لوانغ برابانغ (Luang Prabang)، العاصمة الملكية -قديماً- لدولة لاوس. المحطة الخامسة من رحلتي في دول جنوب شرق آسيا. المدينة الصغيرة الهادئة الوادعة التي سلبت قلبي بوجودها على نهر ميكونغ العظيم. وصلت إليها عبر القارب البطيء، والذي تحدثت عنه في التدوينة السابقة. كان من المقرر ألا أقيم فيها إلا يومين، لكنني وجدت نفسي أمكث فيها ٤أيام. ربما كان وجودي لمدة يومين طويلين على القارب هو ما جعلني أبحث عن مكان ثابت أكثر هدوءاً، وهذا ما وجدته فيها. لوانغ برابانغ ساحرة على الرغم من صغر مساحتها نوعاً ما، أو بالأصح المنطقة السياحية فيها. لكنها في الحقيقة أكبر مما كنت أتخيل، وهناك الكثير مما يمكن رؤيته فيها.
ما الذي تشتهر به لوانغ برابانغ (Luang Prabang)
بترجمتها الحرفية من لغة لاوس تعني حرفياً “صورة بوذا الملكي”. وهي مدينة تقع في شمال وسط لاوس. تتكون من ٥٨ قرية مجاورة، ٣٣ منها تضم موقع اليونسكو للتراث العالمي لبلدة لوانغ برابانغ. وقد أدرجت في ١٩٩٥ للتراث المعماري والديني والثقافي الفريد “بشكل ملحوظ”، وهو مزيج من التطورات الريفية والحضرية على مدى عدة قرون. بما في ذلك التأثيرات الاستعمارية الفرنسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
يتكون وسط المدينة من أربعة طرق رئيسية ويقع على شبه جزيرة عند ملتقى نهر نام خان (Nam Khan) ونهر ميكونغ (Mekong). تشتهر لوانغ برابانغ بالعديد من المعابد والأديرة البوذية. في كل صباح، يسير مئات الرهبان من مختلف الأديرة عبر الشوارع لجمع الصدقات. فيما يعد جبل فوشي (Mount Phou Si) أحد المعالم الرئيسية بالمدينة، وهي تلة شديدة الانحدار على ارتفاع ١٥٠ متراً. وبها درج شديد الانحدار يؤدي إلى ضريح وات تشوم سي (Wat Chom Si). كانت المدينة في السابق عاصمة مملكة تحمل الاسم نفسه. كما كانت معروفة باسم تشيانغ ثونغ (Chiang Thong) في زمن قديم. اعتبرت لوانغ برابانغ العاصمة الملكية ومقر حكومة مملكة لاوس، حتى استولى الشيوعيون عليها في عام ١٩٧٥.
شلالات كوانغ سي (Kuang Xi) في لوانغ برابانغ
هي شلال بثلاث مستويات، تشتهر بها مدينة لوانغ برابانغ (Luang Prabang) ولا يمكن تفويتها. تقع على بعد حوالي ٢٩ كيلومتراً جنوب لوانغ برابانغ. وهي الوجهة الأساسية للسواح وزائري لوانغ برابانغ. عند دخول الشلالات ستلاحظ وجود بِرَك ضحلة للسباحة، يكون لونها فيروزياً غالباً في مواسم الجفاف. من المفضل مواصلة السير والصعود للأعلى. ستجِد المسار مرتّباً في بدايته بسلالم صغيرة سهلة، ثم تتدرّج صعوبة الصعود تدريجياً. مع ذلك، تعتبر من أسهل الشلالات التي صعدتها خلال رحلتي حتى الآن. خلال صعودك للأعلى، ستجد مناطق للتوقف وتصوير الشلال. كانت هذه المفضلة بالنسبة لي خاصة وأن زيارتي لها كانت في موسم الأمطار، ما يعني كثرة المياه في الشلالات. ولم يكن يهمني في الحقيقة أنها فقدت اللون الفيروزي.
كيف وصلنا إليها؟
انطلقنا إلى الشلالات في التاسعة صباحاً تقريباً بما أنها تبعد حوالي ساعة عن وسط المدينة. كنا ٤ أفراد، فكان من الجيّد استئجار سيارة محلية (songthaew) التي تشتهر بها لاوس. كان اتفاقنا ٢٠٠ ألف كيب لكامل الرحلة مع انتظار ساعات. فيما كانت رسوم الدخول ٢٠ ألف كيب للفرد، يتم استخدام هذه الرسوم للمحافظة على نظافة الشلالات.
أكثر الأمور التي أحببتها خلال زيارة شلالات كوانغ سي (Kuang Xi) أنها كانت في موسم الأمطار. هذا يعني كثرة الماء المتدفق في الشلالات، وفي كل بِركة فيها. قوة الشلالات كانت عظيمة بالماء المنحدر من أعلى نقطة فيها. ستجِد سلالم للصعود للأعلى جِوار الشلالات ذاتها وستتبلل بالماء، وسيكون عليك ربما خلع حذائك. هذا الجزء من التجربة بحدّ ذاتها كانت من أجمل الذكريات التي أحمِلها في قلبي لهذا المكان. هناك علاقة قوية تربطني بالماء، لا أفهمها، لكنني أحبها. مشكلتي الوحيدة أنني أتخوّف من صعود الأماكن العالية، لكنه يستحق كل ذلك.
القصر الملكي في لوانغ برابانغ (Luang Prabang)
تم بناء القصر عام ١٩٠٤ خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للملك سيسافانغ فونغ وعائلته. تم اختيار موقع القصر بحيث يمكن للزوار الرسميين إلى لوانغ برابانغ النزول من رحلاتهم النهرية مباشرة إلى القصر واستقبالهم هناك. بعد وفاة الملك سيسافانغ فونج، كان ولي العهد سافانغ فثانا وعائلته آخر من حكم المنطقة. ففي عام ١٩٧٥، تمت الإطاحة بالملكية من قبل الشيوعيين وتم نقل العائلة المالكة إلى معسكرات إعادة التأهيل. ثم تم تحويل القصر إلى متحف وطني.
نصيحة..
يعتبر موسم الجفاف أفضل الأوقات لزيارة لوانغ برابانغ. وذلك خلال شهر نوفمبر إلى مايو. ولكن يتوافد عليها الزوار غالباً من نوفمبر إلى يناير، حيث تكون الأجواء أفضل وأقلّ حرارة.
مشاهدة الغروب من مرتفع فوشي (Phou Si)
كان هذا الأمر الوحيد الذي اعتبرته سياحياً أكثر من اللازم. صعود جبل فوشي (Phou Si)، كان أمراً محدداً بالغروب. السلالم في هذا الجبل غير مريحة أبداً لا صعوداً أو نزولاً، وقد لا يناسب أصحاب الأوزان الثقيلة أو الأجسام التي تفتقر إلى اللياقة البدنية. لم تكن المسافة بعيدة للوصول إلى الأعلى، لكن كثرة الزوار جعلها أمراً غير مريحاً. كل الصاعدين يهدفون بالطبع إلى مشاهدة الغروب، لاسيّما مع منظر لوانغ برابانغ المطلّ على نهر ميكونج. شخصياً، فضّلت الجهة المقابلة، حيث المنظر المطل على الجهة الأخرى من المدينة. هناك ستظهر لك معالم أخرى وبيوت السكان المحليين. يرتفع الجبل/التل إلى ١٠٠ متر في وسط مدينة لوانغ برابانغ القديمة. يقع في قلب شبه جزيرة البلدة القديمة، ويحده أحد جانبي نهر ميكونغ وعلى الجانب الآخر من نهر نام خان. يعتبر الجبل أو التل في الأصل موقعاً دينياً، مع وجود معبد Wat Tham Phou Si البوذي.
للصعود إلى أعلى القمة عليك دفع ٢٠ ألف كيب، والذي أصبح إلزامياً منذ يوليو هذا العام.
طرق الوصول إلى لوانغ برابانغ (Luang Prabang)
شخصياً، وصلت إليها عبر قارب نهر ميكونغ كما ذكرت سابقاً. كانت التجربة الأجمل بالنسبة لي. في المقابل، يمكنك الوصول إليها برحلات دولية ومحلية إلى مطار لوانغ برابانغ. كمان يمكن الوصول إليها عبر حافلات منظمة ومخصصة للسواح. لم أجرّب هذا النوع من الحافلات بما أنني أردت تجربة الحافلات التي يركبها السكان المحليّون. وربما لم أكن مؤهلة سابقاً لهذه التجربة.
كان حجزي عبر السكن الذي أقمت فيه، ولم يخبروني بنوع الحافلة. تفاجأت حين كانت حافلة مهترئة ومحطة الحافلات أساساً غير منظمة. خاصة وأن الرحلة كانت في الأصل من لوانغ برابانغ إلى مدينة فيانتيان واستغرقت ١٢ ساعة. لذلك، أنصحك دائماً باختيار الحافلات السياحية إذا لم تكن على استعداد للجلوس بشكل منظم مع وجود أشياء أخرى يتم شحنها داخل الحافلة. في المقابل، لم أندم أبداً على التجربة، فهذا الأمر جعلني أراقب ما يحدث في الخارج لأنشغل بالكامل. كان المنظر أكثر من أخّاذ بالنسبة لي، فالقمر مكتمل، وكنا نصعد الجبال في طرق ملتوية. شيء آخر يربطني بالجبال والغابات ليلاً على الرغم من رهبتي وخوفي من المشي وحيدة في مكان كهذا.
في المقابل، لم أندم أبداً على التجربة، فهذا الأمر جعلني أراقب ما يحدث في الخارج لأنشغل بالكامل. كان المنظر أكثر من أخّاذ بالنسبة لي، فالقمر مكتمل، وكنا نصعد الجبال في طرق ملتوية. شيء آخر يربطني بالجبال والغابات ليلاً على الرغم من رهبتي وخوفي من المشي وحيدة في مكان كهذا.
أين تسكن في هذه المدينة السياحية؟
قررت في لوانغ برابانغ عدم الإقامة في السكن المشترك أو بيوت الشباب (hostels). أردت خلال هذه الفترة التفرّغ لإنهاء بعض الأعمال ومقابلة مجموعة من القائمين على السياحة في لاوس. لذلك، اخترت فندقاً صغيراً هادئاً، به كل ما يلبّي احتياجاتي. غرفة مزدوجة في We House Boutique Guesthouse بحوالي ٣٠ دولاراً لليلة، شامل الإفطار. تجدونه على هذا الرابط. إحدى أكثر الفنادق المبهِرة التي في لوانغ برابانغ Le Sen Boutique Hotel، مع وجود مسبح أو جاكوزي خاص. أقمت فيه ليلة واحدة.
المحطة القادمة هي العاصمة فيانتيان، من أكثر المناطق حيوية في لاوس. زرتها وتعرّفت خلال إقامتي فيها على تاريخ الدولة، وتعرّفت على عدد من الرحّالة الذين كانوا مقيمين في السكن المشترك. سأتحدث عنها بتفصيل أكثر.. كونوا بالقرب! 🙂
لا تعليق