منتصِبة، والحرص على أن تكون ظهري مستقيمة، وأصحح جلستي على الكرسي بشكل لا شعوري.
لكن المجاملات التي صدمتني حقاً كانت تلك التي تتعلق بوجهي. فبحلول نهاية الشهر، أخبرني “جون” أن شيئاً ما مختلفاً في، لم يعرف -كالعادة- ما هو. مزاجي أفضل مما كان يظن، ووجهي بدا مشدوداً ومنحوتاً أكثر من المعتاد. لاحظت أن بشرتي بشكل عام في وضعٍ أفضل، وشكل جسمي لم يتأثر على الرغم من كميات الكعك والمسلّيات الكثيرة التي تناولناها.
ممارسة اليوغا جعلتني أكثر استرخاءً طوال اليوم
هل قلت أنني كنت متوترة من أمر البقاء في البيت؟ نعم، لم يكن الأمر مختلفاً بالنسبة لي إن كان مجرد الجلوس في البيت، لست ممن يفضلون الجلوس في المطاعم أو العمل في المكاتب الباردة. لكنني كنت متوترة أكثر بسبب عدم قدرتي على السفر. كنت حتى في بداية مارس أبحث عن الجزر التي يمكنني الوصول إليها والانعزال فيها هناك! كنت أقول أن “تونقا” مناسبة هذه الفترة. لكنني لم أستطع تحديد المكان حتى فرِض علينا الحجر المنزلي الكامل.
كان ثني جسدي في وضعيات معقدة مع التركيز على التنفس طريقة جيدة لتخفيف هذا النوع من التوتر. تهمّني الحركة كثيراً والمشي بشكل عام يؤثر إيجابياً علي. السباحة مهمة أيضاً، وفكرة أنه لا يمكنني السباحة في هذه الفترة لم تكن معقولة أبداً. أعرف جيداً فوائد التعرق التي تقلل من الإجهاد وتعزز الإندورفين، لكنني لاحظت خلال شهر من اليوغا أنني أكثر هدوءاً مما توقعت، وأكثر استرخاءً، وحتى نومي لم يكن بذلك السوء، مع أنني أنام متأخرة جداً.
هل عليك ممارسة اليوغا يومياً أيضاً؟
هذا الصباح، كنت جالسة على القدمين بوضعية أرتاح لها كثيراً، متجنبة الوقوف على الذراعين في وضعية (Crow Pose). مازلت غير قادرة على فعل ذلك حتى الآن أو موازنة نفسي. تجنّبت فكرة الوقوف، ولكنني لم أرد تسريع الفيديو، بقيت على وضعي فيما “أدريان” تقف على ذراعيها وقدماها في الهواء. اكتشفت نمطاً جديداً يتطور، يمكنني الشعور بالطاقة التي تحملها أرجل “أدريان” في الهواء بينما استقرت قدماي الثقيلة على الأرض.
مرّت فكرة غريبة في ذهني. أه! ليس هناك أي تعرّق اليوم، ساقاي أفضل مما كانت عليه في الشهور الثلاث الأخيرة. هذا جيد! فهِمت أنني هنا لأتعلّم كيف أحرّك جسمي بشكل أفضل، ووصلت إلى ذلك. وحتى إن لم أستطع بعد الوقوف على ذراعيّ، ليس هذا ما جئت لأجله، جئت هنا لأقف بشكل أفضل، ولأمشي بشكل أفضل، وحتى أنسجِم مع جسمي بشكل أفضل.. وهذا هو المهم.
عندما شرعت في كتابة هذه التدوينة، لم أكن متأكدة من تسميتها. لم يكن الأمر تحدياً بشكل كبير، كان عادة أريد اكتسابها. لم يكن الهدف هو استعراض قدراتي الجسدية قبل أن أنهي العام الثامن والثلاثين. كنت أريد أن أشعر بالراحة، لا أكثر. تأكدت الآن أنني لست مضطرة في الواقع إلى الخضوع لتحول جذري لأشعر بأنني تغيرت. وأنت أيضاً.. ليس عليك حتى تسميته بالتغيير. يكفي أن تجرّب، ويكفي أن تعيش التجربة.
لا تعليق