تونس العاصمة الأبواب الملونة سيدي بو سعيد

تونس العاصمة الأبواب الملونة سيدي بو سعيد


قد تبدو تونس مجرد دولة صغيرة، ضمن الامتداد الأفقي الشاسع لشمال أفريقيا. لكنها تضم بين جنباتها الكثير من التاريخ، والجمال الطبيعي المتنوع لتملأ بلداً أكبر من حجمه. تفترش بدلال ساحل البحر الأبيض المتوسط الرملي، والمعطر بالياسمين ونسائم البحر. فيما تقدم أطباقاً شهية وطازجة من الأسماك، تجعلك تسبر أغوارها كل يوم، وتجرب كل يوم طبقاً شهياً. وهذا ما جعل تونس ملاذا سياحياً للكثير من الأوروبيين، لاسيما في الصيف، حيث الشمس حارة، ومياه البحر المتوسط معتدلة. ولكنها، كبلد، ليست مجرد شواطئ، وشمس، وبحر هادئ. إنها وجهة مثيرة ومذهلة، تزينها الأبواب الملونة، والمباني التاريخية العتيقة بأشكال جميلة من الجص. ويمكنك فيها استكشاف الكثير من الثقافات المتميزة، شمالاً وجنوباً. بداية من رأس أنجلة، وحتى أقصى الجنوب حيث القرى البربرية والأمازيغية في الصحراء. ومروراً بتونس العاصمة، وسيدي بو سعيد، ثم سوسة، وصفاقس، وحتى الحمامات وغمراسن.

تونس العاصمة، حكاية أخرى!

تونس العاصمة، حكاية أخرى!

في المقابل، تبقى تونس العاصمة حكاية أخرى! هنا مدينة يتوسّطها الماضي العريق، وتحيط بها المدنيّة والتطور بمطاعم ومقاهي عالمية. تجوّلت في تونس العاصمة خلال ثلاث فترات متقطعة من هذه الرحلة، وفي كل مرة أكتشف فيها جانباً آخر. أحببتها، كمدينة صغيرة هادئة، بها الكثير من مقوّمات الحياة العادية التي أريد أن أعيشها. ولكنني على الرغم من ذلك لم أجد الراحة التي أبحث عنها، شيء ما ينقصها. أو ربما كانت الأجواء السياسية والاقتصادية فيها غير مريحة تماماً، خاصة حينما تكون سائحاً فيها، وترى الكثير من السكان المحليين لا يزالوان يعانون فيها، أو يبحثون عن أي وسيلة لمغادرتها. قد لا أفهم الأسباب كاملة، فلست سوى زائرة، لم أمكث في البلاد كاملة إلا شهراً، ولكنني حتماً أعرف أن بها الكثير من الجمال.

المدينة القديمة، مدينة الأبواب الملونة تونس العاصمة

المدينة القديمة، مدينة الأبواب الملونة

تخيّل أن تدخل مكاناً، وتعرف أنه ليس إلا متاهة. هذه المتاهة المترامية الأطراف من الشوارع والأزقة القديمة هي إحدى أكثر مدن العصور الوسطى إثارة للإعجاب في شمال إفريقيا، وإحدى كنوز تونس العظيمة. ستجد فيها العديد من الأسواق الشعبية التي تبيع كل شيء؛ بدءاً من الأحذية إلى الشيشة، ناهيك عن المقاهي الصاخبة. شوارعها الضيقة  مليئة بالحرفيين، ينحون على ما أعمال الفضة والذهب، وربما الحياكة. وبين هذا وذاك، مساكن عتيقة بأبواب حديدية، مطلية بألوان زاهية. فيما تنتشر القصور التاريخية، والحمامات، والمساجد، والمدارس القرآنية في كل مكان. ستسير في متحف كبير، كل قسم فيه مزين بالبلاط والجص المنحوت والأعمدة الرخامية.

تعتبر الهندسة المعمارية للمدينة مثالية للمناخ المحلي، حيث تتميز بشوارعها الضيقة الباردة في الصيف والدافئة في الشتاء. ومع قلة المساحة داخل الأسوار الأصلية للمدينة، قرر السكان رفع مبانيهم عالياً، وشيدوا أقبية وغرفاً فوق الشوارع. وهو ما يعطي الممرات الرئيسية إحساساً بأنها تحت الأرض، فيما خيوط الشمس تتسرب من خلالها.

سرت فيها مرات كثيرة، أفضلها بالنسبة لي في الصباح الباكر. كل شيء هنا هادئ في الصباح، بصرف النظر عن محاولات البائعين جلب انتباهك لبضائعهم، فيما يتشاركون الشاي مع جيرانهم من البائعين الاخرين. وفي أوقات أخرى من اليوم، تصبح الممرات الرئيسية لشارع القصبة وشارع جامع الزيتونة حارة، ومزدحمة، وصاخبة بشكل لا يطاق. ولهذا تجدني أمكث وقتاً أطول في مقهى بن يدر، مستمتعة بكوب الإسبريسو الشهي، فيما أراقب الناس خلف النافذة.

في جنبات المدينة القديمة في تونس العاصمة

في جنبات المدينة القديمة في تونس العاصمة

من بين المباني المتداعية، ستجد نفسك مسافراً عبر التاريخ في لمح البصر. أحياء المدينة القديمة والأزقة على الطراز العربي القديم هو القلب التاريخي لتونس، وتزخر بالكثير من المعالم السياحية. تُعرف بوابة المدخل الرئيسية التي تشير إلى نهاية المدينة الجديدة وبداية القديم باسم باب البحر. بُنيت عام ١٨٤٨، وكانت يُعرف باسم البوابة الفرنسية (Porte de France) خلال الفترة الاستعمارية. فيما أدرجت اليونسكو المدينة القديمة في تونس بقائمة التراث الثقافي عام ١٩٧٣. وربما اختفت جدران البلدة القديمة في فترة ما من التاريخ، ولكن بمجرد المدينة القديمة، تظهر المساجد والمدارس الدينية، والأضرحة المزيّنة بالبلاط الفخم، والعمارة الفاطمية والعثمانية الرائعة التي تصطف على جانبي الشوارع الملتوية.

من هناك، يمكنك زيارة جامع الزيتونة، والذي يُعدّ موطناً لأروع نماذج العمارة الإسلامية في البلاد. بُنيت خلال حكم الدولة الأموية، وقد تم ترميمها وتوسعتها خلال الإمبراطوريات التي مرّت عليها بعد ذلك.

من شارع لآخر حتى ضعت!

على الرغم من كثرة المرات التي زرت فيها المدينة القديمة، إلا أنني لم أحفظ أياً من زواياها أو مداخيلها ومخارجها. سرت في شارع سيدي بن عروس، ثم شارع دار الجلد، وشارع الباشا. ووجدت نفسي في أجمل منطقة من المدينة القديمة، والذي تم ترميمه مؤخراً. إنه مليء بالقصور والأضرحة، ثم سوق الشاشية، قبالة شارع سيدي بن عروس. وربما كان المفضل لدي شارع توربيت الباي، والذي يمتد بين مسجد الزيتونة والطرف الجنوبي للمدينة، ثم الأسواق والشوارع المغطاة شمال مسجد الزيتونة مباشرة، والتي تشمل سوق العطارين وشارع تاميس.

تغلق معظم المتاجر أيام الأحد، ويصبح المكان فارغاً تماماً، ويغلق الكثير منها بعد ظهر يوم الجمعة.

شارع الحبيب بورقيبة

شارع الحبيب بورقيبة

سكنت فيه أول مرة وصلت فيه تونس العاصمة، والأيام الأخيرة لي في البلاد. شارع بورقيبة هو شارع تجاري مهم في العاصمة التونسية، والمنطقة أنيقة للغايةو تظللها الأشجار من كل جانب. هناك العديد من المباني، والكنائس التونسية المعروفة في هذا الشارع، وعلى بعد كيلومترات قليلة من برج الجرس إلى المدينة القديمة. ستجد نفسك عند بوابة المدينة القديمة، فيما تصطف على جانبي الشارع المقاهي الفرنسية والمحلات التجارية الحديثة والمسارح والفنادق. وكل ما في الشارع يجب أن تراه في تونس العاصمة.

زُرت فيها كاتدرائية القديس فنسنت دي بول، الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وجلست في مقاهي ساحة النصر، ثم حاولت تصوير تمثال ابن خلدون.

البيوت البيضاء في سيدي بو سعيد تونس العاصمة

البيوت البيضاء في سيدي بو سعيد

سميت نسبة إلى أبو سعيد الباجي، الصوفي من القرن الثالث عشر، وكانت تسمى سابقاً جبل المنار. تعتبر المنطقة نفسها منطقة سياحية من الدرجة الأولى، وتشتهر باستخدام اللون الأزرق والأبيض في كل جزء منها. ويعود ذلك إلى العشرينيات من القرن الماضي، حينما أدخل رودولف دي إيرلانجر المظهر الأزرق والأبيض للمدينة. منزله -النجمة الزهراء- متحف يضم مجموعة من الآلات الموسيقية، وينظم حفلات للموسيقى الكلاسيكية والعربية.

تعتبر سيدي بو سعيد، التي تقع على قمة منحدر صخري، إحدى أجمل الأماكن في تونس. ترتسم أمامك لوحة جميلة، بالألوان الأزرق والأبيض المميز، والشوارع المرصوفة بالحصى، ولمحات أخاذة من المياه الزرقاء. شدّني فيها هندستها المعمارية المميزة، بمزيج من العمارة العثمانية والأندلسية، والأبواب الملونة فيها. ساهم في معمارها وشكلها الحالي، تدفق المسلمين الإسبان في القرن السادس عشر، ومن الجيد أنها لازالت على هذا الحال.

أما افرنسيون، فقد كانت قرية الصيد مثالية للاستشراق الذي استخدمه الأوروبيون في القرن التاسع عشر، والتزموا بضمان الحفاظ على طابعها الواقعي والمتخيل. واليوم، أصبحت سيدي بو سعيد بمثابة حي للفنانين البوهيميين، وهي مكان مفضل للاستراحة في عطلة نهاية الأسبوع للسكان المحليين في تونس. والعجيب، لا توجد مناطقة سياحية رئيسية على هذا النحو، ولكنك ستستمتع بالجلوس والاسترخاء على المقاهي المطلة على البحر.

Booking.com
تونس شمال أفريقيا سوسة

ماذا بعد تونس العاصمة

غادرت تونس العاصمة إلى سوسة، ثم عدت لها لمقابلة صديقي محمد الخضير، لنسافر معاً في البلاد. انتقلنا فيها إلى مطماطة وزرنا المنطقة المحيطة بها، تمازرط وتوجان. ثم العودة إلى سوسة لبعض الاسترخاء لعدة أيام. غادرتها بعد ذلك إلى تونس العاصمة للعمل من هناك بدون تشتت. كانت الرحلة جميلة في تونس، على الرغم من صعوبة التنقل من مدينة لأخرى وشدة الحر في يونيو ٢٠٢٢. سأكتب عنها لاحقاً.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *