تعلم الغوص - فلسفة شوشين البوذية زِن والتي تعني عقلية المبتدئ في تعلم الأشياء

تعلم الغوص - فلسفة شوشين البوذية زِن والتي تعني عقلية المبتدئ في تعلم الأشياء


بدأت في السنوات الأخيرة تعلّم الغوص التقني (لا أعرف إن كانت الترجمة صحيحة لـTechnical Diving هنا) في دهب. كانت التجربة الأولى في ٢٠٢٢، ولكنني لم أستطع إكمالها، ثم عدت للتدريب في ٢٠٢٣ وحصلت عليها، ولا يزال عليّ إكمال عدد من التدريبات حتى أكون بالدرجة التي أريد. تتساءل الآن لم أحكي لك هذا، لأخبرك أن تعلّم أي مهارة في هذه الحياة يقتضي أكثر من مجرد الاستماع لمدرّبك. تعلم ذلك أيضاً؟ حسناً، أنت ذكي للغاية! 🤭 ولكنني لم أكن أعلم بذلك، حتى عشت التجربة بنفسي، فقد كنت في ٢٠٢٢ أستمع فقط لتوجيهات المدرب دون التفكير فيها، أو محاولة استيعابها. وهذا الخطر الذي وقعت فيه – وأربَك تدريباتي.

قرأت مصادفة مقالة كتبها جيمس كلير، الذي اشتهر بالكتابة عن العادات. تحدث في مقالته عن ملاحظاته من لعب البيسبول لسبعة عشر عاماً، مشيراً إلى أن المدربين غالباً ما يكررون أساليب وسلوكيات مرشديهم. يمتد هذا النمط من محاكاة الموجهين إلى ما هو أبعد من الرياضة إلى جوانب مختلفة من الحياة، مثل المعتقدات السياسية والدينية، والتي غالبا ما تتشكل من خلال البيئات التي نشأنا فيها. ويتساءل المؤلف عما إذا كانت الطريقة التي نتعلم بها الأشياء في البداية هي أفضل طريقة أم مجرد طريقة واحدة للقيام بالأشياء. ثم يسلّط الضوء على مفهوم “شوشين” أو “عقل المبتدئ” من بوذية زِن، والذي يشجع على الانفتاح والتقبل للمعلومات الجديدة، ويقارنه بالعقلية المنغلقة التي تصاحب الخبرة في كثير من الأحيان.

أتذكّر هذه المقالة الآن بينما أتعلّم لغة “كريول” التي يتحدثون بها في موريشوس، ولذلك رغبت في ترجمتها لك.

تعلم الغوص - فلسفة شوشين البوذية زِن والتي تعني عقلية المبتدئ في تعلم الأشياء

حتى لا تكون عبداً للمعتقدات القديمة 

لعبت البيسبول لسبعة عشر عاماً. تدرّبت مع العديد من المدربين المختلفين وبدأت ألاحظ أنماطاً متكررة بينهم.

غالباً ما يسير المدرِّبون على النظام ذاته، يحصلون على وظيفتهم الأولى كمدرب مساعد مع مدرستهم الأم أو الفريق الذي لعبوا معه سابقاً. ينتقل المدرب الشاب بعد سنوات إلى وظيفته كمدرب رئيسي قد يميل إلى تكرار نفس التدريبات، واتباع جداول تدريب مماثلة، وربما الصراخ على لاعبيه بطريقة مماثلة للمدربين الذين تعلم منهم. يميل الناس إلى تقليد مرشديهم. وتمتد هذه الظاهرة -ميلنا إلى تكرار السلوك الذي تعرضنا له- إلى كل ما نتعلمه في الحياة تقريباً.

معتقداتك السياسية أو الدينية هي في الغالب نتيجة النظام الذي نشأت عليه. يميل الذين تربوا في عائلات كاثوليكية إلى أن يكونوا كاثوليكيين. والذين تربوا في عائلات مسلمة إلى أن يكونوا مسلمين. على الرغم من أنك قد لا تتفق مع كل قضية، إلا أن المواقف السياسية لوالديك تساهم في تشكيل آرائك. فالطريقة التي نتعامل بها مع عملنا وحياتنا اليومية هي إلى حد كبير نتيجة للنظام الذي تدربنا عليه، والموجهين الذين التقايناهم في حياتنا. في مرحلة ما، تعلمنا  طريقة التفكير من شخص آخر. هكذا تنتقل المعرفة.

إليك السؤال الصعب: من الذي يقول إن الطريقة التي تعلمت بها شيئاً ما في الأصل هي أفضل طريقة؟ ماذا لو تعلمت ببساطة طريقة واحدة للقيام بالأشياء، وليس طريقة القيام بالأشياء؟

فكر في مدربي البيسبول. هل فكروا بالفعل في جميع الطرق المختلفة لتدريب الفريق؟ أم أنهم ببساطة قلّدوا الأساليب التي تعرضوا لها؟ ويمكن قول الشيء نفسه عن أي مجال في الحياة تقريباً. من يقول أن الطريقة التي تعلمت بها مهارة ما في الأصل هي أفضل طريقة؟ يعتقد معظم الناس أنهم خبراء في مجال ما، لكنهم في الحقيقة مجرد خبراء في أسلوب معين.

وبهذه الطريقة، نصبح عبيداً لمعتقداتنا القديمة دون أن ندرك ذلك. إننا نتبنى فلسفة أو استراتيجية بناءً على ما تعرضنا له دون أن نعرف ما إذا كانت هذه هي الطريقة المثلى للقيام بالأشياء.

شوشين – عقلية المبتدئين

هناك مفهوم في بوذية الزِن يُعرف باسم شوشين، والذي يعني “عقلية المبتدئ”. يشير شوشين إلى فكرة التخلي عن تصوراتك المسبقة، وأن تكون منفتحاً ذهنياً عند تعلم أمر ما. فعندما تكون مبتدئاً فعلياً، يكون عقلك فارغاً من أي تصورات، ومنفتحاً. وستكون على استعداد للتعلم والتمعّن في جميع المعلومات، مثل طفل يكتشف شيئاً ما لأول مرة. على الرغم من ذلك، ستجد أنه مع تراكم المعرفة والخبرة، يصبح عقلك أكثر انغلاقاً بشكل طبيعي. حيث تميل إلى الاعتقاد “أعرف فعلياً كيفية القيام بذلك” وتصبح أقل تقبلاً للمعلومات الجديدة.

هناك خطر يأتي مع الخبرة. إننا نميل إلى حجب المعلومات التي لا تتوافق مع ما تعلمناه سابقاً، ونستسلم للمعلومات التي تؤكد نهجنا الحالي. نعتقد أننا نتعلم، لكننا في الواقع نتنقل عبر المعلومات والمحادثات، وننتظر حتى نسمع شيئاً يتوافق مع فلسفتنا الحالية أو خبرتنا السابقة، وننتقي المعلومات لتبرير سلوكياتنا ومعتقداتنا الحالية. معظم الناس لا يريدون معلومات جديدة، بل يريدون التحقق من صحة معلوماتهم. والمشكلة هي أنه عندما تكون خبيراً، فإنك تحتاج في الواقع إلى إعطاء المزيد من الاهتمام، وليس أقل. لمَ؟ لأنه عندما تكون على دراية بنسبة ٩٨٪ من المعلومات حول موضوع ما، فإنك بحاجة إلى الاستماع بعناية شديدة لالتقاط نسبة الإثنين بالمائة المتبقية.

وكبالغين، فإن معرفتنا السابقة تمنعنا من رؤية الأشياء من جديد. وعلى حد تعبير أستاذ الزن شونريو سوزوكي، “هناك العديد من الاحتمالات في عقلية المبتدئ، والقليل منها في ذهن الخبير”.

كيف تعيد استكشاف عقلية المبتدئين؟

فيما يلي بعض الطرق العملية لإعادة اكتشاف عقل المبتدئين واحتضان مفهوم شوشين الياباني.

التخلي عن الحاجة إلى إضافة قيمة.

الكثير من الناس، وخاصة المتفوقين، لديهم حاجة ماسة لتقديم قيمة لمَن حولهم. على السطح، يبدو هذا وكأنه أمر عظيم. ولكنه من الناحية العملية قد يعيق نجاحك، لأنك لا تستطع محادثة حيث تصمت وتستمع فقط. إذا كنت تضيف قيمة باستمرار (“يجب أن تجرب هذا…” أو “دعني أشارك شيئاً أفادني كثيراً..”) فإنك تقتل ملكية الآخرين لأفكارهم. وفي الوقت نفسه، من المستحيل أن تستمع إلى شخص آخر عندما تتحدث. لذا، فالخطوة الأولى هي التخلي عن الحاجة إلى المساهمة دائماً. تراجع بين الحين والآخر وراقب واستمع فقط.

تخلص من الحاجة إلى الفوز في كل نقاش.

قرأت مقالاً ذكياً لـBen Casnocha منذ بضع سنوات، حول القدرة على تقليل المنافسة مع مرور الوقت. وبكلمات بن، “لا يحتاج الآخرون إلى الخسارة لكي أفوز“. تتناسب هذه الفلسفة جيداً مع فلسفة شوشين. فإذا كنت في نقاش وأدلى شخص ما برأي لا توافق عليه، فحاول التخلص من رغبتك في تصحيحه. لا يحتاجون إلى خسارة الحجة حتى تفوز. إن التخلي عن الحاجة إلى إثبات نقطة ما يفتح لك إمكانية تعلم شيء جديد. اقترب منها من باب الفضول: أليس هذا مثيراً للاهتمام؟ إنهم ينظرون إلى هذا الأمر بطريقة مختلفة تماماً. حتى لو كنت على حق وهم على خطأ، فلا يهم. يمكنك الخروج من النقاش راضياً حتى لو لم تكن كلمتك هي الأخيرة فيها.

قل لي أكثر من ذلك.

أميل إلى التحدث كثيراً (راجع “تقديم قيمة كبيرة جدًا” أعلاه). بين الحين والآخر، سأتحدى نفسي لأبقى هادئاً وأسكب كل طاقتي في الاستماع إلى شخص آخر. استراتيجيتي المفضلة هي أن أطلب من شخص ما أن يقول لي المزيد عن ذلك. لا يهم ما هو الموضوع، فأنا ببساطة أحاول معرفة كيفية عمل الأشياء، وفتح ذهني لسماع المزيد عن العالم من منظور شخص آخر.

افترض أنك أحمق.

في كتابه الرائع “مخدوع بالعشوائية“، كتب نسيم طالب: “أحاول أن أذكر مجموعتي كل أسبوع بأننا جميعاً أغبياء ولا نعرف شيئاً، ولكن من حسن حظنا أن نعرف ذلك”. العيوب التي تمت مناقشتها في هذه المقالة هي ببساطة نتاج لكونك إنساناً. علينا جميعا أن نتعلم المعلومات من شخص ما وفي مكان ما، لذلك لدينا جميعا مرشد أو نظام يوجه أفكارنا. والمفتاح هو تحقيق هذا التأثير. إننا جميعاً أغبياء، ولكن إذا كان لديك شرف معرفة ذلك، فيمكنك البدء في التخلي عن تصوراتك المسبقة والتعامل مع الحياة بعقل مبتدئ.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *