الجزائر تلمسان قصر المِشوَر مغارات بني عاد

الجزائر تلمسان قصر المِشوَر مغارات بني عاد


بعد أن قضيت حوالي أربعة ليالٍ في وهران الحب، غادرت الباهية في رحلة برية قصيرة إلى تلمسان. وللأسف؛ لم تُعط المدينة حقها، فلم أقض فيها سوى ليلة واحدة، كان أهمها زيارة قصر المِشوَر، ومغارات بني عاد. كانت الفترة التي أنتظر فيها وصول صديقي خالد الجابر إلى الجزائر، لأكمِل رحلاتي معه. إنها ثاني أكبر مدينة في شمال غرب الجزائر بعد وهران، وهي عاصمة ولاية تلمسان. طورت المدينة صناعات الجلود والسجاد والنسيج، والتي تصدرها عبر ميناء راشغون.

أطلق الملك الزيان يغمراسن بن زيان اسم تلمسان على المدينة. ويُقال أن أصل الكلمة يأتي من كلمة بربرية، “تيلماس”، والتي تعني الينبوع. وفي رواية أخرى؛ هي مزيج من الكلمات البربرية “تالا” والتي تعني الينبوع، وحرف الجر م، و “سان” التي  تعني إثنان. ليصبح معناها النافورتين. وصدّقني، لا يهمّ أصل مسمّاها الآن، بقدر أهمية المدينة وجمالها. ففي اليوم الذي تجوّلت بها، كانت عيناي مندهشتان من جمال المدينة، والمباني، والناس.

وقعت في حب تلمسان الجزائر

وقعت في حب تلمسان

السير في شوارع تلمسان أشبه بالسير في شوارع الأندلس بإسبانيا، فالهندسة المعمارية متشابهة جداً. وربما يعود تراث المدينة العامرة إلى الفترة التي كانت فيها أحد أهم النقاط على طريق القوافل من الصحراء إلى أوروبا. أما اليوم، فالمدينة شاسعة، ولكنها ليست مدينة كبيرة أو مزدحمة، وقد مضى عصرها الذهبي منذ زمن بعيد. وفي الحقيقة؛ لم أجرِ بحوثاً كثيرة عندما خططت لزيارة الجزائر، لولا توصيات الأصدقاء فيما بعد.

تعود أهميتها التاريخية والعمرانية إلى كونها العاصمة السابقة لوسط المغرب العربي. وأضحت المدينة مزيجاً من التأثيرات البربرية، والعربية، والمورسكية، والعثمانية. والغربية. سترى هذا بنفسك جلياً في عمرانها المزيّن بالفسيفساء، ما جعلها تُلقّب عاصمة الفن الأندلسي في الجزائر. حتى أنها سُمّيت في مواضع كثيرة باسم لؤلؤة المغرب العربي، وغرناطة الأفريقية، والمدينة الغربية.

كان العصر الذهبي لتلمسان بدأ عندما أصبحت عاصمة لمملكة تلمسان، ومكاناً استراتيجياً من الطريق الذهبي إلى السودان. وكانت تضم مركزاً تجارياً أوروبياً يربط بين التجار الأفارقة والأوروبيين. وبفضل جيرانها من المرينيين في فاس، اضطرت تلمسان إلى مقاومة هجماتهم عدة مرات. أما في عهد الزياني أبو سعيد عثمان، كان عليها أن تدافع عن نفسها ضد إحدى أطول الحصارات في تاريخ البشرية، والتي استمرّت لثماني سنوات. وللأسف؛ بدأت مدينة تلمسان تفقد مكانتها خلال فترة حكم الإمبراطورية العثمانية، واستمرت كذلك في ظل الاحتلال الفرنسي.

Booking.com

أين ذهبت في تلمسان؟

مركز مدينة تلمسان مزدحم للغاية، وأفضل طريقة لاكتشافها هي التجول في الشوارع الصغيرة. يمكنك دخول عدد قليل من المساجد، أو زيارة متحف أثري، أو تزور متحف تلمسان الذي يصور تاريخ المدينة. ولكن لضيق الوقت، وزيارة الكثير من المواقع السياحية تحت الشمس الحارقة، كان عليّ إسراع الخطى.

أطلال المنصورة

وهي اسم المدينة التي تعود إلى عهد الأسرة المرينية. فيما هي في الوقت الحاضر اسم من أنقاض المسجد، مع المئذنة الرائعة التي لا تزال قائمة منذ بداية القرن الرابع عشر. السور العظيم المحيط بمدينة المنصورة ليس إلا بقايا. كان يبلغ طولها أربعة آلاف متر، يحيط بها ثمانون برجاً، حول مدينة أعتقد أن مساحتها ١٠٠ هكتار. وهذا ما جعلها وجهة لابدّ من زيارتها حينما تكون في تلمسان.

قصر المِشوَر في تلمسان

قضيت في قصر المِشوَر قرابة ساعتين، تجولت فيها مع مرشدة سياحية من تلمسان. لم تفارق عيناي الزخارف على الحائط، وفن الخط الإسلامي، والعمارة الأندلسية. ُرمّم القصر في السنوات الأخيرة من قبل الحكومة الجزائرية، مشكورة. وأعيد تزيينها بناء على الشكل السابق، ولك أن تتخيّل كيف كان القصر في ذلك العصر. لسوء الحظ، قصر المشوار هو مجرد جزء من القلعة الكبيرة التي كانت منزلاً للعديد من الملوك، وكان الجدار يصل إلى خمسة أمتار في كل مكان والجنود يقفون فوقه.

كان قصر المِشوَر يحتوي على شقق مختلفة للملك حسب الموسم. فيما يتم تبريد الرخام للصيف، وجناح الحجر لفصل الشتاء. علاوة على ذلك، كان الجناح الصيفي يحتوي على الزقاق السري للمسجد. وبهذه الطريقة، يمكن للملك أن يؤدي الصلاة دون أن يظهر للعامة. وإلى جانب المسجد الكبير، كان القصر يحتوي على حمام تركي، ومنازل وحدائق غنّاء.

تم تزيين جدار الأجنحة والقصر بكامله بالخط الإسلامي، ونقشت جملة واحدة بشكل متكرر كتب فيها “العزُّ القائم بالله، الملك القائم بالله”. ولا توجد في الواقع كلمات أفضل من شأنها أن تصف روعة قصر المِشوَر. ولسوء الحظ، تم تدمير العديد من الغرف خلال حكم الإمبراطورية العثمانية. وبعد عام ١٨٤٣ استولت قوات الاحتلال الفرنسية على القصر بالقوة ودمرته.

الجامع الكبير

عند التجول في جنبات مركز تلمسان، ستلاحظ حولك أنقاض قصر الِمشوَر. كانت مسكناً للأميرة الزيانية، على بُعد خطوات فقط من قصر المِشوَر والحدائق والنافورات. هل يمكنك تخيل ذلك؟ بُني الجامع الكبير عام ١١٣٦، وساحته التي تشمل نافورة صغيرة. ألقِ نظرة فاحصة على المحراب، إنه غني بزخارف على الطراز الأندلسي ويعتبر الأجمل في الجزائر. تشبيه آخر للأندلس هو أن هذا المسجد غالباً ما يُقارن بالمسجد الكبير في قرطبة بإسبانيا.

مغارة بني عاد عين فزة الجزائر

مغارات بني عاد

هل تذكر حديثي الدائم عن قرية كونغ لور في لاوس؟ ذكرت أن أحد أسباب حبي للقرية هو هدوؤها والكهف الكبير فيها. حسناً، في الجزائر جزء يشبهها إلى حدٍ ما، مغارات بني عاد – عين فزّة. أو كما يسمّيها الجزائريون: Grottes de Beli Add.

تخفي كنزاً كبيراً من التكوينات المعدنية الرائعة، على بعد حوالي ١٠ كلم من تلمسان. يبلغ عمر الكهوف حوالي ٦٥ ألف عام، فيما يصل عمق الكهف المفتوح للزوار إلى ٥٧ متراً. لم تكن الكهوف تبدو من الخارج مثيرة للاهتمام، ولكنني مندهشة للغاية من أول خطوة فيها، تتميز بسحرها وجمالها الأسطوري. يمكنك المشي فيها بسهولة، باتباع المسار المؤدي من خلال غرفه. سترى معادن بأشكال مختلفة بارزة من السقف، والأرض وجميع الجدران. وبسبب عمق الكهف الذي يصل إلى ٥٧ متراً، يصبح أكثر برودة كلما تعمقت، وهو ما جعلني لا أريد مغادرته إلى حرّ مايو!

تؤدي هذه الكهوف إلى شبكة المياه الجوفية في غار بومعزة، على بعد ٤٠ كلم. والتي تعد -حسب الخبراء- أكبر شبكة كهفية تحت الأرض معروفة في الجزائر. استخدمه المجاهدون كملاذ خلال حرب التحرير الوطني، وبمجرد أن علموا بهذا الممر، قام الجيش الاستعماري بسد الطريق، كما يقول أحدهم.

أين مرافقك الخاص؟

خرجت من كهف أو مغارات بني عاد، لأفاجأ من برجال من الدرك الوطني يسألونني عن مرافقي الأمني. عرفوا أنني سائحة طبعاً، من وجهي الآسيوي، وبدأوا يناقشون موظفي الشركة السياحية المرافقة لي. كان مرافقي الأمن المسؤولين عني وسط مدينة تلمسان، والذين اتفقنا معهم أن نذهب للمغارة بينما ينتهون من غدائهم. طال النقاش لحوالي عشرين دقيقة، وانتهى بأن يرافقونا لوسط المدينة. تطوّر الأمر بتبديل مرافقي الأمن كل ٣٠ كلم، مع سؤالهم المتكرر عن اسمي، اسم أبي، اسم أمي… الخ. وهو ما جعل الأمر غير مريحاً للغاية. وانتهى الأمر بإيصالي إلى فندق الزيانيين، وتأكيد مرافقي الأمن ألا أغادر الفندق لأي سبب حتى يصلون إلي صباحاً!

انطلقت بعدها مع السائق الخاص الذي سيوصلني إلى عين تموشنت، حيث سألتقي خالد الجابر. وهو ما يعني بداية رحلات المغامرات الحقيقية، حيث “حوس الغرب الجزائري“. سأحكيها لك في التدوينة القادمة، فكُن بالقرب!


Deprecated: preg_split(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in /home3/aqadahbl/public_html/wp-includes/formatting.php on line 3506

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *