فيانتيان (Vientiane) تُنظَق باللغة المحلية (Vieng Chan)، عاصمة لاوس. وصلتها بعد ما يقارب ١٣ ساعة براً، في رحلة ليلية انطلقت من لوانغ برابانغ. كان من المفترض أن تنطلق الحافلة في الثانية ظهراً، لكنهم على ما يبدو ألغوا الرحلة لخلل في الحافلة. ثم كانت الرحلة التالية في الخامسة عصراً. اخترت كما أفعل دائماً، السفر في حافلات السكان المحليين بدلاً من الحافلات السياحية.
ما الذي يجب أن تعرفه عن عاصمة لاوس؟
مقارنة بالعواصم الصاخبة والمزدحمة في دول جنوب شرق آسيا الأخرى، فإن فيانتيان (Vientiane) غير مزدحمة وهادئة إلى أبعد الحدود. لا أعتقد أنني رأيت أي زجام للسيارات في هذه المدينة عدى مرة واحدة خلال ساعة الذروة مع هطول الأمطار، لكنها لم تمتد لأكثر من ١٠ دقائق. هذا الأمر، مع طقس فيانتيان اللطيف معظم شهور السنة يبعث على الاسترخاء، ما يجعلك تشعر أنها بلدة صغيرة، وليست عاصمة لدولة.
وبالطبع، فإن صناعة السياحة المزدهرة تغير هذا الأمر ببطء عن طريق الزوار والسياح القادمين من تايلاند والصين غالباً. وتماماً مثل أي عاصمة أخرى في جنوب شرق آسيا، تشهد فيانتيان (Vientiane) طفرة في البناء. حتى قصرها الرئاسي يجري عملية تجديد قائمة على قدم وساق. إضافة إلى محاولتها الحثيثة للحاق بالدول المجاورة بافتتاح مركز مؤتمرات جديد مؤخراً.
تاريخياً…
قديماً؛ كانت فيانتيان (Vientiane) مدينة إدارية هامة لمملكة لان زانج في عام ١٥٤٥. ثم في عام ١٨٢٨م احتلتها مملكة سيام (الاسم القديم لتايلاند). ثم أصبحت عاصمة الحماية الفرنسية إلى أن استقلت عام ١٩٥٣ باسم لاوس. ولم يتغير فيها شيء بعد الثورة الشيوعية في عام ١٩٧٥. واليوم تعتبر فيانتيان أكبر مدينة في لاوس، ويقدر عدد سكانها بنحو ٢١٠ ألف نسمة في المدينة نفسها، وحوالي ٧٠٠ في المحافظة.
الاحتلال الصيني الحديث
شخصياً، كان الأمر المزعج بالنسبة لي هو الوجود الصيني الكبير نوعاً ما في هذه المدينة. وربما في لاوس بشكل عام. هناك اكتساح صيني كبير في فيانتيان (Vientiane)، كما يحدث في شمال لاوس، وإن كان بشكلٍ أقل. ما يحدث الآن أن الصين تستأجر لمدة ٩٩ عاماً مساحات شاسعة من هذه الدول الفقيرة، وبأسعار بخسة. تختار منها مناطق قريبة من حدودها لتكون منتجعات سياحية للصينيين بالدرجة الأولى، وربما الأقلية الغنية السواح المحليين بعدها. ما يحدث؛ أنها تبني إلى جانب المنتجعات محلات ومطاعم صينية، وبالطبع كازينوهات القمار. تجلب فيها عاملين صينيين، آلات صينية، ومواد بناء وكل شيء آخر صنع في الصين. ما يعني ببساطة، استئجار مساحات كبيرة في هذه الدول لتفيد التجارة الصينية بالدرجة الأولى.
العملة المحلية:
العملة المحلية في لاوس هي كيب (Kip) وعلامتها (LAK). تصل قيمتها إلى حوالي٨،٥٦١ للدولار الواحد. وهي الدولة الوحيدة التي لا تستخدم العملات المعدنية.
استكشفت مدينة فيانتيان.. مشياً!
بعد وصولي إلى فيانتيان (Vientiane) صباح الخامس عشر من سبتمبر، اتجهت إلى السكن الذي كنت قد حجزته مسبقاً. هناك؛ التقيت “ستان” رحالة روسي يبلغ في الرابع والخمسين من عمره. وبعد أن تناولنا إفطارنا، قررنا الخروج والمشي في المدينة. كان هذا يومه الثاني في فيانتيان، وهناك الكثير مما لم يزره بعد. وبالطبع، لم أكن أستطيع النوم صباحاً على الرغم من تعبي في الطريق والحافلة.
كانت فيانتيان أكثر المدن سهولة للمشي مقارنة بمدنٍ أخرى في جنوب شرق آسيا. ولن أقارنها بمدينة هوتشي منه في فيتنام أبداً، فالأخيرة مزدحمة ومجنونة! ستبهرك فيانتيان بسهولة المشي فيها، فالطرق نظيفة ومعبّدة، مع أرصفة ومسارات للمشي. وبالتغافل عن الأجواء الحارة خلال تواجدي فيها، فقد كان الأمر ممتعاً. معظم المناطق السياحية فيها، أو المعابد والمتاحف متقاربة. وحين نتعب -بالأصح أتعب أنا- نتوقف لشرب عصير جوز الهند في أي مطعم محلي. ستجِد على جوانب الطريق الكثير من الباعة المحليين الذين يبيعون سندويتشات محلية من الخبز الفرنسي. جرّبها، إنها جيدة في الحقيقة، ولا تزيد عن دولار واحد. جربتها عدة مرات، وكانت غدائي خلال الأيام التي قضيتها في فيانتيان (Vientiane).
متى تزور فيانتيان؟
أفضل وقت في السنة لزيارة المدينة هو أواخر ديسمبر إلى أوائل فبراير. حيث تتميز مدينة فيانتيان بمناخها الاستوائي التقليدي مع وجود موسم رطب وجاف، كما ترتفع نسبة الرطوبة على مدار العام. يمتد موسم الجفاف والبرودة من نوفمبر إلى مارس ويتميز بالسماء الصافية ودرجات الحرارة الدافئة. تتراوح درجات الحرارة مابين ١٦ درجة مئوية ليلاً و٢٨ درجة مئوية نهاراً. يستمر الموسم الرطب أو المطير من أبريل إلى أكتوبر ويتميز بالحرارة الشديدة والعواصف الرعدية الغريبة. وتتراوح درجات الحرارة في النهار حول ٣٢ درجة مئوية، وحوالي ٢٤ درجة مئوية ليلاً.
باتوكساي (Patuxai) بوابة النصر في فيانتيان
باتوكساي (Patuxai)، أو بوابة النصر. النسخة المحلية من قوس النصر في باريس. إلى جانب التزيين البوذي المتقن، فإنه يختلف بالطبع عن الأصل في فرنسا بوجود أربع بوابات بدلاً من اثنتين وكونها أعلى قليلا (لتتفوق على الفرنسيين). أعجبني منظرها أكثر مساءً بالأضواء التي تحولها إلى اللون الذهبي، حين مررنا مصادفة بجانبها. الأمر الآخر الذي أثار دهشتي هو وجود علامة باللغة الانجليزية داخل المبنى تسمى “monster of concrete“. على جانب من بوابة باتوكساي ستجد حديقة صغيرة بأشجار النخيل المصفوفة حوله بالكامل، والنوافير التي تلطّف الأجواء والمكان.
يمكنك الصعود إلى الطابق السابع لمشاهدة منظر جميل من وسط فيانتيان، مع وجود ثلاثة أدوار من محلات بيع التذكارات. ستجِد موقعه على الخريطة على هذا الرابط. تذكرة الدخول ٢٠ ألف كيب.
معبد ثانون ستاثيرات (Thanon Setthathirat)
عندما تتأمل الصورة الكبيرة من علٍ لمدينة فيانتيان، سترى بالطبع معبد ثانون ستاثيرات (Thanon Setthathirat) بالقبة الذهبية. يمكنني اعتبارها معلماً عظيماً لفيانتيان. هيكل أنيق ومهيب، ومعبد الملك سيثاثيرات الملكي السابق، الذي يضم تمثالاً لبوذا من الزمرد بعد أن تم أخذه من منطقة لانا في تشايغ ماي. بعد الكثير من الأزمات التي مرت بها البلاد، لم يعد المبنى معبداً حقيقياً. تحولت المناطق الداخلية إلى متحف صغير مغمور يضم صور بوذا.
كنت أتجول مع صديقي الروسي “ستان” داخل المباني، ونتنقل فيها رغم إغلاقها للزوار. استكشفنا المكان بهدوء، ووصلنا إلى مركز الأبحاث والدراسات البوذية. المكان الذي كنت أبحث عنه طيلة تنقلاتي في لاوس وتايلاند ولم أجده إلا في فيانتيان. كنت أتمنى لو أن أحداً هناك ليرشدني إلى أهم البحوث التي يمكنني قراءتها عن التعاليم البوذية. ولم أكن أملك الوقت الكافي في اليوم التالي للعودة إليه.
معبد وات سي ساكيت (Wat Si Saket)
معبد وات سي ساكيت (Wat Si Saket) يعدّ الآن معلماً سياحياً معروفاً، ويعرف باسم متحف سي ساكت (Si Saket Museum)، ويقع بالقرب من ركن ثانون لين زانج و ثانون سوثثيرات. من أجمل المعابد التي زرتها في فيانتيان بأجواء تأملية جداً. وهو على ما يبدو أقدم معبد دائم في فيانتيان. بني في عام ١٨١٨ من قبل تشاو أنو، ببنيان متأثر بالمعابد الموجودة في بانكوك. ترك دون عناية حقيقية أو ترميم عندما تم تدمير الكثير من فيانتيان خلال الغارة السيامية في عام ١٨٢٨. داخل جدران الدير مئات من المنافذ التي تحتوي على صور ورسومات قديمة تحكي قصة بوذا، مصنوعة من الخشب والحجر والفضة والبرونز. في وسط الباحة، توجد قاعة مكونة من خمسة طوابق، تضم المزيد من محاريب بوذا وجداريات جميلة.
حديقة بوذا (Buddha Park) في فيانتيان
من أكثر الأماكن التي حرصت على زيارتها في فيانتيان، ولم أندم على ذلك. حديقة بوذا (Xieng Khuan) هي عبارة عن مجموعة غريبة من التماثيل التي تحكي التعاليم البوذية، موضوعة في الهواء الطلق. سيدهشك المكان بوجود مجموعة كبيرة من التماثيل الخرسانية الضخمة من الآلهة البوذية والهندوسية، والوحوش الحقيقية والخيالية. ثم تمثال بوذا المتكئ المثير للإعجاب بشكل خاص. بني في عام ١٩٥٨ من قبل الصوفي لوانغ بو (Luang Pu Bunleua Sulilat) الذي غادر البلاد بعد أن استولت الشيوعية عليها.
حين تسير داخل الحديقة، ستبدو لك التماثيل وكأنها تعود إلى قرون، رغم أنها ليست كذلك. هناك منحوتات من البشر، والآلهة، والحيوانات، والشياطين. وبالطبع مع العديد من تماثيل بوذا، وشخصيات المعتقدات البوذية، وشخصيات العلم الهندوسي. كان من المفترض أن يتم تصوير هذه المنحوتات من قبل العمال غير المهرة تحت إشراف لوانغ بو. ويعتبر كل تمثال أو مجسم فيها تبرعاً من عائلات أو شخصيات غنية من داخل لاوس وخارجها. إحدى أبرز المنحوتات في حديقة بوذا هو مبنى كبير يشبه اليقطين العملاق. مكوّن من ثلاثة طوابق تمثل ثلاثة مستويات: الجحيم والأرض والسماء. دخلنا من خلال فتحة تم صنعها لتشبه فم لرأس شيطاني يبلغ طوله 3 أمتار. وعليك تسلق سلالم من الجحيم إلى الجنة. تحتوي كل قصة على تماثيل تصور المستوى. ثم في الأعلى، يمكن الخروج إلى نقطة مميزة حيث يمكن رؤية المتنزه بأكمله.
كيف تصل إلى حديقة بوذا؟
يعتبر التنقل من-إلى معبد بوذا بالحافلة أمراً سهلاً، ابحث عن الحافلة العامة رقم 14 فهي أرخص بكثير. تغادر الحافلة رقم 14 محطة Talat Sao (المجاورة لسوق الصباح) إلى حديقة بوذا على فترات تتراوح من 15 إلى 20 دقيقة. ستجد جدول الرحلات على الحائط بالقرب من مكتب التذاكر. ابحث عن الحافلات الخضراء والبيضاء بالقرب من برج كهربائي كبير عبر الشارع من المحطة الرئيسية. تكلفة تذكرة الحافلة 8 آلاف كيب للفرد/الرحلة. وعند العودة إلى فيانتيان يمكنك أمام مدخل حديقة بوذا لانتظار الحافلة. يمكنك كذلك استئجار توك-توك، والذي تصل تكلفته 80 ألف كيب ذهاباً وإياباً، ويمكنك الاتفاق مع سائق التوك-توك لانتظارك.
كيف وصلت فيانتيان؟
كانت الرحلة طويلة من محطتي السابقة حيث مدينةلوانغ برابانغ، أعتقد أنها استغرقت حوالي 13 ساعة. قد تبدو طويلة وغير مريحة، لأنها بالفعل كانت كذلك. لكن الأمر لم يهمني كثيراً، فالمناظر الجميلة في الخارج أنستني كل شيء. كما ذكرت سابقاً، فقد ابتعت تذكرة الحافلة من السكن المشترك الذي كنت فيه في لوانغ برابانغ. وهو الأمر الذي ندمت عليه في الحقيقة. لذلك أنصح دائماً بعدم المغامرة في شراء تذاكر الحافلات، وشرائها من موقع 12Go.Asia، فهي أكثر ضماناً.
تغادر الحافلات من وإلى وجهات في محافظة فينتيان من محطة حافلات Talat Sao، شرق السوق الصباحي وسط المدينة. محطة الحافلات الجنوبية (Southern Bus زStation)، التي تستخدمها جميع الحافلات القادمة من الجنوب -بما في ذلك حافلات السياح والحافلات الفخمة- تقع على Thanon Kaisone Phomvihane، وهو أول امتداد لـ “Route 13 South“. ويسمى أيضا محطة الحافلات Dongdok. يقع على بعد 10 كم وعلى الجانب الشمالي الشرقي من المركز. تغادر وسيلة المواصلات songthaews الشهيرة في لاوس من محطة حافلات Talat Sao، وتصل تكلفتها حوالي 20 ألف كيب للفرد مشتركة مع أشخاص آخرين. لا تنسَ فحص وأخذ جميع أمتعتك من الحافلة عند مغادرتها، فمن المرجح أنك لن تستسطيع استردادها فيما بعد.
أين تسكن في فيانتيان؟
كعاصمة، هناك الكثير من الفنادق العالمية فيها. على الرغم من ذلك وجدت الكثير من الفنادق التي مدحها لي مسافرون آخرون بأسماء محلية ومستوى عالمي. خلال تواجدي في فيانتيان، وكما أفعل دائماً سكنت معظم مدة إقامتي في السكن المشترك. هذا الأمر يتيح لي التعرّف على المسافرين الآخرين والحصول على المعلومات التي ستفيدني خلال تنقلي. قبل مغادرة فيانتيان، قررت الإقامة في فندق لليلة واحدة. العادة التي أتبعها في مدينة أسكنها. هذه المرة وقع اختياري على فندق Le Thatluang D’oR by D Varee. يقع على بعد 1.3 كم من Thatluang Stupa ويحتوي على مسبح خارجي. كما يقع بالقرب من مركز الأعمال العالمي في لاوس، وهو ما أتاح لي مقابلة العديد من المسافرين.
هناك كذلك فندق Crowne Plaza Vientiane المعروف، والذي كان بالقرب من السكن المشترك الذي أقمت فيه. إضافة إلى فندق Sabaidee@Lao Hotel Vientiane المحلي، والذي أخبرني عنه أحد المسافرين الذين أقاموا فيه.
بعد فيانتيان، قررت إكمال طريقي جنوباً إلى قرية صغيرة حيث يمكنني من خلالها زيارة كهف Kong Lor البهي. هذا الجزء من رحلتي في لاوس لا يمكنني نسيانه. كانت في الحقيقة أفضل مكانٍ أختم بها تجوالي في لاوس، وتمنيت حقيقة لو طالت إقامتي فيها. ستأحدث عنها في المحطة السابعة لرحلتي. ابقوا بالقرب! 🙂
لا تعليق