جزيرة كوه رونغ سوملم هي محطتي الأخيرة في كمبوديا. لم أزر كثيراً من المناطق في كمبوديا لعدة أسباب؛ منها أنني لم أرَ فيها الكثير مما يستحق من ناحية الطبيعة، ففيتنام تتفوّق عليها كثيراً. فيما مدنها لم تكن جذابة إلى حدٍ كبير بالنسبة لي. زرت سيام ريب -التي أحبها أكثر من غيرها- في العام الماضي، ولم أرغب في تكرار التجربة هذا العام. وبالطبع؛ مروري السريع على العاصمة فينوم بنه، لأنني أكره العواصم. بعد الأيام الجميلة الهادئة التي قضيتها في بلدة كمبوت ونهرها، قررت ختام رحلاتي في كمبوديا بزيارة جزيرة كوه رونغ سوملم.
المغادرة من بلدة كامبوت إلى جزيرة كوه رونغ سوملم
أقمت في منتجع Bamboo Bungalow خلال تواجدي في بلدة كامبوت. كان خياري المفضل في كمبوديا بشكل عام. ومن هناك؛ تمت ترتيبات سفري وتنقلاتي إلى جزيرة كوه رونغ سوملم.
الأمر بسيط جداً، عليك حجز تذكرة الحافلة للانتقال براً والتي تكلّف حوالي أربع دولارات. ستصل إلى الميناء في مدينة سينوكفيل (Sihanoukville) خلال ساعتين تقريباً. وستتكفل الشركة ذاتها حجز القارب الذي سيقلّك من الميناء إلى جزيرة كوه رونغ سوملم. تصِل تكلفة القارب حوالي ٢٢ دولاراً للفرد. سيسألك بائع التذاكر أي مرفأ تريد أن تنزِل في جزيرة كوه رونغ سوملم. السبب في ذلك هو وجود مرفأين رئيسيين للسواح. أحدهما في الشمال لمَن يريدون مزيداً من الانعزال أو السكن مع الكمبوديين. والآخر لمنطقة Saracen Bay التي تقع فيها أكثرية الفنادق والمنتجعات السياحية.
السكن في قرية كمبودية بالجزيرة
خلال اختياري للسكن في جزيرة كوه رونغ سوملم آثرت السكن في منطقة غير سياحية. اخترت أول مرة منطقة M-Pai Bay. وللأسف، لم يكن الخيار الأول جيداً، لأسباب كثيرة. أولها، عدم وجو شاطئ حقيقي للسباحة أمام المنتجعات في هذه المنطقة. إضافة إلى أنني كنت في حاجة إلى المشي ١٥ دقيقة تقريباً للوصول إلى الشاطئ الوحيد في هذه المنطقة.
ظننت هذه المرة أن السكن في قرية كمبودية على الشاطئ سيتيح لي التعرف على سكانها أفضل. وهذا ما كنت أسعى إليه. لكن المنطقة كانت قليلة الموارد، بوجود مجموعة قليلة من المنتجعات، والتي لم تكن في مستوى جيد. إضافة إلى ما لا يزيد عن 5 مطاعم محلية وغير محلية، جميعها تقدم الوجبات ذاتها تقريباً. قد تكون هذه المنطقة خياراً جيداً لمَن يريدون فقط الابتعاد عن أي مظهر حضري.
شواطئ غير نظيفة..
الأمر الآخر المزعج في هذه المنطقة أن شاطئها لم يكن جيداً. أعلم أن شواطئ فيتنام وكمبوديا عامة ليست جيدة، لكن هذا أسوأها. كانت النفايات متناثرة على الشاطئ. نفايات أهل القرية والسائحين هناك. يأتي ذلك تبِعاً لقلة الموارد في التعامل مع النفايات وجمعها وتدويرها. أضِف إلى ذلك الكثير من النفايات التي تجلبها الأمواج. ومن الجيد أنني لم أقضِ هناك أكثر من يومين. وفي كليهما كنا نجمع النفايات والبلاستيك أكثر من السباحة.
الانتقال إلى الشاطئ الأبيض في جزيرة كوه رونغ سوملم
قررت اليوم الثاني مغادرة الجزء الشمالي من جزيرة كوه رونغ سوملم إلى الشرقي منه. آثرت الانتقال بما أنني سأقضي أسبوعاً كاملاً هنا. ولا يستحق الأمر قضاءه في منطقة بئيسة من الجزيرة. وجدت كشكاً لبيع أو تأجير التاكسي البحري، والذي كان بالطبع يبيع القارب ذاته بسعرين. أخبرني أن القارب السريع يكلّف عشر دولارات، فيما الرحلة تستغرق ١٥ دقيقة. والقارب البطئ قد يصل إلى أربعين دقيقة بتكلفة ست دولارات للفرد.
بالطبع، اخترت القارب السريع.. والذي للأسف كما ترونه في الأعلى، لم يكن قارباً آمناً في الحقيقة. كان مجرد قارب بتجميع يدوي من سكان القرية، بماكينة خارجية. قارب خشبي بسيط، وبطيء! لم أكن أريده أن يكون سريعاً في الحقيقة بناءً على شكله. استمرت رحلتنا ٢٥ – ٣٠ دقيقة. ولم يكن هناك بالطبع أي سترة نجاة أو أي شيء للحماية. وإن حدث أن سقط أحدهم أو تحطم القارب؛ هناك قطع من الفلين التي تمّ ربطها ببعضها.
خمسة ليالٍ على شاطئ ساراسان باي
تخيل أن تسير على شاطئ رملي أبيض. تخيل أن أمامك بحر هادئ. هذا ما أردته فقط في جزيرة كوه رونغ سوملم، في كمبوديا. حينما وصلت إلى منطقة ساراسان باي (Saracen Bay)، كانت الخيارات أمامي كثيرة. نعم، قد تكون تكلفة الغرف والمنتجعات هنا أكثر من النواحي الأخرى. لكن المنطقة والشاطئ يستحقان ذلك. على مسافة تمتد لأكثر من ١٠ كيلومترات، ستجد الكثير من المنتجعات السياحية والمطاعم. تلبّي جميع الأذواق والميزانيات. كانت بالنسبة لي من أجمل الفترات التي قضيتها منذ بدأت رحلاتي في أغسطس الماضي. اخترت Paradise Villas Koh Rong Sanloem ليكون ملاذي. هدوء، وحتى الازعاج الذي يحدث نهاراً ليس أكثر من اللازم. هناك حركة دائمة، لكن المكان يدعوك إلى الاستلقاء طوال اليوم على الشاطئ. وهذا ما كنت أفعله بالضبط.. كنت أنا، وكتاب أنتوني بوردين الذي أحمله معي كل مكان.
ستجِد بعضاً من غير المحليين يروّجون لرحلات الغوص. لا أنصح بها أبداً. فهذه الجزيرة لا تشتهر بوجود أي شعاب مرجانية أو أنواع كثيرة من الأسماك. فالرحلة؛ وإن كانت مجرد 40 دولاراً للفرد، لا تستحق. حتى الباعة نفسهم حين سألتهم كانوا لا يبدون متحمّسين لها. خاصة بعد السؤال عن مقارنة الغوص في جزيرة كوه رونغ سوملم وماليزيا أو تايلاند مثلاً.. جميعهم، جميعهم أكّدوا أنها أقل مستوىً مما هو في تايلاند وماليزيا.
الشاطئ ليلاً..
في الليل؛ تتسابق المنتجعات لتقديم وجبات السمك المشوي. جربتها جميعاً.. واحدة كل ليلة. سيكون من السيء بالنسبة لي أن أكون على البحر دون تناول السمك مرة يومياً، كانت بأسعار متوسطة لا تزيد عن ١٠ دولارات للفرد. بعد العشاء؛ كنت أفضل الجلوس على الشاطئ. أختار ركناً هادئاً لتأمل البحر، والنجوم، كانت لحظاتٍ رائعة من اليوم حيث أجلس هناك في الظلام. لحظات من الصفاء قبل النوم.
في الليلة ما قبل الأخيرة، اكتشفت منتجعاً بشكل غريب. لم يكن بناؤه من المنتجعات المعهودة في جنوب شرق آسيا بشكل عام. وتمنّيت لو أنني عرفته قبل وصولي إلى هناك. Moonlight Resort. مشيت في داخله، وطلبت الإطلاع على غرفه، وسيكون مكان إقامتي بالطبع حينما أزور الجزيرة مرة أخرى.
مغادرة جزيرة كوه رونغ سوملم
وددت لو أنني أستطيع الإقامة أكثر على هذه الجزيرة. كانت -على الرغم من قلة مواردها- هادئة. وهدّأت قلبي كثيراً.
قبل المغادرة بليلة واحدة، عليك إخبار السكن أو المنتجع الذي تقيم لترتيبات مغادرتك من الجزيرة. ستجد كذلك أكشاكاً لترتيبات القارب؛ ليس عليك الدفع مرة أخرى، فالتذكرة الأولى التي اشتريتها بقيمة ٢٢ دولاراً تشمل الذهاب والإياب. ستغادر إلى مرفأ مدينة Sihanoukville، ويمكن لتلك الأكشاك ترتيب رحلات الحافلات من سينوكفيل إلى أي مدينة أخرى تريد. أو يمكنك -وهو الأفضل- ترتيب تنقلاتك عبر موقع 12Go.asia، فشركات المواصلات في كمبوديا لا يوثق فيها غالباً، والمعروض في الموقع أفضل بكثير مما رأيت وجرّبت في كمبوديا.
السفر من أجل تنظيف الشواطئ
من هذه الجزيرة، بدأت فكرة تنظيف الشواطئ تختمر في رأسي. كان الأمر مزعجاً جداً. خاصة في شمال الجزيرة. هناك الكثير من النفايات، والقليل من التوعية والعمل الجاد. حتى في الأجزاء الأخرى من الجزيرة، لا يعرف أحد من الكمبوديين عن إعادة التدوير. ناهيك عن حتى عدم استخدام المصاصات والأكياس البلاستيكية. هناك الكثير من البلاستيك المستخدم على نطاق واسع في الجزيرة. أصبحنا نحن “السوّاح” مَن يطلب من الباعة المحليين عدم استخدام الأكياس البلاستيكية.
لذلك.. أسافِر الآن لتنظيف الشواطئ والجزر أينما ذهبت. هذه الرحلات مموّلة مني. وفي المقابل؛ يمكنكم المساهمة في تمويل ما أقدّمه لملّاك المنتجعات أو المطاعم في تلك الجزر. أقوم بتوعيتهم حول عدم استخدام البلاستيك ذو الاستخدام الفردي. مثل الأكياس البلاستيكية والمصاصات والأكواب. أعرّفهم على البدائل التي يمكنهم إعادة استخدامها وكيفية تنظيفها. إضافة إلى تقديم عينة من تلك البدائل. وفي بعض الأحيان، أضعهم على تواصل مع مَن يصنعون هذه المواد المستدامة. يمكنكم المساهمة في حملة تنظيف الشواطئ عبر صفحة الحملة هنا..
مغادرة كمبوديا إلى فيتنام
قررت أن تكون جزيرة كوه رونغ سوملم محطتي الأخيرة في كمبوديا. كنت متشوقة جداً إلى زيارة فيتنام. سمعت الكثير عن جمال وسطها وشمالها. وبما أنني في أقصى جنوب كمبوديا، كان لزاماً عليّ عبور الحدود من هناك إلى جنوب فيتنام.
من جزيرة كوه رونغ سوملم، عدت إلى بلدة كامبوت. لقضاء ليلة واحدة أرتب فيها نفسي وجداولي. كنت متخوفة. خاصة وأن تجربة عبور الحدود البرية من لاوس إلى كمبوديا لم تكن جيدة. وظننت أنها ستتكرر هذه المرة كذلك. سأذكر التجربة كاملة ومتطلبات تأشيرة الدخول إلى فيتنام بشكل موسّع في التدوينة القادمة.. كونوا بالقرب 🙂
لا تعليق