جزر راجا أمبات تقع في بابوا الغربية شرق إندونيسيا. قضيت فيها أياماً جميلة على متن قارب نبحر فيه يومياً، ثم نتوقف كل يوم في جزيرة منعزلة مختلفة. استمتعت فيها بممارسة الغوص والغطس والسباحة طوال اليوم، وهي المكان الأمثل والذي أتذكره حتى الآن، رغم سنين السفر المتواصلة. قضيت أكثر عمري وربما كله في المدن مابين مكة وكوالالمبور، لا جديد في ذلك. وإن قرأت مدونتي من قبل، فستعرف أنني ما عدت أطيق هذه الحياة المدنية. لذلك؛ أركز في وجهات رحلاتي على المناطق النائية. أو ما أسميه: السفر في الطرق الأقل سفراً، والتي ستعرف فيها لم بدأت رحلاتي في راجا أمبات.
لماذا اخترت جزر راجا أمبات في إندونيسيا
بعيداً عن ناطحات السحاب التي تحجب الرؤية، والأدغال الخرسانية المتراصة، الزحام السكاني، اللوحات الكهربائية المضيئة ليلاً، الضجيج المزعج الذي لا نهاية له، وجميع مضايقات المدن الحديثة. وجدت جنة عذراء، في أقصى شرق إندونيسيا، كانت بمثابة تربيتة على قلبي، بعد كل العناء الذي وجدته في سومطرة. وبعد كل العناء الذي عشته من أجل الوصول إلى هذه الجنة! الطبيعة الغنية تحيط بالمكان، وشعبها الودودين يختلفون تماماً عن الذين في سومطرة وجاوة. وجدت الكثير من العجائب التي أبهرتني في راجا أمبات. في مائها، وبرّها، وجزرها، ووسط الأدغال الكثيفة. لم تكن الكلمات كافية لتقول كم كانت الأسبوع جميلاً، حتى مع تعطّل ماكينة قاربنا! لم أكن مهتمة لذلك.
تقع جزر راجا أمبات (Raja Ampat) قبالة الطرف الشمالي الغربي لشبه جزيرة بيردز هيد في جزيرة غينيا الجديدة، التابعة لمقاطعة بابوا الغربية في إندونيسيا. وهي عبارة عن أرخبيل يضم ٦٢٠ جزيرة صغيرة، وبعضها ضحلة. إنها على خط الاستواء، وتشكل جزءاً من مثلث المرجان الذي يحتوي على أغنى تنوع بيولوجي بحري على وجه الأرض.
الوصول إلى بابوا الغربية في إندونيسيا
تحدثت عن السفر على الظهر السفينة، الأيام الثلاث التي قضيتها في عرض البحر على متن السفينة الإندونيسية الكئيبة. وصلت ميناء سورونغ في بابوا الغربية يوم الثاني من يناير ٢٠١٩، ومنه، غادرت إلى ميناء آخر، لأتمكن من ركوب القارب/العبارة التي ستأخذني إلى ميناء وايساي، والذي يعتبر البوابة الرئيسية لجزر راجا أمبات. لأبدأ الرحلة التي انتظرتها شهوراً طويلة.
هل يعني ذلك أن عليك الوصول بنفس الطريقة؟ قطعاً، لا!
يمكنك بكل بساطة أن تصلها في رحلة جوّية من جاكرتا، أو بالي أو أي مدينة إندونيسية كبيرة أخرى. تتراوح أسعار التذاكر ما بين ١٠٠ – ٢٥٠ دولار، حسب موعد السفر ووقت الحجز. كما يمكن الوصول إليها من كوالالمبور أو سنغافورة، إن لم تكن في أي من المدن الإندونيسية. سيكون أقرب مطار إليها هو مطار سورونغ في بابوا الغربية، ومن هناك عليك ركوب العبّارة/القارب لمدة ساعتين تقريباً، إلى وايساي، وهي البوابة الرئيسية لجزر راجا أمبات. من هناك، وحسب برنامج إقامتك في جزر راجا أمبات يمكنك الانتقال إلى الجزر الأخرى.
استعدادات الإبحار في جزر راجا أمبات – إندونيسيا
تبدأ إقامتي في جزر راجا أمبات من يوم الأربعاء، الثاني من يناير ٢٠١٩. بدأت بتنفيذ كل ما خططنا له في الأشهر السابقة، والاستعداد للإبحار في بابوا الغربية. أول ما قمت به هو الحصول على ترخيص الدخول، وقيمته مليون روبية (حوالي ٧٢ دولار)، سارٍ لمدة عامٍ كامل. عليك التقديم عليه بنفسك حيث يُطلب منك جواز سفرك، ثم تُعطى بطاقة مطبوعاً عليها اسمك، وعليك حملها معك دائماً في راجا أمبات.
ولأنه من المخطط أن نقيم أسبوعاً كاملاً في عرض البحر، فيعني أننا سنحتاج إلى مؤونة كافية، واعتمدنا تماماً على الطعام المحلي الموجود في بابوا الغربية. هذه المؤونة تحوي طعامنا، شرابنا، المستلزمات الشخصية، وحتى الوقود اللازم للقارب. فيما آلاتنا الكهربائية يتم شحنها عبر الطاقة الشمسية.
لم تكن القرية كبيرة في وايساي، وكذلك سوق الأطعمة الطازجة. اخترنا مجموعة من الفواكه والخضروات التي لا تحتاج إلى ثلاجة. والكثير من قوارير المياه القابلة للتعبئة. لم يكن الأمر درامياً كثيراً. هنا قرى أخرى سنتوقف عندها بعد أربعة أيام للاستزادة من الماء والوقود. في المقابل، كنا أربعة أفراد فقط. وبطبيعة الأمر، لم نكن هنا لتناول ما لذّ وطاب من الطعام! وربما، إن كنت محظوظة، فسنتمكن من الصيد.
جزيرة ساؤنيك الصغيرة في راجا أمبات
أو كما تُعرف بالإندونيسية: Pulau Saonek Mondie. محطتنا الأولى في جزر راجا أمبات. توقّفنا هناك بما أن اليوم لم يكن طويلاً كفاية للإبحار أبعد من ذلك. إضافة إلى أنني كنت بحاجة إلى السباحة وغسل روحي هنا لأتخلص من عناء الوصول. لكن المؤسف في الأمر، أن الجزيرة لم تكن نظيفة أبداً. كنت أتوقّع الإندونيسيين في بابوا الغربية أكثر ثقافة، وحساسية نحو الطبيعة. وكنت مخطئة بالطبع!.
ما حدث أنه عادة ما يأتي السكان المحليين في الإجازات الأسبوعية للاحتفال على هذه الجزيرة. وبما أنها كنت بعد احتفالات رأس السنة، فقد كانت الجزيرة هنا مليئة بأطنان من حاويات الطعام وكؤوس الماء البلاستيكية. انتهى الأمر بنا جميعاً إلى تنظيف المكان بعد ساعات من وصولنا، لنتمكن من البيات فيها تلك الليلة. وبالنسبة لي شخصياً كان ذلك ضمن حملة تنظيف الشواطئ والجزر في إندونيسيا. وإن كنت غير متوقعة ذلك بما أن المنطقة تعتبر محمية طبيعية.
انتهى اليوم بمراقبة الغروب في هذه الجزيرة. كانت ساحرة، وهادئة، وجميلة.
قرى إندونيسيا البحرية بألوان الحياة
كانت قرية Yenbekwan في جزيرة Mensuar أول قرية توقفنا فيها مذ بدأنا الإبحار، وكانت لا تزال مزينة بزينات الكريسمس. يمكنك تخيّل الألوان الجميلة، بسماء زرقاء، وزهور في كل مكان. مشينا قليلاً في القرية وتحدثنا مع سكّانها، لم يكن هناك شيء مميز فيها، سوى أنها كانت بديعة!
ثم؛ في يوم آخر، وجدت قرية أربوريك ضمن حدود بابوا الغربية. كنت في طريقي للسباحة في مواقع المانتا الشهيرة للغوص معها، نتوقّف في طريقنا على القرى الصغيرة لزيارتها والتزود من المؤونة كلما احتجنا. مصادفة، وجدنا قرية أربوريك، في جزيرة أربويك (Arborek) الصغيرة، يمكنك المشي على طول الشواطئ حوله في حوالي ٣٠ دقيقة. وعلى عكس الجزر الكبيرة المحيطة، فإن أربوريك رملية، منخفضة ومسطحة، وربما هذا ما جعلها معرضة لخطر الإغراق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. يميزها وجودها في المحيط، ونخيل جوز الهند في الجزيرة، ولا توجد بها غابة تربطها بالحياة البرية.
يمكنك كذلك الإقامة في قريبة أربوريك، حيث ستجد بها وسائل راحة أفضل من المتوسط، ما يجعلها خياراً سياحياً جيداً. ومن الجدير بالذكر أن قرية أربوريك (Arborek Village) جزء من برنامج القرى السياحية التي أنشأتها الحكومة الإندونيسية. إنها قرية جميلة بها مطاعم ومتاجر صغيرة تبيع المشروبات الباردة، عليك فقط أن تعلم أن الكهرباء غير مستمر طوال اليوم.
أسما.. أنت هنا وحدك، مع الأسماك!
أعتقد أنني تسببت في صداع وألمٍ كبير من كثرة تكرار: “متى سأسبح مع الدلافين؟” على Stan المسكين. لا أذكر أين كنا بالضبط، أو أين موقعنا في راجا أمبات، كل ما أذكره أننا كنا في عرض البحر. لا شعاب مرجانية، لا جزر، لا شيء. كنا كالعادة نتوقّف من فترة وأخرى للسباحة حين نجد شعاباً مناسبة للسباحة حولها، لكن، حدث وأن أوقف Stan محرّك القارب. نظَر إليّ بشيء من الجدية، وأخبرني: لا أعرف أحد قد سبَح في هذه المنطقة، إننا على مسافة مئات الكيلومترات من كل جزيرة ترينها حولنا. لا شيء هنا، مجرد بحرٍ فارغ من كل شيء سوى الأسماك.. هل تريدين القفز في الماء؟
تعرفون ما الموجود كذلك في المناطق الشاسعة من البحر؟ الأسماك الكبيرة! قفزت في الماء بالطبع، ولم يكن حولي بالطبع أي شيء، سوى الأسماك. مجموعات كثيرة كبيرة من الأسماك تسبح حولي، ألعب وأسبح معها.. خطرت لي فكرة أنني لو هدأت، ستتحلّق الأسماك حولي، وهذا ما حدث. ثم خطرت لي فكرة أن الأسماك الصغيرة ستجلب أسماك أكبر، وهذا تقريباً ما حدث! مرّ وقت طويل، حتى نادوني لأن أصعد، كان ذلك أجمل ما حدث لي في كامل الرحلة.
راجا أمبات ليست مجرد جزر في إندونيسيا
كانت جزيرة Pef إحدى الجزر الصغيرة التي خططت للإبحار حولها، يعود السبب في ذلك أنها النسخة المصغّرة من أرخبيل راجا أمبات. وجدت كذلك مواقع للسباحة والغوص وسط الشعاب المرجانية في المنطقة العامة المحيطة بالجزيرة، ناهيك عن المنظر الجميل للمانغروف حول الجزيرة. يمكنك أيضاً القيام بمجموعة أخرى من الأنشطة المثيرة القريبة من الطبيعة، مثل المشي لمسافات طويلة في الجزيرة، والتسلق، والتجديف بالكاياك، والتصوير، ومراقبة الطيور.. أو مجرد الاسترخاء!
إحدى الأمور المهمة بالنسبة لي في جزيرة Pef هو زيارة الموقع الجغرافي للآثار القديمة. هناك يد إنسان مطبوعة على الصخور القديمة، ستراها واضحة إذا توقّفت هناك ساكناً. بحثت عن معلوماتٍ أكثر لهذا الموقع الجغرافي، لكنني لم أجد الكثير. تقول الأسطورة: أنه كان هناك ملك يعيش في الجزيرة. سمع في يوم من الأيام الناس يتحدثون عن التمرد عليه، بسبب حزنه وغضبه، ضرب المنحدرات بيديه الغاضبين. ونتيجة لذلك، تكسّرت الأرض وتشكلت العديد من الخلجان والجزر الصغيرة، حتى أنه قال إنه سيبقي عينيه على الجزيرة. لذلك، ستجد هناك يده المطبوعة على الحجر الجيري بالقرب من الشاطئ.
السباحة لساعتين كاملة حول الجزيرة
جزيرة Peniki، جزيرة صغيرة يتوقف عندها الصيادون غالباً. كانت فارغة تماماً حينما توقفنا فيها ذلك اليوم. هناك كلب وحيد، جلبه أحد الصيادين وتركه هناك. وفي فترة ما؛ تكاثرت الفئران في تلك الجزيرة، حتى أكلها الكلب كلها. ثم أصبح يقتات على جوز الهند!. المحزِن في الأمر أنه كلب وحيد، ولم يأنس لوجودنا. لم يؤذينا أبداً، فقد كان خائفاً ومتوجّساً منا.
منذ أن وصلنا، أخبرني Stan ما كنت أريد سماعه: “هناك أسفل عواميد هذا البيت مكان لتجمّع أسما القرش الصغيرة. وبيننا وبين هذه الجزيرة المقابلة، ستجدين أسماك القرش الأكبر. قد تصعد مرات للأعلى أو تأتي هنا لتطلّ على الصغيرة. وفي الخلف؛ حيث سنجلس للغروب لاحقاً، ستجدين الكثير من المانتا.” وصلنا الجزيرة ساعتين قبل الغروب، ما يعني أن المياه منحسِرة وخفيفة. لم تكن مناسبة كثيراً للغوص، أو كما أحب على الأقل. قضيت تلك الساعات أراقب الغروب في التلة، خلف مكان مبيتنا.
كنت أوّل المستيقظين في الصباح. أعددت إفطاراً خفيفاً، بدّلت ملابس استعداداً للسباحة والغوص. لم تكن جزيرة كبيرة. وكانت مٌحاطة بالكثير والكثير من الشعاب المرجانية الجميلة. تأكّدت من Stan حول إمكانية السباحة حولها. أكّد لي أنه يمكنني ذلك بالطبع، فلا شيء خطر في المياه.. كنت أنجرف مع جمالها هنا وهناك. وكنت في طوال الوقت أبحث عن سمك القرش أو حتى المانتا!. حتى وجدت أحدهم، والذي كان خائفاً أكثر من كونه مخيفاً. لم نكن قريبين أبداً، وكنت فقط أراقبه على مسافة كافية حتى لا يهرب مني.. حتى انطلق أسرع مما أستطيع.. تعرف ما الأمر المهم كذلك في هذا اليوم؟ لم يقم أحد ما سابقاً بالسباحة حول الجزيرة بأكملها!
المبيت في جزر راجا أمبات
إحدى الأسباب التي دفعتني إلى الإبحار والسباحة في جزر راجا أمبات هي طريقة مبيتنا هناك، لم نحجز أي فندق أو منتجع أو مسكن مشترك. القارب، هو وسيلة التنقل الوحيدة التي نملكها، والذي يحمل كذلك كل ممتلكاتنا وطعامنا، وخيامنا. نعم، خيام! قررنا هذه المرة تجربة المبيت في الخيام. كيف؟ الخطة الأساسية في الإبحار هي التنقل من جزيرة إلى أخرى والسباحة، ثم المبيت كل ليلة في جزيرة. ولأن راجا أمبات تحوي أكثر من ٦٢٠ جزيرة، فمن السهل أن نجد جزيرة منعزلة فارغة. لم يكن من الصعب العثور على أي جزيرة مناسبة للمبيت هناك، وكل ما يهم في الأمر أن تكون الجزيرة قريبة من مناطق السباحة. وأن تكون بالفعل مناسبة لتوقف القارب على شاطئها.
وفي الحقيقة؛ كان المبيت في الخيمة من إحدى الأمور المثيرة بالنسبة لي. أذكر أن آخر مرة جربتها كانت في إحدى الرحلات العائلية حين كنا أطفالاً، لكن الأمر مختلف هذه المرة. حمَلنا معنا خيمتان، كل خيمة تكفي شخصين. ولأننا في دولة آسيوية، فلن تكون الأجواء باردة في الليل، وهذا ما جعلنا نكتفي بوجود حصيرة مطاطية (yoga mat)، وكيس قطني للنوم. كنا نصِل نهاية كل يوم إلى جزيرة مختلفة، ثم نرتب وجباتنا، وخيامنا، وليس هناك أجمل من النوم على أصوات حشرات الغابات، والموج..
هل يعني ذلك أنها الطريقة الوحيدة للمبيت في جزر راجا أمبات؟ لا! هناك الكثير من المنتجعات التي وجدناها في طريقنا في راجا أمبات. تتنوع المنتجعات مابين خمس نجوم وإلى مساكن أقلّ مخصصة للغواصين، والميزانيات المحدودة. يمكنك البحث عنها في موقع بوكينج (على هذا الرابط)، أو الإطلاع على العروض الموجودة أدناه..
التمساح الذي يسبح في البحر!
بعد أن شاهدنا المعالم الأثرية لليد، دخلنا في خليج صغير. هناك جزر صغيرة مبعثرة، غير مأهولة بالسكان، وعلى مسافة منها جزيرة صغيرة تسكن على أطرافها عائلة محلية. لم تكن بعيدة عن إحدى القرى، لكنها معزولة بما يكفي. المياه الصافية، تجعل من السهل عليك رؤية الشعاب المرجانية حتى دون أن تسبح. بشكل ما، هناك كهوف صغيرة في الأسفل من التكونات الحجرية والمرجانية. توقّفنا قليلاً هنا للاستراحة لا أكثر.. فيما نلتقط صوراً للجبال، والمانغروف، والجزر الصغيرة.
ثم، تساءلت، لم لا نسبح هنا؟! أخبرنا Stan فيما بعد أنه سمِع إشاعاتٍ عن وجود تمساح في هذه المنطقة. اممم تمساح؟ حسناً.. لا أرى شيئاً هنا، لكن الأمر مثير للاستكشاف. المشكلة الوحيدة أنني لا أعرف كيف عليّ التعامل معه، خلافاً للأسماك الكبيرة التي سبحت معها. التمساح كائن مختلف، ولا يخاف من البشر، أو هكذا تصوّرت. كنا نجدّف في الماء فقط، فيما أبحث عن أي علامة لهذا “التمساح”، ولم نجد شيئاً بالطبع.. قررنا أن نكمل طريقنا إلى الجزيرة الأخرى، فقد تأخر الوقت هنا..
لم نبحر أكثر من ١٥ دقيقة حتى تعطّلت ماكينة القارب. حاولنا، مرة، اثنين، خمسة، عشرة! هناك تسرّب لا نفهم كيف حدث. تخيّل أن تكون وسط الماء، بعيداً عن أي جزيرة، أو مأوى، وبقارب متعطّل. ولأننا لم نبتعد كثيراً عن الموقع السابق، قررنا العودة إلى منطقة التمساح.
العائلة التي استضافتنا..
جدّفنا نحن الأربعة حتى وصلنا إلى مسكن العائلة. وصدفة، كان هناك ثلاث سائحين آخرين استأجروا ثلاثة غرفٍ منهم. تحدثنا مع سيدة المكان، بعد أن أخبرتها القصة كاملة. وبالطبع؛ وافقت على استضافتنا هناك. أعطونا مساحة كاملة لأن ننصب خيامنا، ونطبخ طعامنا. وجودنا المفاجئ لم يكن يساعدهم على تقديم أي طعامٍ لنا. لكنهم أكرمونا أكثر مما نتوقع.
السباحة مع التمساح!
حسناً.. لم يكن هناك تمساح.. أبداً. على الأقل حينما كنت هناك في يناير الماضي. سبحت في الصباح عدة مرات خلال الساعات الثلاث الأولى من اليوم، ولم يكن هناك أي أثر. هناك الكثير من الأسماك الصغيرة. وهناك الكثير من أعشاب البحر، والمرجان. لم تكن المياه عميقة جداً، ربما ثلاثة أو أربعة أمتار، هادئة، بلا أمواج، فهي محمية بالجبال والجزر حولها.
الليلة الأخيرة في جزر بابوا الغربية
أدّى تعطّل القارب إلى تقصير مدة الرحلة هذه. حاولنا إصلاح العطل، لكن الأمر يتطلّب قطعاً لا نملكها الآن. استمتعنا باليوم مع العائلة الصغيرة. السيدة، وزوجها، وطفلتيها كانا أجمل ما في المكان. أحاديث قصيرة هنا وهناك. ثم اللعب مع الطفلتين في الماء، وتحدي مَن يقفز أبعد! حين تعِبتنا، كنت أكمِل قراءة كتابي، فيما أسبح لفترات قصيرة..
قارب اليوم على الانتصاف، فاستأجرنا قارباً آخر للانتقال إلى أقرب نقطة تصِلنا إلى وايساي. لديّ صديق هناك كان لا يزال يجدد منتجعه هناك، وافق على استضافتنا لليلة. لم نكن بعيدين جداً عن القرية، لكنني أحببت المكان هنا. راقبت الغروب الأخير لي في راجا أمبات على الجسر غير المكتمِل. صوت الماء، الموج الهادئ، والسكون..
مغادرة بابوا الغربية في إندونيسيا
سورونغ، كما ذكرت سابِقاً، بوّابة الوصول إلى راجا أمبات، ومحطتي الأخيرة في بابوا الغربية، إندونيسيا. قررنا قضاء يومين وليلة واحدة هنا، لم يكن فيها ما يثير الإهتمام في الحقيقة، ولكن، يمكنني القول أنها مختلِفة كثيراً عن أي مدينة إندونيسية زرتها. قد لا تصنّف بكونها مدينة كبيرة، لكنها جميلة وبسيطة جداً. وجودها في أقصى الشرق ساهم في غلاء المنتجات على أهلها. سكّنها ودودون أكثر مما توقعت. يبتسمون ويلوّحون لنا أينما ذهبنا..
ماليزي في بابوا!
في اليوم الأخير لي، وقبل أن أذهب إلى المطار، تحدث إليّ عامِل في الفندق. عرّفني بنفسه، أخبرني أن أمه ماليزية من صباح، وأبوه من جزيرة سيلاويسي. تفرّق والداه حين كان طفلاً في الثالثة، وبعد عشرين عاماً عاد إلى ماليزيا يبحث عنها!. هي معه الآن، بعد كل هذه السنوات. كنت سعيدة حين أخبرني أنه وجدها، وكنت سعيدة أن هنا، ماليزي..
على يوتيوب، وضعت عدداً من الفيديوهات التي صوّرتها لبعض المواقع التي سبحت فيها. لم أكن مستعدة لقضاء الكثير من الوقت للتصوير هناك. وفي الحقيقة؛ لم أهتمّ بتصوير ما شاهدت بهدف عرضه، كان جزءاً من ذكرياتي.. ستجدون الفيديوهات في القائمة أدناه حسب الأيام:
- راجا أمبات، اليوم الأول.
- السباحة في راجا أمبات، اليوم الثاني.
- راجا أمبات، اليوم الثالث.
- الغوص في راجا أمبات، اليوم الرابع.
- راجا أمبات، اليوم الخامس.
من سورونغ، كنت في رحلة داخلية إلى جاكرتا. ثم من جاكرتا إلى كوالالمبور، لتنتهي أجمل وأفضل أيامٍ قضيتها في إندونيسيا..
بهذه التدوينة، تنتهي سلسلة تدوينات رحلتي إلى إندونيسيا عام ٢٠١٨. بدأتها من ميدان، وأنهيتها في راجا أمبات. يمكنك قراءة جميع التدوينات على هذا الرابط. وسأبدأ بعد هذا الحديث عن كوالالمبور، ومناطق أخرى في ماليزيا. ثم استعدادات السفر والعودة إلى أوروبا لهذا العام.. كونوا بالقرب! 🙂
شكرا على كل هذه المعلومات والتي افادتني وجعلتني اردد(ليت الشباب يعود يوما ) ونويت ان انطلق لولا( كورونا) ولقد رثيت لحالك في السفينه الى Sorong كما رثيت لحالي في احد الرحلات بالباص من زمن بعيد . ولقد ذهبت معكم وشعرت بالتعب وسبحت معكم وخفت من القروش والتمساح كما هو طبعي المرافق لي دائما . واندونوسيا فقط للذين يعشقوا الطبيعه والتنوع الكبير والعجيب واختلاف الطقوس والبشر واللغات وبعد المسافات وكانني سافرت بلدان عديده. فقط اتمنى ان يتحسن حال هذا البلد بزيادة الوعي لدى المواطنين لحماية الطبيعه الجميله . ولا مانع من قليل من البهذله التي تبقى في مستودع الذكريات نجترها عندما نتوقف .