قررت خلال الشهر الماضي اصطحاب الصغيرين في رحلة قصيرة إلى ولاية قدح شمال ماليزيا، حيث بيت جدتي. أردنا قضاء إجازة منتصف العام مع والدتي التي تقضي إجازتها هناك من شهر أيضاً. وكانت وُجهتنا عبارة عن قرىً صغيرة عشت فيها خلال إجازاتنا الصيفية حين كنا نزور ماليزيا مع أمي، أو خلال إجازات الجامعة. تعتبر هذه الإجازة الأطول التي نقضيها هناك منذ عشر سنوات. ولأنهما ما عادا طفلين صغيرين، ولكل منهما شخصيته واهتماماته وخياراته الشخصية، كنت بحاجة إلى تهيئتهما لإجازة خارج الأمور التي اعتادوها (comfort zone) حتى لا تتعكّر مزاجاتنا. كما أنني أردت استغلال الرحلة في تعويدهما على أساليب أخرى للحياة التي اعتادوها.
أمور اتفقنا عليها
- سنقضي جزءاً كبيراً من الإجازة بلا انترنت، وإن وُجِد فسيكون ضعيفاً جداً في ولاية قدح. كونهما طفلين كبقية جيلهما في ماليزيا تدور حياتهما حول أجهزتهم الالكترونية والاتصال بشبكة واي-فاي جيدة. ولأنها الفترة الوحيدة التي يُسمَح لهما قضاء فترات أطول من اليوم على تلك الأجهزة. مجاهد (١٣ عاماً) تدور حياته الآن في مجموعة من الألعاب التي تتطلّب منه الاتصال بشبكة انترنت. وغالباً يكون متصلاً بأصدقائه في المدينة للعب. دانة (١١ عاماً) أقل حدة من مجاهد في الألعاب، فيما يدور يومها حول مسلسلات كرتونية أو مسلسلات للأطفال تشاهِدها على يوتيوب. وبالطبع musically الذي نمّى جزءاً من حبها للقطات الفيديو والرقصات البسيطة.
- يمكن وضع سماعات الأذن واللعب دون إزعاج الآخرين حين نكون في بيت العائلة الرئيسي فقط. فيما يمنع بتاتاً اللعب بالجوال حين نزور أقاربنا الأكبر سناً، خاصة إذا كانت زيارات قصيرة لا تتعدّى نصف ساعة. فين حين يُسمَح لهما اللعب (مع إغلاق صوت أجهزتهم) إذا كنا سنقضي وقتاً أطول أو لم يكن في ذلك البيت أطفال، وهو الأغلب.
- نسيت أن أخبرهم أن أطفال القرية في ماليزيا قد يكونون أقلّ حظاً منهما، فليس كل طفلٍ هناك بيده جهاز الكتروني يخصّه. احتجت إلى اقناعهما إما مشاركة الأطفال (وهو أمر سهل) أو ترك أجهزتهم والخروج للعب في الخارج (وهو الأصعب) حين زرنا عدداً من البيوت التي بها طفل أو اثنين أصغر منهما سناً.
- لا يمكن الاعتراض على أي طبَق يُقدّم لنا، سنأكله إكراماً وإن لم يكن ضمن خياراتنا المفضلة، وإن كان مليئاً بالخضروات الورقية التي لا يفضّلونها. لم أجِد صعوبة كبيرة في هذا الأمر خاصة وأنهما اعتادا الأطباق المحلية.
ماذا حدث في ولاية قدح
مرّ أول يومٍ بسلام، كون بيت خالي (بيت العائلة الرئيسي) في أطراف المدينة، وبطبيعة الحال متصل بشبكة انترنت جيدة.
في اليوم الثاني قررنا الذهاب إلى بيت عمتي، وبما أنها تعيش وحيدة فليست بحاجة إلى انترنت أو حتى قنوات تلفزيونية كثيرة. الحل الأسهل لنا كان الاشتراك بباقة البيانات. زرنا منزل جدّتي القديم نهاية اليوم. أردت أن أشرِكهما ذكرياتي عن ماليزيا حينما كنت بعمرهما. لم يكن مجاهِد متعاوناً معي حينها وكنا نتجادل بشأن ما اتفقنا عليه قبل الرحلة. تفهّمت أن المكان لا يربطهما بأي ذكريات خاصة وأنهما زاراه صغاراً جداً، لكنني تمكّنت أخيراً من اقناعمها بالمشي في الخارج. قصصت عليهما مغامراتنا الصغيرة حين كنت في سنّهما. وكنت أخبرهما عن الإجازات الصيفية التي قضيتها في ذلك البيت وكيف أننا كنا نقطف فواكه الرمبوتان والتمريند من شبّاك الغرفة العلوية. وكيف كانت توقظنا جدتي حين أخذتهما في جولة داخل البيت.
زرنا في اليوم الثالث منازل في مناطق نائية جداً. إحداها لابنة عمتي التي يقارب سنّ أصغر أبنائها صغيريّ. شبكة الهاتف غير جيدة، وحرارة الجو غير محتملة في منتصف اليوم حتى بالداخل. كان أطفال القرية يلعبون في الخارج، اقترحت إحدى بناتها أن يذهبوا إلى ممر النهر قرب بيتهم لصيد أسماك صغيرة! كانت دانة الأكثر حماسة باعتبار أنها إحدى التجارب التي تريد خوضها هذا العام، ولحِق بها مجاهد. انتهى بنا الأمر أن نرجوهما العودة حتى نستمر في زيارة بيوت الأقارب.
ما الذي تعلمته أنا؟
سيظلّون صغيرين ولهما أولوياتهما الخاصة التي قد لا تتشابه مع أولوياتي، وعلى كلٍ منا تقبّل الآخر لنتفادى أي معسّرات للرحلة. مع ذلك فإن السفر أسهل هذه الأيام وهما أكثر وعياً بما يحدث حولهما، لم أشعر أنني أسافر هذه المرة مع صغيرين عليّ مراعاتهما طوال ٢٤ ساعة. مجاهد في عمرٍ جيد للاعتماد عليه، لاسيّما وأنه طلَب مني ترك مهمة دفع حقيبتنا الوحيدة، فيما كانت دانة أكثر حرصاً على مراقبة الوقت وكم بقي على رحلتنا. ضحكنا كثيراً.. كنا إجمالاً في مزاج مختلف بما أننا بعيداً عن البيت.
سنقوم بتجربة مشابهة قريباً على جزيرة ما، لكنني في المرة القادمة سأكون مستعدة أكثر ببدائل وأنشطة مناسبة وجدول أكثر ازدحاماً.
[…] اِجرِ، اركبي درّاجتك. اقفزي، تسلقي، العبي بالكرة. اسبحي، واركبي الخيل كما تحبين. سيضحك الأولاد الأوغاد منكِ. […]