فندق بيت المملوكة دمشق سوريا

فندق بيت المملوكة دمشق سوريا


ضمن الممرات الضيقة والأسواق الأثرية لمدينة دمشق القديمة، عاصمة سوريا. بحثاً عن إحدى أمتع وأجمل التجارب في منزل يعود تاريخه إلى القرن السّابع عشر، تم تحويله إلى فندق جمع بين التراث والحضارة. شددت الرحال إلى فندق بيت المملوكة التّراثي لاستكشافه وتجربة الإقامة فيه. يأخذك هذا الفندق عبر التاريخ إلى الشام القديمة التي تحتضن قلبك بهدوء. ويسلط لك الضوء على جمال المعمار الدمشقي، والتّراث الأصيل، وتاريخ دمشق الطويل.

مدينة دمشق القديمة

العاصمة السورية وأقدم عاصمة في العالم. تعتبر المنطقة القديمة من دمشق أقدم مدينة مأهولة في العالم. تقع داخل سور المدينة التاريخي، وتتميز بأماكنها المقدسة من جوامع وكنائس. وأُدرِجت في لوائح اليونسكو للتراث العالمي في عام ١٩٧٩. لُقبت بـ(مدينة الياسمين) نظراً لانتشار زهرة الياسمين داخل البيوت الدمشقية. وقد اشتُهرت دمشق باحتضانها للفنون والأدب والسياحة، واحتوائها على العديد من المناطق الأثرية السياحية. كالجامع الأموي وقلعة دمشق وتمثال صلاح الدين الأيوبي، والحمامات القديمة كحمام البكري والتكيات، والأسواق التراثية كسوق الحميدية وسوق ساروجة. كما تحوي أحياء دمشق القديمة (ومنها حي باب توما) حتى يومنا هذا على العديد من المعالم التّاريخية الأثرية التي تأخذك برحلة في هذه المدينة العريقة.

وسط حي باب توما

يقع فندق بيت المملوكة، الذي كان بيتاً شامياً في حي باب توما، والذي يعتبر جزءاً من مدينة دمشق القديمة. تعود تسمية الحي نسبة لوجود “باب توما” في منتصفه، إحدى البوابات السّبعة لجدار دمشق التّاريخي.

يمتاز حي باب توما بطرقة وممراته القديمه المرصوفة، التي تحيط بها المنازل الشامية، وتتخللها أزهار الياسمين. مقابل الفندق تماماً، يقع حمام البكري، الذي يقدم لزواره خدمات التنظيف والتدليك والبخار، والذي تعود ملكيته إلى السّيد أنطون مزنر، مالك الفندق كذلك. كان الهدف من ذلك توفير إقامة فندقية متكاملة، حيث يتمكن زواره من عيش تجربة متعة، والاستمتاع بالحمام التقليدي، ثم الاستمتاع بالنرجيلة داخل  بهو الحمام. كما وتنتشر الأسواق الشعبية ضمن الحي، التي تختلف مابين محال تجارية تقدم أجود أنواع الألبسة والمواد التجميلية والوجبات السريعة. والمحال التي تبيع التذكارات والهدايا والوجبات الشامية.

عندما وصلت إلى ساحة باب توما لأول مرة، وبدأت بتفحص المكان، تخيلت كم ستكون رحلتي إلى الفندق رائعة عبر هذه الممرات القديمة النظيفة والمكتظة بالزوار. يقع فندق بيت المملوكة على بعد خمسة دقائق من ساحة باب توما الرئيسية، وكان الوصول للفندق سهلاً جداً، نظراً لموقعه المميز في ممر الحي الرئيسي بجانب ساحة باب توما. وقفت أمام باب الفندق الرئيسي وطرقت الباب، لأبدأ رحلتي داخل إحدى أقدم الأماكن في أحياء دمشق القديمة.

فندق بيت المملوكة دمشق سوريا

فندق بيت المملوكة في دمشق

أول سؤال راودني حينما دخلت الفندق؛ كم هو جميل أن تكبر وتقضي طفولتك في مثل هذا المنزل؟

حالما تدخل الفندق، تستقبلك النافورة الموجودة في منتصف الردهة المحاطة بأشجار الليمون، ومجموعة من الزهور الشامية والشجيرات. ستعطيك إحساساً غريباً ومميزاً، وستختلط مشاعرك ما بين الجمال والعراقة والرغبة لاكتشاف المزيد. إضافة لترتيب وأناقة الكراسي والطاولات الموزّعة بشكل متناسق داخل الردهة، والتي تعتبر متنفساً لزوار الفندق والمفتوحة إلى السماء مباشرة.

دخلتُ الفندق وكان كل شيء مثالياً ومرتباً ونظيفاً، وكان موظفو الفندق يبتسمون ويرحبون بي منذ اللحظة الاولى. شعرت وكأني زرت هذا المكان عشرين مرة، رغم أنها كانت أول زيارة لي. لقد حافظوا على الطراز التراثي القديم للمنزل بطريقة جميلة جداً، لإعادتك بالزمن إلى القرن السّابع عشر عندما تم بناء المنزل. بحيث يمكنك أن ترى أحجار المنزل الأصلي نافرة من الجدار وقد تم الحفاظ عليها وزخرفتها بشكل أنيق. لقد حافظوا أيضاً على الأسقف الخشبية للغرف، والتي تم العمل على ترميمها بحرص كي لايضيع رونقها التّراثي الأصيل.

أكثر من مجرد إقامة في فندق

هناك شيء فريد في هذا المكان سيظلّ يتردد في ذاكرة زواره، لم أعرف ما السر في البداية لكوني مرتاح للغاية وسعيد. لكن حينما التقيت السّيد أنطون، وصف ذلك بقوله: “نريد أن يشعر زوارنا وكأنهم في بيوتهم، إنه ليس فندقاً عاديّاً، لذلك يجب ألّا تكون إقامتك عاديّة.” سيحاول كل عامل في الفندق أن يمنحك شعوراً فريداً مميّزاً، متفانين في خدمتك، وسيهتمون بأدق التفاصيل. هذا هو السّر.

فندق بيت المملوكة دمشق سوريا

ثمانِ غرف بلا أرقام

يحتوي فندق بيت المملوكة على ثمانية غرف فقط، تتميز بأنها غير مرقمة على الطريقة المعتادة، بل تم تمييزها بأسماء شخصيات تاريخية حول العالم. مكثت في جناح سليمان القانوني، غرفة مزدوجة في الطابق الأرضي، كبيرة ومرتبة، وتحوي بداخلها على نافورة ومكتبة. كانت النظافة والروائح العطِرة هي عنوان إقامتي في جناح سليمان القانوني، وكان موظفو خدمة الغرف مهتمين بأدق تفاصيل الرتابة داخل الغرفة. إن كنت تهتم للتفاصيل -كما هو حالي- فستجد أن الفندق يلبي احتياجاتك هذه وبعناية فائقة.

ستدهشك الأسماء التي تم اختيارها لغرف الفندق؛ وستجد نفسك أمام مجموعة من الشخصيات التاريخية العريقة:

  • سليمان القانوني: الامبراطور العاشر والأطول حكماً للإمبراطورية العثمانية من عام ١٥٢٠ حتى وفاته عام ١٥٦٦.
  • الظاهر بيبرس: المعروف باسم بيبرس -الملقب بأبي الفتوح- وهو رابع سلطان لمصر في عهد المماليك.
  • الموسوعي الفارسي ابن سينا: والذي يُعتبر أحد أهم الأطباء وعلماء الفلك، والمفكرين والكتاب في العصر الذهبي الإسلامي، وأب الطب الحديث.
  • آيا صوفيا: المعلم البيزنطي التركي المشهو، وأحد المعالم الأثرية العظيمة في العالم.
  • العالم المغربي ابن بطوطة: المستكشف الذي تنقل وسافر في العالم قديماً وأصبح مثالاً يحتذى به للمسافرين والرحالة الرقميين.
  • عنتر وعبلة: أو مايسميه موظفي الفندق غرفة العشاق.
  • هارون الرشيد: نسبة إلى الخليفة العباسي الخامس، وأشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكراً حتى في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون).
  • ابن رشد: نسبة إلى العالم الشهير، المسلم الموسيقي، والفقيه الأندلسي.

رحلة في ذاكرة فندق بيت المملوكة

تعود قصة فندق بيت المملوكة الى القرن السابع عشر، حينما كانت دمشق تحت الحكم العثماني. كان عبارة عن منزل دمشقي (شامي) قديم، توالت عليه العائلات المالكة حتى تم تحويله في عام ٢٠٠٥ إلى فندق. وكانت الفكرة الأولى من نوعها في دمشق، بتحويل منزل شامي الى فندق تراثي. يتميز هذا المنزل الشامي باحتوائه على الزخارف والنقوشات الجدارية، والأسقف الخشبية المزخرفة، التي تعتبر عنواناً للمعمار الدمشقي ولايخلو منها أي بيت شامي. فضلاً عن كون المنزل الشامي مغلق من الخارج مكشوف من الداخل بساحه واسعة تتوسطها “بحرة أو نافورة” المياه وأشجار الياسمين. والهدف من أسلوب البناء هذا هو فصل قاطني المنزل عن صخب الحياة خارجه، لينعم سكانه بتجربة مميزة داخله، منعزلة تماماً عن الخارج.

قام السّيد أنطون مزنر بشراء هذا الفندق في عام ٢٠٠٧، وأضاف عليه لمسة من شغفه بمدينة دمشق، واهتم بأدق تفاصيله لإحياء روحه الشامية. يعدّ فندق بيت المملوكة اليوم أحد أبرز الفنادق التراثية في دمشق؛ يحكي لزواره قصة المعمار الشامي، والعراقة الأصيلة. وتحول من فندق تراثي إلى كتاب يروي قصة بيوت دمشق القديمة وفنونها المعمارية وتاريخها.

كيف أثر فايروس كوفيد-١٩ على الفندق؟

أثّر انتشار فايروس كوفيد-١٩ في سوريا بشكل سلبي على قطاع السياحة بشكل عام، وبالطبع امتدّ تأثيره إلى فندق بيت المملوكة، فضلاً عن التأثير السّلبي لإغلاق المطارات وتوقف حركة السّفر حول العالم، كما وصف السيد أنطون مزنر.أغلق الفندق أبوابه في شهر مارس من العام الحالي، ولم يعد للافتتاح إلا قبل زيارتي له بخمسة عشر يوماً. عَنِيت إدارة الفندق بعد الافتتاح بأدق التفاصيل المتعلقة بالاحتياطات الوقائية من الفايروس، بما في ذلك الاهتمام بالنظافة والتعقيم، وتطبيق القواعد الصحية التي تم الإيعاز بها داخل سوريا تجنباً لخطر انتشاره.

إضافة لذلك، كان من الملفت اهتمام الفندق باستخدام الأكواب والأكياس المخصصة للاستعمال الواحد، للالتزام بالنظافة والحفاظ على البيئه بنفس الوقت. معظم موظفي الفندق بمن فيهم السّيد أنطون مزنر من سكان مدينة دمشق، ويعملون على جلب طلبات الزوار -في حال لم تكن متوفرة داخل الفندق- من الأسواق المحيطة به، أسواق باب توما، حيث تقدم هذه الأسواق أفضل الخدمات في دمشق.

السّيد أنطون مزنر

مالك فندق بيت المملوكة، ولد في دمشق عام ١٩٨١، ودرس إدارة الأعمال في بريطانيا وهندسة النسيج في ليون، فرنسا. عمل في صناعة البروكار منذ أكثر من اثني عشر عاماً كمهنة متوارثة عبر عائلته. اشترى البيت الشامي القديم، وحوّله إلى فندق باسم بيت المملوكة عام ٢٠٠٧، ليصبح المالك الأول لهذا النوع من الفنادق التراثية وليبدأ عمله في مجال السياحة ودعمها. ستجد في جنبات الفندق الكثير من قطع قماش البروكار التي زينها بها السيد أنطون، والتي كانت من إنتاجه، ليدمج بين البروكار والسياحة. كما يعتبر السيد أنطون من هواة السياحة والسفر، وتعد المتاحف وجهته الأولى في كل زياراته السياحية، نظراً لاهتمامه بالتاريخ والتراث، وليتمكن من التّعرف على تاريخ البلد الذي يزوره بشكل أفضل.


Deprecated: preg_split(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in /home3/aqadahbl/public_html/wp-includes/formatting.php on line 3506

2 تعليقات

  • ما أروع هذه التدوينة يا أسما 😍

    عُدت من خلالها إلى ذكرياتي الرائعة إلى دمشق. اعتراني حنين جارف لزيارتها مرة جديد. فأنا سافرت عدة مرات إلى هناك. كنت أقرأ حروفكِ وعقلي هناك عند باب تومة وسوق البذورية والحريقة وعلى جبل قاسيون وعند مكتب عنبر. دمشق مليئة بالعديد من الأماكن الجميلة القريبة إلى القلب، هي مدينة حميمية جدًا بشكل لا يُصدّق، وأهلها من أكثر الناس حفاوة رأيتهم في أسفاري كافة.

    للأسف لم أسكن في فندق بيت المملوكة الرائع. في الحقيقة لك أكن على دراية به. لكنني أُمنّي النفس بأن أزور دمشق الحبيبة قريبًا، وقطعًا سيكون هذا الفندق هو وجهتي.

    تحياتي لكِ
    أحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *