كانت الأيام التي قضيتها في سوسة تسير على نمط واحد، خاصة وأنني فضّلت الإقامة في منتجع بشاطئه الخاص، ووجبات مرتبة كاملاً. نعم، عدت لتجربة المنتجعات الشاملة! 🫢 وهي طريقة مختلفة تماماً عما اعتدته في سفري منذ أصبحت رحالة رقمية. ولكنني -كما ذكرت- كنت بحاجة إلى شيء كهذا، للراحة قليلاً، والتفكير في خطط الترحال المستقبلية بعد تونس. عشت في سوسة، المدينة الساحلية -التي زرتها مرتين- الحياة الشاطئية التي اشتقت لها، بعد الشهور التي عشتها بين المدن والجبال. أما حينما يصبح الشاطئ مزدحماً، فقد كنت أتجول في المدينة القديمة، مستكعة بين المحلات القديمة والشوارع الضيقة فيها.
سوسة، لؤلؤة الساحل
إنها ثالث أكبر مدينة في تونس، وبها ثلاثة وجهات سياحية رئيسية: شاطئ بوجعفر الرملي الطويل، ومدينة العصر الأغالبي المحمية من قبل اليونسكو والمتحف الأثري الصغير الرائع في سوسة.
فموقع المدينة مميز لمحبي التاريخ والآثار، فقد كان مستعمرة حضرميت الفينيقية قبل قرابة ثلاثة ألف عام. وهي وجهة سياحية للاسترخاء والراحة، تحظى بشعبية خاصة لدى الأوروبيين. تُعرف أحياناً باسم “لؤلؤة الساحل، في إشارة إلى الجزء الأوسط من الخط الساحلي الشرقي لتونس، خاصة وأن سوسة مدينة تشتهر بشواطئها الممتازة. وقد ساهمت فيها الثقافة العربية الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي، حيث سترى آثار ذلك في العديد من المعالم الرائعة، مثل المسجد الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع، والمدينة القديمة التي تعتد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.
كيف قضيت أيامي في سوسة
إن كنت تعرفني جيداً أو تتابع المدونة، فستعرف أنني أنجذب للوجهات الساحلية والجُزر. ولن تتعجب من اختياري لسوسة، وقضاء معظم الوقت المخصص لتونس فيها. وفي الحقيقة، كنت بحاجة إلى البحر والنسيم العليل، على الرغم من برودة مياه البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لي. فقد جاءت تونس بعد رحلات التسلق في النيبال، ورحلة مرهقة في الجزائر.
الحياة من مدينة شاطئية!
عند زيارة مدينة ساحلية مثل سوسة، تتوفر أمامك الكثير من الخيارات الشاطئية لتنغمس فيها. ستجذبك المياه الفيروزية الصافية، والأمواج اللطيفة، وتجعل منها نشاطاً تقضي فيه معظم يومك. خاصة وأن الشواطئ في سوسة تعتبر وجهة سياحية شهيرة، ليس للسائحين من الخارج فقط، بل وحتى السكان المحليين. مع قربه من الكثير من المطاعم والمقاهي، والفنادق وسط المدينة، سترى أعداد كبيرة من الناس في نهاية الأسبوع، أو حتى نهاية اليوم لمراقبة الغروب.
وهذا ما كنت أفعله شخصياً، ففي أيام العمل، كنت أعمل من العاشرة صباحاً، وحتى الرابعة مساءً حيث الشمس حارقة. ثم أنزل للمشي في المدينة خارج المنتجع أو أقضي على الشاطئ الخاص أراقب الغروب. أما نهاية الأسبوع، فقد كنت أسبح أو أقرأ على الشاطئ طوال اليوم، تحت مظلة أو عريش يحميني من الشمس.
قضيت بعض الأيام على شاطئ بو جعفر، حيث سُمّي هذا الشريط الرملي من الشاطئ على اسم عالم مسلم مقدس. وهو وجهة سياحية محلية شهيرة للعائلات، وتبيع أكواخ الشاطئ المشروبات والوجبات الخفيفة، فيما الأطفال يمرحون. تحتّل الفنادق المطلة على الشاطئ بأجزاء صغيرة فقط من الشريط – وعادة ما تكون أرائك الاستلقاء والمظلات متاحة لغير الضيوف مقابل رسوم رمزية. في الأيام المشمسة، تمتلئ واجهة الشاطئ بالمتنزهين على طول الواجهة البحرية، وهي طريقة رائعة لمشاهدة غروب الشمس.
المدينة القديمة في سوسة
أُضيفت إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو عام ١٩٨٨، فمدينة سوسة التي تعود للقرن التاسع هي مثال غير عادي وهام على العمارة الساحلية الأغالبية العسكرية. وتحتفظ بالقصبة والأسوار والجامع الكبير والرباط، ولا يزال عدد سكانها كبيراً. طرق المشاة الرئيسية هي شارع الأغلبية، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب، وشارع فرنسا المزدحم، ويمتد من الشمال إلى الجنوب. أكثر مناطق التسوق روعة هي سوق الرب وامتداده، سوق الكايد. تمتد الأسوار الضخمة للمدينة على طول ٢.٢٥كم بارتفاع ثمانية أمتار، وهي محصنة بسلسلة من الأبراج المربعة الصلبة. بناها الأغالبة عام ٨٥٩م، على أسس الأسوار البيزنطية الأصلية للمدينة. فيما يوجد داخل الجدران ٢٤ مسجداً.
يقع المدخل الرئيسي للمدينة في الركن الشمالي الشرقي في Pl des Martyrs. وتم إنشاء المنطقة عندما فجرت قنابل الحلفاء هذا الجزء من الجدار عام ١٩٤٣م، خلال الحرب العالمية الثانية. ومن بين البوابات الأخرى، فإن أكثر الأمور إثارة للاهتمام تاريخياً هو بوابة النصل؛ حيث أقام الفرنسيون مقصلة في الخارج.
تسكّع في شوارع القصبة
أحب زيارة القصبة في مدن الشمال الأفريقي، فهي مميزة وفريدة من نوعها من حيث التخطيط التاريخي للمدينة. حيث تفسح الأحياء المنفصلة الطريق للأزقة الضيقة المتعرجة، والتي تعرض الكثير من الكنوز السياحية. بينما المنطقة المحمية هي طريق مخصص للمشاة فقط، مما يجعلها المكان المثالي لاستكشاف كل زاوية وركن بأمان وتضيع في سحر المدينة القديم. فيما قربها من المتاحف والمتاجر والمعالم الثقافية الأخرى يجعلها وجهة سياحية شهيرة في سوسة. واليوم، يتعرض هذا النوع من التخطيط للتهديد، حيث الأساليب المعمارية الحديثة الجديدة من المباني الفوضوية منخفضة المستوى السائدة في الثقافة الإسلامية.
رباط سوسة
قبل أن تضيع في متاهة أسوار المدينة القديمة، توجه إلى مركز التراث العالمي في رباط سوسة، لتتعرف على أفضل الآثار القديمة في تونس. تم الانتهاء من المبنى الديني والعسكري في القرن الثامن، بأسلوب معماري مستوحى من الإمبراطورية البيزنطية. إنه أقدم نصب في مدينة سوسة، كان محصناً من قبل المحاربين الإسلاميين المتدينين، الذين قسموا وقتهم بين القتال والدراسة الصامتة للقرآن في غرفه الصغيرة التي تشبه الزنزانات. الفناء الداخلي محاط بأروقة، وفي الزاوية يوجد برج الناظور الذي أضافه الأغالبة عام ٨٢١م.
اصعد السلم الحلزوني الضيق للاستمتاع بالمناظر الخلابة للمدينة. فبما أن المدينة تقع على الساحل، كان هذا التحصين وهذه الأسوار بمثابة دفاع ضد الهجمات والغزوات البحرية. كما يشمل الدخول إلى الرباط أيضاً سراديب الموتى والمتحف، حيث يمكنك معرفة المزيد عن التاريخ الثقافي الطويل لسوسة. وقاعة الصلاة في الطابق الأول لها سقف مقبب أنيق، يعكس غرضها المزدوج بنوافذها المحصنة التي استخدمها الرماة والمحراب البسيط، وهو من الأقدم في شمال أفريقيا.
الحياة الفاخرة على شاطئ ميناء القنطاوي
يقع شاطئ ميناء القنطاوي الفاخر على بعد ١٠ كلم شمالاً، بجوار ملعب الجولف الدولي. يتميز المكان بالشواطئ الرملية البيضاء، وأشجار النخيل والمرافق الحديثة ما يجعله وجهة سياحية. يمكنك هنا الاستمتاع بالعديد من الرياضات المائية؛ مثل السباحة والغطس وركوب الأمواج بالطائرة الورقية وركوب القوارب. كنت أستأجر هنا مظلة وأحد كراسي الشاطئ للاستمتاع بتجربة شاطئية تونسية رائعة.
ما بعد سوسة
غادرتها بعد ذلك إلى تونس العاصمة للقاء محمد الخضير، والتي منها سافرنا معاً إلى تمازرط ومطماطة. سأحكي لك عنها في التدوينة القادمة.
لا تعليق