تذكرون تدوينة ٤ جزر لا تعرفها في ماليزيا؟ تحدثت فيها عن جزيرة ريدانج (Redang Island) بشكل مختصر بناءً على زيارة سابقة كانت في عام ٢٠١١ تقريباً. لم أزرها منذ تلك المرة، لأكتشف أماكن أخرى، وبقيَت الجزيرة دائماً في قلبي، لها طعم مختلف لم أفهمه، ولم أحاول في الحقيقة. قررت هذه المرة اصطحاب الصغيرين، لتكون الرحلة الاستكشافية لهما، بعد أن زاروا معظم الجزر الماليزية في السنوات الماضية. اشتملت الرحلة على الكثير من الاسترخاء، والكثير من السباحة والحياة البحرية.
كتبت تدوينة منفصلة أخرى عن جزيرة ريدانغ بعد زيارتها في أكتوبر ٢٠٢٠. اقرأها من هنا.
ما الذي يتوجب عليك معرفته عن جزيرة ريدانج
تشتهر الجزيرة بمياهها الصافية والشواطئ الرملية البيضاء والأسماك الاستوائية التي تسكن الشعاب المرجانية العديدة، ويقع العديد منها على بعد ٥٠ قدماً من الشاطئ. وعلى النقيض من جزيرة بيرهنتيان (Perhentian Island) التي تعتبر مكاناً للرحالة الاقتصاديين بمساكن منخفضة التكلفة، فإن لجزيرة ريدانج صورة راقية أكثر، حيث أن جميع أماكن الإقامة في الجزيرة تقريباً تعتمد على نظام المنتجعات، والتي تتراوح ما بين ٥ إلى ٣ نجوم. أكبر شاطئ فيها هو “باسير بانجانج” (Pasir Panjang) وهو أفضلها كذلك، على الجانب الشرقي من الجزيرة، ويضم مجموعة كبيرة من المنتجعات. في المقابِل ستجد أن الطرف الجنوبي من الجزيرة عادةً ما تحتوي سواحله على حطام الشعاب المرجانية والصخور الكبيرة.
الوقت المناسب لزيارة الجزيرة
أي وقت في السنة منذ مارس وحتى أكتوبر. بطبيعة الحال فإن مناخ جزيرة ريدانج استوائي (كبقية المناطق في ماليزيا)، وبدرجات حرارة ثابتة حول ٣٠ درجة مئوية، مع عواصف رعدية قصيرة (غالباً مساءً). ومثل بقية السواحل الشرقية لماليزيا تتأثر الجزيرة بالرياح الموسمية الشمالية الشرقية في فصل الشتاء (monsoon)، لذلك تصبح معظم المنتجعات مغلقة ويتم تقييد مواعيد نقل العبّارات بشدة بين نوفمبر وفبراير.
توقيت الرحلة كان مناسباً جداً لثلاثتنا، مايو عادة ما يكون هادئاً في عملي المكتبي، لذلك حرصت أن أنهي أعمال الأسبوع لطلبات عملي المستقِل، أما الصغيرين فهذه الأيام تعتبر أقل أهمية للمدرسة مع قُربها من امتحانات الفصل. أضف إلى ذلك أن الأسبوع الأول من رمضان يعني قلة الزائرين المحليين بشكل كبير، وجدنا مجموعة من الصينيين المحليين والذين تتراوح إقامتهم مابين ليلة أو اثنتين على الأكثر – أضف إلى ذلك أنهم أقل شجاعة حينما يتعلّق الأمر بالنشاطات المائية، ما أعطانا مساحة أكبر.
كيف تصل إلى جزيرة ريدانج في ماليزيا
لأنها إجازة قصيرة، فضّلت السفر بالطائرة، فلا أحب غالباً رحلات الحافلات العامة حينما أكون مع الصغيرين. هناك رحلات يومية متكررة لا تزيد عن ساعة واحدة على جميع الخطوط المحلية من أي مدينة ماليزية، أو من كوالالمبور. فيما يتم الهبوط في مطار Sultan Mahmud Airport بمدينة كوالا ترينقانو (رمزه: TGG). تتراوح أسعار تذاكر الطيران ما بين ٢٠٠ – ٣٥٠ رنجت للفرد الواحد، حسب توقيت السفر ومتى تمّ حجز التذكرة.
خيارات اقتصادية للسفر إلى جزيرة ريدانج
هناك خيار آخر وهو الوصول إلى الجزيرة براً، وهو مناسب للكثير من الطلاب. ستجد حافلات بأسعار تذاكر تصل تقريباً إلى ١٣٥ رنجت ذهاباً وعودة من كوالالمبور إلى محطة ميناء ميرانج (Jetty Merang). يمكنك حجز تذاكرها كذلك موقع Bus Online Ticket.
معظم المنتجعات السياحية في جزيرة ريدانج توفر خدمة النقل من المطار أو محطة الحافلات إلى ميناء ميرانج، ثم إلى الجزيرة عبر قوارب خاصة. تكلفة التنقل من مطار المدينة وحتى الميناء ثم الجزيرة للفرد الواحد عبر المنتجعات حوالي ٢٦ رنجت ذهاباً وإياباً. وهو ما أراه أسهل بكثير من الاعتماد على الناقلة البحربة الجماعية. وإذا كنت تفضّلها، يمكنك شراء تذاكر الناقلة البحرية المتوجهة مباشرة إلى رصيف منتجع The Tarras، والتي تنطلق من رصيف Shahbandar Jetty، تستغرق تقريباً ساعة وعشرين دقيقة. وهي مخصصة بالدرجة الأولى للمقيمين في ذلك المنتجع، تصل تكلفتها تقريباً ١١٠ رنجت للكبار، وحوالي ٦٠ رنجت للأطفال (بعمر سنتين – ١٢ سنة).
الفنادق والمنتجعات في جزيرة ريدانج الماليزية
كانت إقامتنا في منتجع Sari Pacifica Resort & Spa Redang، لثلاثة أشخاص شاملة جميع الوجبات، والرحلات البحرية لثلاثة ليالٍ. من أجمل المنتجعات التي وجدتها في الجزيرة بأسعار متوسطة. يقع على شاطئ “باسير بانجانج” (Pasir Panjang) الذي تحدثنا عنه سابقاً. يشبهه في المستوى والسعر والخدمات منتجع Laguna Redang Island Resort، ما يعيبه أن شاطئه صخري نوعاً ما وهناك مجموعة من الشعاب المرجانية الميتة.
ستجدون على جانبيه، على نفس الشاطيء منتجعات بمستوى وأسعار أقل بالطبع، لكنها غالباً منتجعات صغيرة وبغرف خشبية. يمكنني اعتبار أسعارها مناسبة جداً للرحالة بميزانية محدودة أو الطلاب. التقيت مجموعة ممن يسكنون هذه المنتجعات على الشاطئ منهم عائلة ألمانية قررت الإقامة لمدة ٤ أسابيع في منتجع Redang Paradise Resort. قرأت كذلك عن منتجعات أخرى على نفس الشاطئ مثل منتجع Redang Pelangi Resort لكن لم ترق لي مساحة الغرف والنظام الخشبي هنا.
أفضل المنتجعات وأغلاها على الإطلاق في هذه الجزيرة هو منتجع The Taaras Beach & Spa Resort، بفارق سعر حوالي ١٣٠٠ رنجت عن المنتجع الذي أقمنا فيه. ولأننا أقمنا فيه المرة السابقة قبل سنوات، أردت هذه المرة تجربة منتجع آخر. سيناسبك كثيراً إذا كنت ممن يهتمّ كثيراً بالسكن، لكنه هذه المرة أكثر مما نحتاج، بما أننا في الخارج طِوال اليوم ولا نعود للغرفة إلا للاستحمام والنوم.
الأنشطة البحرية في الجزيرة
تختلف هذه الجزيرة عما اعتاده السائح العربي في الجزر الماليزية، حيث يتم التركيز هنا على الرحلات البحرية والغوص. ستدهشك الجزيرة وما حولها بمايهها الغنية بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية. ذهبنا في ٥ جولات بحرية، الأولى كانت في ظهر يوم الوصول حيث توجّهنا إلى منطقة بحرية تبعد حوالي ١٥ – ٢٠ دقيقة عن الجزيرة للسباحة بالقرب من إحدى الجزر (Open Sea)، وبعمق حوالي ٣٠ متراً للقاع. وبما أنها كانت المرة الأولى للصغيرين منذ فترة طويلة، كانا ما يزالا خائفين من السباحة بدون سترة النجاة. كانوا منبهرين بوجود الكثير من الشعاب المرجانية هنا، وكنت أشرح لهم فيما بعد كيف أنها قد تموت وتفقد لونها تدريجياً مع سخونة المياه والاحتباس الحراري.
في اليوم التالي، كانت جولتنا البحرية الصباحية إلى المحمية البحرية في الجزيرة Redang Island Marine Park، سيناسب الذين مازالوا مبتدئين في السباحة، فهناك شاطئ مجهّز للراحة والمياه فيه ضحلة نوعاً ما. وجدنا فيه الكثير من الأسماك، وهو ما دعى الصغيرين إلى إطعامها والسباحة معها. ولأن المياه فيها ضحلة على الشاطئ، كان مناسباً جداً تعليمهم السباحة والغوص بدون سترة النجاة. سبحنا إلى تقريباً عمق 5-7 أمتار دون أن يتنبهوا إلى أنها بذلك العمق.
يوم كامل من السباحة والغوص
ظهيرة اليوم الثاني من الرحلة، أخبرنا الدليل أن جولتنا ستكون مخصصة لإطعام السلاحف. ظننت أنها ستكون رحلة عادية حيث ستكون السلاحف بعيدة تماماً عنا، ولا نستطيع السباحة معها، لذلك لم أكن منشدّة لها كثيراً. ما حدث كان عكس ذلك تماماً! حملنا معنا مغلّفاً من الحبّار الطازج لإطعام السلاحف. كان الصغيرين أكثر شجاعة هنا، وأطعما مجموعة لا بأس بها من الأسماك الكبيرة حتى اقتربت سلحفتان منهما، ارتبكا حينها من صراخ السوّاح الصينيين الذين جاءوا معنا في القارب والذين في الحقيقة كانوا فزعين من كل شيء، ليحتميا خلف ظهري.
كانت تلك اللحظة بالنسبة لي ممتعة أكثر أي شيء خلال الرحلة، فإحدى الأمور التي أردت تحقيقها خلال زيارتي لكل الجزر طيلة هذه السنين هو رؤية الشعاب المرجانية الملوّنه قبل اندثارها، ثم السباحة مع السلاحف وأسماك القرش. كنا غالباً نرى سلاحف صغيرة، تسبح بعيداً عنا.. لكن هذه كانت وجهاً لوجه أمامي وتمكّنت من السباحة معها. هذا الكائن اللطيف أجمل بكثير مما تخيّلت. أعتقِد أنني خلال تلك اللحظة نسيت كل شيء، نسيت مَن حولي، وكان كل تركيزي على السلحفاة القريبة مني.
استكشافات بحرية في جزيرة ريدانج الماليزية
صباح اليوم الثالث، كان مخطط الرحلة العودة إلى المحمية البحرية، ولأننا ذهبنا إليها في اليوم السابق، ولأنها هذا اليوم مليئة بزائرين آخرين، طلبنا من دليل الرحلة الذهاب إلى مكان آخر بعد نزولهم. كنا 6 أفراد، فتخيل أن تسبح في منطقة مفتوحة وكأن البحر لك وحدك. كانت الشعاب المرجانية هنا أكثر -بما أنها ليست منطقة سياحية عادة- والحياة المائية فيها أجمل وأكثر. شاهدنا مجموعات أخرى مختلفة تماماً من الأسماك عن المناطق الأخرى.
في المساء، كانت رحلتنا البحرية الأخيرة، أصبح الصغيران معتادان على القفز والسباحة أفضل دون سترة النجاة، ودون تخوف. أخبرنا الدليل أن هناك كهفاً صغيراً يمكننا السباحة فيه. توجّهنا إليه فور وصولنا، وبالطبع تبِعتنا مجموعة ثم تخوّفت. الكهف هنا عبارة عن تجويف طولي في إحدى المرتفعات على حافة جزيرة صغيرة، بعرض متر واحد تقريباً ليست مظلمة بالطبع، ماؤه أبرد، ويمكنك السباحة فيها بسهولة. ستصل في النهاية إلى كهف صغير، مغطّى بالحجارة الكبيرة. كانت مغامرة قصيرة ممتعة للصغيرين، خاصة مع تجربة السباحة في مكانٍ كهذا.
مغادرة جزيرة ريدانج الماليزية
صباح يوم المغادرة، ذهبنا لاستشكاف أماكن أخرى والسباحة على جزء آخر من الشاطئ الذي سكنّا فيه، هناك جزيرة صغيرة جداً، وجزء منها مليء بالشعاب المرجانية، كانت السباحة فيه ممتعة وهادئة صباحاً مع مغادرة الكثير من الزائرين إلى الجولات البحرية. ساهدنا خلالها مخلوقات بحرية أخرى، والكثير الكثير من الشعاب المرجانية الملونة، وسمك قرش صغير يسبح وحيداً على عمق ٥ أمتار على ما أعتقد. كان سريعاً جداً للأسف ولم نستطع اللحاق به.
في الأخير.. هناك أجزاء أخرى من جزيرة ريدانغ وما حولها لم يسعفنا الوقت لاستكشافها، هناك الكثير من الشطآن الجميلة التي رأيتها خلال رحلتنا ولم يمكننا زيارتها بعد.. زوروها، فهي أجمل الجزر على شرق ماليزيا، وأفضل بكثير من الجزر التي اعتدتم زيارتها هنا!
رحلة ممتعة 🙂
لا تعليق