على عكس أغلب رحلاتي السابقة، كانت رحلتي هذه المرة لمدة قصيرة جداً، وبمفردي تماماً. ضغط ومشاكل العمل مع حصار الفيروس الأشهر الماضية، وكذلك تقليل الخروج من المنزل والتنقل بحذر. جميعها أسباب جعلتني في حاجة ماسة للاستراحة قليلاً، بعيداً عن المنزل والعمل. حتى ولو كان الوقت المتاح لدي هو إجازة نهاية الأسبوع، أي ٢٤ ساعة فقط.
هنا تذكرت قرية تونس وعدد المرات التي حاولت فيها من قبل زيارتها ولم أوّفق، لأسباب مختلفة. فكانت هي الاختيار الأنسب تماماً هذه المرة؛ مكان هادئ، قريب من القاهرة، يمكنه مساعدتي على الاسترخاء وإعادة تجميع قواي مرة أخرى. الآن بعد أن حددت الوجهة أصبحت الترتيبات أسهل. كل ما أحتاجه هو البحث عن مكان مناسب للإقامة داخل القرية. أنتهت رحلة البحث هذه باختيار فندق زاد المسافر، والذي جعل رحلتي أفضل بكثير مما توقعت. الآن سأروي لك كيف كانت رحلتي إلى الفيوم متميزة، وتستحق أن تقوم بتجربتها أنت أيضاً.
لماذا أخترت قرية تونس (Tunis village) وما الذي يميّزها؟
على بُعد ساعة ونصف إلى ساعتين من ميدان الرماية الواقع بجوار أهرامات الجيزة. تقع قرية تونس التي تقترب من نهاية حدود محافظة الفيوم الغربية. موقع القرية هو أهم ما يميزها؛ فهي مبنية فوق تلة، قبلها وبعدها أرض مستوية في نفس مستوى بحيرة قارون، وبذلك أعطت لسكانها مجالاً للاستمتاع بالمكان. ينظر سكان القرية من مكان عالي فيرون مشهداً بديعاً يمزج بين الخضرة والماء و رمال الصحراء الذهبية. ستجد المساحات الخضراء على مرمى بصرك من أي مكان بالقرية. وتدرج اللون الأخضر يحيط بك من كل جانب، وهذا بالتحديد هوسبب تسميتها بهذا الإسم نسبة إلى “تونس الخضراء”.
المعروف عن قرية تونس أنها قائمة على طراز المهندس “حسن فتحي” في العمارة. البيوت ذات القباب المصنوعة من مكونات البيئة، الحجارة والرمل والطين. اهتم سكان قرية تونس والوافدين منذ البداية ببناء منازلهم على الطراز نفسه، على الرغم من أن القرية أصبحت أكثر تحضراً الآن. إلا أنها مازالت محافظة على طبيعتها وروحها وطرازها المُميّز. حتى اليوم ستجد الكثير من المباني الجديد لكن بنفس التصميم التقليدي.
للقرية أيضاً شهرة عالمية في صناعة الخزف والفخار، حيث ستكتشف هذا الإبداع من أول شارع تدخله بالقرية. بدأت قصتهم مع الفخار منذ أن جاءت “إيفلين بوريه” السويسرية الأصل واستقرت في القرية. والتي كانت تعمل في صناعة الفخار. بعد استقرارها بفترة قررت أن تعلّم أبناء القرية هذه الصناعة، فأنشأت مدرسة لتعليمهم. رأت في الطبيعة المحيطة بالقرية مساعداً لأبنائها على أن يستوحوا رسوماتهم من الفطرة والمناظر المحيطة بهم. ومن وقتها وهي مستمرة إلي أن أصبحت تشارك في معارض دولية، لعرض منتجاتها ومنتجات أبناء القرية.
فندق زاد المسافر Zad Al-Mosafer
على الرغم من صغر حجم قرية تونس وبساطتها إلا أنك ستجد فيها مجموعة من خيارات الإقامة التي تناسب أي ميزانية. لكن كما ذكرت من قبل؛ أردت أن تكون رحلتي القصيرة هذه هادئة ومريحة جداً، لذلك أخترت فندق زاد المسافر.
على أحد جانبي طريق القاهرة قارون ستجد مساحة خضراء تطل من ورائها عليك بحيرة قارون. أما على الجانب الأخر من الطريق ستجد مدخل قرية تونس يستقبلك بجدارية في أوله مكتوب عليها “زاد المسافر” والتي تبعد خطوات عن مدخل الفندق الأساسي.
مع الخطوة الأولى لك داخل الفندق ستجد نفسك محاطاً بالورود والأشجار من كل جانب. بداية من ذلك الممر القصير الذي يقدّم لك لمحة تمزج بين تراث القرية المصرية، وجمال وسحر الطبيعة بألوانها الجذابة. كل الممرات الحجرية التي تفصل بين الغرف، والمطعم، وحمام السباحة. حتى المساحات المخصّصة للجلوس والاسترخاء داخل الفندق مُحاطة بالأشجار والورود من كل جوانبها، أبواب الغرف نفسها ستجدها ملفوفة بأشجار الورد.
لمحة عن تاريخ الفندق:
بدأت قصة فندق زاد المسافر عندما قام الكاتب والروائي والصحفي الشهير “عبده جُبير” بزيارة صديقة الشاعر “سيد حجاب” وزوجته السويسرية “إيفلين” في القرية التي أقاموا بها في الفيوم، ومن وقتها عشق جُبير طبيعة القرية. اشترى جُبير قطعة أرض وبنى عليها منزلاً له، وبدأ أصدقاؤه من الشعراء والكتاب التوافد عليه لقضاء يوم أو عدّة ساعات في المكان. وفي يوم ما اقترح عليه أحد أصدقائه تحويل منزله إلى بيت ضيافة (Gueshouse). بهدف استقبال الزوار الراغبين في الانعزال عن المدينة وصخبها لبعض الوقت في مكان هادئ، وكذلك المسافرين على طريق الفيوم.
استعان جُبير فى إنشاء هذا المنتجع بعدد من البناة الذين تتلمذوا على يد المهندس الشهير “حسن فتحي”. وكانوا على دراية بطرق البناء الريفية ذات القبب. بدأ جُبير بإنشاء عشش ريفية تحوّلت بعد ذلك إلى فندق بيئي على مساحة ١٥٠٠ متر، يضم ٢٧ شاليهاً. وبهذا يعتبر “زاد المسافر” أول فندق في قرية تونس. ومن حُسن الحظ أنه في الوقت الذي افتتح فيه “جُبير” الفندق، اعتمدت اليونسكو منطقة وادى الحيتان كتراث عالمي. ومن وقتها توافدت أعداد كبيرة من السياح غير المحليين على المنطقة، بما أنها كانت أول منطقة عمرانية، قبل وادي الحيتان. البعض من هؤلاء الفوافدين مكث لسنوات طويلة وهذا ما جعل تونس محط أنظار المحليين وغيرهم من الزوار.
على الرغم من أنَّ المالك الأصلي للفندق قرّر بيعه منذ عامين، إلا أن المالك الجديد “سيد الشاعت” قرّر الحفاظ على الروح العامة للمكان، مع تطويره من خلال ترميم بعض المباني. و بناء العديد من الغرف بخدمات أكثر، بالإضافة إلى إنشاء فيلاتين، إحداهما تحتوي على حمام سباحة داخلي خاص.
كيف قضيت ٢٤ ساعة في قرية تونس؟
على الرغم من أن قرية تونس صغيرة وبسيطة جداً، إلا أنك ستجد بها العديد من الأنشطة التي يمكنها تغيير مزاجك للأفضل. لذلك سأحكي لك في هذا الدليل كيف قضيت أربعة وعشرين ساعة في أجمل وأهدأ مكان في مصر، وما هي الأنشطة الإضافية التي يمكنك القيام بها إذا كان لديك مُتّسع من الوقت والمغامرة.
أكثر شيء ممتع بقرية تونس أنها مناسبة للرحلات الفردية وكذلك للعائلات بشتى الأعمار، إضافة إلى المغامرين الراغبين في اكتشاف الطبيعة البكر، وبعض مناطق التراث العالمي، وكذلك الاستماع بأشهى الأكلات المصرية.
الوصول إلى الفيوم من القاهرة
في الحادية عشر صباحاً من يوم الجمعة بدأت رحلتي البرية من القاهرة إلى الفيوم، الطريق سهل وسريع ما جعلنا نصل خلال ساعتين تقريباً. ستمر خلال الطريق بموازاة بحيرة قارون المشهورة، وعلى طول هذه المسافة استمتعت بمشاهدة العديد من أشجار الزيتون والنخيل والمزارع السمكية.
الوصول إلى فندق زاد المسافر:
على الرغم من أن هذه زيارتي الأولى لقرية تونس ـولكنها ليست الأولى لمحافظة الفيومـ لم أجد أي صعوبة في الوصول إلى القرية أو الفندق. قررت بعد وصولي الجلوس لبعض الوقت في الفندق والاسترخاء قليلاً والاستمتاع بمراقبة هذا المنظر البديع من داخل الفندق ومن أعلاه، خاصةً وأن الجو كان شديد الحرارة في ذلك الوقت. يمكنك من داخل القرية مراقبة المنظر البديع الذي يدمج بين تدرج المساحات الخضراء وبحيرة قارون، ورمال الصحراء الذهبية.
طلبت وجبة الغداء من المطعم المُلحق بالفندق بعد أخذ قسطٍ من الراحة. ولأن الوجبات المقدّمة محضّرة طازجة، فمن الأفضل طلب تحضير وجبتك وتقديمها في الساعة التي تريد. هناك العديد من الأطباق التي يمكنك تجربتها هنا، لكنني أردت أن أُكمل تجربتي بكل ما يحمل مذاق القرية وتُراثها.
جولة داخل شوارع قرية تونس
من الجيد أن هناك سلم داخل الفندق يأخذك مباشرةً إلى قلب القرية. ومع أول خطوات لك داخلها القرية ستجد الكثير من الرسومات الجدارية (Graffiti). ستجد نفسك مُحاطاً أيضاً بسلسلة من المحلات الصغيرة، والورش التي تعرض أجمل وأرقى أعمال الفخار والخزف . بالإضافة إلى مدارس تعليم صناعة الفخار التي ستجد الجميع فيها يرحب بك. بالإضافة إلى الفنادق التي يمكنك دخول ساحة معظمها، وأخذ جوله سريعة بها، وسط ترحاب العاملين بها.
ستتوقف خلال جولتك هذه كثيراً إما لمشاهدة أو شراء بعض من التحف المعروضة في المحلات الصغيرة المتتابعة في شوارع القرية. ستتمكن أيضاً من مشاهدة عملية تصنيعها في الورش المُلحقة بهذه البازارات، حتى أنه يمكنك التجربة بنفسك لصنع واحدة من هذه التحف. جولة فريدة مع إناس غاية في البساطة والحفاوة.
الاستمتاع بالغروب على ضفاف بحيرة قارون:
لا تدّع جولة القرية تسرقك كثيراً، وتذكر أن تحظى بالوقت الكافي لمراقبة الغروب عند بحيرة قارون. يمكنك أيضاً تأجير قارب والاستمتاع بالمشهد من داخل البحيرة؛ أنصحك بذلك. ويمكنك بعدها العودة إلى شاطيء البحيرة والاستمتاع بالجو مع كوب من الشاي. يمكنك الجلوس هنا لأي وقت تريد، أنا شخصياً جلست لساعات متأخرة من الليل بصحبة بعض الرفاق الذين تعرفت عليهم في الفندق. في هذه الليلة كان القمر مكتملاً والمنظر ساحر، فلم لا؛ ولدينا صحبة طبية والفندق قريباً جداً على أية حال.
أنشطة أخرى يمكنك تجربتها في قرية تونس:
ركوب الخيل: يمكنك استئجار الخيل من إحدى الاسطبلات في القرية والتجول به داخل المساحات الخضراء، أو على ضفاف بحيرة قارون في وقت الغروب أو الشروق في الصباح الباكر، هناك إسطبل أمام مدخل فندق زاد المسافر مباشرة.
رحلة سفاري والتخييم في صحراء الفيوم: يمكن استئجار سيارة رباعية والقيام بجولة داخل صحراء الفيوم. أمامك العديد من المزارات التي يمكنك زيارتها في جولتك داخل الصحراء، مثل: زيارة محمية وادي حيتان التي تعتبر تراثاً عالمياً، زيارة وادي الريان، والشلالات، وكذلك البحيرة المسحورة. يمكنك أيضاً التخييم لمراقبة النجوم ليلاً.
المشي ومراقبة الشروق على بحيرة قارون: جمال المنظر في المساء شوقني لرؤيته في الصباح، في الحقيقة المشي على الشاطئ في الصباح وإلتقاط بعض الصور التذكارية -في اليوم التالي- كان مناسباً تماماً لختام هذه الرحلة القصيرة.
المحطة الأخيرة في رحلتي بقرية تونس
بعد أن قمت بجولة حول البحيرة صباحاً، عُدت إلى الفندق لتناول الافطار والاستعداد للعودة إلى القاهرة. كانت الثانية عشر ظهراً الوقت المناسب لتوديع الأصدقاء بالفندق، والانطلاق في رحلة العودة إلى المنزل.
لا تعليق