تشدّني المتاحف والمزارات التاريخية أينما ذهبت، وهو ما حدث في ولاية جوهور. تعلّمت الكثير من تاريخ ماليزيا الحافل خلال تجوّلنا في تلك المتاحف، وهو ما لم تعلّمنا إياه المدارس أو حتى القراءة غير المتعمّقة. كل متحف زرته يحكي جانباً من قصة تكوّن هذه الولاية الماليزية، تحكي تاريخاً يبدأ من الفترة ١٥٠٠ وحتى اليوم.
أي المتاحف تزور في ولاية جوهور؟
تعدّ مدينة جوهور بارو (Johor Bahru) عاصمة ولاية جوهر في ماليزيا مدينة حديثة. تشكّلت المدينة مؤخراً، يرجع تاريخ المدينة إلى ما لا يزيد عن مائة وخمسين عاماً.
مسمّاها “جوهور” يأتي من كلمة “جواهر” العربية، والذي يدل بشكل كبير على التأثير الكبير الذي تركه التجار العرب على المدينة أثناء تجارتهم في التوابل. بدأت ملامح ولاية جوهور المتعددة الوجوه بمزيجها العرقي متعدد الثقافات، والذي يبدو واضحاً حتى اليوم. توالت عليها الكثير من الدول والثقافات، كالهولندية، والصينية، والبرتغالية، والمالية، والبريطانية. والذين كانوا بشكل مجمل دولاً تتقاتل على حكم هذه المنطقة المهمة في ماليزيا، حتى قبل تشكّلها.
متحف الطائرات الورقية
على مر العصور، كانت الطائرات الورقية (Layang-Layang بالماليزية) أكثر من مجرد أدوات مسرحية أو ترفيهية في ماليزيا. كانت رمزاً لثقافة الملايو الغنية التي صمدت أمام دخول الثقافات الأخرى لماليزيا. في متحف الطائرات الورقية “Muzium Layang-Layang” يتم عرض الكثير من الطائرات الورقية بتصاميمها التلقيدية القديمة. إلى جانب النسخة المصغّرة منها (Wau)، إضافة إلى تشكيلة كبيرة من الطائرات الورقية الأخرى من جميع أنحاء العالم.
يتم عرض مختلف الطائرات الورقية في هذا المتحف كإحدى أهم العوامل المؤثرة في الثقافة الماليزية وعاداتها القديمة. والتي اندثرت بشكل كبير لاسيّما في المدن الحديثة مثل كوالالمبور، فلم يعد هناك احتفاء بها كما هو في القرى الصغيرة والمدن الأثرية. يتم كذلك شرح طريقة صنعها والخامات المستخدمة في الصنع، وتطييرها أو اللعب بها. أعتبره من أكثر المتاحف بساطة في عرض المعلومات وأكثرها متعة حقيقة، ربما لارتباط ما يحكيه المتحف بشكل أو بآخر بجزء من طفولتي.
متحف كوتا تينجي Kota Tinggi Museum في ولاية جوهور
من أجمل المتاحف التي زرتها خلال الرحلة. تم تصميم متحف كوتا تينجي Kota Tinggi Museum لعرض وإحياء ذكرى مملكة جوهور التي بدأت بعد سقوط إمبراطورية ملقا القديمة، إلى البرتغاليين في عام ١٥١١. وقد بدأ بناؤه والأعمال التنفيذية فيه عام ١٩٩٧، وأصبح مفتوحاً للزائرين في عام ٢٠٠٢. اُختير الموقع لأهميته التاريخية كمقر لمملكة جوهور القديمة، إضافة إلى وادي نهر جوهور (Johor River Valley). والذي كتب عنه الكاتب الماليزي الشهير نصوصاً عظيمة تحكي تاريخ حكام السلاطين الملايو، وأنساباهم وحكاياتهم.
ستجد في المتحف الكثير من القطع الأثرية القديمة والنادرة التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، مصفوفة في ممر يحكي قصص السلطنة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. كنا نتجول في جنبات المتحف ووجدنا على سبيل المثال قطعاً فخارية تعود إلى القرون القديمة قبل وجود “جوهر” كولاية من ولايات ماليزيا. إضافة إلى العديد من اللوحات القماشية الكبيرة، والأدوات الموسيقية القديمة، والأسلحة التي كانت في يوم من الأيام رمزاً لعتاد ولاية جوهر القديمة وقوتها. يحكي متحف كوتا تينجي Kota Tinggi Museum كل العصور التي عاشتها ولاية جوهور، والشعوب التي سيطرت عليها أو تقاسمتها كالبريطانية والهولندية. أو التي أثّرت فيها كالهجرات العربية بهدف التجارة والدعوة إلى الإسلام، وانتهاءً بالحرب العالمية الثانية، واحتلالها من قبل اليابانيين.
متحف الصيادين في ولاية جوهور
سيسافر بك هذا المتحف إلى حقبة بعيدة، حيث الصيد التقليدي في ماليزيا. يعتبر متحف الصيادين (Tanjung Balau Fishermen’s Museum) أحد أهم المزارات التاريخية ليس في ولاية جوهور فقط، بل في ماليزيا أيضاً. افتتح متحف الصيادين الوحيد في ماليزيا عام ١٩٩٢ للزائرين، وحظي باهتمام كبير لدى السواح الأجانيب والسكان المحليين.
من اسمه، يتخصص المتحف في كل ما له علاقة بالصيد وصيّادي الأسماك قديماً في ماليزيا. يعرض السفن القديمة التي كان يستخدمها الصيادون الماليزيون، لاسيّما الذين كانوا على الساحل الشرقي بحثاً عن رحلات بعيدة. يعرض المتحف كذلك جميع السفن التي انقلبت في المياه القريبة من الساحل الماليزي خلال القرن التاسع عشر. كما يتاح للزائرين فرصة التعمق في خرافات الصيادين، ورحلات ما قبل الصيد التي انتشرت بكثرة في الأيام الماضية.
قصر السلطان Istana Bukit Serene
وضعته في قائمة المتاحف باعتباره مزاراً مهماً. يعتبر قصر السلطان في منطقة بوكيت سيرين (Istana Bukit Serene) المقر الرسمي لسلطان ولاية جوهور، وأحد أشهر معالم الولاية. يُبقي القصر أبوابه مغلقة لاحتياطات السلامة، ولكنه يسمح للزوار التقاط الصور والاستمتاع بالمناظر المهيبة للقصر. يميزه وجود التاج الملكي في مدخل القصر، وهو قوس التاج الذي يشبه إلى حدٍ ما التاج الذي يرتديه سلاطين الولاية. إضافة إلى ذلك ستجد البرج الملحق بالقصر، والذي يصل ارتفاعه إلى ٣٥ متراً والذي تم تزيينه بالكامل بنقوش ومنحتوات تقليدية رائعة.
بما أنها أقصر مدة قضيتها لزيارة مكان تاريخي، كانت زيارتنا للقصر مسائية، والذي أراه أفضل وقت حقيقة. خاصة مع وأن الإضاءة الطبيعية الخافتة ستندمج بشكل كبير مع الإضاءة التي تزين قوس التاج.
نبذة تاريخية سريعة عن ولاية جوهور
بعد عام واحد فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية، اكتسبت مدينة جوهور اعترافاً كرمز للاستقلال عن الحكم البريطاني. إلى هذا الحد، كانت ماليزيا لا تزال تحت الحكم البريطاني لأكثر من ١٠٠ عام، منذ عام ١٨٢٤ عندما تم التوقيع على المعاهدة الأنجلو-هولندية. كان داتو سير عون بن جعفر قد شكّل المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (والذي أصبح فيما بعد الوزير الأعظم “Great Minister” لجوهور، لخوض قوانين منح الجنسية البريطانية بشكل مبالغ فيه لغير الملايويين. تلتها بسنوات قليلة حصول ماليزيا على استقلالها عام ١٩٥٧، ثم قرار سنغافورة الانفصال عن ماليزيا بالكامل عام ١٩٦٥.
بعد استقلال ولاية جوهر كسلطنة عن الحكم البريطاني، واصل سلاطينها جهودهم لتوسيع وإعمار البنية التحتية، وتوجيه مصادر الدخل الرئيسية إلى المصانع. كما بدأت في بناء الضواحي والمدن الجديدة. بحلول عام ١٩٩٤، تم تسمية عاصمة ولاية جوهور بارو رسمياً في يوم رأس السنة الجديدة من ذلك العام. تم بناء الساحة العامة الرئيسية في المدينة للاحتفال بهذا التغيير.
هذه التدوينة هي الجزء الثاني من سلسلة تدوينات رحلتي إلى ولاية جوهور بالتعاون مع هيئة السياحة للتعريف بولاية جوهور للمسافرين العربي. يمكنكم الاطلاع على التدوينة السابقة، والتي كانت تعريفاً مبسطاً عن الولاية. في التدوينة القادمة سأتحدث عن أهم المدن الترفيهية والملاهي في ولاية جوهور وسيأتي بعدها أفضل الجزر وأجملها في الولاية. ابقوا بالقرب! 🙂
لا تعليق