قد لا تبدو المدن والعواصم الأفريقية كما اعتدتها في قارة أخرى. ولكن دار السلام مدينة سريعة النمو، وستلاحظ ذلك كلما تنقّلت بين أحيائها. المدينة مزدحمة، ويمكنك قضاء ما يصل إلى ثلاث ساعات عالقاً خلال ساعة الذروة مساءً، ولكنها أيضاً مركز ثقافي. فمَن يحبون المدن والتنوّع الحضاري معاً، سيعيشون تجارب جميلة للحياة والثقافة المحلية. ولا عجب في ذلك، تحتوي المدينة على مطاعم رائعة، وحياة ليلية جيدة، والعديد من الشواطئ. كما أن وضعها كمركز اقتصادي في تنزانيا يجعلها مرتبطة بشكل جيد بالمدن المحيطة، وجزيرة زنجبار، والمتنزهات الوطنية في الجنوب.

كانت محطة الوصول من رحلة طويلة لعبور الحدود براً من كينيا إلى تنزانيا. لم تكن لديّ أي خطة مفصّلة للتنقل والسفر في تنزانيا، كما أن لديّ ثلاثة أشهر للإقامة فيها، وهذه مدة طويلة للتعرف على بلاد في شرق أفريقيا. قضيت ثلاثة أيام في دار السلام لأتسوّق بعد الشهور الطويلة في دهب وإثيوبيا وكينيا، بموارد محدودة، ولكنها كانت مخيبة. على الرغم من ذلك، تظلّ هذه المدينة جيدة وغنية ببعض الأماكن التي يمكنك زيارتها قبل الانتقال إلى وجهات أخرى في تنزانيا.

دار السلام عبر التاريخ

تطورت دار السلام على مدى القرن الماضي، من قرية صيد هادئة في زارامو إلى مدينة استوائية مزدهرة تضم أكثر من أربعة ملايين نسمة. يمتد هذا الميناء على أهم الطرق البحرية في العالم، وهو ثاني أكثر الموانئ ازدحاماً في شرق أفريقيا، والمركز التجاري لتنزانيا. وعلى الرغم من ذلك، تمكنت المدينة من الحفاظ على طابعها البسيط والواقعي.

عُمّرت في أوائل ستينيات القرن التاسع عشر تقريباً، من قبل السلطان ماجد بن سعيد من زنجبار الذي بدأ تطوير مدينة ميناء قريبة من مستوطنة صيد الأسماك مزيزيما. وقد تسارع توسعها بعد عشرين عاماً عندما أنشأت شركة شرق أفريقيا الألمانية الاستعمارية قاعدة فيها، واستخدمتها كمقر إداري وتجاري. وبعد الحرب العالمية الأولى، سيطر البريطانيون على المدينة وأنشأوا منطقتين منفصلتين بعيداً قليلاً عن قلب المدينة. إحداهما مستعمرة أوروبية والأخرى من الأفارقة الأصليين، وكان لدى الأحياء المميزة أيضاً قسم من التجار الهنود المهاجرين الذين يعيشون فيها. ونتيجة للعلاقات التجارية والفرص التي أتيحت لدار السلام مع شبه الجزيرة العربية والهند، دمجت البلدة بشكل طبيعي خلفية عرقية فريدة من نوعها، تتكون من عناصر من الثقافات الأفريقية والعربية والاستعمارية والهندية.

أين تقيم في دار السلام؟

ستجد في دار السلام مجموعة واسعة من خيارات الإقامة التي تناسب اختيارات العديد من المسافرين وميزانيتهم. بداية من الفنادق الفاخرة، والمنتجعات البوتيكية، إلى بيوت الضيافة وبيوت الشباب ذات الميزانية المحدودة، ستجد مجموعة متنوعة من الخيارات في جميع أنحاء المدينة. تشمل بعض المناطق الشهيرة للإقامة وسط المدينة وشبه جزيرة مساساني ومنطقة شاطئ كوندوتشي.

اخترت شخصياً الإقامة في ضاحية ماساكي، بالقرب من Slipway. رشّح لي صديقي محمد الخضير السكن في The Slow Leopard، حيث وجدت غرفة خاصة مناسبة للإقامة. كانت غرفة مزدوجة مثالية لرحلات العمل، فهي مشرقة وجيدة التهوية، تحتوي على مكتب وإمكانية الوصول المباشر إلى شرفة مشتركة. يقع المسكن على بعد دقائق فقط من المحلات التجارية، ومحاط بالعديد من المقاهي والمطاعم. كما أنه على بُعد رحلة قصيرة إلى المدينة أو عبّارة زنجبار أو الجزر القريبة.

قد تبدو دار السلام غالباً مجرد نقطة توقف للزوار القادمين أو المغادرين لتنزانيا. ولكن مع مشهد المطاعم المزدهر والحياة الليلية المزدهرة، فإن الأمر يستحق الإقامة يوم أو يومين إضافيين لتجربة حياة المدينة في شرق أفريقيا.

ثلاثة أيام في دار السلام

يبدأ معظم المسافرين رحلتهم إلى تنزانيا بالهبوط في دار السلام. وصلت المسكن المشترك مساءً، الرطوبة عالية في هذه المدينة الساحلية، بينما لا يزال مساؤها جيداً للمشي. ذهبت مباشرة إلى The Slipway، المركز التجاري الأقرب للهوستيل. وبه العديد من المطاعم الجيدة، والآيسكريم الشهي. وبينما أعِدّ جدول رحلاتي في تنزانيا، زرت عدداً من المقترحات السياحية، بما يتناسب ما أحب.

المتحف الوطني

تشمل أهم المعروضات الحفريات المحفوظة للإنسان القديم (أسلافنا القدماء، الذين تطور منهم الإنسان الحديث)، والتحف من مدينة/دولة كيلوا القديمة. افتتح المتحف الوطني وبيت الثقافة عام ١٩٤٠ كنصب تذكاري للملك جورج الخامس، ويأخذك في رحلة تعرض ماضي تنزانيا. يضم المتحف معروضات إثنوغرافية عن الحرف التقليدية والعادات والحلي والآلات الموسيقية. بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من السيارات القديمة، بما في ذلك سيارة رولز رويس التي استخدمها الرئيس السابق جوليوس نيريري، وإحدى السيارات الملكية للملك جورج الخامس ملك إنجلترا.

متحف القرية

يقع متحف القرية في دار السلام على بعد ١٠ كم شمال وسط المدينة، ويعرض المساكن التقليدية لبعض المجموعات العرقية التنزانية البالغ عددها ١٢٠ مجموعة. وإن كنت تعتقد أن رحلاتك في تنزانيا قد لا تقترب من أي مستوطنة تنزانية تقليدية، فيمكنك التعرف على الحياة الريفية في متحف القرية. يتكون المتحف من مجموعة من أكواخ القش الأصلية التي يسكنها ممثلون وممثلات من التاريخ الحي، ويعد بديلاً قريباً لزيارة فعلية لقرية تنزانية حقيقية. ومن خلال إظهار مهارات مثل صنع الفخار والنسيج وغيرها، ستشعر كيف صنع السكان حياة لأنفسهم في الريف التنزاني لأجيال.

كما يستضيف المتحف عدداً من الفعاليات الترفيهية مثل الرقص القبلي والأنشطة الثقافية الأخرى مما يجعله مكاناً مثالياً في دار السلام. لذلك، لا تفوّت مشاهدة الرقص القبلي التقليدي الذي يستمر لمدة ساعة.

تسوّقت في تنزانيا

أبهرتني الألوان في أفريقيا، تمازجها العجيب وتناسقها ملفت للأنظار. وتعد دار السلام مكاناً رائعاً للحصول على بعض الأقمشة الأفريقية  لك، أو كهدايا تذكارية. وجدت محل African Splash القريب من مسكني، بخيارات ملونة متعددة، وفساتين جميلة يمكنها تعديل مقاساتها خلال يوم. لم تكن الأسعار سياحية أو مبالغ بها على ما أظن، وهو ما دفعني لشراء فستان أفريقي طويل. في المقابل، يقول أكثر المحليين والمقيمين هنا أن أفضل مكان للتسوق والبحث عن الأقمشة تجده في شارع أوهورو، في وسط المدينة وهو المكان المثالي في دار السلام للتسوق عامة.

ضع في عين الاعتبار أنك في تنزانيا، فلن تجد مركز تسوّق كبير ونظيف، بل أسواق محلية ومتواضعة جداً. وللاستمتاع بتجربة تسوق أكثر تقليدية، توجه إلى سوق موينج للحرف اليدوية، حيث يمكنك تصفح أكشاك الحرف اليدوية والأعمال الفنية إن وصلت هنا، فستعلم أنني لا أحب التسوّق المعتاد، وغالباً ما أبحث عن الأماكن التي يتسوّق فيها المحليون.

هل تذكر تجربة التسوق في سوق ميركاتو في أديس أبابا؟ يعد التجول في سوق كارياكو تجربة فريدة من نوعها لا ينبغي تفويتها. الضجة، وتنوع المنتجات، والعدد الكبير من المحلات التجارية الصغيرة تجعل المكان حيوياً للغاية. وإن كنت تريد حتماً شراء أي شيء هنا، فعليك المساومة قدر المستطاع، للحصول على أفضل العروض. والهدايا التذكارية. يعد هذا السوق مكاناً ممتازاً لدعم الحرفيين المحليين والعثور على تذكارات فريدة من رحلتك.

الطعام المحلي مدهش!

أما الطعام، فوجدت هنا خيارات جيدة ومتنوعة، بدءاً من باعة الأطعمة في الشوارع والذين يقدمون الوجبات الخفيفة الشهية، وحتى المطاعم الراقية التي تقدم المأكولات العالمية. جربت عدداً من الأطباق التنزانية الأصيلة مثل نياما تشوما (اللحم المشوي)، وأوغالي (أحد مكونات دقيق الذرة الأساسية)، وبيلاو (شبيه بالأرز المقلي – ناسئ غورينغ في ماليزيا وإندونيسيا). يمكن لعشاق المأكولات البحرية الاستمتاع بمجموعة رائعة من الأسماك الطازجة من المحيط الهندي.

المواصلات والتنقل في دار السلام

• سيارة الأجرة: الطريقة الأسرع والأسهل للوصول إلى أي منطقة في دار السلام. يمكنك حجزها عبر تطبيق بولت.
• باجاجي (توك توك): ستجدها في أي مكان حتى تطبيق بولت. أركبها دائماً، خاصة في المشاوير شبه الطويلة. أسعارها أكثر توفيراً، ويمكنك حتى التفاوض مع السائق للذهاب إلى مناطق أخرى بعد المشوار الأول.
• حافلة المدينة (دالادالا): على الرغم من كونها فوضوية وممتلئة وبطيئة جداً في بعض الأحيان. إلا أنها أيضاً موثوقة جداً وتوفر خيار نقل سهل ورخيص نسبياً، مع إحساس إضافي بالمغامرة. لم أركبها في دار السلام، فقد كانت الأجواء حارة جداً ولن أتحمل الحر والروائح.

ما بعد دار السلام..

غادرت دار السلام بعد خطة مفاجئة إلى القرية الصغيرة، كيلوا ماسوكو برفقة عمر الجلا. لم أكن أعرف كثيراً عنها، ولكنها كانت تجربة جميلة للابتعاد عن السائحين وزحامهم والاستمتاع بالشاطئ بهدوء. اقرأها هنا. أو اقرأ كيف قضيت أياماً أخري مستمتعة بالإطلالة البهية على كلمنجارو من موشي.