ولاية صباح.. الولاية الماليزية التي أسرت قلبي كل شيء فيها، والواقعة في جزيرة بورنيو. زرت الكثير من المدن والمناطق في ماليزيا خلال إقامتي فيها منذ عام ٢٠٠٠، ولم أجِد حتى الآن مكاناً ينسجم فيه كل شيء معاً ليشكّل لوحة متجانسة بكل عناصرها كما يحدث في صباح. في الساعة الأولى التي كنا نتجوّل في طرقاتها؛ أخبرت Duncan “كل شيء هنا مسالم ويبعث على الطمأنينة“، وبالطبع، سمِع ذلك تكراراً من كل أحد يزورها. كانت الرحلة بتنظيم كامل من شركة Hike Asia Travel، وهي شركة سياحية ماليزية مقرّها كوتاكينابالو، ذات خبرة واسعة وخدمة ممتازة لم أجِد لها مثيلاً لها في أي شركة أخرى محلية. بدأنا و Duncan (صاحب الشركة) الترتيبات خلال ١٠ أيامٍ فقط قبل تاريخ السفر، وكانت طريقتهم في تنظيم الجدول ومسار الرحلة، وإتمام كافة الحجوزات مبهِراً.
تعرّف على ولاية صباح في ماليزيا
بداية؛ تقع ولاية صباح في النصف الشرقي من ماليزيا، حيث جزيرة بورنيو، والتي تتقاسمها ثلاث دول: ماليزيا، إندونيسيا، ومملكة بروناي. أقرب مستوطنة بشرية تم اكتشافها في ولاية صباح تعود إلى ما قبل حوالي ٣٠ ألف سنة ماضية. على امتداد منطقة خليج دارفيل (Darvel Bay) لاسيّما في كهوف ماداي – باتورونغ (Madai-Baturong). بدأت علاقة سكانها التجارية مع الصين منذ القرن الرابع عشر الميلادي، وكانت ولاية صباح تحت تأثير الإمبراطورية بروناي في القرن الرابع عشر وحتى الخامس عشر، في حين أن الجزء الشرقي من أراضيها كان تحت تأثير سلطنة سولو بين القرنين السابع عشر والثامن عشر. أصبحت فيما بعد تحت الحكم البريطاني خلال القرن التاسع عشر.
خلال الحرب العالمية الثانية، تم احتلال صباح من قبل اليابانيين لمدة ثلاث سنوات. ثم أصبحت مستعمرة التاج البريطاني في العام ١٩٤٦. في ٣١ أغسطس ١٩٦٣، مُنحت صباح الحكم الذاتي من قبل البريطانيين. وفي أعقاب ذلك، انضمّت صباح إلى باقي ولايات اتحاد ماليزيا (الذي أنشئ في ١٦ سبتمبر ١٩٦٣) إلى جانب ساراواك، سنغافورة (استقلّت عن ماليزيا في عام ١٩٦٥)، واتحاد ماليزيا (شبه الجزيرة الماليزية أو غرب ماليزيا).
المدن الرئيسية في ولاية صباح
مدينة كوتاكينابالو (Kota Kinabalu)
هي عاصمة ولاية صباح. تقع على الساحل الغربي من الولاية، وأكبر مدينة فيها والبوابة الرئيسية لجزيرة بورنيو. تعتبر كذلك وجهة سياحية نشِطة بسبب قربها من الجزر الاستوائية والغابات المطيرة، وجبل كينابالو الشهير. يسكنها حوالي ٥٠٠ ألف نسمة، وقد أدى النمو الاقتصادي الأخير إلى توسّع المدينة لتصِل إلى المناطق المجاورة مثل بينامبانغ (Penampang) وبوتاتان (Putatan) ليصل مجموع سكانها إلى ٨٠٠ ألف نسمة. على الرغم من كونها عاصمة الولاية، إلا أنك ستشعر براحة غريبة فيها، لم أجِد ذلك شخصياً في أي مدينة كبيرة أخرى مما زرت. ستجِد أنه من العادي جداً رؤية مسلمات حجبات في مطاعم صينية تبيع الكحول، أو مجموعة من المحليين المسلمين وآخرين صينيين على طاولة واحدة على ناحية منها مشروبات كحولية وأخرى غير كحولية. بطبيعة الحال ينبطق الأمر على كامل الولاية، لكنني رأيته أكثر هنا.
مدينة تاواو (Tawau)
هي ثالث أكبر مدينة في صباح بعد كوتا كينابالو وسانداكان، وتقع على الساحل الجنوبي الشرقي للولاية. كانت المنطقة محلّ نزاع بين البريطانيين والهولنديين، حيث وصلتها أولى السفن البريطانية في عام ١٨٩٣، بمناسبة افتتاح الميناء البحري للمدينة. وفي عام ١٨٩٨، أنشأ البريطانيون مستوطنة في تاواو، وتسارع نمو سكان المستوطنات من خلال تشجيع هجرة الصينيين. ونتيجة للاحتلال الياباني لشمال بورنيو، قصفت قوات الحلفاء البلدة في منتصف عام ١٩٤٤، وقامت بتجريفها على مستوى الأرض. وبعد الاستسلام الياباني في عام ١٩٤٥، أصبح ٢،٩٠٠ جندي ياباني في تاواو أسرى حرب وتم نقلهم إلى جيسلتون (الاسم السابق لمدينة كوتا كينابالو). أعيد بناء تاواو بعد الحرب، وبحلول نهاية عام ١٩٤٧، أعيد الاقتصاد إلى وضعه قبل الحرب. كانت تاواو أيضاً نقطة الصراع الرئيسية خلال المواجهة بين إندونيسيا وماليزيا في الفترة من ١٩٦٣ إلى ١٩٦٦.
مدينة سانداكان (Sandakan)
إحدى أكبر في ولاية صباح بعد كوتا كينابالو، وتقع على الساحل الشرقي للولاية. كانت سانداكان العاصمة السابقة خلال الحكم البريطاني المشترك لبورنيو. تاريخها القديم حافل بالنزاعات بدءاً من أطماع مملكة سولو في الفلبين وحتى الوجود الهولندي والبريطاني فيها. ثم ازدهرت بشكل كبير خلال الاستعمار البريطاني حين عمِلت الأخيرة على بناء مستوطنة جديدة في عام ١٨٧٩، وتطويرها إلى مركز تجاري نشط، فضلاً عن جعلها المركز الإداري الرئيسي لشمال بورنيو. كما شجع البريطانيون هجرة الصينيين من هونج كونج البريطانية لتطوير اقتصاد سانداكان.
ومع ذلك، توقف الازدهار عندما احتل اليابانيون المنطقة. ومع استمرار الحرب وبدأ القصف المتحالف في عام ١٩٤٤، دمّرت المدينة تماماً. ونظراً لعدم القدرة على تمويل تكاليف إعادة الإعمار، تم تسليم السلطات الإدارية لشمال بورنيو إلى الحكومة البرينطانية المستعمرة. وبشكل عام تعود أهميتها التاريخية إلى كونها إحدى الموانئ الرئيسية لنقل النفط والتبغ والبن والساجو، وتصدير الأخشاب. وتشمل الأنشطة الاقتصادية الأخرى الصيد، وبناء السفن، والسياحة البيئية، والتصنيع.
التعدد القبائلي والعرقي في ولاية صباح
تفخر ولاية صباح بالتعددية الثقافية والدينية والعِرقية التي تتعايش فيما بينها بسلام، وينعكس ذلك غالباً في بنيتها المتنوعة. فيما يسكنها أكثر من ثلاثين قبيلة وعِرقاً تنتشر في كل الولاية، بأديان مختلفة فيها ما بينها، ويُعتبَرون -كما القبائل الأخرى في ولاية سراواك- سكّان ماليزيا الأصليين، ولا تتدخل الدولة في أديانهم ومعتقداتهم كما يحدث للعرق الملايوي. أشهر تلك القبائل وأكبرها هي قبيلة كدَزان (Kadazan) ولها أفرع أخرى كثيرة، وسكّان الأنهار (Orang Sungai)، وقبيلة رونغوس (Rungus)، وإضافة إلى قبيلة باجاو (Bajau) وهم الغجر القادمون من الفلبين، فيما ينقسمون إلى سكّان البحر وسكّان اليابسة.. إضافة إلى التواجِد الصيني في الولاية وقبائل أخرى.
المناسبات والاحتفالات في ولاية صباح
تشتهر الولاية باحتفال الحصاد Harvest Festival والذي يسمى كذلك مهرجان صباح، حيث يمتد طِوال شهر مايو من كل عام. ونظراً للتعدد العِرقي والثقافي في الولاية، واختلاف اللغات حيث تنفرد كل مجموعة عرقية بلغتها وتقاليدها وفنونها وحرفها وطريقة عيشها. يجتمع سكّان الولاية في كل عام عبر مهرجان صباح، لتأتي كافة هذه المجموعات معاً للاحتفال بالتنوع الثقافي في ولاية صباح وتراثها الفريد من نوعه. يتم عقد برامج ثقافية مختلفة من كل قبيلة أو مجتمع يصور أبرز التقاليد الخاصة بهم، وتنتشر الأكشاك حيث يتم بيع الحرف اليدوية النادرة والحرف الخشبية من القبائل المختلفة.
سباق قوارب التنين: يقام سنوياً في منتصف شهر يونيو، أو ما يوافق اليوم الخامس من الشهر القمري الخامس من التقويم الصيني، على خليج ليكاس (Likas). خلال السباق، تعبر قوارب التنين وغيرها من المجسّمات نهر ميلو (Milo) على إيقاع الطبول وهتاف الجماهير، إضافة إلى وجود أصناف متنوعة من الأطعمة المحلّية التي تُطبخ خصيصاً لهذه المناسة وتباع في أكشاك على طول الخليج.
مهرجان كوتا كينابالو للجاز (KK Jazz Festival): بدأ عام ٢٠٠٧، وهو أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في ماليزيا. يقدّم تجربة رائعة بحضور مجموعة من النجوم والفنانين المحليين والعالميين. فيما يركّز بطبيعة الأمر على الفنانين وفِرق الجاز المحلية، ويعزز افتخار سكّان ولاية صباح بهذا النوع من الموسيقى كونه الموسيقى الشعبية في كوتا كينابالو، ويعطي المواهب المحلية فرصة كسب الظهور الدولي.
كم يوماً يكفي لزيارة ولاية صباح؟
جهلاً مني؛ كنت أعتقِد أنها ولاية صغيرة، وهو ما جعلني أخصص وقتاً قصيراً فقط لزيارتها كاملة، لكنها بالطبع كانت أكبر وأكثر ثراءً وتنوعاً مما تخيلت. امتدت رحلتي إلى ولاية صباح إلى ثمانية أيام في مناطق متعددة، قطعنا فيها أكثر من ٢٠٠٠ كلم، حيث أبهرتني تنوع غاباتها وتغيّر أجوائها من منطقة إلى أخرى. أردت خلال رحلتي زيارة أكبر عدد ممكن من المناطق المهمة، والإقامة مع السكّان المحليين والتفاعل معهم عن قُرب. بطبيعة الحال لا أنصح أحداً بفعل الأمر ذاته، خاصة وأنني تنقّلت براً من غرب الولاية إلى شرقها، بل أنصح دائماً اختيار المفضّل منها، فالمدة المتوسّطة (الطبيعية) لزيارة كل تلك الأماكن التي زرتها يقتضي حوالي أسبوعين كما أخبروني فيما بعد. تمّ تقسيم الأماكن التي زرناها فيها بناءً على عدد الأيام على:
- مدينة كوتا كينابالو: قضيت فيها ليلتين.
- منطقة كودات: أقمت فيها ليلة واحدة.
- منطقة كونداسانج: قضيت فيها ليلة واحدة كذلك.
- مدينة سانداكان: قضيت فيها ليلة واحدة.
- منطقة سوكاو: قضيت فيها ليلة واحدة.
- جزيرة مابول: قضيت فيها ليلة واحدة.
- مدينة تاواو (Tawau) ليلة واحدة.
جميع تلك المناطق لها أماكنها السياحية التي تستحق فعلاً السفر للأجلها، ومازال هناك الكثير مما أريده استكشافه في ولاية صباح وبورنيو بشكل عام، وكل واحدة منها تختلف بطبيعة الحال حسب التفضيلات الشخصية لكل منكم خلال السفر. سأفصّل في التدوينات القادمة الحديث عنها بتقسيمها إلى:
قمت كذلك بنشر بعض المعلومات البسيطة خلال أيام الرحلة، يمكنكم متابعتها على حسابي a_qadah، وحساب شركة Hike Asia Travel. كونوا بالقرب! 🙂
لا تعليق