الجزائر ولاية سعيدة وعدة سيد الحاج بن عامر حوس الغرب الجزائري خالد الجابر

الجزائر ولاية سعيدة وعدة سيد الحاج بن عامر حوس الغرب الجزائري خالد الجابر


غادرت تلمسان بعد أن قضيت فيها ليلة واحدة فقط، متوجهة إلى عين تموشنت، والتي التقيت فيها صديقي خالد الجابر، لنبدأ معاً رحلات “حوس الغرب الجزائري” البرية. من عين تموشنت وإنهاء الرحلة في العاصمة الجزائر. هو على دراجته النارية، فيما بقية الفريق وأنا في سيارتين. لم يكن فريق الرحلة كبيراً، لكنه كان كافياً لتكون رحلاتنا في الغرب الجزائري ممتعة للغاية، ومليئة بالمغامرات. كانت أجمل فقرة بالنسبة لي في سعيدة هي حضور مناسبة وعدة سيد الحاج بن عامر في الولاية. وفي الحقيقة؛ كانت الأيام التي قضيناها في ولاية سعيدة أجمل أيام رحلاتنا البرية.

حوس الغرب الجزائري عين تموشنت سيدي بلعباس الجزائر ولاية سعيدة خالد الجابر

بداية رحلات حوس الغرب الجزائري

من عين تموشنت، توجهت مع خالد الجابر والفريق لأول محطات رحلاتنا، حيث جبل العطوش. الإطلالة الجميلة على الهضاب الخضراء تسلب القلب، وتجعلك تسبح في ملكوتها. قضينا فيها وقتاً قصيراً، وأكملنا طريقنا إلى مدينة سيدي بلعباس. كانت الأجواء حارة للغاية، ولك أن تتخيل المكوث في السيارة لساعات، أو حتى خالد الذي كان يقود دراجته النارية. ولسوء الحظ، كانت معظم المقاهي والمطاعم مغلقة، فيما يصبحنا فريق الدرك الوطني -كالعادة- من مكان لآخر بحثاً عن طعام ومكان بارد نتظلل فيه. يُطلق على مدينة سيدي بلعباس اسم باريس الصغيرة (Petit Paris) أحياناً، تجوّلنا فيها لساعة بينما نتناول غداءنا، وأكملنا الطريق إلى سعيدة.

تاريخ سعيدة السعيدة القديم الجزائر

تاريخ سعيدة السعيدة القديم

سعيدة هي عاصمة ولاية سعيدة، في الجزائر، ولأسباب كثيرة أسماها خالد؛ سعيدة السعيدة. كان لموقع المدينة أهمية عسكرية منذ أن بنى الرومان قلعة هناك. تعتبر سعيدة بوابة الصحراء بموقعها كمنطقة محورية في حركة العبور التي تربط الشمال بالهضاب المرتفعة والجنوب بالإضافة إلى وفرة المياه فيها.

ظهرت الفتوحات الإسلامية في منطقة سعيدة حوالي عام ٧٠٠م، خلال فترة حكم الدولة الأموية. وأصبحت تابعة لحكم الرستميين بين عام ٧٧٦ – ٩٠٨م. ثم حكمها المرابطون منذ سنة ١٠٨٠م، والموحدون والزيانيون سنة ١٢٣٥م. سميت سعيدة قديماً بـ”قرصيف”، وامتد هذا الاسم من ما قبل العصر الإسلامي حتى حكم الفاطميين، حيث دخلت إليها قبائل بني هلال التي أقامت فيها المذهب اليعقوبي. في القرن التاسع عشر أطلق الأمير عبد القادر على القلعة التي بناها “سعيدة”، المعروفة باسم “سعيدة القديمة” ما بين ١٨٣٧ – ١٨٣٩م. ثم تحولت سعيدة إلى معقل للزعيم الوطني الجزائري عبد القادر، الذي أحرق المدينة مع اقتراب القوات الفرنسية منها في ١٨٤٤. ثم أصبحت المدينة مركزاً للجيش الفرنسي عام ١٨٥٤، وأصبحت تضم فوجاً من الأجانب الفرنسيين. وعملوا على تطويرها، من خلال وصول سكة حديد وهران بشار عام ١٨٦٢.

يطلق عليها اسم مدينة المياه، نظراً لوفرة ينابيعها الجوفية. فيما الولاية مليئة بالغابات، ومزارع القمح على مدّ البصر. تقع على المنحدرات الجنوبية لسلسلة جبال تل أطلس، محفوفة بالهضاب الخضراء الحميلة. مغطّاة بطريق من الجبال المشجرة على الشاطئ الآخر، والذي يندفع صعوداً من أرض الوادي إلى ارتفاع يبلغ حوالي أربعة آلاف قدم.

وعدة سيد الحاج بن عامر في سعيدة الجزائر

وعدة سيد الحاج بن عامر في سعيدة

أكثر ما يشدّني في الترحال هو التعرّف على عادات الدول التي أزورها، خارج الكتيبات السياحية. وهنا، في سعيدة السعيدة كانت لي أجمل التجارب الجزائرية التي عشتها. صادف اليوم الذي وصلنا فيه إلى سعيدة، أن يكون أحد أيام الاحتفال بوعدة سيد الحاج بن عامر. قديماً -كما شرح لنا المرشد السياحي- كانت تقام هذه الوحدة لاجتماع العديد من العوائل، وتقام فيها الاحتفالات بختان الأطفال والأعراس، والصلح بين الأفراد المتخاصمين. ويتوافد الآلاف إلى قرية تامسنت، لإحياء تلك المناسبة التاريخية.

تجتمع القبائل هنا بخيّالاتهم من مختلف الولايات الجزائرية، لاستعراض ألعاب الفنطازيا ليومين. فيما تتمثّل الضيافة الجزائرية التي لا مثيل لها بفتح بيوتهم لكل الضيوف القادمين وإطعامهم. فيما تنتشر الخيام، لتعرض الحلويات التقليدي، والوجبات الخفيفة، ويسعد الجميع بالفرق الفلكلورية.

امرأة واحدة، وأكثر من ثلاثة آلاف رجل 

لا أذكر أي مرة أخرى شعرت فيها بالأمان بينما أسير مُحاطة بجموع حولي، ناهيك عن تجمّع رجالي بالكامل. أخِذ قلبي بمنظر الخيالة وبنادقهم، فيما الخيول المزيّنة تتراقص حولي. أصوات عالية، سيارات، بنادق، والكثير من الرجال. وكعادتي، كنت أبحث عن النساء والعوائل هنا، لأكون وسطهم، ولكنني وجدت الرجال فقط. وباجتهاد شخصي لا أعرف صحّته، أعتقد أن هذه الوعدات غالباً ما يحضرها الرجال والأولاد فقط.

دخلت وخالد وسط الجموع لمشاهدة العروض، لتصلني فيما بعد رسالة من أمينة -التي نظّمت شركتها رحلاتي حوس الغرب الجزائري- عن سلامتي. حمزة، سائق الشركة الذي أصبح حارساً شخصياً لي ذاك الوقت لم يفارقني أبداً، ويحاول حمايتي ما استطاع. ولكنني في الحقيقة لم أكن بحاجة إلى أي حماية! هنا أكثر من ثلاثة آلاف رجل، جميعهم يبتسمون في وجهي ويشيرون إليّ لالتقاط صور لهم ومعهم. وما بين “واش راك عمي؟” و “لا باس بنتي” كانت أجمل الصور والذكريات التي صنعتها لي الجزائر.

الموقع الأثري لوكي معطه ولاية سعيدة خالد الجابر حوس الغرب الجزائري

الموقع الأثري لوكي معطة

تخيل أن تسير في متحف مفتوح؟ هذا ما عشناه في الموقع الأثري لوكا معطة. يمتد هذا الموقع التاريخي على مساحة شاسعة تزيد عن ١٠ هكتارات في سعيدة. ويبدو أنه تم التخلي عنه في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الميلادي. تعود هذه الآثار إلى زمن الإمبراطور الروماني Sepime Severus من أصل بربري، وكانت إحدى المعسكرات الدائمة على الحدود الموريتانية. فهنا، كانت الحامية مكونة من الدفعة الأولى من اليونانيين (Cahors I pannoniom).

يسحرك الطريق الموصل إلى الموقع الأثري بالكثير من المساحات الخضرء، ومزارع القمح التي تبدو كبساط ذهبي. حكى لنا المرشد المحلي الكثير من تاريخ لوكي معطة، فيما نسير بين جنبات الغرف والحمامات الساخنة. تسافر بك حكاياته عبر الزمن، ويأخذك خيالك إلى الحياة التي كان يعيشها السابقون هنا. ومصادفة، خلال سيرنا، وجدنا عملة رومانية، بحجمها الصغير للغاية مقارنة باليورو. تمنّيت لو أن المكان اشتمل على غرفة مزوّدة بتقنيات حديثة، لتُظهر الشكل التصورّي للآثار، وما تحتويه أو طريقة عيشهم.

سعيدة السعيدة بالمساحات الخضراء

سعيدة السعيدة بالمساحات الخضراء

اشتقت إلى المشي بين أحضان الطبيعة كثيراً، خاصة بعد رحلات التسلق التي قضيتها في سريلانكا ثم النيبال. وللأسف، كانت رحلاتي في الجزائر كانت منظّمة عبر الشركات السياحية، والتصاريح المعقدة لتسلق الجبال أو الغابات. كنت سعيدة للغاية حينما عرفت أننا في طريقنا إلى عين السلطان، حيث شلالات تيفريت، وينابيع سيدي ميمون، والمغارات في المنطقة، بالإضافة إلى مغارة بنت السلطان. الغابات هنا خلابة للغاية، والمشاهد الخضراء تسحر العين، وهواء صافٍ مريح للروح. يمكنك قراءة المزيد من قائمة المواقع السياحية في ولاية سعيدة، لتخطط رحلتك في أحضان طبيعتها الجميلة.

غادرنا ولاية سعيدة السعيدة، والتي كانت أجمل محطات حوس الغرب الجزائري. وددت لو أننا قضينا فيها ليلة إضافية لنراها بجمالها الأخاذ، ولكنني أعرف أنني سأعود لها يوماً. واصلنا رحلتنا إلى تيارت، والتي كانت تجربة مليئة بالمغامرات الجسدية على كافة الأصعدة 🤭 بداية من تناول الكثير من الفلفل، وحتى زيارة مغارة ابن خلدون والأهرامات العجيبة في الجزائر.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

1 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *