بعد أن قضيت أسبوعين متنقلة بين شواطئ سريلانكا المختلفة، حان الوقت للتعمق في داخل البلاد. بدأت رحلتي من كولمبو، ثم سبحت مع السلاحف في هيكادوا، وأبهرتني حصون غالي. ثم شققت طريقي نحو ميريسا لتعلم ركوب الامواج. كنت بحاجة إلى رؤية شيء آخر في سريلانكا لا علاقة له بالشاطئ. وأعني بذلك جبالها العالية، والمناطق الباردة التي قرأت عنها كثيراً.. إيلا (Ella)، التي تقع بعيداً في وسط سريلانكا تقريباً، والرحلات القطار التي تشقها. الوجهة السياحية المغطاة بالضباب، بين التلال الخضراء المثالية، والشلالات المتدفقة. إنها إحدى أكثر الوجهات الغنية بالمناظر الطبيعية جمالاً وجاذبية في هذه الجزيرة التي أحب. فمن تسلق قمة إيلا روك، إلى زيارة السكة الحديدية على جسر الأقواس التسعة (Nine Arch)، ثم الوقوف على حافة شلالات ديالوما الصاخبة. كل هذا بينما تسير بينما تمتع ناظريك بمزارع الشاي.

إنها الوجهة المفضلة والأولى لمحبي المغامرات، ومَن لا يهتمون بأن تغطي أحذيتهم بعض الطين! على الرغم من ذلك، تعتبر إيلا -في الحقيقة- قرية ساحرة وهادئة، مثالية للاسترخاء، والمشي لمسافات طويلة والهروب من درجات الحرارة المرتفعة على الساحل الجنوبي. وهي مكان يتعايش فيه التراث الاستعماري لسريلانكا، مع ثقافتها السنهالية والتاميلية الغنية. فأنت هنا لست للتفرغ في الطبيعة الجميلة فحسب، بل حتى التجارب الثقافية الوفيرة.

كيف تصل إلى إيلا؟

بما أنني كنت مقيمة في لعشرة أيام في ميريسا، فقد كانت أسرع طريقة هي ركوب الحافلة المحلية من ميريسا (محطة ماتارا الرئيسية) إلى إيلا. استغرقت الرحلة ما بين خمسة إلى ست ساعات، ولم أشعر بطولها في الحقيقة بسبب القرى الزراعية الهادئة.

في المقابل، يمكنك الوصول إليها بطريقة أخرى: القطار المحلي العتيق مثلاً! سيتوجه القطار من كاندي إلى إيلا، وسط المناظر الجبلية الساحرة. هناك قطارات أخرى سياحية أكثر ترتيباً ونظافة، ولكنني لم أجربها شخصياً في هذا المسار بما أنني لم أزر كاندي.

تتبع القطارات المسار نفسه؛ عبر الغابات الضبابية، ومزارع الشاي الخضراء، مروراً بالشلالات والجداول المتدفقة، والبلدات الملونة القديمة، والسكان المحليين. ويبدو أن كل شخص تقابله يرحب بك بابتسامة حقيقية؛ مجموعات من الأولاد المحليين يعزفون على الغناء والرقص ولعب الطبول، فيما يندفع الباعة عبر القطار وهم يركبون الشاي الحلو والوجبات الخفيفة. وبينما يعلق السائحون رؤوسهم من النوافذ للتحديق في دهشة في الجمال المطلق.

الجزء الأكثر جمالاً في الرحلة ينحصر بين نانو أويا (Nanu Oya) إلى محطة إيلا (Ella)، عبر الغابة الكثيفة في حديقة Horton Plains الوطنية. جربت هذا الجزء حينما غادرت إيلا إلى نوارة إيليا، وسأتحدث عن تجربتي هذه وركوب القطار عند المغادرة.

ماذا تفعل في الجنة السريلانكية الخضراء؟

هناك الكثير لرؤيته والقيام به في إيلا، إن كنت مستعداً للتعمق والتوقف في مناطق غير سياحية بحتة، وتوّاقاً إلى المناظر الطبيعية الساحرة.

شلالات رافانا المتسارعة

توقفنا في طريقي إلى إيلا لبضعة دقائق للاستمتاع بمشاهد جميلة، على الطريق المتعرج من Wellawaya. تقع هنا إحدى المناطق السياحية المشهورة، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة في سريلانكا. ووفقاً للأسطورة المحلية، يُقال إن الملك رافانا قد اختطف الأميرة سيتا وأخفاها في الكهوف المحمية السرية بالغابات، خلف الشلال، للانتقام من قطع أنف أخته من قبل زوج سيتا (راما).

واليوم، ينزل الشلال من ارتفاع ٢٥ متراً، وبمستويات متعددة ظاهرة للعيان، نظرًا لموقعه بجوار الطريق مباشرةً إلى إيلا من الجنوب. وهو مذهل حقيقة، خاصة إذا كانت الأجواء غير ممطرة، وبذلت جهداً للمشي لمسافات طويلة حتى المستوى الثاني من الشلال. من أعلى شلالات رافانا، رأيت المناظر المطلة على الوادي أدناه بمهابة، وكانت تستحق الارتفاع الصعب وغير المستقر إلى حد ما.

للوصول إلى القمة، اتبع المسارات الموجودة على يمين الشلال وشق طريقك ببطء، متبعاً المسارات المعبدة. كن حذراً خلال المشي، نظراً للحجم الهائل للمياه، والتي قد تبلل الأرضيات وتصبح زلقة. من المفضل أن تصعد مع أحد ما، أو مرشد محلي، خاصة خلال الأشهر الممطرة. فالسيل المتدفق عبر هذا الشلال مشهد يمكن رؤيته، وهو يغطي الطريق والمنطقة المحلية بالرذاذ. وشخصياً، أوصيك بزيارة الشلال في الصباح الباكر، أو في وقت متأخر بعد الظهر، حيث يمكن أن تكون المنطقة مزدحمة للغاية خلال النهار.

جسر القوس التاسع في إيلا 

من المدهش أن يؤم الكثير من السائحين هذا الجسر ويزورونه! ولو رأيت صوراً أو زرته بنفسك فتعرف لم. يحيط بجسر القوس التسعة (Nine Arch) الغابات الخضراء ومزارع الشاي، ويقف بفخر عبر الوادي أدناه. في الأيام الضبابية، تتدلى السحابة المنخفضة في الوادي، مما يمنح المنطقة بأكملها إحساساً عذباً في القلب.

اكتمل بناء الجسر عام ١٩٢١، من الطوب والصخور والأسمنت. ولم تستخدم فيه أي معادن، ما يجعله إنجازاً هندسياً يعود إلى تلك الأيام. يمتد الجسر على طول ٩١ متراً، وعلى ارتفاع ٢٤ قدماً. ويقع على خط القطار الشهير من كاندي إلى بانداراويلا (عبر إيلا)، حيث تمر القطارات حوالي خمس مرات يومياً – حسب جدول القطار السريلانكي المتغير باستمرار. وعلى الرغم من أن أوقات القطارات غير موثوق بها بشكل ملحوظ في سريلانكا، إلا أن القطارات تمر هنا غالباً في الأوقات التالية: التاسعة والنصف، الحادية عشر والنصف، الثالثة والنصف مساءً، الرابعة والنصف مساءً، والخامسة والنصف مساء.

هناك العديد من الأماكن لمشاهدة الجسر، وأكثرها شهرة من الجسر الفعلي نفسه. ولي شخصياً، فقد كانت أفضل المناظر من الأعلى، إما بالنظر من الغابات المحيطة بالجسر، أو من أحد المقاهي المطلة على المكان. وفي الحقيقة؛ مشاهدة القطار وهو يشق طريقه ببطء عبر الجسر مشهد رائع. ما عليك سوى الوصول إلى الموقع مبكراً، فالجسر والمناطق المطلة عليه تمتلئ بسرعة كبيرة! ستجد موقعه هنا على خرائط جوجل.

تسلق قمة آدم الصغير

قد تكون رحلات التسلق في سرلانكا شاقة في هذه الأجواء إذا كانت الرحلة الشاقة في الشمس لا تروق لك، ولكنك لا تزال حريصاً على تحريك ساقيك واستكشاف الريف السريلانكي، فإن الرحلة الأسهل -إن كنت ذو لياقة جيدة- إلى قمة Little Adam’s Peak تستحق الزيارة بالتأكيد. سميت القمة على اسم شقيقها الأكبر ذو الشكل المماثل، ولكنه أعلى بكثير، قمة آدم. تستغرق رحلة تسلق قمة آدم الصغير حوالي ساعتين ذهاباً وإياباً من بلدة إيلا، وتبدأ في مزارع الشاي المورقة قبل أن تتسلل ببطء إلى المجموعة الأولى من مناطق الإطلالات. ومن هنا، ستستمتع بمناظر بانورامية خلابة تطل على قمة صخرة إيلا (Ella Rock) العملاقة، و فاصل إيلا (Ella Gap) باتجاه حديقة أوداولوي (Udawalawe) الوطنية. إنها المنطقة المثالية لالتقاط صور بخلفيات الجبال الخضراء الزاهية، لاسيما بعد الأمطار.

ولإكمال المتعة، واصل تسلق المرتفعات، حيث تصبح المناظر أكثر إثارة وأقل زحاماً. ثم اتبع طريق العودة من الجانب الآخر من الجبل، واستمتع بمشاهد على المنتجع المذهل قبل العودة إلى إيلا. أو توقف عند كوخ العصير الخشبي الصغير في رحلة العودة للاسترخاء وتناول جوز الهند المنعش.

رحلتي إلى إيلا كانت في إبريل، حيث كانت الأجواء ممطرة ومعتدلة، وكان المناسب تسلق المرتفعات قبل الظهيرة. ولسلامتك وراحتك، فمن المستحسن البدء بالتسلق في ساعات الصباح الأولى، أو وقت متأخر بعد الظهيرة، لاسيما إن كانت رحلتك في الربيع أو الصيف. ويمكنك على كل حال الاستمتاع بالغروب يسري في المكان إن كانت السماء صافية.

أشعل الأدرينالين في داخلك!

هناك شيء ما حول ركلة الأدرينالين التي تجعلك تشعر بأنك على قيد الحياة! شاهد الفيديو أعلاه، وسترى كيف كانت الحماسة في قلبي.

لحسن الحظ، مع افتتاح أول مسار Zipline في سريلانكا، يمكنك الآن تجربة اندفاع الأدرينالين هنا في إيلا. وفي الحقيقة، هو أقل الأسعار التي رأيتها للكيبلات مقارنة بأوروبا أو ماليزيا مثلاً، إنها ٢٠ دولاراً فقط، وبمقاييس سلامة عالمية. إنها تجربة جديدة في مشهد سياحة المغامرات المزدهر في إيلا. يمتد خط Flying Ravana لأكثر من نصف كيلومتر عبر التلال الخضراء في إيلا، وتصل سرعتها إلى ٨٠ كلم في الساعة. قد لا تكون هذه المغامرة لضعاف القلوب، ولكنها ممتعة لمحبي التحدي. ومن تجربة شخصية، هي إحدى الأمور الاكثر إثارة التي قمت بها في سريلانكا. يعتبر خط الـZipline آمنًا للغاية، يستخدمون أحدث المعدات، ويتم تدريب الموظفين جيداً، ويخضعون لإجراءات أمان شاملة قبل إرسالك في المسار. قمت بهذه التجربة الجميلة بعد تسلق قمة آدم الصغير (Little Adams Peak). وارتحت لنصف ساعة بعدها في مطعم منتجع 98 Acres، لنهاية اليوم الطويل.

تسلق قمة صخرة إيلا

للساعين خلف المناظر الخلابة خلال سفرهم، فإن قمة صخرة إيلا (Ella Rock) لا يجب تفويتها أبداً! ستعرف ما أقول حينما تدهشك الإطلالات الرائعة على إيلا، وقمة آدم الصغير، وفجوة إيلا. لم أتسلقها شخصياً، فقد كان عليّ المغادرة إلى نوارة إيليا في اليوم التالي.

وحسب ما حكت لي سيدة بيت الضيافة، فإن تسلقها أصعب قليلاً وأعلى من قمة آدم. ولتصل إليها، ابدأ من محطة قطار إيلا الشهير، ستتبع “مشيًا” خط القطار إلى كاندي مروراً بالعديد من الشلالات الجميلة، والجسور، ومزارع الشاي والمنازل، قبل البدء في تسلق قمة صخرة إيلا. تزود بالكثير من السوائل والعصيرات الباردة أو حتى شراب جوز الهند المنعش. سيمنحك الطاقة التي تحتاجها للصعود إلى القمة في الأجواء المعتدلة أو حتى الساخنة. قد يكون الطريق إلى القمة معقداً بعض الشيء، ولكن إذا اتبعت المسارات المحددة بوضوح وتجاهلت الإعلانات (المضللة عن عمد في بعض الأحيان)، فلن يكون لديك الكثير من المشاكل. في النهاية، تستغرق الرحلة حوالي ساعتين ونصف ذهاباًوإياباً، ولكن تذكر أن تحمل ما يكفي من الماء والوجبات الخفيفة لتسهيل رحلتك.

أين تقيم في إيلا

هناك عدد لا يحصى من خيارات الإقامة والفنادق في إيلا. بداية من الفنادق البيئية الفاخرة في الغابات، وبيوت الشباب التي ظهرت في المدينة، وعدد من الفنادق ذات الميزانية المتوسطة ودور الضيافة. لن تتعب أبداً في إيجاد مسكن مناسب في إيلا، ولكن عليك التأكد من قرب الفندق أو بيت الضيافة من وسط المدينة حتى يمكنك التنقل بسهولة من وإلى الفندق. أقمت شخصياً في بيت ضيافة تملكه عائلة سريلانكية لليلتين فقط، وفعلت ذلك بسبب المنظر البديع من الشرفة الملحقة بغرفتي. اخترت Nature’s Glow Home Stay الأعلى تقييماً لبيوت الضيافة.

في المقابل، هناك العديد من الفنادق الجيدة التي وجدتها في طريقي أيضاً وحدثني عنها بعض أصدقائي المسافرين. منها:

• للفخامة التامة، أقم في منتجع 98 Acres Resort & Spa البوتيكي: أقم وسط المناظر الطبيعية الخلابة التي اشتهرت بها إيلا. يقع على بعد ٨ دقائق مشياً من جسر القوس التاسع، وعلى بعد ٧٠٠ متراً من قمة آدم الصغير. احجزه من هنا.
• للإطلالات الساحرة، فندق Mountain Heavens: تخيل أن تصحو على مناظر الجبال الخضراء والضباب، والتي يمكنك أن تراها بسهولة من سريرك! احجزه من هنا.
• إن كنت تبحث عن المناطق العالية، فهنا فندق Ravana Heights: يقع رافانا هايتس فوق ممر إيلا، على ارتفاع ١٠٠٠ متر فوق مستوى سطح البحر. ستجد هنا إطلالات بانورامية على السهول، فيما تطل الغرف على الجبال المحيطة و قمة صخرة إيلا (Ella Rock). احجزه من هنا.
• بيت الضيافة Hilltop Guest House: بيت ضيافة أشبه بالفندق نوعاً ما، وتملكه عائلة محلية. يشتمل على مطعم محلي، وموافق متعددة لجعل إقامتك في إيلا ممتعة. احجزه من هنا.