الترحال والسفر أسلوب حياة للعمل عن بعد

الترحال والسفر أسلوب حياة للعمل عن بعد


هل كنت أظن أنني سأعيش حياة الترحال يوماً؟ أبداً! حلمت في صغري دائماً بالسفر لكل بلدٍ سمعت به. أخذتني أمي معها وأخوي إلى ماليزيا لأول مرة حين كنت في الحادية عشر. كانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج السعودية، والمرة الأولى التي أرى فيها مطاراً بهياً كمطار كوالالمبور. سيدات يقُدن سياراتهن بأنفسهن، مثل خالاتي وعمّاتي. وكانت المرة الأولى التي نقطف فيها فاكهة الرمبوتان من شجرة خلف بيت جدتي ونأكلها مباشرة. إنها ألذّ طعماً عما كان مستورداً ويُباع في المحلات الآسيوية في السعودية. رأيت لأول مرة حقول الأرز التي تمتلكها العائلة، مساحات شاسعة وممتدة من اللون الأخضر. ركبت الدراجة الهوائية أول مرة في قريتنا، كلّ مَن في القرية يعرفونني لأنهم يعرفون والديّ. بيوت الجدات كانت تغصّ بالأقارب الذين جاءوا للتعرّف علينا. في الحادية عشر من عمري تهوّرت وقصصت شعري لأول مرة ليشبه الأميرة ديانا. وبالطبع، فزِعت أمي!

الإدمان على الترحال

أصبح الترحال والسفر جزءاً كبيراً من حياتي. تكررت رحلات العودة إلى ماليزيا، والإجازات الصيفية الآن بطعمٍ مختلف. أعود دائماً بحكايات كثيرة أحكيها لبنات خالاتي في السعودية، ولصديقات المدرسة. أحببت الطائرة بعد كل هذه السفريات المتكررة، فكرة أن أكون فوق السحاب وداخله. حتى أنني تقدّمت للعمل كمضيفة للطيران في الخامسة والعشرين. قُبِلت مبدئياً، لكنني تخوّفت وانسحبت في النهاية. اكتشفت فيما بعد أن الأمر ليس متعلقاً بالطائرة، بل الترحال ذاته. أحببت أكثر فكرة أن أرى كل يومٍ شيئاً جديداً، أن ألتقي أناسَ جدد، ننام عدة ليالٍ في بيتٍ ما، ونقضي نهاراتنا نتنقّل بين القرى.

المناطق السياحية في ولاية صباح ثمانية عشر في ماليزيا

ثمانية عشر عاماً في ماليزيا

كم سنة قضيتِ في ماليزيا؟” سؤال كان يتردد من الآخرين خلال العام الماضي. وفي كل مرة كانت الإجابة: سبعة عشر عاماً. يتعجبون فيما بعد، وأُردِف: أعلم! حان الوقت للرحيل إلى مكانٍ ما. تختلف الانطباعات فيما بعد بين متعجب وبين مَن يسألني عن الوجهة التالية، أو في حالات أخرى، أين عِشت قبل ماليزيا.

غالباً ما يتكرر هذا النوع من الحوارات مرتين أسبوعياً، في العمل، أو سائقي أوبر. وبتكرار “حان الوقت للرحيل” تولّدت قناعة في نفسي بأنني فعلياً يجب أن أتخذ هذه الخطوة. صادف وأن كان العام ٢٠١٧ منذ بدايته مليئاً بالسفر، أصبحت سفرياتي متتالية أكثر مقارنة بالسنوات السابقة. كانت سنة المفاجآت، وفي مجملها تسعة رحلات ما بين داخلية ودولية. بدأت أؤمن جدياً بحياة الرحالة الرقميين، وأن هذا النمط من الحياة غير الهادئة يناسبني أكثر.

ثم.. غمرتني الردود والرسائل الإيجابية من القراء منذ أن نشرت في تويتر تغريدة عن بداية حياتي كرحالة رقمية. تلقيت عدة رسائل من دول مختلفة أخبروني كيف أنني ألهمتهم لتحقيق حلمهم بالسفر والترحال. تسعدني هذه الرسائل، وأريد أن أغتنم هذه الفرصة لأشكركم جميعاً على كلماتكم الرقيقة وعلى دعمكم!

تكررت الأسئلة من كل مكان. خاصة بعد أن قررت نشر مقتطفاتٍ من رحلاتي أو المناطق التي أزورها على تويتر وانستقرام. تكررت أسئلة متعلقة عن حياتي السابقة وكيف بدأت أسلوب حياة العمل والترحال والسفر. سأفصّل في هذه التدوينة كل ما قمت به من أجل إعطائك فكرة مبسطة عن الترتيبات التي اتخذتها لأسلوب الحياة هذا.

مدونة سفر والترحال في النيبال أبريل ٢٠٢٢ الوجهات السياحية

ما الذي دفعني إلى حياة الترحال؟

عام ٢٠١٥

أكملت تسع سنوات بالضبط في مسيرتي العملية، في سن الرابعة والثلاثين. عمِلت مباشرة بعد انتهائي من الدراسة الجامعية، وبعد مولِد دانة بشهرين فقط. وجدت نفسي في وظائف روتينية، مثل الكثير مما يسير حولنا، ووِفق ما نظنّه النظام الطبيعي للأشياء. أعمل يومياً من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. عمِلت في مجالات متعددة، بدأتها بالمجال البنكي، ثم السياحي، ثم القنصلي.

منتصف عام ٢٠١٦

التحقت بشركة حكومية تهتم بإحدى مجالات الأعمال. تخصصي الدراسي، وإتقاني للغات متعددة ساهم في تغيّر هذه المجالات وعدم ترابطها بأي شكل من الأشكال. قد يكون الأمر الإيجابي أنني خلال تلك السنوات أيضاً مازلت حريصة على علاقاتي التي كوّنتها في المجال السياحي. كوّنت على أساسه شركة صغيرة، نستهدف من خلالها مسافرين من نوع غير المتكرر في ماليزيا والدول المجاوِرة. كان هذا الأمر نافذة صغيرة لإحدى متع الحياة، حتى وإن لم يعرف عنها أحد من أصدقائي. كان مرهِقاً في بعض الأحيان، خاصة مع وجود عملٍ أساسي، والأخير كان أشبه بحفّارة نفسيه، فكلنا يعرف ما يعني العمل في شركة حكومية. لم يكن هناك الكثير من الأريحية في العمل، ولم تكن بالطبع هناك الكثير من المتعة.

كنت مرهقة ذهنياً إلى أقصى حد. لكنني كنت أقنِع نفسي بأنني فقط بحاجة إلى تعزيز معرفتي بشأن إدارة الأعمال، وأنني سأستخدمها كسلّم لمستقبلي المهني. أكرر يومياً، “هذا الأمر سيمضي“، كنت أقول لنفسي: عامين، ثم يكون لكِ ما تريدين. إنني الآن أخطط للتفرّغ الكامل لعملي في المجال السياحي وأقوّي وجوده وأوسّع دخله.

أصل الفكرة، أمريكا اللاتينية

أغسطس ٢٠١٧

مرّ عام. كنت مرهقة نفسياً وتعيسة. كنت أحصل على ما يكفي من المال لأعيش حياة مرفّهة. لدي فريق عمل كبير الآن، ومهام أكبر. أصبح اسمي يتكرر بين الفينة والأخرى في المشاريع التي تنفّذها الشركة. لقد كان الأمر رائعاً للغاية، ولكن ما كنت أفكر به دائماً: هل هذا كل ما في الأمر؟ ما الجيّد في كل هذه الأمور إن لم أكن سعيدة؟ أعدّ الساعات في مكتبي حتى أتمكن من العودة إلى البيت. وبالطبع كان يوم الإثنين أثقل الأيام على نفسي. كنت في انتظار الإجازات الأسبوعية أو العامة دائماً، لأقضيها في مكانٍ ما، وفي أحيانٍ أكثر أنغمِس في عملي السياحي الخاص. كنت ببساطة أستقيظ مرهقة، وتسير أيامي بلا إلهام.

بعد فترة، بدأت في التعبير لمن حولي عن فكرة الاستقالة. كنت فعلياً أريد التفرّغ لعملي الآخر الذي أحبه. مللت من السفر في إجازات قصيرة أسرقها من بين أيامي. كنت أريد على الأقل التقديم على إجازة طويلة من كل شيء، والسفر لأبعد نقطة يمكنني الوصول إليها. فيما كان مَن حولي يرددون: مجنونة! الاقتصاد يسوء كل يوم وهناك مَن لا يستطيع إيجاد عمل. جعلني هذا الأمر أتردد أكثر وأكثر.

فكرة مجنونة!

ثم.. كفكرة مجنونة زارتني في أسبوع ميلادي السادس والثلاثين، أخبرت “رحاب” ذات ليلة عن السفر إلى أمريكا اللاتينية. بدءاً من المكسيك وانتهاءاً بالبرازيل، مروراً بأكثر من ثمانية عشر دولة، بجزرها وغاباتها ومدنها وقراها وبلداتها.

بدأت القراءة المكثفة عن كل ما يتعلّق بالسفر إلى أمريكا اللاتينية، وأصبح منذ ذلك اليوم الموضوع الأساسي الذي أتحدث عنه. قرأت عن كل دولة، أي المدن سأزور، وأي الطرق سأعبر. وصلت إلى حد الاحتفاظ بتواريخ معينة لكل مناسبة مهمة تحدث هناك، وانتهيت بحفظ روابط لشركات الحافلات وجداول رحلاتها. وضعت ميزانية محددة لهذا النوع من السفر والترحال. وعليه؛ وضعت جدولاً وخطة صارمة للسير عليها. أمامي عام واحد للترتيبات.

إلى اليوم؛ مازال هذا الحلم الأكبر الذي أريد تحقيقه. وفي الحقيقة، أعمل عليه الآن من خلال السفر في دول جنوب شرق آسيا.

آيباد برو ١٢.٩ لسنة ٢٠٢١ وتطبيقات العمل

مدوّنة متخصصة في السفر وأساليب الحياة

أعدت ترتيب المدونة في العام ذاته لتكون متخصصة في السفر وحياة الرحالة الرقميين. صادف ذلك أن كانت سفرياتي وتنقلاتي كثيرة سواءً في ماليزيا أو خارجها، وأصبحت المدونة إحدى المراجع التي يعتمِد عليها الكثيرون ممن يريدون زيارة ماليزيا خاصة. في المقابل؛ تعاونت مع الكثير من الجهات الحكومية والشركات المتخصصة في صناعة السياحة بالترويج لماليزيا. كوّنت نجاحاً مميزاً في فترة قصيرة، وأصبحت أعرّف نفسي بأنني “مسافرة دائمة“.

ولكن مرة أخرى، كان التدوين يتطلب وقتاً كبيراً. ولأنه مخصص للسفر فبطبيعة الأمر يتطلب السفر المتكرر. يعني ذلك الغياب المتكرر عن العمل الأساسي، والذي كان من الصعب بالنسبة لي الحصول عليه اعتماداً على كثرة المشاريع التي يجب على فريقي تنفيذها.

تعززت في داخلي فكرة الاستقالة من عملي من أجل ذلك. أدركت أكثر وأكثر كيف سيتحسن كل شيء إن استطعت التحكم في وقتي. لم أعد أفكر في ترك وظيفتي الحالية وإيجاد وظيفة أخرى في مجال أحبه. كنت أفكر أكثر في ترك المشهد العام للشركات، لأنني أعرف أن الحصول على وظيفة مكتبية لن يساعدني أبداً في تحقيق هذه “الحرية”. السؤال الوحيد الذي يلوح في الأفق هو: كيف؟ كيف يمكنني البدء والحفاظ على حياة السفر والترحال والعمل دون العمل في أي شركة.

وكما لو أن الحياة استمعت لنداءاتي

التقيت من خلال التدوين ومواقع السفر بأشخاص خارج دائرتي بالإضافة إلى بعض الأجانب. كانوا إما رحالة، أو روّاد أعمال يحاولون خلق عالم جميل. كانوا هؤلاء جميعاً بطبيعة الحال مصدر إلهام، لأن هذا هو بالضبط ما أردت القيام به! تبادلنا الكثير من القصص وبدأت أغبِطهم على أسلوب حياتهم وخبراتهم. وعندما يحين الوقت للتحدث عني، أخبرهم عن شعوري تجاه وظيفتي الحالية. كنت أجيبهم بصدق عن استيائي، مثل كل مرة أجيب فيها على هذا التساؤل. ثم ما حدث بعد ذلك؟ كان الأمر مذهلاً!

نصحني جميعهم بالاستقالة إذا أردت ذلك حقاً. أعطوني أفكاراً حول ما يمكنني فعله بعد ذلك استناداً إلى اهتماماتي وشغفي. التقيت أشخاصاً لم يطعموني الخوف، بل شجعوني على احتضان الخوف، وأن أكون مختلفة وأخرج من حيّز الأمان. شجعوني على أن أقفز نحو حلمي!

في النهاية، قلت لنفسي: لقد حان الوقت! ولأنني مازلت متخوفة من التغيير الجذري، حوّلت خطة الترحال إلى دول جنوب شرق آسيا. هذه الرحلة الحالية أردتها تمهيداً وتمريناً للرحلة الأكبر، إلى أمريكا اللاتينية. هنا، في جنوب شرق آسيا شعب أعرفه -نوعاً ما- وأطعمه قد أعرفها أيضاً. وطبيعة مألوفة. اخترت مجموعة من الدول الآسيوية لتكون حجر الأساس لرحلاتي كاملة. وضعت هذا التمهيد لنفسي ليكون نقطة أمان، فلربما لم تعجبني هذه الحياة، أو خفت، ولربما حدث أمرٌ ما. سأكون على الأقل قريبة من ماليزيا. سأتمكن من العودة إليها حين أتعب.. ولا أظن أن هذا سيحدث قريباً على الأقل.

التخطيط الحقيقي لحياة الترحال

نعم.. لقد حان الوقت للتخطيط. ولكن، لم يحن الوقت للاستقالة من وظيفتك بعد. لم أكن أريد أن أعرف متى سأسافر فحسب، أحتاج أيضاً إلى معرفة طريقة تمويل سفري. حتى الآن، لم أستقِل من عملي لأتفرّغ كاملاً لعملي السياحي. خصصت ٣٠٪ من دخلي الوظيفي لصندوق السفر، و ١٠٠٪ من أعمالي الإضافية المتعلقة بالسياحة والسفر والترجمة لصندوق السفر. ومن الطريف أن دخلي من أعمالي الإضافية كان ضعف ما أكسبه من عملي الأساسي.

ضع قائمة بالأماكن التي تريد الذهاب إليها أو زيارتها

اختر وجهاتك بعناية، ثم ابدأ البحث عن التفاصيل الأساسية. تكلفة المعيشة، والطقس، وسرعة الإنترنت، أوقات الرحلات الدولية، متوسط ​​تكلفة الرحلة، وفرق التوقيت، وما إلى ذلك. يمكنك معرفة ميزانية سفرياتك بشكل عام وما تريد حمله معك. إحدى المواقع التي استفدت منها كثيراً هو موقع Nomad List. يشتمل على قائمة جيدة بأفضل المدن التي تناسب الرحالة الرقميين، إلى جانب التفاصيل التي ذكرتها. كما يمكنك الحصول على الكثير من المعلومات من خلال موقع Lonely Planet، هناك الكثير من المعلومات الجيدة لكل مدينة أو دولة. ضع في عين الاعتبار وقت سفرك أو تواجدك في أي مدينة أو دولة، ففي الإجازات الرسمية مثلاً أو مواسم الصيف يصبح كل شيء أغلى سعراً.

البحث عن متطلبات تأشيرة السفر ورسومها

هذا الأمر مهم جداً، فلن تريد أن تكون عالقاً في حدود أي دولة أو تُمنع من دخولها لأي سبب. اجمع معلومات عن الرسوم وتكاليف كل منها، هناك تأشيرات سفر يمكنك الحصول عليها حين تصِل إلى الدولة ذاتها، أو تأشيرات يتوجّب عليك الحصول عليها من القنصليات في بلدك.

وشخصياً، أعتبر تأمين السفر أمراً مهماً للغاية لترتيبات السفر. يمكنك سؤال البنوك أو شركات التأمين في بلدك عن تأمينات السفر، لكنها غالباً لا تغطّي الكثير من الاحتياجات المتعلقة بالسفر. أفضلها وأكثرها قبولاً عالمياً هو SafetyWings مع اعتدال السعر مقارنة بغيره. إضافة إلى ذلك عليك التأكد ما إذا كانت الدولة التي ستسافر إليها تتطلب تذكرة مغادرة أم لا. كثير من الدول تتطلب ذلك عادةً عندما تكون في مكتب الجوازات أو حتى حين المغادرة من بلدك.

رتّب قائمة الدول التي تريد السفر إليها بناءً على ميزانيتك

سيكون من الجنون القفز إلى دول تكلفة المعيشة فيها أغلى من بلدك، إلا إذا ادخرت الكثير من النقود. الذهاب إلى دول ذات تكلفة معيشة منخفضة سيعطيك المزيد من الوقت للسفر، ويمكّنك من الحصول على تمويل مستمر إن كنت ستعمل خلال السفر. بمجرد ترتيبهم، اختر أفضل خمسة أو عشرة دول مثلاً، ووزع زيارتها على أشهر.

يضع بعض الرحالة الرقميون خططاً للسفر تتراوح من ٣ إلى ٦ أشهر أو حتى عام واحد. هذا الأمر متروك لك تماماً لأنك تحدد المدة التي ستمكثها في كل بلد. في المقابل ستجد بعض الرحالة الرقميين يختارون ببساطة دولة واحدة ويؤسسون حساب تمويل سفرهم على ذلك. تكمن الفكرة في التخطيط للوجهة القادمة عندما يحين ذلك الوقت خلال السفر. بالنسبة لي؛ جمعت بين الاثنين. أعلم جيداً أن هناك دائرة أو مجموعة من الدول في جنوب شرق آسيا أريد زيارتها، بناءً على قربها من بعضها البعض. في المقابل وضعت خطة شبه محكمة لسفري إلى تايلاند، هناك مدن رئيسية عليّ التواجد فيها. ثم خلال تواجدي في تايلاند كنت أضع خططاً مبدئية للاوس، وكيف سأصل إليها.. وهكذا. كلما وصلت دولة قرأت عن أهم المناطق التي تستحق الزيارة بناءً على ما أحب فيها.

معرفة تكاليف السفر جواً أو بأي طريقة

كانت النيبال في أعلى القائمة حين وضعت قائمة الدول التي أريد زيارتها، لكن تذكرة الرحلة ستكلفني ٧٠٠ رنجت ذهاباً فقط. في المقابل كانت كوالالمبور – بانكوك لا تزيد عن ١٢٥ رنجت! اخترت بانكوك هنا طبعاً. وعليه أخرجت نيبال من القائمة الحالية وأضفتها في دائرة الدول المحيطة بالهند. عليك التأكد من تواريخ سفرك، فأحياناً تكون الرحلات الجوية أرخص في شهور غير سياحية. واقرأ كذلك عن طرق السفر الداخلية، ستكون القطارات أو الحافلات العمومية أرخص أحياناً من الطيران، وأسعارها غالباً ثابتة طوال السنة. أضِف إلى ذلك أنه يمكنك حجزها الكترونياً على موقع 12Go.Asia. استغلّ هذا الأمر، حتى لو كانت أطول وقتاً، فليس هناك أي داعٍ للعجلة الآن.

الأمور الأساسية المتعلّقة بالسفر

السكن والإقامة

قرر نوع المسكن الذي تريد. هناك طرق للحصول على سكن مجاني إذا كنت لا ترغب في صرف أموال إضافية، أو الإقامة في مساكن مشتركة (Hostel). اسأل أصدقائك في الدول التي ستزورها إن كانوا يستطيعون استضافتك في بيوتهم لفترة قصيرة. وإن كنت لا تحبّذ هذا النوع من المساكن يمكنك تجربة موقع Booking.com أو Hostelworld.com، فهناك الكثير من العروض الرائعة. استفدت منها شخصياً في كل سفرياتي خاصة حين المقارنة بين الموقعين، فبعضها أرخص من الآخر.

هل ستعمل خلال الترحال؟

أتمنى ذلك! إلا إن كنت غنياً ويمكنك عدم العمل لعامٍ كامل على الأقل، فقط ضع ذلك في عين الاعتبار حين تدخر لسفرك الطويل. لنقل أنك -مثلي- تحتاج إلى دخل مادي خلال سفرك، فالأمر يهمك هنا. حدد مهاراتك؛ سوف تحصل على وظائف خلال سفرك كرحالة رقمي. لا تقلل من قدراتك وإمكاناتك الشخصية وما يمكنك عمله، حدد المهارات التي يمكنك القيام بها والوظيفة أو العمل الذي ستقوم به لتعيش كرحالة رقمي. ثم ضع خطة حول كيفية القيام بذلك؛ ابحث عن المواقع التي يمكنك تقديم خدمات من خلالها، يمكنك حتى تعليم لغات كالإنجليزية والفرنسية والأسبانية إن كنت تجيدها. أو إن كنتَ كاتباً أو مدوّناً يمكنك التعاون مع الشركات أو الهيئات السياحية لكتابة محتوى لهم، سواءً كان ذلك منشوراً في مواقعهم أو مدوّنتك، كما أفعل هنا! 🙂

الأمور المالية والمصرفية

يشمل ذلك البنوك، طريقة الدفع، تكاليف السحوبات.. إلخ. اقرأ، واطلّع ما إذا كانت البطاقات الائتمانية مقبولة على نطاق واسع. إذا كان الأمر كذلك، تأكد من أن لديك بطاقة ائتمانية، أو إذا كانت البطاقة البنكية كافية. وحتى عن سهولة الحصول على أوراق نقدية، خاصة في المناطق النائية. اطّلع على الرسوم المصرفية لعمليات السحب والمعاملات الخارجية أيضاً. أعلِم بنكك أنك ستسافر إلى هذه الدول حتى لا تتفاجأ من أنهم قد أوقفوا بطاقتك لأي سبب. اطلع على تدوينة الحلول المصرفية من موقع وايز (Wise) والتي ستشرح لك بالتفصيل بأفضل الحلول المالية.

اقرأ عن الطرق التي يمكن لعملائك إتمام عمليات الدفع، إن كنت تقدم خدمات أو لديك عملك الخاص على الانترنت. إذا كنت بحاجة إلى PayPal، فأنشئ حساباً فيه، ثم اربطه بحسابك المصرفي أو بطاقتك. من المهم أن تضع في عين الاعتبار كذلك أسعار الصرف، واحسبها مقدّماً. ومن المفضل كذلك تخصيص صندوق أو حساب للطوارئ، شخصياً وضعته في حساب بنكي لا أستخدمه يومياً. بالإضافة إلى مبلغ آخر أحمله معي ولا أستخدمه. وبصرف النظر عن تكاليف السفر، من المهم تخصيص مبلغ لحالات الطوارئ المحتملة.

أمور أخرى متعلقة بالترحال

من الأفضل دائماً شراء حقيبة ظهر جيدة خاصة إذا كنت ستتوقف في محطات كثيرة. ستكون محتويات الحقيبة كذلك بناءً على المناطق التي ستسافر إليها، والأنشطة التي ستمارسها. إذا كنت متردداً أو لا تعرف إن كنت ستحتاج إلى شيء ما، فمن المرجح أنك لن تحتاج إليه أبداً. خفف حقيبتك قدر الإمكان، واحمل الأشياء الأساسية فقط. لا تثقل على نفسك، فأنت غالباً وحدك خلال هذه الرحلة. حتى إن كنت تسافر مع أصدقائك، فهم أيضاً لديهم حقائبهم الخاصة. تذكّر، كلما صغرت الحقيبة كلما وفّرت على نفسك تكلفة الشحن، خاصة في الطيران الاقتصادي.

لاحظت خلال هذه الرحلة الكثير من الرحالة الرقميين يحملون حقائب تصل إلى أعلى رأسهم! هذا الأمر غير ضروري أبداً. أحمل معي حقيبة لا تزيد عن ٣٤ لتراً، ومازالت غير ممتلئة. يمكنك الاطلاع على هذه التدوينة لمعرفة كيف يمكنك السفر متخففاً.

ضع كل خططك قيد التنفيذ

وصلت هذه المرحلة في يونيو ٢٠١٨. كان لدي تقدير تقريبي للمبلغ المالي الذي سأحتاجه لدعم وبدء حياة الترحال. للحصول على هذا المال، استفدت من مصدر الدخل الحالي الموثوق: وظيفتي الرئيسية، والادخار من خلال العمل الجانبي. عشرة أشهر من العمل الجاد والمتواصل لأحيا الحياة التي أطمح إليها. كنت منشغلة قبل شيء بأي طريقة تمكنني للوصول إلى هذا الهدف، وعليه وضعت لنفسي قوانين صارمة. كيف؟ 

الانضباط وتغيير أسلوب الحياة الحالي

حددت ٣٠٪ من دخلي الرئيسي ووضعته في صندوق السفر. كنت أستغني عن أمور كثيرة من أجل الوصول إلى الرقم الذي أريد، ولم أندم على ترك أي شيء ظننت أنني أريده سابقاً. صدقني، ستجد لذة في هذا الأمر. فكل “إيداع” تقوم به هو خطوة أقرب إلى أسلوب حياة أحلامك. لا يعني هذا حرمان نفسك ومَن أنت مسؤول عنهم عن متع الحياة الحالية. كنت والصغيرين نعيش حياة طبيعية، ولم يتأثروا مادياً بأي شيء، نذهب إلى السينما والمطاعم في معظم الأوقات. وما نزال نسافر في رحلات كثيرة خلال عام ٢٠١٧، وقضينا إجازاتهم المدرسية في المناطق التي يحبونها. كل ما يتطلبه الأمر حقاً هو سيطرتك ومعرفة أين تصرف نقودك.

تغيير عادات الإنفاق

إحدى الطرق التي يمكنك اتباعها في هذا الأمر هو تتبع إنفاقك. أين يذهب معظم راتبك؟ هل تتناول غداءك في المطاعم باهظة الثمن؟ أم بسبب عادات التسوق عندما تشعر بالتوتر في العمل؟ كن صريحاً مع نفسك. ضع قائمة بكل شيء. بمجرد انتهائك من ذلك، حدد كل العناصر غير المطلوبة وتوقف عن تكرار ما يُذهِب براتبك أدراج الرياح.

قد يبدو من الصعب تصديق الأمر في البداية، ولكن يمكنك في الواقع ادخار الكثير من النقود إذا قمت بالفعل بفصل “ما تريد” و “ما تحتاج” ومن ثم خفض التكاليف غير الضرورية في “احتياجاتك”. ستيطلّب الأمر في الحقيقة بعض التضحية من أجل هذا، ولكن تخيل: بعد الانتهاء من كل ذلك، ستحصل على قدر أكبر من الحرية من قبل. ويمكنك توديع نمط حياتك غير الصحي.

إضافة إلى كل ذلك، هناك خيارات سريعة للادخار:

بِع ممتلكاتك شيئاً فشيئاً، فلن تحتاج إلى كل هذه الممتلكات حين تبدأ حياة الترحال. تلفازك ذو الستين بوصة، ثلاجتك، وكل الأجهزة الالكترونية الضخمة، حتى أريكتك المريحة والمفضلة لديك؛ لن تستطيع حملها في حقيبتك. باع بعض الرحالة الرقميون بيوتهم أو شققهم للحصول على مبلغ مالي ضخم يمكّنهم من السفر طوال حياتهم أو الاستقرار في دول أرخص. هناك مَن يقومون بتأجير بيوتهم وشققهم لتكون كذلك دخلاً مساعداً وثابتاً خلال السفر. افعل ما تراه مناسباً لك على المدى القصير والطويل. تخلص من الأشياء التي لن تحتاج إليها أو قد تبقى غير مستعملة لأشهر أو سنوات.

بعت شخصياً كل ما أملك في ماليزيا، حتى ملابسي وكتبي. أبقيت صندوقاً صغيراً جداً مع صديقي جون وضعت فيه المتعلقات ذات القيمة الخاصة.

التركيز على العمل الذي ستمارسه خلال الترحال

بهذه الطريقة تضرب عصفورين بحجر واحد. ابدأ في بناء ملفك الشخصي وسمعتك على الإنترنت، الأمر أسهل مما تظن. ابدأ في البحث عن الوظائف عن بُعد أينما استطعت، واعمل في أوقات فراغك. بهذه الطريقة لن تقوم فقط بزيادة مدخرات السفر بشكل أسرع، بل ستدرّب نفسك على العمل عن بُعد أيضاً.

بقي من الزمن شهرين!

المرحلة التي انتظرتها عاماً كاملاً! في ١٥ يوليو ٢٠١٨، أرسلت إلى مديرة الموارد البشرية ومديري في العمل عن قرار استقالتي. مازلت أذكر ذلك اليوم جيداً، وكيف شعرت حين ضغطت زر “إرسال”. كان كذلك اليوم الثاني من عيد الفطر 🙂 وصلتني الموافقة بعد عشرة أيام. وكنت أمزح مع أصدقائي كيف أنها أسرع ورقة تمّ توقيعها لي من رئيس إدارة الشركة. فور حصولي على الموافقة حجزت تذكرة الطيران من كوالالمبور إلى بانكوك. ومصادفة كان يوم الخامس عشر من أغسطس. كنت سعيدة للغاية أنني وصلت إلى هذه المرحلة دون أن أجنّ. عام كامل من الانتظار، وعام كامل من ترديد سأحتفل بميلادي السابع والثلاثين بشكل مختلف.

لقد وصلتَ أخيراً إلى هذه المرحلة. اذهب واحتفل، وابدأ حياة مختلفة.  هنا.. بدأت حياة الترحال التي أريد. غادرتُ ماليزيا في الخامس عشر من أغسطس، وكانت من أمتع القرارات التي اتخذتها في حياتي، وأكثرها صعوبة، وأعلم يقيناً أنه كان القرار الصحيح.


Deprecated: preg_split(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in /home3/aqadahbl/public_html/wp-includes/formatting.php on line 3506

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

9 تعليقات

  • قرأت هذه التدوينة عشرات المرات، ولذلك أنا متأكد تماماً عندما أقول أن هذه أفضل مقالة قرأتها في حياتي -ربما على السبيل الشخصي-..
    أثرت فيني كثيراً ومازالت ..

    شكراً أسماء على كل الإلهام الذي تقدمينه ..
    شكراً لك

  • سرد جميل وسهل وممتع ولا شعرت بالملل اثناء القراءة لقصتك المثيرة والعجيبة .. حفظك الله ورعاك اينما حللتي

  • كل الاحترام لك على هذه التجربه المثيره(نمط الحياة )الجديد الذي طرحته ….لكن اظن ان الوضع سيكون صعب لمن يلتزم بعاداته وتقاليده ودينه

  • أهلاً ناجي..
    الهدف الأساسي من السفر هو التعرف على عادات الناس والتعلم منها، ولا ينافي هذا التمسّك بالعادات والتقاليد والدين، وإلا لما كانت الأرض مبسوطة لنا!

  • سرد جميل وسهل وممتع، لك كل الاحثرام والتقدير اختي بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *