إثيوبيا أديس أبابا القهوة وانعدام الأمان

إثيوبيا أديس أبابا القهوة وانعدام الأمان


منذ إنشائها في القرن التاسع عشر، بدت أديس أبابا دائماً وكأنها بوابة سحرية إلى عالم آخر. يراها سكان القرى والأرياف الإثيوبية كزهرة نضرة، كانت ولا تزال مدينة شوارعها مرصوفة بالذهب. أما الغريب، فيراها تتربع حافة عالم قديم وصوفي. ورأيتها -شخصياً- قِبلة للقهوة، بحفلات الجَبنة (أو البُنّه) الإثيوبية منذ قرأت عنها. على الرغم من ذلك، فهي رابع أكبر مدينة في أفريقيا وعاصمتها الدبلوماسية، ومدينة مترامية الأطراف، يحاول العديد من الزوار العبور خلالها في أسرع وقت ممكن. تكمن المشكلة في أنها تحوي الكثير من التناقضات والتي لا تريد تفويتها، وهو ما قد يُصعّب عليك فهم إثيوبيا تماماً. وعلى كل، أديس أبابا هي أفضل مكان في البلاد لتذوق الطعام الإثيوبي -والذي لم أستطعمه- مع العديد من المتاحف والمنتجعات الجيدة.

تقع أديس أبابا على ارتفاع يزيد عن ٧٧٠٠ قدم فوق مستوى سطح البحر. وهو ما يجعل أجواءها منعشة وخالية من التلوث، ومكان خصب. فعلى الرغم من أن إثيوبيا دولة نامية إلى حد كبير، إلا أنها شبه مستقرة، مقارنة بعدد من العواصم الأفريقية. وفي حين أن الأمور قد لا تسير بسلاسة دائماً، فهذه المدينة شبه المزدحمة ليست في حالة سيئة للغاية.

تاريخ أديس أبابا - إثيوبيا

أديس أبابا في التاريخ

زرت أديس أبابا، على الرغم من عدم تفضيلي للمدن والعواصم، لأنني سمعت كم هي مختلفة عن غيرها. ليست عاصمة عالمية بمباني عالية أو أبراج شاهقة كما اعتدنا في الدول الآسيوية. بل العكس تماماً.

تتمتع العاصمة الإثيوبية بتاريخ غني يتشابك مع تطور البلاد ونموها. اسم المدينة، الذي يُترجم إلى “الزهرة الجديدة” باللغة الأمهرية، هو إشارة إلى تأسيسها كعاصمة جديدة على يد الإمبراطور منليك الثاني عام ١٨٨٧. وقبل إنشاء أديس أبابا، كانت عاصمة إثيوبيا في مدينة جوندار، وهي مدينة معروفة بتاريخها الغني وهندستها المعمارية. وعندما واجهت البلاد ضغوطاً متزايدة من القوى الاستعمارية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، أدرك الإمبراطور منليك الثاني الحاجة إلى عاصمة جديدة أكثر ملاءمة للدفاع والإدارة. اختار منليك الثاني هذه المدينة لموقعها الاستراتيجي عند سفوح جبل إنتوتو، والذي كان بمثابة حصن طبيعي ضد الغزاة المحتملين. كما رأى إمكانية الزراعة والاستيطان في المنطقة بسبب تربتها الخصبة وإمدادات المياه الوفيرة.

ومنذ أيامها الأولى، أصبحت أديس أبابا مركز الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في إثيوبيا. كلّف منليك الثاني ببناء العديد من المعالم الشهيرة في المدينة، مثل القصر الإمبراطوري وكاتدرائية القديس جورج وضريح منليك الثاني. وكلها لا تزال شاهدة على تاريخ المدينة الغني. وقد واجهت المدينة نصيبها من التحديات، بما في ذلك الأضرار التي سببها الاحتلال الإيطالي خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، أعيد بناء المدينة واستمرت في التطور والازدهار. وهي اليوم مدينة تعج بالحركة وموطن للعديد من المؤسسات المهمة، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.

أين تذهب في أديس أبابا؟

يتخطاها عدد كبير من المسافرين، ويستخدمونها فقط كنقطة انطلاق إلى الدائرة الشمالية الشهيرة في البلاد. ويُقال، أنهم بذلك يخسرون زيارة إحدى أسرع المدن نمواً في أفريقيا؛ موطن لأفضل المتاحف والمطاعم والتجارب في إثيوبيا. كما تشتهر أديس أبابا بثقافتها النابضة بالحياة، والتي تنعكس في متاحفها وجامعاتها ومؤسساتها الثقافية العديدة. حيث يمكن للزوار استكشاف تاريخ المدينة وثقافتها من خلال متاحفها العديدة، مثل متحف إثيوبيا الوطني والمتحف الإثنولوجي، اللذين يعرضان التراث الثقافي الغني للبلاد.

مشيت في أجزاء منها فور وصولي بحثاً عن الطعام الممتاز الذي يتحدثون عنه، ولكنني لم أرَ ما يجذبني. وصلتني كذلك تحذيرات كثيرة من السكان المحليين أو حتى أصدقائي الذين عرفوا أنني في إثيوبيا، وتعرّضهم شخصياً للسرقة. وبسبب انعدام الأمن الفردي فيها، وصعوبة التنقل من مكان لآخر بسبب اللغة، وهذا ما جعلني أستعين بمرشد سياحي محلي فيها، لأرى أديس أبابا بشكل أفضل.

حديقة الوحدة في أديس أبابا

حديقة الوحدة

افتتحت حديقة الوحدة، أحدث المناطق السياحية الكبرى بأديس أبابا، في ٢٠١٩. وحتى تلك اللحظة، لم يكن معظم الإثيوبيين قد وطأوا أراضي القصر الوطني الإثيوبي، وهو المجمع السري الذي حكمت البلاد منه لأكثر من ١٣٠ عاماً. وهي تحتوي اليوم على مجموعة من المعالم الثقافية، بما في ذلك متحف صغير، وقاعة احتفالات كبيرة، ومجمع القصر السابق للإمبراطور منليك الثاني. يقع على تلة عالية في وسط المدينة، وستجد فيه إطلالة بانورامية شاملة على أديس أبابا، بالإضافة إلى شيء أكثر ندرة من الأسد الحبشي: الحدائق الخضراء داخل وسط المدينة.

سوق ميركاتو العالمي إثيوبيا

سوق ميركاتو العالمي!

يعد أكبر سوق خارجي في أفريقيا، على مساحة شاسعة للغاية، ما يجعله يبدو وكأنه قرية مؤقتة أكثر من كونه مكاناً للتجارة. في آخر إحصائية، تواجدت فيها أكثر من سبعة آلاف شركة / محل، تبيع بضائعها من موقعها المترامي الأطراف في كيتيما. مع وجود أعداد كبيرة من الناس في حالة تغير مستمر، وأصوات أبواق السيارات وقطعان لا حصر لها من الماشية، فإن المشي في ميركاتو يعدّ هجوماً ساحقاً على حواسك. أما الباعة والمشترين المحليين، فالأمر يسير كالمعتاد.

يقوم آلاف التجار بإنشاء متاجرهم كل يوم في ميركاتو، وأضمن لك أنه ليس سوقاً سياحياً أبداً. ومن الأفضل أن تتنقل مع مرشد لأن متاهة الأكشاك هذه مليئة بالناس وليس فخاً عادياً للسائحين. لن تجد مغناطيس الثلاجة أو هدايا السائحين هنا، فهو المكان الذي يذهب إليه الطهاة المحليون والعائلات وأصحاب المتاجر لشراء مخزونهم ومكونات مطبخهم. وعلى الرغم من أنه يبدو عبثاً للجميع، إلا أنه يتم ترتيب الأكشاك تقريباً حسب المنتج. الفواكه والخضروات الطازجة، ثم حبوب البن والجَبنة (أواني القهوة الإثيوبية)، التوابل العطرية، أكياس الحبوب الممتلئة. ثم ستجد شالات ملونة وملابس مقلدة، فيما تحتل الأدوات المنزلية والسلع المعاد تدويرها مساحة خاصة بها وسط الجنون.

وحتى لو لم تشترِ أي شيء، فإن تجربة الحجم الكبير والتنوع في المعروضات للبيع أمر لا يُنسى في حد ذاته. فقط كن حذراً من الضياع، فيما يشتهر السوق بالنشالين والسرقة، لذلك، لا أنصح بزيارته بدون مرشد محلي.

المتحف الوطني في أديس أبابا - لوسي - كاتدرائية الثالوث المقدس

المتحف الوطني في أديس أبابا

ستجده مبنى متواضعاً، يتميز بعلامة بسيطة، ومن الصعب تصديق أن المتحف الوطني في إثيوبيا يحمل أهم اكتشاف في أفريقيا. هنا “لوسي”، وهي أحفورة بشرية عمرها ٣.٢ مليون سنة. تم اكتشاف الحفريات عام ١٩٧٤، في منطقة شمال غرب عفار النائية في إثيوبيا، ويُعتقد أنها تعود لأحد أقدم أسلاف البشرية. الطابق السفلي بأكمله مخصص لقصة لوسي واكتشافها والموضوع الأوسع للتطور البشري. كانت لوسي تمشي منتصبة وتشبه الشمبانزي، وسترى كيف تمكن العلماء من إعادة بناء لوسي ورؤية أوجه التشابه (والاختلاف) شخصياً. وللأسف، عظام لوسي الحقيقية ليست معروضة، ولكنك ستتمكن من رؤية المدى الذي وصل إليه البشر في الـ٣.٢ مليون سنة الماضية.

ثم ستجد بقايا “سِلام”، وهو إنسان رضيع يعتقد أنه يسبق تاريخ لوسي بأكثر من مائة ألف سنة. تستحق الطوابق العليا الزيارة أيضاً، خاصة فيما يتعلّق بالفن الإثيوبي، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر (على ما يبدو)، ومجموعة من المصنوعات اليدوية، بعضها يعود تاريخه إلى ما قبل القرن الأول.

كاتدرائية الثالوث المقدس 

يدين العديد من الإثيوبيين المسيحية الأرثوذكسية، ويعيشون بسلام مع المجتمعات الإسلامية. ولهذا، تعد كاتدرائية الثالوث المقدس في أديس أبابا مكاناً يجب عليك زيارته. إنه ضخم ومزخرف، ومخصص للعبادة طبعاً. وهو موقع دفن الإمبراطور هيلا سيلاسي، فيما تعد ساحة الكنيسة موطناً لقبر المناصرة بحق المرأة في التصويت سيلفيا بانكهورست. تعد كاتدرائية الثالوث المقدس وجهة دينية مهمة في إثيوبيا. تم بناؤها في أوائل ومنتصف القرن العشرين، ويستحق ضريح الجرانيت الأسود الموجود في الكنيسة المشاهدة. للكنيسة خصوصية، وأوضح المرشد المحلي كيف ومتى تجري الصلوات، والغناء المنتظم كل يوم، وأحيانا صدقات للفقراء. تملأ الجداريات والنوافذ الزجاجية الملونة الكاتدرائية بالحياة والضوء واللون، وشيء ما فيها يُشعر بالرهبة.

ثم هناك كاتدرائية القديس جورج، المخصصة للقديس الراعي الذي تشترك فيه إثيوبيا مع إنجلترا. تم الانتهاء من بناء الكنيسة المثمنة عام ١٩١١، وإذا قررت الزيارة، فعليك زيارة المتحف المجاور الذي يضم التحف الدينية.

Booking.com

أين تقيم في أديس أبابا؟

كنت أظن أنني سأجد الكثير من بيوت الضيافة المحلية في أديس أبابا، وهو ما أبحث عنه دائماً في أي بلد. ولكنني صدمت بارتفاع الأسعار بشكل عام، مع انخفاض جودة الخدمة. على الرغم من أنني سمعت الكثير من انخفاض التكاليف السياحية في أديس أبابا أو إثيوبيا في السنوات الماضية، لكن الأمر عكس ذلك تماماً!

فإن كنت ممن يبحثون عن أقصى درجات الفخامة والراحة، فهناك عدد من الفنادق العالمية، مثل فندق شيراتون أديس، وهو فندق رائع ينضح بالعظمة مع هندسته المعمارية الكلاسيكية الجديدة وحدائقه المورقة ومناظره الخلابة للمدينة. أقمت فيه آخر ليلتين بعد أن جربت عدداً من الفنادق المحلية، بتجربة غير جيدة. خيار آخر من فئة الخمس نجوم هو فندق هيلتون أديس أبابا، الذي يجمع بين الأناقة والحداثة لخلق أجواء راقية ومرحبة. فيما يتميز الفندق بغرف مصممة بشكل جميل ومسبح خارجي مدفأ، والعديد من خيارات تناول الطعام، مع إطلالات بانورامية على المدينة.

الجبنة - بُنّة - طقوس القهوة في إثيوبيا

طقوس القهوة في أديس أبابا

يعرف الإثيوبيون كيفية تحضير القهوة، وهي موجودة في كل مكان! تشتهر أديس أبابا بالقهوة، ويعتقد الكثيرون أنها المكان الذي نشأت فيه هذه النبتة، ما يجعلها جنة محبي الكافيين. بداية من الأكشاك على جانب الطريق إلى المقاهي المختصة، حيث يمكنك العثور على مشروبك المفضل في جميع أنحاء المدينة.

لم يكن من المعقول طبعاً أن أزور أديس أبابا دون الحصول على تجربة إثيوبية حقيقية، المشاركة في حفل القهوة. ستُعرض عليك رائحة حبوب التحميص، ثم يمكنك الاستمتاع بالقهوة المقدمة من وعاء قهوة فخاري أنيق، مصحوباً أحياناً بالبخور المحترق. وإذا كنت تفضل قهوتك على الطريقة الأوروبية مع الحليب المبخر، فلا يزال بإمكانك العثور على اللاتيه والماكياتو اللذيذ في العديد من المقاهي في جميع أنحاء المدينة.

إينجيرا - الطعام الإثيوبي - القهوة الإثيوبية

الطعام الإثيوبي، المفضل للكثيرين!

يُقال، أن الطعام الإثيوبي لا يحظى بالتقدير الكافي. فهو لذيذ بشكل لا يصدق، وفي أديس أبابا يمكنك الحصول على نكهة حقيقية للأطباق التقليدية. يعتمد الطعام الإثيوبي النموذجي على “إينجيرا“؛ وهو خبز مسطح إسفنجي حامض قليلاً يُستخدم أيضاً كطبق وأدوات مائدة. يتم غرس اليخنة (الإيدام) بأنواعها، وطرق طهي مختلفة، ويتم تقديمها فوق إينجيرا. أفضل طريقة لتناوله هي يديك! اقطع جزاءاً من إينجيرا واستخدمها لغرف الإيدام أو اليخنة.

حسناً.. تناولت الطعام الإثيوبي من قبل، مما طبخته والدة صديقتي. لم يكن أياً مما طبخته “خالة فتحية” شبيهاً بما تناولته، بل كان أشهى وألذّ كثيراً! وحتى أحد الرحالة الذين قابلتهم في أسوان مدح المطبخ الإثيوبي، وهذا ما جعلني أتحمّس له حينما كنت في أديس أبابا. ولكن، ٩٠٪ من تجارب الطعام التي خضتها كانت مُحبطة للغاية. وعلى الرغم من توفر اللحوم، فإن معظم الأطعمة الإثيوبية نباتية، حيث أن تجنب المنتجات الحيوانية خلال أيام الصيام، وهو أمر مهم لمجتمع كبير من المسيحيين الأرثوذكس.

ما بعد أديس أبابا

كانت الخطة الأساسية هي جولة متكاملة، من أديس أبابا إلى بحر دار، للتجول في البحيرة، ثم تسلق الجبال فيها. وإكمال الرحلة فيما بعد إلى حديقة جبال سيميان الوطنية الشهيرة، ولكن الفترة التي زرت فيها إثيوبيا كانت غير مستقرة سياسياً. وهو ما صعّب الزيارة، إضافة إلى انعدام المواصلات العامة في تلك المناطق. فيما الشركات السياحية تطالب بالكثير، فالرحلة حتى هنا فقط، تكلف حوالي ٨٠٠ دولار للفرد!

وهذا ما جعلني أركز على السبب الرئيسي لزيارة إثيوبيا؛ وهي الكنائس في لاليبيلا! سأحكي لك هذه الأعجوبة الجميلة في التدوينة القادمة.


Deprecated: preg_split(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in /home3/aqadahbl/public_html/wp-includes/formatting.php on line 3506

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *