أوبود جزيرة بالي إندونيسيا

أوبود جزيرة بالي إندونيسيا


كانت الزيارة الأولى إلى جزيرة بالي في إندونيسيا قبل عدة سنوات. كنت في رحلة سياحية قصيرة لم أرَ منها سوى مزرعة القهوة Coffee Luwak. وأعتقد أنني أنهيتها بغداءٍ في مطعم مطلّ على مزارع الأرز. هذه المرة في ٢٠١٧، قضيت خمسة أيام كاملة في منطقة أوبود فقط. ورأيتها بعينٍ مختلفة، كما تستحق. وبطريقة تختلف تماماً عما اعتاده السائح العربي. أردت هنا أن أسترخي بالكامل، بعيداً عن زحام كوالالمبور.

أوبود جزيرة بالي إندونيسيا

إندونيسيا.. مصافحة ثانية!

كنت أعلم منذ زيارتي الأولى أنّ شيئاً ما يدعوا إلى الراحة في جزيرة بالي في إندونيسيا. شعور مختلف يظلل المكان ويبعث على السكينة. استشعرتها أكثر هذه المرة بما أننا لم نكن في نوسا دوا، أو كوتا الخانقة بالسوّاح والزحام. قد تكون أوبود غارقة بالسواح في أجزاء كثيرة منها، لكنها أخفّ من تلك المناطق. قررت زيارة أوبود هذه المرة دون البحث عن أهم المزارات فيها. ظننت أنني أعرفها من زيارتي الأولى. كانت أجندة مختصرة، مجرد المشي في شوارعها، وربما رحلة قصيرة ليومٍ واحد إلى شاطئ قريب.

أوبود جزيرة بالي إندونيسيا

جزيرة بالي – الثلاثاء ١٧ أكتوبر

وصلت في رحلة متأخرة (كالعادة) من مطار كوالالمبور الممتلئ بمجموعات السوّاح الصينيين في كل بقعة منه. آثرت حمل حقيبتي اليومية مذ بدأت المشي يومياً كتحدٍ آخر، السفر القصير بأخفّ مما يكون. حزمت حقيبة أصغر من المعتاد في سفرياتي لتحوي: ٧ قطع ملابس، أدوات للعناية الشخصية (toiletries)، كتابين (استغنيت عن إحداهما في الأخير)، شبشب، و Sarong ليكون وشاحاً أو غطاءً لما بعد السباحة. رفيق الرحلة القصيرة إلى أوبود في جزيرة بالي في إندونيسيا هذه المرة كان مرسى فاطمة للصديق حجي جابر، كعادة جديدة بدأتها مع هذه الرحلة، بأن أجلب معي قطعاً من أصدقائي وأستودعها في أحب الأراضي إليّ.

أوبود

أوبود – الأربعاء ١٨ أكتوبر

أخبرني هاني أننا سنمشي بداية اليوم إلى حديقة أو مرتفعٍ ما. كان يوماً مطيراً كعادة إندونيسيا. بدأناه بين تلك اللحظات التي يخفّ فيها المطر لعشر دقائق حتى ينهمر مرة أخرى. اتخذنا مساراً صغيراً بين البيوت الشعبية الصغيرة، وسرنا حُفاة.

لا أجمل من ذلك الشعور الذي تلتقي فيه قدماك بأرضية مبللة، وكأنّك تتعرف للمرة الأولى إلى المشي خارج البيت دون أي شيء. ودون أن يحول بين جلدك والعالم شيء آخر. الأرضية المبللة الباردة، الوقوف ملتصقين بجدار بيتٍ ما بعد اشتداد المطر. الطين المتكوّن على أطراف الممرات، ثم الجميع حولنا والذين يمرّون إلى جوارنا. وينظرون إلينا مباشرة -إن لاحظونا- كمجنونين يسيران في أوبود.

بعد أن قطعنا شوارع صغيرة ومررنا بأماكن أخرى، انحرفنا إلى ناحية من منعزلة من القرية. مسارات صغيرة تبدأ بصوتٍ قوي للماء الآتي من منحدر يبدو أنه شلال أو نهر جاري. أصبح المشي أسهل هذه المرة مع حجارة أقل، وطينٍ وحشائش أكثر. في ممشى Campuhan Ridge path صعدنا هضبة مطلّة على مزارع أرز وأشجار أخرى لا أعرف أسماءها. السحب المنقشعة للتّو، والأجواء التي المنعشة بعد توقف المطر. هدوء لم أعهده من قبل.

أوبود جزيرة بالي إندونيسيا

مفاجأة هاني..

فوجئت أننا بعد المشي ذلك سنقيم في فيلا بمسبح خاص، مكان ما أكثر انعزالاً وهدوءاً في جزيرة بالي. أقرب إلى الطبيعة، وأقرب إلى الغابة التي كنت أتخوّف منها كثيراً. حجزه هاني من موقع Airbnb. مدهش أن تجلس في مكان ما ولا تسمع أي شيء سوى أصوات طيور، وحشرات لا تراها. كنت أظنّ الغابة في أوبود هادئة وصامتة. لكنها غابة استوائية في إندونيسيا ممتلئة أصواتاً. معزوفة وراء أخرى وكأنها أوركسترا مدروسة. تبدأ مجموعة وينتهون معاً بصوتٍ متناغم من نقطة ما في الغابة، لتردّ عليهم مجموعة أخرى في الجهة المقابلة.

يُظلم المكان بالكامل في الليل. لا نرَ في الخارج سوى أضواء بعيدة، وسماء غير مظلمة بالكامل. ماتزال المعزوفات قائمة بعيداً. أذكر أنني علّقت مرة: تخيّل! لم نشغّل أي موسيقى هنا. صوت الطبيعة ممتع، ويكفي. تجربة جديدة أخرى؛ النوم بنوافذ مشرعة بالكامل في جزيرة بالي. بالأصح، جدار كامل لم يكن متواجداً في العلّية، حتى الستائر كانت مُشرعة.

جزيرة بالي - إندونيسيا كما لم أرَها من قبل

جزيرة بالي – الخميس ١٩ أكتوبر

تبدأ المعزوفة متدرّجة منذ الرابعة والنصف أو الخامسة. تشتدّ وتعلو مع أول خيوط الشمس. كنت أصحو بلا منبّه، وعلى أصوات أجمل في جزيرة بالي. أصواتٌ أجهل أي حيوانٍ أو حشرة تُصدرها. لون السماء الذي يتغير تدريجياً مع ارتفاع الشمس كل دقيقة كمنظر سيريالي. أراقبها من مكاني مع هواءٍ خفيف يعبُر المكان. هذا إذاً ما يسمّونه نسماتِ الصباح!

سِرنا في شوارع أوبود إلى أماكِن زارها هاني من قبل، نزولاً إلى التي تعجّ بأكبر عدد من السوّاح. كل زاوية في القرية تحكي قصة، كل ركن فيها لوحة فنّية تتسامق فيها الطبيعة مع الأعمال اليدوية المحلية. محلات الفضة والأحجار، محالّ المنسوجات. أركان الفنانين الذين يصنعون لوحاتٍ بديعة. مجسمات من خشب الماهوجني. إحداها كان بيضاً مفرّغاً يرسمون خارجه أشكالاً ورسومات مستوحاة من حياتهم. بعد المشي ساعاتٍ تحت الشمس، توقّفنا عند Tukies محلّ صغير مخصص لمنتجات جوز الهند. كل شيء يُباع فيه أصله من جوز الهند. سكّر، زبدة، زيوت، كعك وحلويات.. والأهم، آيسكريم آتٍ من الجنة.

جزيرة بالي - إندونيسيا كما لم أرَها من قبل

أوبود – الجمعة ٢٠ أكتوبر

فكرة أخرى أبهرتني عندما حكاها لي هاني من قبل. 9Angles كمطعمٍ صغير تغذّي فيه روحك وجسدك معاً. يقدّم وجباتٍ نباتية مسعّرة مسبقاً. كل ما عليك هو حساب قيمة ما أكلت ووضعه في الجرّة الزجاجية الصغيرة على الطاولة. في ركنٍ منه؛ كتب تُرِكَت ممن زاروها سابقاً لمن يريد استعارتها أو أخذها بمقابل أو بدون. وفي ركن آخر ملابس تُركت لمن يحتاجها. هناك مَن يتركون أعمالهم اليدوية ومنتجاتهم بأسعار رمزية. لكَ أن تترك قيمتها في الجرة ذاتها.. جزء آخر كبير من المكان لمن يريد التدرّب على آلة موسيقية معينة أو يعرض شيئاً من معزوفاته.

Booking.com
جزيرة بالي - إندونيسيا كما لم أرَها من قبل

جزيرة بالي – السبت ٢١ أكتوبر

إحدى الصباحات المُنعِشة خلال الرحلة، مع الشمس التي توقظنا عِوضاً عن المنبّهات. قهوة الصباح في ركنٍ هادئ من البيت مطلٍ على الغابة وكأنك جزء منها. الرحلة القصيرة إلى إحدى شواطئ جزيرة بالي التي أردتها بكلّ مافيّ لم تحدث. يحدث كثيراً ألا يقبل سائقوا التاكسي الذهاب إلى مسافات أبعد من نصف ساعة. أو أن يفاوضك سائقوا Uber وGrabCar بأسعار أكثر مما يضعه التطبيق.. قررنا المشي مرة أخرى في الشوارع التي لم أرها، ثم آيسكريم Tukies مرة أخرى.

جزيرة بالي - إندونيسيا كما لم أرَها من قبل

إندونيسيا – الأحد ٢٢ أكتوبر

بين الصباح الهادئ لليوم الأخير لي في جزيرة بالي، والخطط التي لم تحدث، كان يوماً أقصر من أن يحدث فيه أي شيء. يوماً ما سأعود هناك مرة أخرى، لمدة أطول. فخمسة أيامٍ لم تكن كافية لاستيعاب أوبود بأكملها. ورؤية كل شيء جميلٍ في هذا الجزء من جزيرة بالي. القرية بطيئة، يسير كل شيء فيها ببطء لم أعهده في زحام كوالالمبور وعجلتها. من الممكن أن تسير مسافاتٍ ومسافاتٍ بغير هدى وتتوقف ساعات في ركنٍ ما لأنّ شيئاً ما يدعوك إلى ذلك.

خلال سيري؛ فاجأتني كمية المنادين بـ”تاكسي” في كل زاوية. يحدث أن تسير عشر خطوات وتسمعها ثلاث مراتٍ على الأقل! لم يكن هناك وقت كافٍ أقضيه لجلسات اليوغا التي عُرف بها المكان، وتنتشر فيه بكثرة مقارّ له. أغلب ما رأيت مخصص للسوّاح وغير المحليين بالطبع. كان يكفيني خلال الرحلة جلسات التأمل التي استطعت عبرها التغلغل إلى ذاتي.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

5 تعليقات

  • تدوينه جميله جداً أتمنى منك تدوين كل رحلاتك لنستفيد منها

  • […] أمتلك صندوق صغير يحتوي على العديد من الرسائل والبطاقات التي تلقيتها بخط اليد حتى الأظرف الفارغة بعناوينها التي قد يكون أصحابها انتقلوا منها أو هجروها، أحب خط اليد ويعني لي الكثير أن يكون تواصلنا مكتوب ورغم أن خطي ليس جيد أو كما تقول والدتي خطك يشبه كروت دعوات الزواج ” لحجمه الكبير وزخرفته ” ?  لكن أحاول أن أكتب دوماً لصديقاتي أن أخبرهم بطريقتي أن تواصلنا هذا يعني لي الكثير،  وحزينة أنني فقدت رسائلي  التي كنت أكتبها لجارتنا في مرحلة المتوسط ولا أعلم أين أختفت هذه الرسائل على الرغم من بساطتها لكنها شكلت جزء جميل من حياتي،  كانت من عادتنا أن نكتب أسبوعياً رسائل ونهدي بعض الملصقات أو مجلة ماجد إذا صادف أن توفر لدى إحدانا العدد مبكراً قبل الأخرى ، كبرت الآن ومازالت سعادتي بنفس الحماس في كل مرة أستلم رسالة اتأمل الطابع البريدي ورائحة الأوطان التي عبرتها الرسالة  نحن أبناء الجوازات والحدود الممنوعة نهتم بكل التفاصيل العابرة حتى لو كانت نقطة حبر جافة على طرف الورقة!  ، و آخر رسالة استلمتها كانت بطاقة بريدية دافئة من أسماء في رحلتها الأخيرة إلى  Ubud […]

  • إبداع الوصف حسيت بالمشي حافي معكم!
    فكري في الروايات أسما
    ممكن موقع المنزل على airbnb ؟
    شكرا مقدما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *