التخفيف

التخفيف


التخفف إحدى وسائل تحسين الحياة التي جرّبتها. تحدّثت بداية العام الماضي عن تقليص مقتنياتنا إلى “خمس صناديق وحقيبة“. حدث ذلك عندما قررت الانتقال إلى منزل جديد أصغر منتصف عام ٢٠١٦. ثم في تدوينة أخرى، تحدثت عن مشروع خزانة سعيدة. بدأته كذلك قبل عامين تحت مبدأ التخفيف أو Minimalism. وأنصحك بشدة مشاهدة الفيلم إن لم تكن شاهدته بعد. والذي يركّز ببساطة على تخفيف حجم الممتلكات والمقتنيات التي نظنّ أننا نحتاج إليها. فيما هي في الأصل مجرّد تكدّس للأشياء حولنا. مما حوّل بيوتنا إلى أماكن للتخزين أكثر من كونها أماكن للعيش.

التخفف كوسيلة لتسهيل الحياة

القاعدة التي اتبعتها بصرامة تلك الفترة وحتى الآن: الفرق بين أحتاج وأريد. فغالباً حين نتسوّق نركّز على مبدأ “أريد”. وننسى إن كنا نحتاج ذلك المنتج أو أننا نشتريه لمجرّد الشراء. ساعدتني هذه القاعدة في تقنين مشترياتي طِوال العام. على الرغم من وجود الكثير من المغريات/التخفيضات الموسمية. أو حتى عند رؤية منتجاتٍ أقل سعراً أثناء السفر. نقلت الفكرة إلى الصغيرين الذين كنت فيما قبل أدعهم يشترون كل ما يريدون وبدون أي تقنين. وعلى أساس القاعدة في الأعلى؛ وضعت مجموعة من الممارسات لتغيير حياتنا.

أيهما أحب إليك؟

تركّزت إحدى خططي خلال العام الماضي على السفر إلى أماكن أكثر. أصبحت أقارن بين ما أريد شراءه بعدد أيام السفر. وهذا ما ساعدني بالتالي على التوفير للسفر أكثر. فعندما أريد شراء ثوبٍ جديد أو حذاءً (نقطة ضعفي) بمبلغ ما؛ تقفز في ذهني فكرة كم يوماً ستكون هذه ميزانيتي على شاطئ. أو مدينة ما أخطط لزيارتها؟. وكانت النتيجة مُبهِرة! تسع رحلات في أربعة دول خلال عامٍ واحد. ذات الهدف مستمر حتى العام الحالي. وهو مازاد من رغبتي في التخفف أكثر.

التخفف والتسوّق

أتعامل مع ملبوساتي ومقتنياتي وكأنها مشتريات أو معروضات على الرف. لأنها فعلياً كذلك. كيف؟ وضعت قائمة لكل ما أملك حتى أقيّم سبب وجودها لدي. ما لم أرتديه لثلاثة أشهر يعني أنني لا أحتاجه. وكان ما أملكه أكثر مما توقّعت أنني أحتاجه. وعليه؛ تقلّصت مشترياتي من الملبوسات إلى حدٍ كبير جداً. لم أشترِ إلا 3 قطع جديدة خلال عامٍ كامل. وكلها إما لها علاقة بالسفر أو احتجته حين كنت في مكانٍ ما خارج كوالالمبور. في المقابل تخلّصت من مجموعة كبيرة أخرى من الملابس. كنت أبقيها لمناسبات معينة لم تأتِ أبداً. أو أنها كانت مناسبة واحدة فقط خلال العام. فأصبحت القائمة الحالية أقل من ٣٣ قطعة للملبوسات اليومية. وأعمل هذا العام على جرد كل ممتلكاتي، لتكون أقل من مائة قطعة خلال نهاية العام.

التخفف

هل تحتاج إلى بيتٍ كبير؟

اخترت العام الماضي سكناً قريباً من مكان عملي. كنت أعلم أنني لا أحتاج إلى مساحة كبيرة. فلن يحتاج ثلاثة أفراد للسكن في بيت من خمس غرف. هل نحتاج حقاً هذه القطعة من الأثاث؟. هل نحتاج خزانات أكثر؟ كلها كانت لا. طبيعة حياتنا أننا نخرج غالباً للقاء أصدقائنا، وممتلكاتنا قليلة. كما أنني مهووسة بالترتيب وإبقاء المكان الذي أتواجَد فيه مرتباً ونظيفاً قدر الإمكان. وعليه؛ كلما صغرت المساحة كلّما قلّت مشترياتي من المنظفات المنزلية. وبه؛ انخفض كذلك الوقت المستقطع يومياً أو أسبوعياً للتنظيف. وأصبح لديّ وقت أكثر لقضائه مع الصغيرين أو لنفسي (نعم، الـOCD مفيد أحياناً!).

لم أضِف أياً من المقتنيات الجديدة للبيت والمطبخ مثلاً. بل تخلّصت من مجموعة أدوات لم أستخدمها لأكثر من ثلاثة أشهر، كالخلاط والعلب البلاستيكية. لأننا مرة أخرى لا نلتقي أصدقاءنا في البيت ولا أطبخ كثيراً في الأساس. وإن حدَث؛ فإن نظامنا الغذائي سهل جداً، ولا يعتمد على وصفات معقّدة. وإذا طبخت فوجباتنا خفيفة لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة للتحضير. وبشكل عام ليس بيني والمطبخ أي علاقة ودّية. فلربما كانت هذه إحدى الأسباب.

كانت لديّ ثلاث زرعات كبيرة جلبتها معي من بيتي القديم. ولأنني لم أستطِع الاعتناء بواحدة منها أهديتها لأحد الأصدقاء. اشتريت أخرى لا تحتاج إلى سقاية يومية ولا تتضرر من كثرة غيابي عن البيت. ثم حدَث أن رآها أحد الأصدقاء فاشتراها مني. بقيت نباتات صغيرة في البيت، نعناعة، وواحدة أخرى. أحب النباتات وشغفي كبير بالبستنة. إلا أنه في كل مرة تراودني نفسي لشراء نباتات جديدة، أسأل نفسي كيف سأعتني بها حين أغيب. فلم أقرر حتى الآن جلب أخرى جديدة.

التخفف وألعاب الأطفال

تقلّصت كذلك ألعاب الصغيرين، خاصة وأنهما ما عادا يهتمّان بالكثير منها ويفضّلون الألعاب الالكترونية بالطبع. تخلّصنا من ألعابهما القديمة. كما تخلّصت من التي تحتاج إلى مساحات ثابتة في البيت. إما بتمريرها إلى مَن يريدها من أقاربهم وأصدقائهم. أو بيع ماهو شبه جديد منها (وهو كثير في حقيقة) خاصة الكبيرة منها. ثم استخدام ما كسباه من عمليه البيع لشراء شيء مفيد لأطفال آخرين. مازالوا بالطبع يشترون ألعاباً هنا وهناك. خاصة مجاهد المهووس بجمع السيارات، لكنه محدد بسيارة واحدة فقط بجودة عالية لمرة في الشهر. نتّبع ذلك بدلاً من مجموعة مكونة من عشرين سيارة مثلاً.

توقّفت عن شراء التحف والتذكارات الشخصية في كل سفرياتي مهما صغُر حجمها. ما عدا إسورة مصنوعة من خشب العود في كمبوديا. وحتى هدايا الأصدقاء. في المقابل أشتري بطاقات بريدية (Postcards) أحتفِظ بواحدة لي، وأهدي مجموعة للأصدقاء ممن يحبون جمعها.

من يقرأ

التخفف ومحبي الكتب

الكتب.. الكثير من الكتب. كانت المعضلة الأكبر حين بدأت عملية التخفيف في عام ٢٠١٦. عدد الكتب التي أملكها في البيت كبير جداً. كتب قرأتها سابقاً قبل 20 سنة وجلبتها معي إلى كوالالمبور. كتب اشتريتها من الأردن، ودبي، وقطر خلال سفرياتي المتكررة إليها. وكتب أهدِيَت لي من أصدقائي أو أقاربي. ماذا فعلت؟

  • تخلّصت مبدئياً من ٩٠٪ من الكتب. بِعتها قبل الانتقال إلى المسكن الجديد في ٢٠١٦. وخصصت ما كسبته من عملية البيع تلك في شراء كتب الكترونية. ثم أنشأت حساباً في Audible. ساعدني هذا الأمر في الاستماع إلى كتب أكثر خلال المشي اليومي.
  • هناك كتب لم تجِد أحداً ليشتريها. إما لأنها متخصصة أكثر من اللازم كونها سياسية واقتصادية ولا تجِد مَن يقرؤها في ماليزيا. لذلك أعمل الآن على إهدائها للمكتبة الوطنية في كوالالمبور.
  • بقيت الكتب المحببة إليّ أو التي كتبها أصدقائي أو أهدِيت إلي. اتبعت أسلوباً يمنعني من تراكم الكتب. منعت نفسي من الاحتفاظ بأكثر من عشر كتب. وإذا زاد كتاب ما عليّ تبديله بواحدٍ قديم.
  • عملية التخلّص لا تعني رميها بالطبع. كنت أجلب تلك الكتب معي في بعض رحلاتي وأتركها هناك ليقرأها الآخرون. وهذا ما فعلته مع كتب أصدقائي لأساهِم  كذلك في نشرها.

ما بين التخفف وأولويات الحياة

في النهاية، حياتنا تسير بشكل طبيعي بدون كل تلك المقتنيات غير الضرورية. علينا فِهم أن وجودها ليس هو الأولوية في الحياة وإنما استخدامها لتسهيل حياتنا. وتذكر أن الهدف الأساسي ليس التخلص مما لدينا أو رميه ثم شراء المزيد وتكرار عملية التخلص مرة أخرى. وإنما استخدام ما لدينا بالشكل الكامل والصحيح. ثم عليك التخلّص مما لا نستخدِمه، وفي الأساس عدم شراء ما لست بحاجة إليه.

شاهِدوا الفيديو المرفق، سيساعدكم في تخطي مرحلة التعلّق بالأشياء.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

3 تعليقات

  • أحب فكرة التخفف جداً، لدي أسلوب طريف و(أحمق) بعض الشيء بخصوص المتعلقات التي نستصعب التخلص منها، أقوم بوضعها قريباً من صندوق التوزيع، وحين اغضب اتوجه فوراً هناك وارمي بإحدى هذه المتعلقات داخل الصندوق فأشعر بتحسن كبير وفي نفس الوقت تخلصت منه ? بالطبع كل مايدخل الصندوق لا يخرج أبداً ??
    تدوينة ملهمة ?
    كنت سأسأل كيف تمكنتي من تمرير الفكرة لأطفالك؟ مازالت ألعاب صغاري تملأ البيت ?

  • أهلاً فاتن..
    صدقيني ليس هناك أسهل من التخفف من ألعاب الأطفال. حرفياً؛ هم لا يهتمون بكثرتها. لذلك اختاري الألعاب المفضلة لديهم فقط. خصصي صندوقاً واحداً فقط متوسط الحجم لكل شخص منهم. اجلسي معهم واسأليهم (اذا كان عمرهم يسمح طبعاً) هل يحبون هذه الألعاب أم لا. أخبريهم أننا سنبيعها ليشتروا بها شيئاً أو يذهبوا في إجازة، أو يعطوها لأطفال أيتام في عمرهم.
    امنعي الألعاب كهدايا في الأعياد أو أعياد الميلاد خاصة من الأقارب والجدات، أخبريهم أنك تفضلين اسبتدالها بشيء مفيد/كتاب مثلاً.
    امنعي نفسك من شراء ألعاب لهم أو حتى الموافقة على الشراء. حين بدأت مع أطفالي حددت لهم ميزانية للألعاب في كل شهر – ومهما حدث لا يتعدوها.
    🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *