الإطلالة على جبل كلمنجارو من موشي تنزانيا


تعتبر موشي، وهي مدينة تقع في المنطقة الشمالية من تنزانيا، وجهة استثنائية للزيارة. مزيجها الفريد من المناظر الطبيعية الحضرية والريفية يجعلها مكاناً هادئاً وممتعاً للاستكشاف. ستجد في هذه المدينة السياحية الصغيرة كل ما تبحث عنه. من جبل كليمنجارو المهيب إلى السكان المحليين الودودين والمرحبين، وبالطبع، هناك الكثير من  المغامرات والأنشطة الأماكن التي يمكنك استكشافها! فبعد أن قضيت أسبوعاً هادئاً جداً وعشت الحياة القروية المثالية في كيلوا ماسوكو. إنها نهاية عام ٢٠٢٢، وأردت أن أحتفل ببداية ٢٠٢٣ بطريقة مختلفة، على قمة كلمنجارو مثلاً! قلت لنفسي، استمتعي بأجواء المدينة المبهرة بتراثها وتاريخها ومزيج الثقافات. إنها مكان رائع للاسترخاء والاستعداد قبل مغامرة كلمنجارو أو رحلات السفاري، والقهوة اللذيذة.

وصلت موشي في رحلة برية طويلة، انطلقت من دار السلام. كانت رحلة جيدة، طويلة – نعم، ولكنها كانت مريحة إلى قدر ما. نزلت في المحطة العامة، ومن هناك، اخترت سائق توك-توك كبير في السن، لحسن حظي كان يتحدث الإنجليزية.

كيف اخترت المدينة الأفضل للعيش في أفريقيا

لماذا اخترت موشي؟ 

تعتبر مدينة موشي ثاني أكبر مركز سياحي في تنزانيا، وهي عاصمة منطقة كلمنجارو والمكان الذي تبدأ منه معظم مغامرات كليمنجارو. تم بناؤها في أوائل القرن التاسع عشر على يد المستعمرين الألمان في أفريقيا، وهي تتمتع بتاريخ غني ومضطرب يستحق المعرفة. وعلى الرغم من أنه نادراً ما يُنظر إلى موشي كوجهة سفر في حد ذاتها، إلا أنّ المهتمين بمعرفة المزيد عن الثقافة السواحيلية يجب عليهم بالتأكيد التفكير في زيارتها. فيما تعد العديد من المقاهي المحلية مكاناً مناسباً لإلقاء نظرة على المطبخ التنزاني، بينما تعد متاجر موشي للتحف الفنية من بين أفضل الأماكن في المنطقة لشراء الهدايا التذكارية.

مدينة موشي في تنزانيا هي أيضاً المكان الذي تبدأ منه معظم الرحلات اليومية في كلمنجارو. لذا، بغض النظر عمن أنت – من عشاق الطبيعة أو من عشاق الثقافة، فإن موشي هي بالتأكيد أفضل مكان لبدء استكشاف البلاد. إنها وجهة رائعة ومثالية للمسافرين الباحثين عن تجربة لا تُنسى. تحيط بها الجبال والنباتات الخضراء، وهي المكان المثالي للذين يتطلعون إلى الاسترخاء واستكشاف الجمال الطبيعي لتنزانيا.

وأفضل وقت لزيارة موشي هو من فبراير إلى أبريل أو من سبتمبر إلى أكتوبر. خلال هذا الوقت، يكون الطقس أكثر جفافاً وبرودة مما يجعله الوقت المثالي لاستكشاف عجائب موشي الطبيعية الساحرة. بالطبع، إذا كنت تفضل الطقس البارد، فإن الرحلة خلال فصل الشتاء تعد أيضاً خياراً رائعاً.

كيف قضيت أيامي في موشي تنزانيا

كيف قضيت أيامي في موشي

لنتّفق على شيء واحد، لم أزر تنزانيا من أجل رحلات السفاري، ولا الرحلات السياحية المعتاد عليها. وإن كنت تعرف أسلوب سفري جيداً، فمن الطبيعي أن تدرك ذلك. وهذا ما جعلني أختار مناطق في الأساس غير سياحية من الدرجة الأولى، وغير مزدحمة أيضاً. وحرصت بطبيعة الحال أن تكون الأنشطة غير سياحية كاملة.

أهم ما يميز الوجهة بالنسبة لي دائماً هو الأشخاص الذين أقابلهم. في هذه الحالة، كان التحدث مع المحليين، مثل المرشدين الذين استعنت بهم بعض الأيام، مدير الفندق، وحتى سائقي توك-توك. أحب الاستماع إلى قصة حياة شخص ما والتعلم من وجهة نظره المختلفة والفريدة من نوعها.

وفي الحقيقة، لقد صوّرت لي سنين المدرسة في الثمانينات ثم الإعلام، أن أفريقيا ليست إلا مكاناً لحيوانات السفاري. ناهيك عن حملات التبرعات التي تصور القرى الفقيرة تعاني من المجاعة والأمراض، فيما يعيش أهلها في أكواخ مبنية من الطين. ورغم أن الفقر ينتشر في أجزاء من تنزانيا وأفريقيا، كما هو الحال حتى في أغنى بلدان العالم، فإن هذه الصورة لماهية أفريقيا أبعد عن الحقيقة. ففي إحدى لقاءات البودكاست مع شباب ماليزيين وغيرهم، سُئلت عدة مرات عن سبب قضاء عدة شهور في تنزانيا. بضعهم في الحقيقة لا يعرف أي شيء عن أفريقيا، والسؤال المتكرر عن الأمان ووسائل الراحة. والمضحك أكثر، سؤالي ما إذا كنت سأشعر بالملل من التواجد في أفريقيا لفترة طويلة من الزمن. وفي الحقيقة، هناك الكثير للقيام به في جميع الدول التي زرتها، بالإضافة إلى رؤية الحيوانات الجميلة.

التسكّع في موشي القديمة

يبدأ كل شيء من موشي القديمة. بعد تأسيسها، اضطرت السلطات الاستعمارية الألمانية إلى إعادة بناء المدينة بالقرب من السكك الحديدية لتسهيل نقل البضائع. ومع ذلك، فقد فشلوا في قمع ازدهار الثقافة المحلية.

تعد مدينة موشي القديمة مهد حضارة تشاجا. سترى هنا العالم السواحيلي في أبهى صوره بأسواقه المزدحمة والباعة المتجولين، والسكان المحليين الذين يدردشون ومقاهي الشواء الأصيلة. إنه مكان يجب زيارته لمحبي الثقافة والتاريخ. فآثار التاريخ التي لا تمحى في كل مكان هنا، ويمتزج الماضي الاستعماري المحافظ مع الحاضر الديناميكي. تسير النساء التنزانيات بملابسهن التقليدية، بينما ترى شباب الراستا بضفائرهم، ورجال الأعمال الذين يرتدون البدلات، والكهنة التبشيريين يرتدون الجلباب، كل ذلك مع الهندسة المعمارية الاستعمارية، والمباني الحديثة والخضرة المورقة في الخلفية. وهذا ما يجعلها مكاناً استثنائياً للمصورين.

ويلعب ارتفاع المدينة دوراً مهماً في مناخها وأجواءها العامة. على هذا الارتفاع المعتدل، تتمتع موشي بمناخ لطيف ومعتدل طوال العام. تميل درجات الحرارة في موشي إلى أن تكون أكثر برودة مقارنة بالمناطق المنخفضة في تنزانيا، مما يعطيك ملاذاً منعشاً من الحرارة المرتبطة عادة بأجزاء أخرى من البلاد. حرصت في كل مرة أتنقل في المدينة أن أصوّر كلمنجارو وكيف تبدو من تلك الزاوية.

زراعة القهوة في موشي تنزانيا

شُرب الكثير من القهوة 

تشتهر موشي بثقافة القهوة الغنية وبعض أفضل أنواع القهوة في العالم! هناك مجموعة متنوعة من جولات القهوة المحلية التي يمكنك القيام بها، والتي تساعد في دعم المنتجين المحليين وتتضمن تعلم المزيد عن عملية صنع القهوة، بدءاً من زراعة الحبوب وحتى زراعة شجرة القهوة. في هذا اليوم العطري والممتع، أعددت فنجان القهوة بالطريقة الصحيحة، وتعلمت سر فنجان القهوة المثالي من شعب شاجا المحلي.

تبدأ المغامرة الصغيرة بالقيادة من موشي أعلى المنحدرات الخضراء لجبل كليمنجارو إلى قرية ماتيروني. تقع على ارتفاع ١٨٠٠ متراً، والذي يعني أجواء معتدلة طوال العام. تعد هذه المنطقة مزرعة السوق المحلي، وتتمتع بمزيج مثالي من المناخ والتربة لإنتاج بعض من أفضل أنواع القهوة في أفريقيا. وفي هذا اليوم زرنا مزرعة قهوة، وتعرفنا على كيفية زراعة القهوة وحصادها ومعالجتها، وجربت مهاراتي في التحميص وإعداد فنجان قهوة طازج على طريقة تشاجا. هذه الجولة غير طويلة أبداً، ويمكنك بطبيعة الحال ضمّا إلى رحلة قصيرة إلى شلال ماتيروني في نفس اليوم.

الانغماس في الطبيعة شلال ماتيروني

الانغماس في الطبيعة

كان السبب الرئيسي لزيارة موشي هي الاستعداد لتسلق جبل كلمنجارو المثير للإعجاب، والوصول للقمة في ساعات ٢٠٢٣ الأولى. ولكنني للأسف مرضت قبل موعد الرحلة (٣١ ديسمبر) بيومين، ونصحني القائمون على الرحلة بتأجيلها لموعد آخر. ولكن، لا يعني هذا أنني لم أستمتع برحلات المشي أو التسلق الأخرى. كان عزائي الوحيد أن بإمكاني رؤيته من كل مكان تقريباً في موشي ويشكل خلفية مذهلة. قضيت بقية الأيام أتسكع في الطريق حينما أستريح من العمل أو الكتابة.

زيارة شلال ماتيروني

تقع قرية ماتيروني الجميلة في سفوح جبال كليمنجارو الرائعة، وهي موطن أصدقائنا في تشاجا وتشتهر بقهوتها العطرية الغنية. بعد جولة القهوة، وتعلم كيفية صنعها، سرنا في الطريق القصير بمسافة ٤٥ دقيقة، إلى شلالات ماتيروني. وإن كنت تشعر بحرارة الجو، يمكنك الوقوف تحت المياه وهي تتدفق إلى حوض سباحة هادئ وآمن للاستحمام. وفي الحقيقة، لا يوجد شيء أكثر هدوءاً من الطفو في المياه الباردة

مررنا عبر مزارع الموز والبن، والوديان الصغيرة صعوداً وهبوطاً، وعبر التلال ومن خلال مجاري المياه الضيقة. على طول الطريق، علّمنا المرشد عن النباتات المحلية وكيفية استخدامها في الغذاء والطب التقليدي. وكان يشرح بإسهاب ممتع حول ثقافة تشاجا المحلية. في هذه الرحلة بالذات، ستسمع صوت الشلالات قبل أن تراها، وبمجرد ظهورها. وفي الحقيقة، قد تكون محظوظاً بما يكفي لرؤية قوس قزح حيث تقسم المياه المتناثرة ضوء الشمس. تقع الشلالات في وادٍ نقي مع منحدرات شاهقة يصل ارتفاعها إلى ٢٠٠ قدم. تتساقط مياه الجبل مباشرة على شكل ستارة متلألئة لتتناثر في حوض السباحة المتموج، حيث يمكنك أن تطفو وتسبح وتسترخي. هذه المياه الجبلية نقية ،منعشة، ولم تسخنها الشمس بعد.

السكن في Mkoani Homestay موشي تنزانيا

السكن في موشي

عليك أن تفهم أن الصور المنشورة على بوكينغ أقل مصداقية مما هي عليه في خرائط جوجل مثلاً، وعليه، يجب ألا تغرّك الصور! لذلك اخترت السكن في Mkoani Homestay، وهو مسكن محلي بسيط جداً، بما أنني سأمكث هنا أسبوعاً أو يزيد. يتميز Mkoani Homestay بإطلالات على الحديقة، وصالة مشتركة يمكنك فيها لقاء مسافرين آخرين. أو يمكنك استئجار غرفة بحديقة خاصة، تمنحك الكثير من الخصوصية والهدوء. كما يضم بيت الضيافة هذا مطبخاً مشتركاً، أعدّ فيه إفطاري بينما رأيت عدداً من الرحالة يطبخون وجبات بسيطة هنا. ستجد أيضاً مدفأة في الهواء الطلق، وهو ما يجعلها المكان المثالي لتبادل الحديث، والاستمتاع ببعض الدفء.

هناك خيارات أخرى اقترحها وجرّبها عدد من الأصدقاء مثل:

  • Karibu Africa Home، والذي تمنيت لو أنني وجدته قبل الفندق الأول وسكنت فيه.
  • Chanya Lodge لا أعرف عنه الكثير لكن صديقاً اقترحه لي
  • وإن كنت بميزانية محدودة جداً، وتريد أن تبقى بين الأشجار، فهوستيل Mountain Bikes House هو المكان المثالي!
Booking.com

لقد حاولوا سرقتي في موشي!

ستجد في موشي وتنزانيا بشكل عام بيئة ترحيبية وودية للمسافرات المنفردات. تشتهر المدينة بكرم ضيافتها وعدد كبير من السياح لأنها بوابة جبل كليمنجارو. ونظراً لأنها لا تزال دولة نامية، يجب توخي الحذر خاصة في الليل وفي المناطق الأقل ازدحاماً. تجنب ارتداء المجوهرات ، وحمل الحد الأدنى من النقود في متناول اليد. كما يُنصح أيضاً بشدة باحترام العادات المحلية وارتداء ملابس محتشمة لتجنب جلب الأنظار بطريقة مزعجة.

على الرغم من أن موشي بشكل عام ببيئة آمنة للسائحين، إلا أن الجرائم الصغيرة كالنشل أو خطف الحقائب في الأماكن المزدحمة ليست غريبة أبداً.

كانت هذه المرة الأولى التي أتعرّض فيها للسرقة في أفريقيا، وكانت صدمة مُفزعة. لا تنتشر هنا مكائن الصرّاف، وأقربها للفندق كان على مسافة ربع ساعة مشياً. خرجت من المبنى الذي يضمّ السوبرماركت ومحلات أخرى، وفي الخارج مكينة لسحب النقود، سرت بعدها إلى مقهى صغير أحبه. كنت أسير في الطريق العام، حاملة كيساً قماشياً به بعض المشتريات، كنت حذرة طوال الوقت. تمرّ الدراجات النارية كثيراً في هذا الشارع، بالإضافة إلى السيارات وعربات توك-توك، ولم ألق بالاً لأي منها. حينما حابيت مدخل جهة حكومية، اقتربت مني دراجة نارية، عليها شخصين، وظننت أنهما متوجهان إلى الداخل. ولكنهم توقّفا، وانعطفت الدراجة نحوي، فيما الراكب في الخلف يحاول جذب حقيبتي. تنبّهت للأمر، وصرخت عليه شاتمة، ما جعلهما يتركانني.

بقيت واقفة، مصدومة، وخائفة. وما أزعجني أكثر أن الشارع به الكثير من المارة والسائقين، وفي الرصيف المقابل رجال يشاهدون من بُعد، فقط!

ما بعد موشي

تركت موشي لزيارة أروشا، وقضاء بعض الوقت فيها، لم يكن فيها شيء يُذكر في الحقيقة. ومنها انطلقت إلى جزيرة زنجبار، والتي سمعت عنها الكثير وأريد أن أعيش فيها لأجل غير مسمى.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

1 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *