العادات أو الروتين اليومي الذي نقوم به لا تتشكل في ليلة وضحاها. متأكدة من أنك قرأت هذا الأمر من قبل، وأنك قرأت الكثير من المقالات المتعلقة بهذا الأمر. مررت بتلك المرحلة، صدقني، لكنني في المقابل تساءلت: ألن يكون من الجيد عمل كل شيء بطريقة آلية ودون التفكير فيها؟ القيام بالأعمال المنزلية، ممارسة التمارين الرياضية، تناول الطعام الصحي، وإنجاز عملك الذي يحدث تلقائياً. وما لم تكن غنياً جداً وتتمكن من شراء روبوت أو توظيف أحدٍ ما ليقوم بكل أعمالك فإن عملك سيستمرّ في التكوّم. خلق عادات أو ممارسات يومية ليس أمراً معجزاً أبداً، ولكنه ليس بالسهل أيضاً.
ثم إنه في الحقيقة؛ لا أريد أن يتم كل شيء آلياً. أريد أن أقوم بالتمارين الرياضية بتركيز ذهني كامل، وأن أضع تركيزاً كاملاً على المهام التي أقوم بها، وأشعر بكل ما أكتب سواء كان ذلك للمدونة أو عملي المستقل. لن يتطلّب الأمر إلى الكثير، شيء من الانضباط، وبعضاً من الممارسة والجهد، للاستمرار. سأحكي لك بعضاً من الأساليب التي اتبعتها، قد تفيدك إن أردت خلق عادات جديدة في حياتك.
طرق لخلق العادات الجديدة في حياتك
١/ ثلاثين يوماً من أجل العادات الجديدة
ستحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع عادة من أجل خلق عادات وروتين جديد في حياتك. إذا تمكنت من اجتياز مرحلة التكيّف الأولى، يصبح من الأسهل بكثير الحفاظ عليها. تعدّ الثلاثين يوماً فترة جيدة للالتزام بالتغيير الذي تسعى إليه. لأنه يناسب بسهولة في التقويم الخاص بك. أنت لست مجرد آلة تُبرمج مرة واحدة لعمل أي أمر. احتجنا ١٠ سنوات دراسية لنتهيأ للتعليم الجامعي مثلاً. ستحتاج إلى وقتٍ من أجل خلق عادات تصبح فيما بعد جزءاً من حياتك. ثلاثون يوماً هي وقت كافٍ لجعلك ذهنياً معتاداً على أمر ما. كل أمر تبدأه سيكون مرهقاً، وكلما مضت الأيام أصبح أسهل. أعتقِد أنك لاحظت هذا في رمضان مثلاً، كلما قاربت على إنهاء الشهر (٣٠ يوماً) كلما أصبح أسهل. حتى جسمك لن يعتاد على التمارين الرياضية خلال ثلاثة أيام.
٢/ اجعلها يومية، في نفس الوقت، والمكان
الممارسة اليومية أمر بالغ الأهمية إذا كنت ترغب بإدخال العادات الجديدة في الروتين اليومي. كنت أمارس اليوغا ثلاث مرات أسبوعياً منذ عام ٢٠١٣ (قبل أن يتحول إلى موضة في الدول العربية). اختلطت جداول المهام، وأصبح بالكاد خمس أو عشرة دقائق صباحاً، ثم ١٠ دقائق ليلاً. ثم اختفت هذه العادة في السنوات الأخيرة من ٢٠١٧ إلى بداية العام الحالي، أصبحت صفراً. وكنت أعتمِد في لياقتي على الرياضات الأخرى كالتسلق والسباحة. وبما أنني لا أستطيع ممارسة أي نوع من الرياضة الخارجية منذ مارس ٢٠٢٠، قررت العودة إلى ممارسة اليوغا مرة أخرى.
إن كنت ترغب في بدء ممارسة التمارين الرياضية، فمارسها يومياً، في أول ثلاثين يوماً. الذهاب بضع مرات في الأسبوع سيجعل من الصعب تكوين هذه العادة. الأنشطة التي تقوم بها مرة واحدة كل بضعة أيام تكون أكثر صعوبة في جعلها عادات يومية. وكلما كانت عادتك أكثر اتساقاً واستمرارية، سيكون من الأسهل التمسك بها. خصص وقتاً محدداً لممارسة تمارينك الرياضية. لا أعني هنا “ساعةفي اليوم” عائمة هكذا. وإنما ساعة محددة من اليوم، في أول الصباح مثلاً، يومياً، في نفس الوقت، ونفس المكان لمدة ثلاثين يوماً. فعندما تكون الظروف -كالوقت من اليوم والمكان- هي نفسها في كل يوم، فسيكون من الأسهل التمسك بها.
٣/ احرص على تبسيط الروتين الذي تريده
لا تحاول تغيير حياتك بالكامل في يوم واحد. أعلم جيداً كيف أنك تريد أن تصبح النسخة الأفضل منك، مرة واحدة. كنت مثلك في مواقع كثيرة، ومررت بنفس التجربة. هذا الحماس المفرط في تعديل حياتي وتغييرها بشكل كامل. أردت خلال فترة العزل مثلاً إنهاء ٥ سلاسل من الوثائقيات. قراءة كتاب كل أسبوع. تعلم أجزاء كبيرة من التسويق الالكتروني. إنهاء المرحلة الثانية من اللغة الألمانية بواقع ٣ ساعات دراسة. ممارسة اليوغا والتمارين الرياضية كل يوم. زيادة ساعات الصيام المتقطع يومياً… الخ. تعرف ما حدث؟ لديّ ٢٤ ساعة في اليوم فقط. ولست آلة إنجازات متحركة 🙂
مارست اليوغا والتمارين الرياضية يومياً، نعم، ولم أتكاسل سوى عن يومين. مازلت أدرس الألمانية، لكن بواقع ساعة ونصف يومياً. لم أشاهد إلا سلسلة وثائقية واحدة في الشهرين السابقين. ولم أستطع التغاضي عن الشوكولا والطعام الجيد في البيت، بل أنني أصبحت أطبخ يومياً! ولم أنجح في الصوم ٢٤ ساعة إلى الأسبوع الماضي بدون تخطيط طويل..
وهكذا، قِس على الأمر. من السهل الانجراف وراء الكثير من المطامح، وحماسك سيكون مشتعلاً في البداية. لكنه سيخبو في الأيام القادمة، وسترى كيف أنّك حمّلت نفسك أكثر من طاقتك. وإذا كنت ترغب في الدراسة لمدة ساعتين في اليوم، فعليك أولاً أن تستمر لمدة ثلاثين دقيقة والبناء على ذلك.
٤/ ذكّر نفسك من أجل خلق عادات جديدة
قد تسهو يوماً عن أمر خلق عادات جديدة تماماً على الروتين اليومي. ومن السهل جداً أن تنسى ممارسة أي منها بعد يومين أو ثلاثة، أو حتى أسبوعين. أو حينما تجد نفسك محاطاً بالكثير من المهام هذا الأسبوع.. لذلك سيكون من المهم تذكير نفسك بهذه العادات الجديدة التي تريد إدخالها في حياتك. استخدم أدوات التنبيه المختلفة لتذكيرك. ذكرت في تدوينة المذكرة النقطية (Bullet Journal) تجربتي في كتابة اليوميات كيف أنني أستخدمها لتذكيري بالتمارين الرياضية. لديّ قائمة شهرية بنوع التمرين الذي سأمارسه اليوم. إضافة إلى وضع العادات الجديدة كمهام خلال اليوم، فمثلاً، لدي درس اللغة الألمانية ٣- ٤ مرات أسبوعياً. أحدد هذه المهام كل يوم أحد حتى لا أنسى. كما أستخدم تقويم قوقل لتذكيري بهذه العادات أو المهام خلال اليوم. لذلك يظهر تنبيه في الساعة ١١ صباحاً مثلاً يشير إلى ساعة ممارسة اليوغا. تنبيه في الساعة ٣ مساءً، يوم الأربعاء للكتابة في المدونة.. وهكذا.
٥/ ابتعد عن المثالية الزائدة
لا تتوقع نجاح جميع محاولاتك لتغيير العادات على الفور. استغرق الأمر مني محاولات عديدة من أجل الصيام المتقطع. من البديهي أن عليك بذل مجهود من أجل خلق عادة جديدة، كعدم الإفطار في بيئة عمل تحب الأكل! استغرق الأمر من ٥ محاولات مستقلة قبل أن أتمّ تجربة الصيام ٢٤ ساعة كاملة أسبوعياً، وهذا أول أسبوع أتممه بنجاح.
هل تذكر قصة اليوغا التي ذكرتها في الأعلى؟ لم أكلّف نفسي أي نقود منذ الأسبوع الأول. استخدمت ما لديّ وجون من أدوات رياضية، ثم اشتريت سجادة يوغا (Yoga Mat) جديدة بعد أن التزمت لأسبوعين. حين أشعر أن جسدي متعب، أتغاضى عن ممارسة رياضة الرجلين مثلاً. لكنني بالطبع لا أفوّت تمارين اليوم التالي. وفي يوم العيد قلت لنفسي: اه! إنه العيد، سيكون إجازة من أي مجهود بدني إذن. أكون مجهدة أحياناً ولا يمكنني التركيز في الدروس الألمانية. أفوّت درس اليوم، لكنني أدرس درسين في الغد. المهم هو عدم الاستمرار في التكاسل. وأعطي نفسي ٣ مرات إجازة فقط لكل عادة جديدة أمارسها.
٦/ اخلق نوعاً من المصداقية
أخبرت صديقي “هيلتون” عن محاولة ممارسة الرياضة بشكل يومي. وإلى اليوم لازلنا نتحدّى بعضنا في مواقف معينة. نتساعد كذلك في أمور صحية أخرى، كتمارين التوازن. “قيريث” جاري الآخر حاول عدة مرات مساعدتي في تعديل نومي. كانت إحدى الحلول أن يقتحم بيتي ونخرج للمشي كل صباح. مازلت أمارس تمارين تقوية العضلات الأساسية لأني علي تصوير مشاهد بعد بعدة شهور.
وضعت لنفسي تحدياً على منشورات انستقرام. يتمحور حول: نشر مقطع قصير يومياً لتمارين اليوغا. إلى جانب ممارسة الكتابة اليومية كوسيلة خلق عادات الكتابة اليومية. وكان أسلوباً جديداً لتحسين مهارات الكتابة. انتهزت هذه الفرصة بكتابة محتوى قصير مع نشر صورة يومياً على انستقرام لرحلات ٢٠١٩. اعتاد بعض أصدقائي هناك على رؤية المقاطع يومياً. آخرون سألوني عن البرنامج الذي أتبعه. أحدهم تحمّس أيضاً، وبدأ نشر مقاطع ممارسة اليوغا يومياً. دفعني هذا الأمر إلى الالتزام يومياً، وحتى ثلاثين يوماً. هي مدة البرنامج الذي كنت أتبعه، والذي كان مصادفة العدد المطلوب من أجل خلق عادة جديدة في الروتين اليومي.
٧/ جرّب أولاً
مررت بمراحل عديدة لأي أسلوب حياة جديد أتبعه. أجرّبه أولاً لأسبوع، أسبوعين، شهر. أستمرّ فيه إن لاحظت تغيراً إيجابياً في حياتي. مثل تجربة التخفف؛ بدأتها منتصف عام ٢٠١٦ على ما أعتقد. قمت ببعض التعديلات على أسلوب حياتي في عام ٢٠١٧، وأصبحت لديّ خزانة سعيدة. ثم استمرّ الأمر بالتخفف أكثر عام ٢٠١٨. هذا الاستمرار ما كان ليحدث لو أنني قفزت مباشرة إلى التخلص من كل ممتلكاتي دفعة واحدة.
اتبعت نفس الأسلوب هنا عند لإضافة هذه العادات الجديدة في حياتي. كل شيء أضيفه أو أنقِصه من حياتي هو مجرد تجربة. حياتي كلها بطولها وعرضها وعلاقاتي مع الناس والحياة هي في الحقيقة تجربة. ممارسة العادات الجديدة أيضاً تجربة. الكتابة في المذكرات النقطية كانت تجربة شخصية، لم أكتب عنها إلا بعد ثباتي عليها ومرور ثلاثة أشهر. نمط الحياة الجوهرية كانت تجربة أيضاً. كتبت عنها بعد استمراري عليها ومرور سنة كاملة، بما أنها أمر متشعب للغاية. لا تحكم على أي عادة جديدة في الروتين حتى يمرّ وقت كافٍ من ممارسة العادة. وبما أنها تجربة، فليس من الضروري أن تنجح التجارب دائماً. قد تكون هذه العادة أو التجربة غير مناسبة لأسلوب حياتك. ولا يعني الأمر أن عليك تشكيل حياتك بالشكل النموذجي دائماً. كل التجارب تنتهي بنتائج مختلفة، وهذا ما سيعطيك منظوراً مختلفاً حول تغيير العادات اليومية.
٨/ خطط لهذه العادات الجديدة
كتابة خطة قصيرة لهذه العادات أمر مهم. لا يهم أين تكتبها أو تضعها. تجعلك الكتابة ترى أفكار ك أكثر وضوحاً، وتصبّ تركيزك على النتيجة النهائية.
تعلّم الألمانية ذاتياً مثلاً يتطلّب قليلاً من الجهد. لا أحب الاعتماد كلياً على التعليم من المعهد على الرغم من أنه ممتاز. تهمّني الاستزادة دائماً ومعرفة أكثر مما يدرسوننا. هدفي من تعلّم الألمانية هي إتقان لغة جديدة، وإضافتها إلى قائمة اللغات التي أجيدها. ستساعدني إجادتها الآن كذلك في اختبار اللغة الألمانية. لذلك وضعت لنفسي خطة ربع سنوية للوصول إلى هذه النتيجة. تتمحور حول:
- دروس يومية لمدة ساعتين عند بُعد لدى المعهد.
- ثلاث دروس من التعليم الذاتي أسبوعياً، ساعة في كل يوم.
- مشاهدة الأفلام أو المسلسلات بالترجمة الألمانية، وقراءة الترجمة.
- الاستماع إلى الأغاني الألمانية وقراءة الكلمات.
- الاستماع إلى البودكاست بالألمانية عن السفر عند ممارسة أي عمل لا يتطلّب مجهوداً.
لا يهم أين تكتبها، فقط اجعل هذه الخطة مرئية أمامك. ضعها على مكتبك إن كنت تستخدم لوحة للكتابة. أو ضعها على الثلاجة لتذكّرك بالخيارات الصحية من الطعام. دوّنت هذه الأهداف وأهداف خلق العادات الجديدة الأخرى في مذكرتي النقطية. وأعود إليها أسبوعياً لأقيّم نفسي.
٩/ اعرف النتائج المترتبة على الروتين الجديدة:
ممارسة اليوغا بالنسبة لي تتطلّب أجواء هادئة على الأقل. لذلك أفضّل ممارسته بعيداً عما يشتت ذهني. التمارين الرياضية لا تحتاج إلى أدوات، لكنها لا تزال مرهقة، أمر طبيعي! الكتابة اليومية من شأنها تسهيل عملية خلق الأفكار للعملاء. الابتعاد عن المنتجات البقرية واللحوم الحمراء يعني أنني لن أضطر إلى تناول دواء عسر الهضم. من المهم معرفة فوائد العادات الجديدة والتغييرات. اقرأ عن فوائد التعلّم المستمر للدماغ والذاكرة. لاحظ أي تغيرات في مستويات اللياقة أو الطاقة بعد اتباع نظام غذائي جديد. تخيل الحصول على درجات أفضل بعد تحسين عاداتك الدراسية.
من المهم أيضاً معرفة النتائج السلبية لما ستقوم به. يجب أن تكون على دراية بعواقب الروتين الجديد. أحتاج إلى سجادة اليوغا (Yoga Mat) مثلاً، وهذا يعني حملاً آخر في حقيبتي. أضيف إلى الروتين الصباحي أمران جديدان، الرياضة والكتابة في المذكرات، ثم دروس اللغة مساءً. هذا يعني أن الوقت الذي سأقضيه في التسكع على يوتيوب أقل! حينما بدأت نمط الحياة الجوهرية مثلاً، تخلّصت من علاقات بشرية كثيرة، ووضعت جداراً خفيفاً مهمته الحفاظ على وقتي وتركيزي. لا أعتبر كل هذه الأمور سلبياتٍ أبداً، فهي بالعكس تحسّن نمط حياتي.
ليس من الصعب خلق تكوين عادة جديدة. السر يكمن في الارتباط بهدف مهم، وممارسة هذه العادات بشكل يومي واستخدام سلسلة من الالتزامات الصغيرة لزيادة احتمالية النجاح. كيف كانت تجربتك في بناء عادات في الماضي؟ هل واجهت أي تحديات أو عقبات معينة؟
لا تعليق