وي نون (Qui Nhơn)، المحطة الثانية في فيتنام. غادرت دالات صباحاً، لأقطع مسافة 8 ساعات براً إلى هذه المدينة الساحلية. كنت في حاجة إلى الشمس، والأجواء غير الباردة، بعد أسبوعين في دالات. كان الهدف من زيارة وي نون هو الاتجاه شمالاً حتى أصلِ تدريجياً إلى هانوي. وبالمصادفة كنت سألتقي Dinh، الرحالة الفيتنامي الفرنسي، لنكمل حكاياتنا عن الهوية والبحث عن الأصل.
في وي نون، التقيت عائلتين جميلتين. إحداهما رحالة عاشوا 3 أشهر في جزيرة كاباس، ماليزيا. وعائلة فيتنامية أخذتني في كنفها، وأحبّتني كما أنا، عائلة احتضنتني رغم الفرق اللغوي الذي بيننا.
ما الذي عليك معرفته عن وي نون
وي نون (Quy Nhon) مدينة حية وممتعة. تقع في الطريق المؤدية إلى أشهر المدن الفيتنامية مثل نا ترانج (Nha Trang) وهوي آن (Hoi An). تشتهر المدينة بتصميمها الجميل والمعابد التاريخية القديمة. ناهيك عن كونها مدينة ساحلية تحيط بها الشواطئ في كل مكان. مساحتها الجغرافية في اتساع، على الرغم من قلة سكانها، مقارنة بالمدن الأخرى. وهي كذلك أكثر هدوءاً وأقل زحاماً. ربما لكونها مدينة سياحية محلية، لا يعرف عنها المسافرون الأجانب غالباً. لذلك اعتبرتها مدينة مثالية للانتقال من العزلة في دالات، والخروج إلى الحياة المدنية.
زُر وي نون قبل الزحام السياحي
هذه الزاوية الصغيرة من فيتنام لم يتم اكتشافها من قبل غالبية المسافرين. لكنني أراها مدينة تكبر رويداً رويداً. وبشكل أجمل من بقية المدن المشهورة. في وي نون الكثير من الفنادق المحلية بجودة عالمية. أضِف إلى ذلك توافد بعض من الأوروبيين الذي يبحثون عن مناطق للتقاعد المبكر. هذا يعني الكثير من المقاهي والمطاعم العالمية. أو -على الأقل- المطاعم المحلية بلمحة عصرية!. وجدت عدداً قليلاً من الباعة المتجولين، وغالباً ما يتركزون على الشواطئ. وعلى عكس المدن الكبرى، لا يتورع السكان المحليون عن الحديث معك!. يسعدهم رؤية المسافرين، وتحيّتهم. حتى بائعة الساندويتشات قرب مكان سكني، أصبحت تعرفني من اليوم الثالني. وتذكر أن الكثير من الفيتناميين يرغبون في ممارسة لغتهم الإنجليزية. وبالطبع، يهتمون لوجود السائحين، ويريدون أن تكون زيارتك لمدينة وي نون ممتعة.
جغرافياً؛ تحيط وي نون الجبال الخضراء من ثلاث جهات والمحيط في الجهة الرابعة. تقع المدينة على الخليج، ما جعلها محمية من الأعاصير. كما يوفر الخليج مصادر للمعيشة لكثير من الصيادين.
عائلة كيم التي احتضنتني
اتفقت مع صديقي “Dinh” أن ألتقيه في وي نون. وهذا يعني الإقامة في بيت الضيافة الذي يقيم فيه. Kim House، بيت صغير، ومرتب. يبدو جديداً جداً، وهو بالفعل كذلك. لم تمرّ عليه أكثر من أربعة أشهر. ولأنها “فيتنام” الجميلة، فالإفطار فيه مرفق مع الغرفة. تتراوح أسعار الغرف مابين 6 إلى 17 دولاراً. مع إمكانية استئجار دراجة نارية أو هوائية من بيت الضيافة ذاته.
كل ذلك لم يكن مهماً بالنسبة لي شخصياً. كان يهمني أفراد المكان والقائمين عليه. كيم، وزوجها، مدرّسوا موسيقى. يقدّمون دروس الموسيقى لأطفال المدينة بأسعار رمزية. يتوافدون على المكان في نهاية اليوم، وغالباً في الإجازات الأسبوعية. غادر “Dinh” في اليوم التالي عائداً إلى مدينة هو تشي منه. وبقيت لثلاثة أيامٍ أخرى هنا. أخذتني كيم وعائلتها مع ضيوف آخرين إلى الشواطئ المحيطة. وفي اليوم التالي بعد أن عدت من جولة في المدينة، كانوا قد أعدّوا عشاءً عائلياً!. لم أكن أريد المغادرة، كما يحدث كل مرة حين أجِد عائلة كهذه.
الهالوين..
صادف وصولي يوم 31 أكتوبر 2018. كان يعدّون للاحتفال بالهاولين!. رأيتهم على قدمٍ وساق، ينسّقون المكان سوية. فيما الأطفال بأدواتٍ بسيطة يقومون بتجهيز ملابسهم وأزيائهم. في زاوية أخرى مجموعة منشغلة مع زوج كيم لترتيب الصوتيات.. ولأنني جديدة على المكان، كانوا يأخذونني معهم كل مكان! حتى لجلب آلة الفقاقيع.. وجدت نفسي في عائلة كبيرة. انشغلنا جميعاً حتى نُسعِد أطفال المدينة هذا اليوم. حين حلّ المساء، توافد الصغار والمراهقون إلى المكان. مقهى “كيم” أصبح مكاناً للهالوين. إضاءات، وألوان، وديكورات بسيطة جداً. كان المهم أن يعيشوا ساعات من السعادة هذه الليلة. بما أنهم أطفال في مدرسة الموسيقى؛ هناك مَن يعزف، ومَن يغني. أغانٍ مابين الإنجليزية والفيتنامية. لم أكن أفهم الفيتنامية بالطبع، وكم تمنيت ذلك. لكن أصواتهم كانت أفضل من أي لغة يمكنني فهمها.
أين تذهب في وي نون فيتنام
بشكل أو بآخر، تذكرني وي نون بجزيرة بينانج ومدينة جورج تاون في التسعينات. إذا استثنينا كثرة الدراجات النارية مقارنة بالسيارات، فدائماً ما أشعر أنني في بينانج. بينانج القديمة قبل أن تغزوها المطاعم العربية وتشوّه تركيبتها. لا يهم. هنا وي نون. الكثير من المقاهي المحلية. الكثير من القهوة الفيتنامية اللذيذة، والأطباق الشهية. وبالطبع.. أفضل ما في هذه المدينة، شواطئها!
شاطئ الملكة “Queen’s Beach“:
من اسمه. شاطئ الملكة جميل وفاخر. حجارة صغيرة ناعمة مكدسة على الشاطئ. وبالطبع مكانٍ مفضل للباحثين عن الهدوء والراحة. مع إطلالة رائعة على المدينة في الجهة المقابلة. يشتهر الشاطئ بالصقور الموجودة في المنطقة التي تسمى “Martin Bird Beach” نسبة إلى هذا النوع من الطيور. وفي زمنٍ ما، كانت هذه الجزيرة معلماً لتحديد الاتجاه. وفي وقت لاحق، بنيت عليه منارة.
سمّي الشاطئ بهذا الاسم نسبة إلى تكرار زيارة الملكة Nam Phuong، وأصبح خاصاً بها منذ عام 1927م. بنى زوجها الملك باو داى قصراً من ثلاثة طوابق لإقامته والملكة عند زيارة المدينة. وللأسف؛ تم تحطيم هذا القصر من قبل السكان المحليين عام 1949. ولم يبقَ منه الآن سوى آثار قليلة، ومسمى الشاطئ نفسه.
شاطئ كي كو “Ky Co Beach“:
زيارتي للمنطقة كانت في بداية نوفمبر. يعني ذلك أنها ليست الفترة المناسبة للسباحة. لكنها الأفضل إذا كنت من هواة ركوب الأمواج! على الرغم من ذلك، قضينا ساعات جميلة على هذا الشاطئ. كان الهواء قوياً نوعاً ما، والأمواج عالية. في المقابل؛ كانت الشمس أهدأ من بقية السنة. أحببت هذا الشاطئ في الحقيقة، مقارنة بالبقية في وي نون. أكثر هدوءاً. وتقول “كيم” أنه في موسم الربيع والصيف يكون أفضل. هواء أقل، لكن الأجواء لا تزال منعشة. على الرغم من ذلك كانت مياهه صافية جداً. ولن تستطيع مقاومة التمدد على الشاطئ الذهبي. وجدته كذلك أنظف وأجمل من مناطق ساحلية أخرى في فيتنام. ربما لأنه ليس بمنطقة سياحية معروفة للكثيرين. سهل الوصول إليه براً، وهو ما نفضّله. على الرغم من ذلك ستجد عبّارات تربط بين المنطقة الرئيسية والخليج. لن تحتاج إلى ركوب عبارة في الحقيقة.. فالطريق براً سهل الوصول إليه.
فرقة موسيقية من نوع فريد!
في آخر ليلة لي في وي نون، دعتني كيم وزوجها لمرافقتهم إلى حفلة موسيقية. كانت الحفلة مخصصة لحضور الكبار هذه الليلة. مَن كانت الفرقة؟ مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة، درسوا الموسيقى لدى “K” زوج “كيم”!. فيما الحفلة تقام أسبوعياً في مقهى Den Coffee الذي تمتلكه والدة “كيم”. كنت -كالعادة- الوحيدة غير الفتينامية في المكان. على الرغم من ذلك كانوا متحفزين جداً للحديث والتعرف عليّ. الفتيات العاملات في المقهى كانوا صمّاً. علّمتني “كيم” كيف أتحدث معهم. كانت المرة الأولى التي أستخدم فيها لغة الإشارات. غير الابتسامة طبعاً!. في جزء من الليل، كانت والدة “كيم” إلى جواري. تحدثنا كثيراً عن التحديات التي يواجهونها. أفراد الفرقة الموسيقية لا يرَون بوضوح، وصوتهم هو الطريقة الوحيدة للتواصل مع العالم حولهم. هناك آخرون على مقاعد وكراسي متحركة. هذا يعني صعوبة تنقل الفرقة من مكانٍ لآخر. لذلك، أعطتهم مقهاها ليكون مكاناً مثالياً لحفلاتهم الأسبوعية..
لا أعرف لمَ خرجت من المكان سعيدة. كل مَن في المكان يرحّب بك. الفتيات، الفرقة، الضيوف.. كل شيء.
الأيام التي قضيتها في وي نون على قصرها كانت مليئة بالأحداث. ربما لم أذكر سوى الجانب السياحي منها هنا. لكنها كانت من المدن الفيتنامية العالِقة في ذهني. إنها الأحب إذا ما صنّفتها كمدينة صغيرة. أنا التي لا تنجذب إلى المدن عادة، أحببت وي نون. قد لا تكون خياراً استثمارياً جيداً الآن، لكنها ستكون حتماً كذلك في السنوات العشر القادمة. يمكنني رؤية نفسي فيها مرة أخرى. في أجواء أفضل، في إحدى أشهر الصيف، ربما!.
قبل أن أنسى.. على هذا الرابط ستجد خريطتي في فيتنام، تشمل جميع المناطق السياحية التي زرتها. والمساكن التي أقمت فيها. من ضمن القائمة كذلك مجموعة من المناطق التي لم أزرها، لكنني وضعتها كاقتراح أو ضمن خطتي القادمة.. أتمنى حقاً أن تفيدكم
لا تعليق