قررت نهاية الأسبوع أن أستريح قليلاً بعيداً عن البيت، والمكتب، والعمل المتواصل. لم أرِد الابتعاد كثيراً عن كوالالمبور، وفي مكان أعرفه جيداً. أحتاج إلى مكانٍ لم أزره منذ سنوات. ومن هنا جاءت مدينة ملاكا (Melaka)! لذلك؛ أتممت يوم الجمعة كامل الحجوزات؛ اخترت فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca)، والذي يقع ضمن المعايير التي وضعتها لهذه الرحلة القصيرة جداً.
فندق صغير ومريح، قريب بما يكفي من المرافق والخدمات، بعيد بما يكفي عن إزعاج السائحين، وبحكم وجوده في مدينة تاريخية فليس هناك ضرر من وجود تاريخ عريق له! أعرف سلسلة فنادق YTL في ماليزيا وغيرها، سكنت في عددٍ منها، ما عدا هذا الفندق. هناك الكثير من الفنادق، الكثير من المزارات السياحية إن أردت أن أعيش التجربة مرة أخرى، والكثير من الخيارات المتوفّرة للمحليين، أو غير السائحين التي أعرفها. ولا أريد أن أزورها كسائحة عادية قادمة من كوالالمبور بدأت تمارس الحياة بشكل شبه طبيعي كمحاولة للتعايش مع هذا الزائر الثقيل.
هنا تجربة مختلفة من كل النواحي إذن!
ما الذي أعرفه عن مدينة ملاكا
ملاكا (Melaka) هي الولاية التاريخية لماليزيا، غنية بالمباني التراثية والمعالم القديمة والمباني الاستعمارية. بدأ منها أول حدث استعماري، الأمر الذي شكل البلاد في نهاية المطاف، وأثّر على نظامها الاقتصادي والسياسي حتى اليوم.
في القرن الخامس عشر، كانت ملاكا إحدى أكبر الموانئ التجارية في جنوب شرق آسيا، والتي خسرت مكانتها مع مرور الوقت لصالح سنغافورة. لكن هذا التباطؤ في التجارة حمى الكثير من الهندسة المعمارية القديمة لعاصمة الولاية، مدينة ملاكا (Melaka) من الوقوع في فخ التنمية العصرية. وتم تتويج المركز التاريخي كموقع للتراث العالمي لليونسكو عام ٢٠٠٨، والذي يمثّل بداية عقد من التجديد.
وحتى الآن؛ لا يزال بإمكانك رؤية آثار القوات البريطانية، والهولندية، والبرتغالية التي تركت وراءها من خلال الحصون والمتاحف والكنائس والأبراج. لذلك تعدّ زيارة مدينة ملاكا تجربة ثقافية فريدة من نوعها، وكأنك تعيش في متحف كبير، بحكم مدينة. ستدهشك كثرة المباني التراثية، والمعالم القديمة، والهياكل الاستعمارية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن الثامن عشر. خذ وقتاً كافياً للعثور على الفندق المناسب والمنطقة المناسبة لرحلتك إلى موقع التراث العالمي الشهير لليونسكو.
زرت ملاكا عدة مراتٍ في رحلات سياحية قصيرة جداً، كان آخرها مع مجاهد في ٢٠١٦. ولكن؛ إن كانت هذه زيارتك الأولى إلى ملاكا، فإن العثور على فندق مثالي في الموقع المناسب أمر بالغ الأهمية لقضاء عطلة ممتعة.
فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca)
تتميز ملاكا بتنوع الخدمات السياحية بشكل كبير فيها، على الرغم من صِغَر المدينة. بداية من بيوت الضيافة الجذابة للرحالة، إلى الفنادق الأنيقة من فئة الخمس نجوم مع حمامات السباحة على السطح، والمنتجعات الصحية الفاخرة وأماكن تناول الطعام الواسعة. ستجد في هذه المدينة التاريخية العريقة مجموعة واسعة من خيارات الإقامة التي تناسب أي ميزانية. وكما ذكرت في الأعلى؛ أردت أن تكون إجازتي هذه المرة مختلفة، لذلك اخترت فندقاً مريحاً جداً، وليس مبهرجاً أيضاً. اخترت هذا الفندق للسمة التاريخية التي اشتهر بها.
يقع فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca) على ضفاف النهر الذي كان يعج بالسفن البحرية الصينية والسفن المحملة بالتوابل من جميع أنحاء العالم، ويقدم لمحة عن الملحمة الرائعة لإمبراطورية غير عادية. غارق في نسيج غني من التأثيرات متعددة الثقافات التي تنعكس في الهندسة المعمارية التراثية، وأنماط الحياة المتنوعة والمأكولات المنتقاة بعناية، هذا الفندق الكلاسيكي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ ملاكا الملون.
قلب الفندق عبارة عن قصر قديم لأحد المستوطنين الصينيين والذي تم تجديده مع المحافظة على شكله الأصلي. يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، يتميز بأرضياته الأصلية من بلاط البورسلين، والأعمدة وإطارات النوافذ المصنوعة من خشب الساج. تم توسيعه ليشمل غرف الضيوف والأجنحة بالإضافة إلى السبا، والذي يعكس تلك الحقبة، ويمزج بين الفخامة والحداثة والتقاليد.
القصر
يعود أصل فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca) إلى عام ١٩٢٩. كان قصراً خاصاً لرجل الأعمال Leong Long Man. وتم دمج البلاط الفيكتوري المستورد، والنوافذ الزجاجية الملونة، والأثاث والتجهيزات باهظة الثمن في منزله. للأسف، مرض وتوفي في عام ١٩٣١، بعد عامين فقط من الانتقال للعيش فيه. بدد ابنه الذي أوكل إليه ممتلكات العائلة ميراثه، وفي النهاية باع القصر لرجل أعمال يدعى ليم هينج فانغ عام ١٩٥٥.
ولحسن الحظ، قام السيد ليم بحفظ المبنى وتحويله إلى فندق ماجستيك. كان من الضروري للغاية الإقامة في الفندق خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي للعملاء أو الزائرين البريطانيين. ثم أصبح الفندق مشهوراً عندما استضافوا أول رئيس وزراء في ماليزيا عندما أعلن استقلال المستعمرة البريطانية السابقة في عام ١٩٥٧.
قبل إغلاق أبوابه في ٣١ يوليو ٢٠٠٠، أخذ الفندق منعطفاً أسوأ، حيث كان يعمل كبيت ضيافة متداعٍ. ثم جاءت هنا مجموعة YTL لإعادة القصر إلى مجده السابق في السنوات التي أعقبت إغلاقه. اعترافاً بالحاجة إلى الحفاظ على جزء لا يتجزأ من تراث ملاكا الغني، تدخلت فنادق YTL وتم الانتهاء من الاستحواذ على الممتلكات عام ٢٠٠٦. فيما تم ترميم المبنى التاريخي بالكامل وإعادة افتتاحه باسم فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca) في يناير ٢٠٠٨.
أين ذهبت خلال ٢٤ ساعة في ملاكا؟
قد يكون التخطيط لعطلة نهاية الأسبوع في ملاكا (Melaka) مهمة صعبة لمَن يزورها أول مرة. لذلك أردت وضع هذا الدليل المفيد لأفضل المناطق السياحية في المدينة، إضافة إلى المطاعم التي جربتها، والأسواق التي مررتُ بها في هذه المدينة. ولأنها تعتبر المدينة التاريخية لماليزيا، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي، يضم وسط مدينة ملاكا (Melaka) مجموعة من المباني التراثية، والمعالم القديمة، والمباني الاستعمارية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن الثامن عشر. وهذا ما يجعلها وجهة شهيرة لقضاء العطلات لعشاق التاريخ والثقافة.
إضافة إلى أنها مثالية للعائلات المسافرين مع أطفال بشتى الأعمار. أو الراغبين في استكشاف المناظر الطبيعية الجميلة، والغابات الترفيهية ومتنزهات الحيوانات والملاذات العائلية التي يمكن العثور عليها خارج المدينة الرئيسية مباشرة. وبالطبع، لا تكتمل أي رحلة إلى موقع التراث العالمي لليونسكو دون الاستمتاع بمأكولات البيراناكان الأصيلة، والتي تعد مزيجاً فريداً من الوصفات الصينية والماليزية. تابع القراءة لاكتشاف ما يمكنك القيام به ورؤية ملاكا (Melaka) في ٢٤ ساعة.
التاسعة صباحاً: الانطلاق من كوالالمبور إلى ملاكا
غادرت براً من كوالالمبور إلى ملاكا (Melaka) في سيارة مستأجرة. هل قلت أنني أردت عيش تجربة مختلفة هذه المرة؟ 🙂 الطريق سهل جداً، وسريع مع وجود زحام خفيف جداً قبل الخروج إلى الطريق السريع، ربما لأنه يوم السبت. وصلت خلال ساعتين تقريباً إلى المدينة التاريخية بما أننا لم نتوقف، لم يكن هناك أي أمر يستدعي ذلك أساساً.
الحادية عشر صباحا: الوصول إلى أطلال كنيسة القديس بولس
أعرف ملاكا (Melaka) جيداً، وأعرف مزاراتها التاريخية التي زرتها عدة مرات، ولكن، لا بأس من بعض تكرار الزيارة. اخترت البدء من كنيسة القديس بولس على قمة تل سانت بول. لا أدري إن كان هناك أي سبب حقيقي للبدء من هنا، ربما لأنه يذكرني بشكل كبير بالمواقع التاريخية في أوروبا.. حسناً!
بُنيت الكنيسة في موقع استانة (قصر) آخر سلطان في ملاكا (Melaka). كانت دولة منفردة آنذاك، وقد شيده القبطان البرتغالي فيدالغو (النبيل) دوارتي كويلو، تقديراً لمريم العذراء لإنقاذ حياته أثناء عاصفة في البحر. كان المبنى بلا سقف ومغطى بالنباتات، ويُطلق عليه في الأصل اسم Nossa Senhora da Annunciada (سيدة البشارة). وعلى الرغم من أن الكنيسة كانت في حالة خراب منذ أكثر من ١٥٠ عاماً، إلا أنها ملاذ جميل، تعبره النسائم. لا يمكن الوصول إليه إلا بصعود سلالم شديدة الانحدار، تقع بالقرب من بقايا حصن أفاموسا.
الواحدة ظهراً: تناول الغداء في مطعم
هناك تمازج عجيب تُعرَف به ملاكا (Melaka)، والذي انعكس بالطبع على تنوّع المطابخ فيها وظهور الكثير من المطاعم التي تتنافس على “الوصفة الأصلية” لمطبخ معين. اخترت الذهاب إلى مطعم زرته قبل سنواتٍ طويلة مع الصغيرين، بدلاً من تجربة شيء جديد في هذا الأمر. مطعم كوتيج سبايسيس، الذي يقدم أطباقاً من مطبخ “بابا نيويا”، وهم العائلات التي يكون فيها الأب وافداً من الصين، والأم ماليزية. وهي غالباً ما تكون مزيجاً لذيذاً ما بين الطعام الماليزي الحار المليء بالبهارات، لكنه مطعّم ببعض من المكوّنات ذات الطعم الحلو، كالأناناس لتُناسب المذاق الصيني.
الثالثة ظهراً: العودة إلى الفندق للاستراحة قليلاً
لم أكن على عجلة من أمري. الجو شديد الحرارة هذا اليوم، ومن الأفضل الذهاب إلى الفندق لساعة على الأقل بدلاً من المشي في الأجواء الحارة جداً. فندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca) كان مناسباً إلى حدٍ كبير، إنه قريب جداً من المزارات التاريخية التي أريد رؤيتها، لكنه بعيد عن الإزعاج وزحام السيارات والسائحين. يعجبني فيه هدوءه، إضافة إلى الديكورات المحيطة بمدخل الفندق تُشعِرك وكأنك تمشي في بيت قديم سكَنته في حياة أخرى!
الرابعة عصراً جولة في مدينة ملاكا (Melaka) التاريخية القديمة
يعتبر الميدان الهولندي في مدينة ملاكا (Melaka) من أكثر الأماكن الخلابة على طول طريق كوتا، إنها أيضاً المكان المثالي تجربة عربات “ترايشاو” الملونة بثلاث عجلات. تتميز المنطقة بمجموعة من المباني الهولندية الاستعمارية ذات اللون الأحمر المائل إلى البرتقالي التي تم بناؤها بين عامي ١٦٦٠ و ١٧٠٠، مع نوافذ وأبواب غليظة، ومفاصل حديدية متينة.
تهيمن النافورة المركزية على المنطقة: وهي عبارة عن إضافة مزخرفة من الرخام الفيكتوري، تم تشييدها عام ١٩٠٤ لإحياء ذكرى اليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا. يعد Stadthuys أحد أقدم الأجزاء الباقية من ملقا، وأبرز مبنى في الميدان الهولندي. يترأس الجانب الجنوبي بالكامل من الميدان الهولندي، وقد اكتمل بناؤه عام 1660 ويقال إنه أقدم مبنى هولندي موجود في الشرق. الجزء الداخلي من Stadthuys جميل، به سلالم بيضاء ضخمة ونوافذ عالية: يبدو مثل مبنى بلدية هولندي نموذجي من القرن السابع عشر، وهو جذاب للغاية ويتم صيانته جيداً. المنظر من النوافذ الخلفية للمنازل البيضاء التي تبطن الفناء مشهد خلاب بالفعل يطل على هذه المدينة التاريخية.
كنيسة المسيح
إن انعطفت يميناً عند مغادرة Stadthuys ستجد كنيسة المسيح (Christ Church). كما أنه يواجه النافورة، وقد تم بناؤه عام ١٧٥٣ للاحتفال بالذكرى المئوية للاحتلال الهولندي في ملاكا (Melaka)، واستبدال كنيسة برتغالية سابقة كانت في ذلك الوقت خراباً.
السفينة البرتغالية
إنها نسخة طبق الأصل من السفينة البرتغالية التي تعود للقرن السادس عشر The Flor de la Mar. تقف كجزء من متحف ملاكا (Melaka) البحري، نظراً لكونها إحدى أفضل سفن الشحن في ذلك الوقت. يُقال أن البرتغاليين حمّلوا فيها أملاك آخر السلاطين الملايوين قبل احتلالهم لملاكا، وكانت السفينة ثقيلة جداً، لكنها فُقدت قبالة سواحل سومطرة في رحلة من البرتغال إلى الهند.
السابعة مساءً: العشاء في الفندق
قبل أن أغادر الفندق إلى الرحلة التاريخية، أخبرتهم أنني سأعود إلى الفندق للعشاء. اخترت مطعم Melba at The Mansion الملحق بفندق ماجستيك ملاكا (The Majestic Malacca) لأنني أريد الابتعاد عن الإزعاج المعتاد في شارع جونكر، والزحام الذي اشتهر به.
هناك الكثير من الخيارات الجميلة التي عليك تجربتها في هذه المدينة التاريخية. لكنني أردت أقضي ليلة هادئة، فيما أجرّب أطباق من مطبخ Kristang التي اشتهر بها المطعم. كريستانج هو المطبخ الذي جمع ما بين المأكولات البرتغالية والهولندية والبريطانية. ومع ذلك، فإنه يحمل أيضاً مذاق المأكولات الماليزية والصينية والهندية المحلية بسبب التزاوج مع السكان المحليين. يواصل هذا المجتمع الحفاظ على عاداته وتراثه الثقافي، والذي يتضمن أيضاً لغة فريدة تسمى الكريول البرتغالية، ومأكولات كريستانغ الشهية.
اليوم الثاني، الحادية عشر صباحاً: المشي حول النهر في مدينة ملاكا (Melaka)
نهر ملاكا هو المكان المناسب للاسترخاء بعد قضاء النهار بأكمله سيراً في شوارع الحقبة الاستعمارية المتداعية. إنه منتزه متعرج من المتاجر والفنادق والمقاهي، وهو إلى حد كبير نقطة استرخاء محلية، ومنطقة منتعشة. ومنذ أن زرت ملاكا (Melaka) آخر مرة، شهدت ضفة النهر بعض التجديد الحضري، بما في ذلك إضافة فن رسومات الشارع على الجدران المواجهة للنهر، والجداريات أمام المتاجر لإضفاء الحياة على الشوارع الجانبية الصغيرة، ومتاجر البوتيك التي تضيف بعض الذوق إلى تجميل المنطقة.
الواحدة ظهراً: المغادرة إلى كوالالمبور
لم أحمِل معي أي حقائب كبيرة، وكنت أساساً في سيارة مستأجرة يمكنني المغادرة بها هذه المدينة التاريخية الجميلة. بعد المشي حول النهر والتقاط بعض من الصور، قررت العودة إلى كوالالمبور مبكراً. إنه يوم الأحد، وستكون الطرق مزدحمة إن تأخرت أكثر من ذلك.
لا تعليق