كينيا - الإبحار في جدول كيليفي. زيارة مناراني وزيارة البلدة الساحلية

استقطعت بضعة أيام خلال تواجدي في كينيا لزيارة منطقة أخرى، سمعت عنها كثيراً لشهرتها بين الرحالة. كيليفي، بلدة صغيرة للغاية، غير سياحية أبداً، وتنعم بالكثير من الطبيعة. وحينما أقول أنها غير سياحية فإنك لن تجد فيها ستاربكس أو أياً من الشركات العالمية المزعجة.فأثناء استكشاف كيليفي، ستجد أن كل تجربة فريدة من نوعها، مثل المدينة الساحلية نفسها. من كشف أسرار التاريخ في أطلال مناراني، إلى الانغماس في أفضل المأكولات البحرية في مطعم محلي على البحر. . ثم الإبحار والسباحة في جدول كيليفي. ستجد في كيليفي (Kilifi) مزيجاً من المغامرة والاسترخاء والثقافة الغنية. سواء كنت تبحث عن الإثارة، أو الهدوء، أو مجرد تجربة أسلوب الحياة المحلي، ستبقى مندهشاً دائماً.

كيليفي، وجهة سياحية غير عادية

كيليفي ليست فقط عاصمة المقاطعة التي تحمل الاسم نفسه، والتي تضم أيضاً ماليندي، واتامو، ومامبروي، ولكنها وجهة سياحية في حد ذاتها، حظيت بشعبية كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة بين الشباب.

تقع المدينة عند مخرج نهر تاكاونغو الجذاب، والذي يتعرج عبر المناظر الطبيعية المتنوعة للساحل الشرقي لكينيا. ولعدة قرون، كانت المدينة الرئيسية بمثابة ميناء للنجاة من مياه البحر الهائجة. فيما يقع وسط المدينة، مناراني، على الجانب الجنوبي من مستجمع المياه الذي يندمج مع المحيط الهندي، ويمثل نقطة منتصف الطريق بين مومباسا وماليندي. ستجد في مناراني شاطئاً جميلاً تحده الصخور والمحيط الفيروزي. ويشكلون مع كيتوكا، على الجانب الشمالي من جدول تاكاونغو، مستوطنة كيليفي.

لقد كان الاستعمار البريطاني أول مَن جعل كيليفي وجهة سياحية. شجع أول نادي لليخوت على الساحل الكيني على مزيد من التطوير، وجذب عشاق صيد الأسماك والبحر والأنشطة الرياضية ذات الصلة. ونتيجة لذلك، ازدهرت صناعة الفنادق وحوّل إكمال الجسر المدينة إلى مفترق طرق ونقطة توقف لوسائل النقل.

وعلى على الرغم من أن كيليفي غير معروفة بالمنتجعات الكبيرة الموجودة في أماكن أخرى على الساحل، إلا أن هناك العديد من خيارات السكن لجميع الإمكانيات الاقتصادية. فيما موقعها الجغرافي يجعلها قاعدة ملائمة إذا كنت تنوي زيارة الوجهات السياحية الساحلية الأخرى في الجنوب.

لماذا اخترت زيارة كيليفي؟

الإجابة ليست معقدة أبداً، فهذه المدينة الساحلية هادئة وقريبة -نوعاً ما- من شاطئ دياني. ذكرت في تدوينة رحالة رقمية على شاطئ دياني أنني قضيت فيها شهراً كاملاً للعمل والراحة، وأردت تغيير الأجواء قليلاً بزيارة بلدة قريبة. لم أرد المكوث في مومباسا، فهي مزدحمة جداً، وإن كانت أقل ازدحاماً من العاصمة الكينية، نيروبي. لذلك، اخترت خلال الأيام التي قضيتها في كيليفي زيارة عدد من المناطق التاريخية والطبيعية.

الغروب والإبحار في جدول كيليفي - كينيا

الغروب والإبحار في جدول كيليفي

مع اقتراب اليوم من نهايته، توجهت إلى منطقة Old Ferry في كيليفي للاستمتاع بمنظر غروب الشمس الرائع. تتحول السماء إلى لوحة فنية ذات ألوان دافئة، مما يلقي وهجاً هادئاً فوق الماء. إنها لحظة من الهدوء والرهبة، وهي مثالية لالتقاط الذكريات من خلال الصور الفوتوغرافية أو ببساطة لتذوقها بأم عينيك. ستجد خلال إبحارك في جدول كيليفي أنها المكان المثالي للحظات الرومانسية والعزلة التأملية.

حجزنا في الأساس رحلة خاصة، لي وثلاثة آخرين من المسافرين، ولكنني فوجئت أنها في مركب عام. لا تكبّر الموضوع، إنها كينيا، إنها أفريقيا! وفي الحقيقة، لم تكن فكرة سيئة. اشترينا أكواباً من الشاي مصنوعة على الطريقة الكينية، بالبهارات. كنا في قارب كبير مع السكان المحليين، والذين كانوا أعرَف بالترتيبات، أكثر من السائحين. جاؤوا محمّلين بمتاعهم من الوجبات الخفيفة والمشروبات والكحوليات، وحتى الموسيقى. ومن هذا المكان، يمكنك الاستمتاع بمناظر جسر كيليفي والقوارب المارة. في نفس الوجهة يوجد قفل الحب – وهو المكان الذي يضع فيه العشاق الأقفال لإظهار أن حبهم مغلق إلى الأبد.

وبترتيبات أفضل، يمكنك الإبحار بالمراكب الشراعية في جدول كيليفي؛ حيث يمكنك الانضمام إلى القبطان عيسى وطاقمه ذوي الخبرة على متن قاربهم الشراعي السواحلي التقليدي. يمكن تنظيم الرحلات طوال ساعات اليوم ولمجموعة من الأنشطة. لتستمتع برحلات بحرية “مشمسة” حول الخور، وأشرعة البدر الحالمة، والغطس بين الشعاب المرجانية، ورحلات صيد الأسماك. وإن كنت ترغب في مزيد من الرفاهية، يمكن طهي وجبة غداء أو عشاء من المأكولات البحرية اللذيذة على متن السفينة.

أطلال مناراني

تشتهر كينيا بالثقافة والتاريخ العريق، ولم أعرف عنها سوى القليل جداً. ستعطيك هذه الآثار القديمة لمحة رائعة عن تاريخ المنطقة الغني، حيث يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر، والتي كانت جزءاً من مستوطنة سواحيلية. حدّثني المرشد المحلي عن القصص المتعلقة بالمكان بينما نمشي عبر بقايا المباني الحجرية والأعمدة المنحوتة بشكل معقد. والأهمية التاريخية للموقع والمناطق المحيطة به الخلابة تجعله مكانًا لا بد منه لهواة التاريخ والمسافرين الفضوليين.

حديقة الثعابين في مناراني

بعد درس ثاقب في الآثار، انتقلنا إلى متنزه ماناراني للثعابين، والتي تعدّ موطناً لمجموعة متنوعة من أنواع الثعابين الأصلية والزواحف الأخرى، ولكل منها قصتها وخصائصها الخاصة. وأعلم ما تفكّر به الآن، حقاً؟ ثعابين! لا بأس، ستعرف عند زيارتك لها لمَ كنت هناك. وخلال سيرك في الحديقة، سترشدك الأدلة المطلعة نظرة ثاقبة حول سلوك وأهمية هذه الزواحف في النظام البيئي. إنها فرصة ليس فقط للتغلب على مخاوفك ولكن أيضًا لتقدير الدور الحيوي الذي تلعبه الثعابين في الحفاظ على التوازن البيئي.

السكن وسط الطبيعة - كينيا. Distant Relatives Ecolodge & Backpackers

السكن وسط الطبيعة

تعلم جيداً أنني أحب السكن في فنادق أو مساكن غير عادية، وهذا ما وجدته تماماً في Distant Relatives Ecolodge & Backpackers. فالمسافرين الباحثين عن تجربة إقامة فريدة من نوعها، يوفر لهم هذا المسكن ملاذاً صديقاً للبيئة. يقع هذا النزل وسط الخضرة، ويجمع بين الراحة والاستدامة. سواء اخترت التخييم في حديقتهم أو الإقامة في كوخ صديق للبيئة، فسوف تكون محاطاً بجمال الطبيعة. وبغض النظر عن ذلك، يمكنك المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتعرف على المسافرين الآخرين، والمساهمة في مبادرات المنتجع المستدامة أثناء تواجدك هنا.

قضيت هنا ثلاث ليال جميلة، كانت هادئة وممتعة، والضيافة مريحة للغاية. اخترت هذا المسكن لتميّزه عن الفنادق الأخرى في المنطقة، فلم أكن أبحث عن فنادق معلّبة أو من فئة خمسة نجوم. يعتبر Distant Relatives Ecolodge & Backpackers نموذجاً تجريبياً للحياة الواعية بيئياً واجتماعياً، ملتزمين بالتناغم مع الطبيعة بدلاً من فرضها عليها. تتراصّ الغرف بسلاسة مع البيئة المحيطة، مما يعزز الاتصال العميق بالعالم الطبيعي وتقليل البصمة البيئية في المكان.

والسبب الآخر، يتجمع هنا المغامرون من جميع أنحاء العالم لتبادل الحكايات والتفاعل مع المجتمع المحلي والاستمتاع بالمناظر الساحلية الخلابة في كينيا.

Booking.com
السفر من كيليفي إلى شاطئ دياني

العودة من كيليفي إلى شاطئ دياني

لا تزال الكثير من الطرق في كينيا غير معبّدة، والسفر فيما بينها يعني قضاء ساعات طويلة في الطريق. غادرت Distant Relatives Ecolodge & Backpackers صباحاً إلى مركز المدينة، حيث يمكنني ركوب حافلات “ماتاتو” من هنا. وإن كنت جديداً على السفر في كينيا أو تنزانيا، فهي حافلات صغيرة مملوكة للقطاع الخاص تستخدم كسيارات أجرة مشتركة. وغالباً ما يتم تزيين العديد من الماتاتو بصور لأشخاص مشهورين أو شعارات. وبالطبع، الموسيقى التي يشغلونها أيضاً إلى جذب الراكبين أو تنبيه الدراجين.

في هذا اليوم ركبت كل أنواع المواصلات! توك توك من السكن إلى محطة الحافلات، ثم ماتاتو من كيليفي إلى مومباسا التي توقفنا فيها للغداء. بعدها، ركبت ماتاتو آخر من مومباسا إلى العبّارة. ثم مشينا للعبّارة، لتقطع المسافة ما بين مومباسا إلى ليكوني. هناك، على العبّارة، ركبنا ماتاتو من ليكوني إلى أوكوندا، لنقفز منها، ونركب توك توك من أوكوندا إلى السكن في دياني. كانت ست ساعات من السفر المتواصل، بين الروائح والتعرّق والحر، لمسافة إجمالية لا تزيد عن ١٢٠ كلم!

قضيت الأيام الأخيرة لي في كينيا على شاطئ دياني، مرة أخرى. تأشيرتي في كينيا لا تزيد عن شهر، وقد قاربت على الانتهاء. لذلك، عدت لها بما أنها النقطة الأقرب لمغادرة كينيا إلى تنزانيا، وعبرا الحدود براً – التجربة المفضّلة لدي. سأحكيها لك في تدوينة قريبة.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *