وهران هي إحدى أكبر المدن الجزائرية وأهمها. أسسها التجار الأندلسيون المغاربيون عام ٩٣٧ بعد الميلاد، وقد تأثر تاريخها بالدول التي توالت عليها، وحكمتها. فهنا آثار العثمانيين، والبيزنطيين، والرومان والإسبان، حتى أن بها حلبة مصارعة الثيران! ثم تعرّف على آثار الفرنسيين، والعرب. فيما تتميز هذه المدينة الساحلية بطاقتها الهادئة والحيوية، والعمارة الاستعمارية هنا مذهلة. قف متأملاً جمال المدينة من قلعة سانتا كروز، وتجوّل في كنيستها. ثم استعد جمال المباني العثمانية وتفاصيل البناء في قصر الباي. وإن كنت مثلي تبحث عما هو غير سياحي، ستجعلك المباني المتداعية في حي سيدي الهواري والدروب الصغيرة في وهران مبهوراً.

حملت حقيبتي وغادرت صحراء تاغيت بعد أيام هادئة جميلة، عشتها مع الصحراويين، وشاهدت غروباً جميلاً لن أنساه. قادني السائق إلى مطار بشار الصغير للغاية، محمّلة بالذكريات الجميلة، والرمال الناعمة في حذائي وملابسي. وكلّي حماسة لزيارة وهران الحب، كما يسميها صديقي خالد.

وهران الحب، والحب وهران

يسميها الجزائريون “الباهية”، نسبة لجمالها وإشعاعها. تأسست في العصور الوسطى من قبل التجار الأندلسيين المغاربيين، ثم استولى عليها الأسبان، والأتراك ثم الفرنسيون. ستجد فيها بعض المعالم الرائعة، والهندسة المعمارية الفرنسية التي لا تزال باقية حتى اليوم. فيما المتاجر والمطاعم، وحتى الوجبات المحلية هنا مثيرة للاهتمام. تحتوي أيضاً على أقدم حي بُني على الطراز الإسباني، حيث يمكنك استكشاف التراث الإسباني بنفسك.

المدينة نفسها رائعة وحديثة، بجغرافيا رائعة، ومناظر بهية للمحيط وشواطئ جميلة. سحرتني المدينة، بتوفر العديد من المعالم التاريخية المثيرة للاهتمام. ففيها المسجد الكبير الذي بُني في القرن الثامن عشر، وكاتدرائية القلب المقدس الفخمة، ومسرح الثيران، وقلعة الباي الفاخرة منذ القرن السابع عشر. ثم كنيسة سانتا كروز ذات المناظر الخلابة المطلة على الخليج الجميل مع منظر بانورامي مذهل.

ما الذي زرته في وهران

وهران مدينة رائعة لاستكشافها سيراً، فهنا كل شيء قريب من بعضه تقريباً، والشوارع الضيقة تجعل من الزحام أمراً مزعجاً. وبما أنك ستمشي، فيمكنك الاستمتاع بالعمارة الاستعمارية بشكل أفضل، لاسيما بوليفارد سومام.

إحدى أجمل مسارات المشي والتي استمتعت بها، على طول شارع فرونت دي مير أو شارع الواجهة البحرية. يطل على الميناء، ويمتد على مسافة كيلومترين تقريباً. تصطف على جانبيه أشجار النخيل، مع إطلالات على البحر من جانب، ومزيج من المباني الجذابة، والمحلات التجارية وبائعي الآيس كريم من ناحية أخرى. وفي الأيام الصافية، سترى أيضاً كنيسة سانتا كروز الشهيرة، وحصن سانتا كروز الممتد على الجبال المقابلة.

قلعة سانتا كروز

قلعة سانتا كروز هي إحدى ثلاث حصون في وهران. الحصنان الآخران هما حصن دي لا مون في الطرف الغربي للميناء، وحصن سانت فيليب. وهو بديل للقلعة القديمة للقديسين المعروفة بالإسبانية باسم كاستيلو دي لوس سانتوس، في وسط وهران. فيما تتصل الحصون الثلاثة بواسطة الأنفاق. تم بناء القلعة بين عامي ١٥٧٧ و ١٦٠٤ من قبل الإسبان. يقف على ارتفع ٤٠٠٠ متر، حيث قمة Pic d’Aidour، فوق خليج وهران، المطل على البحر الأبيض المتوسط.

بنى العثمانيون أول حصن في المكان. وبعد أن هزم الإسبان العثمانيين في القرن السادس عشر، أعادوا بناء حصن سانتا كروز. وقد حكم الإسبان وهران لمدة ٣٠٠ سنة حتى ١٧٩٢. استمرت مدينة الحصن تحت الحكم الإسباني في النمو، مما تطلب توسيع أسوار المدينة. وعلى الرغم من التحصينات المحسنة، تعرضت المدينة لهجمات متكررة. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن المغربي الشريف مولاي إسماعيل حاول شق طريقه متجاوزاً الدفاعات عام ١٧٠٧، فقط ليرى جيشه ينهار. تعرضت وهران أيضاً لزلزال سنة ١٧٩١، عندما تضرر معظم المدينة وتم إجلاء الإسبان الذين حكموها.

ثم احتل الفرنسيون وهران، والقلعة عام ١٨٣١. فبنى الفرنسيون هذه الكنيسة عام ١٨٥٠ أثناء تفشي وباء الكوليرا، الذي أودى بحياة الآلاف من الناس في وهران. تقع الكنيسة أسفل الحصن. تم وضع تمثال السيدة العذراء مطلاً على البحر، تقف فوق الكنيسة وذراعاها مفتوحتان على مصراعيها هناك لحماية المدينة من الوباء. يُقال إنه نسخة طبق الأصل من كنيسة نوتردام دي لا غارد في مرسيليا، على غرار نوتردام دو سالوت دي سانتا كروز.

ساحة الأول من نوفمبر

Place du 1er Novembre، المعروف أيضاً باسم Place d’Armes، هو المحور المركزي لوهران. لا أعرف ما الاسم العربي له، ولكن من السهل العثور على الساحة، بشكل مربع، تتوسطها مسلة. وهي تتضمن صورة للقائد الأمير عبد القادر، أحد أعظم القادة المناهضين للاستعمار في البلاد ويعلوه تمثال يسمى لا جلوار. يشتهر المكان بالمعالم الجميلة التي تشمل دار الأوبرا، وHotel de Ville، وتماثيل الأسود الرائعة.

أكملت طريقي بعدها إلى مكتبة وهران. تم بناء Sacré Coeur في أوائل القرن العشرين ككاتدرائية كاثوليكية، وتم تحويله إلى مكتبة بعد الاستقلال. ويشكّل المبنى مثالاً جيداً للعمارة البيزنطية. لم تكن المكتبة كبيرة للغاية، ولكن القاعة الكبيرة تضم آلاف الكتب، وطاولات كبيرة في المنتصف.

بلدة سيدي الهواري القديمة

مدينة سيدي الهواري القديمة هي القصبة بالنسبة للجزائر. فهي موطن للعديد من المباني والمعالم التاريخية. وللأسف، لم يتم بذل أي جهد للحفاظ على هذه المنطقة التاريخية واستعادتها. يمكنك هنا زيارة قصر الباي، والحمام التركي (أصبح مركزاً لجمعية سيدي الهواري الصحية). إضافة إلى البوابة الإسبانية، والتي تسمى Porte d’Espagne، وكنيسة سانت لويس (غير مفتوحة للزائرين). ثم انتقل إلى منتزه ابن باديس؛ ليس بعيداً عن بلدة سيدي الهواري القديمة. وهو المكان المثالي لقضاء لحظة استرخاء، بعيداً عن صخب المدينة. ومن هنا يمكنك الاستمتاع بإطلالة جميلة على وهران.

حلبة مصارعة الثيران

أو كما يسميها الجزائريون؛ Arènes d’Oran. فبما أن الإسبان احتلوا وهران، فليس من المستغرب أن تكون هناك حلبة مصارعة الثيران هنا. ولكن المرشدة السياحية تخبرني بأنها لم تُبنى من قبل الأسبان، بل المستعمرين الفرنسيين الذين أرادوا نشر المشاهد الغربية في البلاد. وأصبحت شاهداً على التأثير الثقافي الإسباني الذي ظل حياً في المدينة. وعلى كل، فهذه الحلبة الوحيدة في الجزائر، وإحدى حلقات الثيران النادرة في إفريقيا. تم بناؤها عام ١٨٩٠ من الخشب، وبعد حريق أعيد بناؤه على حالته الحالية عام ١٩٠٨، وافتتح عام ١٩١٠.

وقد أقيمت فيه العديد من السباقات، قبل أن تتوقف مصارعة الثيران في يوليو ١٩٣٦، عند اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية. ثم استؤنفت عام ١٩٥٤، بعد التجديد، وبالتالي زادت سعتها من ٧ آلاف إلى ١٠ آلاف متفرج. وتم إغلاقها عام ١٩٦٠، أثناء الحرب الجزائرية. ونظراً لجودة الصوت في الساحة، لم يتم استخدامها فقط لمصارعة الثيران، بل في بطولات كرة القدم، ومباريات الملاكمة والمصارعة أيضاً.

تجوّلت في ساحاته وغرفه، بمساعدة مرشدة سياحية محلية خاصة بالحلبة. تجوّلت معنا، وشرحت تاريخهم تاركة لنا مساحة لاستكشافه. فيما تمت استعادة الحلبة بجهود محلية وحكومية، وتحولت الآن إلى مساحة لمعرض الفن.

قصر الباي في وهران 

جزء كبير من المنطقة المحيطة بالرأس المطل على الميناء هي منطقة عسكرية، لكن لا تدع ذلك يمنعك من زيارة القلعة الجديدة. وهي في الواقع حصن مرينيد سلطان أبو حسن الذي يعود إلى القرن الرابع عشر. جزء من المجمع مغلق، لأسباب أجهلها، ولكن قصر الباي مفتوح. مطلّ على المدينة والميناء، والبحر، والبوابة مثير للإعجاب، ولكن لم يتبق سوى القليل من الجلالة في المبنى. شيد المرينيد سلطان أبو حسن الجدران الضخمة لأول مرة في أربعينيات القرن الرابع عشر، وعززها الإسبان في عام ١٥٠٩، والعثمانيون في القرن الثامن عشر. ثم أحدث الفرنسيون تعديلات في القرن التاسع عشر، وحوّلوها إلى ثكنة عسكرية، وأضافوا فيها سجناً.

نقل الباي ، محمد الكبير، منزله إلى الحصن بعد أن أخلاه الإسبان عام ١٧٩٢. تجوّلت في المكان مع محاولة تخيّل حياة الباي فيها. مروراً بالغرفة العامة الرئيسية، ثم الديوان الذي يشتمل على مدفأة حيث كان عرش السلطان يقف تحت سقف مطلي. في الفناء الداخلي، إلى اليسار، ستجد غرفة المحظية المفضلة، ذات الجدران الجصية المتقنة والأسقف المطلية.

ماذا بعد وهران

تعلّقت بوهران، كونها مدينة ساحلية مليئة بالآثار التاريخية والطبيعية. ولو كان لي الخيار لأقمت فيها أكثر، وإن إردت اختيار مدينة في الجزائر لأعيش فيها كرحالة رقمية فستكون وهران بالتأكيد. ولكن صعوبة العيش فيها تكمن في كوني سائحة، والتنقل للسائحين في الجزائر لم يكن سهلاً خلال زيارتي لها.

غادرتها بعد أربعة أيام إلى تلمسان، لزيارة مناطق تاريخية وأثرية أخرى، سأحكي لك عن تجاربي بها في التدوينة القادمة. فكن قريباً!