أفريقيا قارة ضخمة، تضم ٥٤ دولة. لذلك قد يكون اختيار أفضل وجهات السفر من الدول الأفريقية أمراً صعباً بعض الشيء، خاصة حينما يتعلق الأمر بالأمان، وسهولة السفر، والأنشطة التي تشتهر بها البلاد. قضيت فيها معظم ٢٠٢٢، متنقلة ما بين شمال أفريقيا حيث الجزائر، ثم تونس ومصر. وقضيت شهوراً في شرقها متنقلة ما بين إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، ثم ملاوي وانتهاء بجنوب أفريقيا. وأعيش الآن في موريشوس.
هل تغريك صور ناشيونال جيوغرافيك أو مصوّري الحيوانات البرية بالسفر إلى الدول الأفريقية؟ تذكر أنهم يسافرون في ظروف مختلفة عنك تماماً! ولديهم الكثير من التسهيلات التي تجعل رحلاتهم أكثر أماناً وسهولة، والتي بطبيعة الحال تعني ميزانية سفر أكبر.
رحلاتي في الدول الأفريقية
سافرت في ٢٠٢٢ إلى عدد من دول شمال أفريقيا، بدأتها من الجزائر، وتونس. ثم عدت إلى مصر للاستراحة والغوص عدة أشهر. ثم أكملت المسير نحو جنوب مصر، ولزيارة عدد من دول شرق أفريقيا. بدأتها من إثيوبيا، ثم كينيا، تنزانيا. وربما أشقّ طريقي نحو ملاوي، كتجربة أخرى لعبور الحدود براً. ثم سأكمل طريقي إلى جنوب أفريقيا، ثم ناميبيا، السنغال، وأنهي رحلات القارة الأفريقية في المغرب. إنها مساري الخاص لإكمال حول عدد من الدول الأفريقية.
انطباعاتي عن الدول التي زرتها في أفريقيا
اخترت هذه الدول بناء على مستوى الأمان، سهولة التنقل، التكلفة المعيشة المنخفضة، وتوفّر الانترنت بسهولة في مناطق كثيرة. إضافة إلى سهولة حصولي على تأشيرات تلك الدول، لاسيما ما يمكنني دخولها بفيزا مجانية من المطار.
الجزائر
لم تكن من ضمن قائمة الدول التي أريد زيارتها لأسباب أمنية، لا أكثر. حتى أصبح اسمها يتردد بين فترة وأخرى، وزارها عدد من أصدقائي في الثمانينات والتسعينات، ثم حكى لي عنها كثيراً خالد الجابر بعد رحلته الطويلة والمتكررة فيها. وفي الحقيقة، طبيعة الجزائر الخلابة فاقت توقعاتي؛ فهي ليست مجرد صحراء، وإن كانت الصحراء تغطي مساحة كبيرة من البلاد. في المقابل، لا تعتبر الجزائر من أسهل الدول التي يمكنك الحصول على تأشيرة سفر لها، فيما عليك الحصول على تصاريح من الدرك الوطني (الجيش) للسفر أو التنقل بين الولايات، وأتمنى فعلياً أن تتغير هذه القوانين.
تونس
إن كبرت في الثمانينات أو التسعينات فلربما شاهدت مهرجانات قرطاج الموسيقية. أو ربما قرأت كتباً عن مدنها التاريخية العتيقة. إنها إحدى الدول التي حرصت كثيراً على زيارتها. ولا أعرف في الحقيقة إن كانت آمالي عليها كبيرة للغاية أم أنها تأثرت بشدة بعد مشكلاتها السياسية وكوفيد-١٩. زرتها بهدف الراحة وقضاء ثلاثة أشهر فيها، بحكم سهولة التنقل فيها، عكس الجزائر. لكن الأوضاع الاقتصادية فيها جعلتني أقضي شهراً واحداً فقط، ولم أتلمّس في تونس ما يبهرني للبقاء فيها بعد مغادرة محمد الخضير، الذي سافر معي لمحطات فيها.
مصر
زرت مصر أول مرة عام ٢٠١٩، وقضيت فيها أسبوعين. ثم زرتها مرة أخرى في ٢٠٢٢، والتي كان من المفترض أن أقضي فيها أسبوعين للاحتفال بعيد الأضحى، ثم الغوص لأسبوع فقط في دهب. ولكن؛ انتهى الأمر بقضاء أربعة أشهر فيها! بدأتها من القاهرة مع فاطمة، رأيت فيها القاهرة من زاوية أخرى غير السياحية. ثم ثلاثة أشهر في دهب، كمحطة للراحة بعد التنقل المتواصل والمرهق في ٢٠٢٢. والتي أعتقد أنها كانت مسكناً جيداً لتجميع أفكاري، والتعرف على الخطط القادمة لبقية العام.
وحينما بدأت الأجواء تبرُد، غادرتها لأتنقل شهراً ما بين القاهرة مع ابن أختي، بعد سنين طويلة لم نرَ فيها بعضنا. ثم أكملت رحلتي إلى الأقصر التي التقيت فيها “الصعايدة” وتعلّمت بعضاً من تاريخهم، والحفلات الصوفية على أصولها. ثم اختتمتها في أسوان، التي كانت هدية من السماء مع النوبيين وكوّنت أصدقاء مسافرين آخرين.
إثيوبيا
من أصعب الدول الأفريقية التي زرتها. ليست مثل أي مكان آخر على هذا الكوكب، بلد جميل ينعم بتاريخ لا مثيل له، وحياة برية رائعة. ولكن شعبه لازال يعاني كثيراً من الحروب الأهلية والاقتصاد المتداعي. كانت إحدى أجمل الدول الأفريقية التي زرتها، بمناظرها الطبيعية الرائعة والمساحات الخضراء الشاسعة المُبهِرة دائماً. يمكنك هنا أن تصعد حتى ٩٨٠٠ قدم في جبال سيميان، أو تنزل حتى أدنى مكان في القارة الأفريقية، حيث منخفض دانكيل. إنها أحدى أقدم الدول في العالم، قاومت بنجاح الاستعمار الأوروبي على مر القرون، واحتفظت بالكثير من هويتها الثقافية، وقصتها إحدى أروع قصص أفريقيا. جذبتني لاليبيلا، وكنائسها الإثنى عشرة كمحاكاة لأرض إسرائيل القديمة وامتزاجها بالمسيحية وعيسى.
في المقابل، لم أقضِ فيها أكثر من عشرة أيام، فللأسف ينقصها الكثير من الأمن، والمقومات المساعدة على السفر والتنقل بأمان فيها.
كينيا
السافانا الشاسعة تتخللها قطعان هائلة من الحياة البرية، الجبال الاستوائية المغطاة بالثلوج. الشعوب التقليدية التي تجلب الروح واللون إلى الأرض. إنها كينيا! عندما تفكر في أفريقيا، سيتبادر في ذهنك تلقائياً كينيا وتنزانيا! شجرة السنط الوحيدة المظللة على السافانا، مقابل أفق على مدّ البصر. كينيا هي أرض ماساي مارا؛ عُرفت بالحيوانات البرية، والحمير الوحشية المهاجرة بالملايين مع الحيوانات المفترسة العظيمة في أفريقيا في أعقابها. وتدين وفرة الحياة البرية في كينيا بكل شيء لإحدى مجتمعات الحفاظ على البيئة نجاحاً وابتكاراً في إفريقيا، حيث كانت رائدة في استخدام حراس مسلحين لحماية وحيد القرن والفيلة.
ثم الساحل الخصب المحاط بأشجار النخيل، والمطلّ على المحيط الهندي، كانت مستقراً لي من منتصف أكتوبر وحتى منتصف نوفمبر ٢٠٢٢. كانت أحب الدول الأفريقية وأقربها لقلبي، على الرغم من أنني لم أتنقّل فيها كثيراً. فقد كنت بحاجة لالتقاط أنفاسي بعد المصاعب التي واجهتها في إثيوبيا. شعبها طيب يتحدث الإنجليزية بطلاقة، طعامهم لذيذ، والخدمات فيها جيدة إلى حدٍ ما. والشهر الذي قضيته فيها كان ما بين الشاطئ في دياني، وتكوين صداقات مع مسافرين آخرين، ومتابعة أحداث كأس العالم ٢٠٢٢ المقام في قطر.
تنزانيا
الحياة البرية، الشواطئ الناعمة، السكان المحليين الودودين، سيرينجيتي، قمة كليمنجارو، وأرخبيل زنجبار. إنها الصورة الرائعة لأفريقيا في عيني. تضم تنزانيا كل هذه الأشياء وأكثر في مكان واحد، لتأخذك من يدك محاطاً بالحفاوة والترحيب. وبما أنني لم أتنقل في كينيا إلا مرة واحدة إلى كيليفي، كانت تنزانيا مليئة بالتنقلات والحافلات لمسافات طويلة للغاية. إنها أرض رحلات السفاري، والتي سترى فيها تدافع الحيوانات البرية عبر السهول. فيما ساحل تنزانيا على المحيط الهندي ساحر للغاية، مع جزر هادئة، وقرى ساحلية هادئة غارقة في قرون من الثقافة السواحيلية. استرخيت هنا على الشواطئ الناعمة، تظللها أشجار النخيل وأشجار الباوباب الضخمة. الشروق الهادئ بألوان الباستيل، والإيقاعات الساحلية، والقوارب الشراعية.
كانت تنزانيا المكان المثالي الذي أنهي فيه ٢٠٢٢، في القارة الأفريقية. بنظرة بعيدة على قمة كليمنجارو، والذي يطل ظله عبر السهول الشمالية، ويغري الزوار بجوانبه الرشيقة، والغابات، وقمته الفخمة المغطاة بالثلوج. ثم شهراً كاملاً بداية ٢٠٢٣ في جزيرة زنجبار.
ملاوي
عبرت الحدود براً من جنوب تنزانيا إلى شمال ملاوي، في رحلة عجيبة. ولكنني لم أقضِ في البلاد فترة طويلة، نظراً لصعوبة التنقل فيها، وبطء الانترنت. ولكن كثر ما يجذب الزائرين إلى مالاوي هو تنوعها الجغرافي: البحيرات المتلألئة الشاسعة، وقمم الجبال المثيرة والأسود المتجولة في محمية ماجيتي للحياة البرية.
جنوب أفريقيا
كنت بحاجة إلى الراحة نفسياً وجسدياً بعد السفر لأربعة أشهر في شرق أفريقيا. وصلت جوهانسبرغ في رحلة طويلة من ملاوي، وكأنني سافرت إلى عالم مختلف! قضيت فيها أسبوعاً للتعرف على تاريخ البلاد، ثم غادرتها لقضاء بقية أيام الرحلة في كيب تاون. كنت آمل أن أقضي فيها ثلاثة أشهر، ولكن تأشيرتي فيها من المطار لم تتعدّ ثلاثين يوماً.
أحببت كل شيء خلال الرحلة في جنوب أفريقيا، ما عدا انقطاع الكهرباء طبعاً. وودت لو أن إقامتي في كيب تاون أطول مدة حتى أختبر الحياة فيها كرحالة رقمية. كل شيء في المدينة يعتبر سهلاً، مع نسبة الأمان العالية في الكثير من الأحياء، وانخفاض تكلفة المعيشة.
وكما تعلم، فلقد اشتهرت البلاد برحلات السفاري المذهلة والجبال الوعرة ومصانع النبيذ ذات المستوى العالمي والسواحل الممتدة غرباً وجنوباً. فيما المدن النابضة بالحياة مثل جوهانسبرغ وكيب تاون ودوربان ستسلب عقلك. وفي الحقيقة، فجنوب إفريقيا وجهة ساحرة، وغالباً ما يغفل عنها المسافرون ذوو الميزانية المحدودة.
استوطنها الهولنديون والبريطانيون قبل حصولهم على الاستقلال في عام ١٩٣١، وكافحت جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري من عام ١٩٤٨ حتى ١٩٩٠. وفي الحقيقة، لا يزال من الممكن رؤية بقايا ذلك الوقت المظلم في جميع أنحاء البلاد اليوم، ومع ذلك، فقد تحسنت البلاد بشكل ملحوظ. وبينما لا تزال جنوب إفريقيا تكافح مع الفساد والجرائم الصغيرة (تأكد من مراقبة ممتلكاتك أثناء وجودك هنا)، فإن تاريخها الثري والصاخب، وجمالها الطبيعي المذهل، وثقافتها الدولية تجعلها محطة جديرة بالاهتمام في أي مسار رحلة حول العالم . كما أن لديها أكثر مواقع اليونسكو في كل أفريقيا!
رحالة رقمية في موريشوس
كتب مارك توين ذات مرة أن “خُلقت موريشيوس أولاً ثم الجنة، تم نسخ الجنة بعد موريشيوس”. وقد يكون هذا صحيحاً من وجهة نظر بعض السائحين، ولكنك إن عشت في بلدٍ ما، فستعرف فيها أشياء كثيرة. تشتهر موريشيوس بحق بمياهها الفيروزية وشواطئها الرملية البيضاء، والمنتجعات الفاخرة. ولكن هناك الكثير من المناظر والمناطق السياحية في موريشوس، غير الشواطئ، ما يجعلها مكافأة فاخرة للرحلات الاستكشافية.
سيمكنك فيها قضاء وقت ممتع في رحلات الهايكينج، ما بين الجبال الخضراء المغطاة بالغابات. أو الغوص والغطس بين الشعاب المرجانية. هناك أيضاً رحلات بالقوارب للغروب أو إلى جزر شبه مثالية، ورحلات استكشافية إلى الحدائق النباتية، ومنازل المزارع الاستعمارية. موريشيوس وجهة رائعة لمحبي الطعام، ومشاهد رائعة للحياة البرية. وفي الحقيقة، فإن موريشيوس بعيداً عن المنتجعات الشاطئية، والكاري الساخن من مختلف الثقافات وقرى الصيد الهادئة، ليست مختلفة عن أي بلد زرته من قبل.