دانة أطفال أبناء سعداء

دانة أطفال أبناء سعداء


أطفال سعداء.. كيف؟ كأم؛ لاتزال رغبتي الأولى وهدفي الأول في الحياة هو إسعاد أبنائي، حتى وإن امتدّت بي الحياة لأراهم في أربعينياتهم من العمر، وأكثر. كنتُ، ومازلت، أجيب على السؤال “ما الذي يجعل منكِ سعيدة؟” بالجواب الاعتيادي، “أن أراهما سعيدين“. لأُصدمَ في آخر الأمر بأنه أمر غير عادلٍ لأحدٍ منا. لأكتشف بطريقة ما أنني كنت بحماية مشاعرهم وعواطفهم أكثر من اللازم أجعلهم أضعف لمواجهة الحياة.

ضمن القراءات التي وقعت عليها مصادفة، مقالة/تدوينة The Misguided Desire of Wanting Our Kids to be Happy. تتحدث فيه عن: الرغبة الخاطئة، حين نريد أن يكون أبناؤنا أطفال سعداء. والذي يتحدث باختصار عن كتاب Dr. Robin Berman: الإذن بأن تكون مربّياً: كيف نربي أبناءنا بحب وبحدود. وجدت أن ترجمة الأجزاء المهمة منه قد يساعد الكثيرين.

لهّايات بشرية

إنها طبيعية بشرية، ونموذج اعتيادي في التربية هذه الأيام. فحينما تظهر مؤشرات عدم الرضا على أبنائنا، نهرع لإصلاح الأمر، أو خدمتهم، وكأننا لهّايات بشرية. وعلى الرغم من صلاح النية، حيث لم ندعهم يعانون، إلا أننا نتسبب في مشاكل بعيدة الأمد. يصبح الأطفال غير قادرين على التعامل مع عدم ثبات الحياة على وتيرة واحدة. بما في ذلك جعلهم بشر اتكاليين، غير قادرين على مراقبة عواطفهم، والرغبة مستقبلاً للعلاقات التي تعتمد بالكامل على الطرف الآخر، والبحث عن عوامل خارجية لتهدئة الذات.

أريد أن يكون أطفالي أطفال سعداء

تقول Dr. Robin Berman التعاسة: المفتاح لتربية أطفال سعيدين

أسأل الحاضرين دائماً عندما ألقي محاضراتي “ماهو أكثر شيء تريده لصغارك؟”، ولم أجِد الجواب الذي أبحث عنه. تحوم مجمل الردود حول: أريد أن يكون أطفالي سعداء فقط. لكن محاولة جعل أبنائنا سعداء طِوال الوقت أمر غير منصِف، وهو ما أنشأ صغاراً وشباباً يسهل كسرهم وغير سعيداء. الأمر أشبَه لما حصل لـVeruca Salt في فيلم Charlie and The Chocolate Factory. الجملة التهديدية الشهيرة “أريدها الآن يا أبي!”، ثم ردة فِعل والدها السريعة بأن يرقص لها، لإرضائها، كلما زادت نوبات غضبها.

وهنا يكمن السر؛ تريد أطفال سعداء، يجب أن تعلمهم التأقلم مع عدم الرضا أو السعادة. وأودّ أن أخبر والد Veruca Salt أنه كان من الأفضل تعليمها العمل مع عواطفها الكبيرة، مثل مشاعر الغضب، والإحباط، وخيبة الأمل، بدلاً من محاولة حمايتها منها. أصبح لدينا جيل من السيد Salt واللهايات البشرية. الآباء الذين أصبحوا -دون قصد- أول علاقة لأطفالهم تعتمِد على عدم التعاون. في جيل واحد انتقلنا من مَن يصرخ “اذهب إلى غرفتك لأني قلت ذلك!”، إلى “أوه، لا تشعر بالرغبة للذهاب إلى الفراش؟ دعنا نتحدث عن ذلك لمدة ساعتين”. وبعد ذلك: “سأستلقي بجانبك حتى تغفو، ثم سأخرج من الغرفة على رؤوس أصابعي. هذا إذا لم أنم بالفعل في سريرك وأصِبت رسمياً باضطرابات في النوم!”.

التدريب على إدارة المشاعر

عندما تصبح أباً أو أماً، فأنت -رسمياً- تصبِح مدرباً للعواطِف، مدرب شخصي لمشاعر ابنك. لكن لماذا تأخذ هذه المهمة المنوطة على الأب أو الأم  مساحة صغيرة فقط من الاهتمام؟ بمعنى، يكرّس الآباء والأمهات دهوراً في مساعدة الأبناء لإتقان مهارات معينة، لكنهم يتجاهلون حقيقة أنه تماماً مثل كرة القدم، والعزف على البيانو، فإن تعليم الصغار إدارة مشاعرهم هي المهارة التي يجب تدريسها وممارستها. كم من المرات سمِعت “إنني أدرب طفلي على النوم وحيداً. ابني يتعلم العزف على الكمان. أو إنني أدرّب فريق طفلتي لكرة القدم. نحن ذاهبون إلى Kumon لتقوية مهارات الرياضيات… الخ” لكن، ماذا عن المشاعر؟

ليس هناك ما يسمّى “مبكّر جداً” حين يتعلّق بتعليم الأطفال كيفية التعامل مع مشاعرهم. فلدى المواليد خلايا عصبية متقابلة في أدمغتهم، لديهم القدرة على استنساخ تصرفاتنا. وبشكل تدريجي؛ يستعيرون نظام خلايانا العصبية المتقابلة لتشكيل أنظمتهم. وعندما يتمكن الوالدين من إدارة مشاعرهم بشكل جيد أمام صغارهم، فإنهم يساعِدون أطفالهم بكونهم نماذج إيجابية في إدارة العواطف.

هدية.

إحدى أفضل الهدايا التي يمكن تقديمها لأبنائنا هو تعليمهم كيفية السيطرة وتثبيت الحرارة العاطفية. سيخدمهم هذا الأمر بشكل جيد طوال حياتهم. يؤكد العلم بأن الأطفال أو الكبار الذين يجدون متطلبات عواطفهم في المنزل، تجدهم مرتبطين بالمنزل عاطفياً أكثر من غيرهم. ويكون من الأسهل عليهم إنجاز أعمالهم والنجاح فيها، وحتى إنشاء صداقات، والدخول في علاقات عاطفية. وعلى العكس من ذلك، فالبالغين والمراهقين الذين لا يستطيعون فِهم مشاعرهم في كثير من الأحيان يبحثون عن مصادر خارجية لتهدئة أنفسهم. إنه التداوي الذاتي بالأكل، والأدوية، والكحول، والتمسك بعلاقات سيئة. يصبحون ببساطة غير قادرين على الاعتماد على أنفسهم، فحين يصبح هؤلاء الأفراد قلقين أو حزينين أو قابلين للإثارة بسهولة، فإن الأمر ينتهي بهم في العيادات النفسية. أو يحصلون على مقعد دائم في قطار المشاعر غير المستتبة. إنها رحلة غير سعيدة أبداً.

ما الذي يمكننا فعله لإنتاج أطفال قادرين على إدارة عواطفهم؟

أبناء سعداء

١/ التعامل مع مشاعر الأطفال السلبية دون الإسراع إلى إصلاحها أو مراكمتها

عندما يكون يومك سيئاً وتشكو لشريكك، فأنت لا تريد من شريكك حلّ مشكلة ما أو إصلاحها. إنك تريد التحدّث فقط والتعبير مشاعرك وأن تكون مسموعاً، والأطفال يقومون بالشيء ذاته. فحينما يبكي من درجة سيئة، لا يمكنك أن تقول “إنني لا أطيق ذلك المعلم”، لأنه ببساطة يجعلك تُراكِم مشاعرك في الطفل. قاوِم رغبتك ومحاولتك لوقف بكائه بإخباره أنك ستتحدث إلى ذلك المعلم، بهذه الطريقة تسلبهم رغبة الاعتماد على النفس أو توكيل الآخرين للتحدث عنهم. على العكس، جرب إخبار الطفل: أعلم أنك مستاء، ما الشيء المختلف الذي ستقوم به في المرة القادمة؟”

إننا لا نريد تعليمهم البحث عنا لحلّ جميع مشاكلهم، سنصبح بهذه الطريقة أول علاقة مشتركة يعتمِدون فيها على الغير بشكل كلي. لقد كنّا آباء نؤدي واجباتنا أكثر مما يجب، أو أطفال لا نعرف ما الذي يتوجب علينا فعله. ولبناء القوة الداخلية والمرونة في الأطفال، فإن على الوالدين أن يكونوا قادرين على تحمل مشاعر الغضب أو عدم الرضا من أطفالهم. ومقاومة الرغبة غير المحسوب لها لإنقاذ الطفل من تلك المشاعر السلبية. تدخّلك في حل المشكلات يعطيهم رسالة بأنهم غير قادرين على التعامل مع مشاعرهم الذاتية.

٢/ إذا كنت تعامل طفلك على أنه “هش”، وقابل للكسر، فإن قد يبقى هشّاً

يكمن السر في تحفيز القوة الداخلية في الأطفال وليس إضعافها. تخيل أن تقول لصغيرك “أتفهّم أنه من الصعب إخبار صديقك بأنك مستاء مما حدث، لكنني واثق من قدرتك على فعل ذلك، وأراهن أنك ستشعر بالقرب منه/منها حين تفعل ذلك”. اسمح لطفلك أن يقفز من على الأسوار العاطفية المبنية حوله لتسهل الأمر عليه كلما كبُر. تعلمنا الطبيعة أنه إذا ما تدخلت الدجاجة لمساعدة الفرخ الخروج من البيضة، فإن هذا سيؤذي الصغير. وإذا ما كنّا نحوم حول أطفالنا محاولين إنقاذهم من المشاعر السيئة، فإنهم لن ينضجون أبداً.

٣/ عليك أن تكون الدرس قبل أن تتمكن من تعليم الدرس

هذه أصعب نقطة، فهو يتطلّب تأملاً ذاتياً من قِبل الوالدين. كلما كان الوالدين واعين بأنفسهم أكثر، كلما كانوا مربيين أفضل. ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في أنفسنا كوننا نماذج يحتذي بها الأطفال، فليس من المعقول أن تصرخ في الطفل ليكفّ هو عن الصراخ أو يهدأ. علينا أن نتوقف لحظة لتأديب أنفسنا قبل أن  نبدأ في تأديب أطفالنا. يسأل الكثير من الوالدين عن عقوبة “الوقت المستقطع/Time-Out“، إنني أنصح بها، ليس للطفل، وإنما للوالدين. تحرك أو أخرج من الغرفة قبل أن تتفوّه بشيء قد تندم عليه لاحقاً. تخيّل هذا السيناريو: وجدت الأم طفلها يكذب عليها، ردة فعلها التلقائية ستكون الصراخ. ستقول له: بعد كل ما فعلته من أجلك، أهذه هي الطريقة التي تعاملني بها؟ تغشّني؟ أما إذا أعطت لنفسها مهلة لمدة ساعة أو يوم، ربما كانت أقدر على إعطاء درس بشكل أفضل، وبطريقة أكثر هدوءاً.

تعليم أطفالنا إدارة مشاعرهم يتطلب منا أن نتعلّم هذا الأمر أولاً، وتنفيذه على ذواتنا وفيما بيننا كبالغين.

٤/ تعاطف مع مشاعر الأطفال، لا تنكِرها

إنكار المشاعر يبدأ حين نصل إلى درجاتٍ أبعد، حين تقول أشياء مثل: “توقّف عن البكاء، أنت لم تُصَب”. أو “لا تكن خائفاً، إنه ليس فيلماً مخيفاً”. لن يزيل هذا الأمر تلك المشاعر السلبية، إنما يدفنها. بدلاً من ذلك، يمكنك إخبار الطفل: ملامح وجهك تقول أنك خائف، وهو في الواقع كذلك، فحتى أنا أشعر بالخوف. المشاعر المتشابهة بين الوالدين والطفل أو تصديقها تخلق سلامة عاطفية لدى الطفل، إنها توجه رسالة أفضل للطفل. تُشعِره أنك تراه، وتشعر به وتسمعه. التعاطف عنصر أساسي لأنهم أطفال، وغالباً لا يجيدون لغة المشاعر. والتعاطف معهم يساعدهم على فك رموز وإدارة عواطفهم الخاصة.

٥/ اسأل نفسك ما الذي يعنيه هذا الأمر لك؟

لا تخلط بين احتياجاتك واحتياجاتهم. لا نكون في كثير من الأحيان قادرين على التعامل مع ما يسوء أبناءنا نتيجة ترسّبات طفولية سابقة عانينا منها. عندما يغضب طفلك، ويبدأ الشعور بالقلق أو الحزن يتراكم في نفسك، اسأل نفسك “ما الذي يعنيه هذا الأمر بالنسبة لي؟ هل تذكرك دموع طفلك أو خيبة أمله بشيء ما حدث في طفولتك؟ أأنت مستاء من فصل صغيرك من فريق كرة القدم؟ هل يزعجك أن يكون أطفالك متطلِّبين دائماً؟ قد يعود ذلك إلى أنه لم يكن يُسمح لك فيما مضى أن تكون لك متطلبات/رغبات، وعلى مرّ الأيام، فإنه من المعروف أننا حين نكلّف أنفسنا (كوالدين) أكثر مما نطيق، فإن ذلك غالباً له علاقة بتاريخنا الشخصي. استخدِم مشاعرك المشحونة كفرصة لتنمية ذاتك، إذا كان باستطاعتك معرفة سبب قلقك من أمرٍ ما دون غيره خاص بطفلك، فإنه قد يمثّل حلاً لكما معاً.

٦/ لا تتاجر بالمشاعر مقابل الطعام، الهدايا، أو الأجهزة الإلكترونية.

إذا كنا لا نريد من أبنائنا أن يتجهوا إلى عوامل خارجية (غير ذاتية) لتهدئة نفوسهم والتغلب على المشاعر السلبية، فإن علينا التوقف عن إخبارهم: “إذا توقّفت عن البكاء، ستحصل على كعكة” أو “أنت ملول، مستاء، إذن يمكنك اللعب بالألعاب الموجودة على هاتفي”. إنه ليس موضِع الحديث عن استخدام الأجهزة الالكترونية كلهايات للأطفال وإشغالهم، يمكن لهذه الأجهزة تسليتهم أو إيقاف بكائهم على المدى القصير، لكنهم لن يكونوا على حال أفضل على المدى البعيد. من الأفضل أن تدع طفلك يعيش مشاعره، اسمح لطفلك العمل من خلال مشاعره، ولا تحاول سدّها عليه. تعثّر الطفل في أمرٍ ما من شأنه إتاحة فرصة أكبر للتعلم، هذا الأمر من شأنه أن يحفّزه على اكتشاف مشاعره الخاصة، على أن يكون أكثر مرونة مع ذاته ومَن حوله، وهو ما سيُشعِره بالأمان.

تخيل لو أن كلاً منا تعلّم إدارة عواطفه. إذا ما أنشأنا أطفال وربّيناهم على مراقبة عواطفهم، وتثبيت مشاعرهم، وتنظيم الحرارة العاطفية، سنبني جيلاً ومجتمعاً قادراً على تلبية احتياجات المنزل/الشركاء. وزملاء عمل يمكننا حل المشكلات معهم بسلاسة. عالم أقل عنفاً وعلاقات أقل اضطراباً.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *