طريقة سفري غالباً ليست أمراً فريداً من نوعه، لكنها لا تتكرر بين الكثير من المسافرين العرب أو بعض الرحالة الرقميين وغيرهم، وهذا ما يجعلها بالنسبة لي أكثر متعة وإثارة. أبحث غالباً عن المناطق التي لا تكثر عليها الزيارات في مواسم السفر، وأزيد على ذلك بزيارتها خارج الموسم السياحي للدولة. اكتشفت هذه الخطوة مصادفة في إحدى الرحلات، وأصبحت المفضلة لدي. وبالطبع، لهذا فهناك الكثير الكثير من الفوائد عند سلوك الطرق الأقل سفراً.
لتفهم جيداً ما أتحدث عنه؛ هناك مفهوم منتشر بين الرحالة الرقميين غير العرب، يدعى: Off The Beaten Path أو The Road Less Traveled. جميعها يمكن ترجمتها بـ: الطريق الأقل سفراً. لا أتحدث هنا عن الكتاب أو الفيلم الذين يحملان الاسم ذاته بفكرة مختلفة، لكنني أعني مفهوم السفر في الطرق أقل سفراً، بمعناه الحرفي. يعني هذا التوجّه إلى مناطق غير سياحية تقلّ فيها الخدمات السياحية المعتادة، لن تجد فيها المطاعم والفنادق العالمية، وفي كثير من الأحوال لا تفضّل الحافلات السياحية الذهاب إليها. بالطبع لقلّة مَن يعرفونها من السائحين أو يشدون الرِحال إليها.
ما هو مفهوم السفر في الطرق الأقل سفراً
بشكل مجازي، فإن الشخص الذي يسلك الطريق الأقل سفراً يتصرف باستقلالية. يحرر نفسه من موافقة الآخرين الذي يتبعون طرقاً معروفة، وعادة ما يتخذ قراراته الخاصة. وربما يترك من بعدِه أثراً وطريقاً جديداً. وفي كثير من الأحيان تصبح هذه الطرق معروفة فيما بعد، على الأقل لمَن يحبون طريقة السفر ذاتها.
ينطبق هذا المفهوم عن السفر في الطرق الأقل سفراً على جوانب أخرى في الحياة. إنه يعني أن تعيش حياة غير تقليدية، كعدم اتباع المألوف والمعروف عادة عن الدولة أو المنطقة التي تزورها. يمكنك تطبيقه على جانب أو جوانب كثيرة في حياتك، وهو الخيار الذي يُحدِث نقلة نوعية في كثير من الأحيان، وفي مجمله يعبر عن الفردية والقيادة. تعبير “الطريق الأقل سفراً” مأخوذ من بيت في قصيدة روبرت فروست بعنوان :الطريق غير المسلوك (The Road Not Taken)، والتي نُشرت عام ١٩٢٠: “طريقان متشعّبان في الغابة، وأنا.. أنا سلكت الأقل سفراً”.
الحياة بالشكل المعتاد
قد يبدو الطريق الأقل سفراً خياراً مخيفاً في البداية، وهو كذلك في كثير من الأحيان. ولكنه في الحقيقة قادني إلى وُجهات أجمل من أن أتخيّل، وزادني الكثير من الخبرات والفرص المذهلة. بطبيعتي، غالباً ما أخطط قبل سفري، وأضع أهدافاً على الطريق لأزور مناطق ما. هناك دائمة قائمة بالأمور التي أريد تجربتها في أي دولة أزورها، أو مناطق أريد التعرف عليها وتصوير جمالها، وزيارة قبائل وأقليات قرأت الكثير عنها. لكنها كذلك تتغير من حين لآخر، هناك الكثير من الرحلات التي فوّتها من أجل فكرة أخرى. وكثيراً، كثيراً ما غيّرت مسار سفري في أي دولة زرتها.
حين لا يكون الأمر متعلقاً بالسفر؛ أكتب قوائم بالأمور التي يجب القيام بها، الاجتماعات واللقاءات التي يجب أحضرها. مارست حياتي وِفق ما هو متعارف عليه في المجتمع: درست، تخرجت، تزوجت، أنجبت، توظّفت، واعتنيت بالآخرين. كنت أعلم جيداً أنني يجب أن أحدِث تغييراً ما لأرضى عن حياتي، عرفت أن اتباع المسار التقليدي للحياة لن يوصِلني لتلك النشوة التي أبحث عنها، وأنني بحاجة إلى الخروج من منطقة الراحة والقيام برحلة مختلفة.
لا أحد يعرف ما يكمن تحت الطبقات الخارجية
ركبت القطار من وسط كوالالمبور بداية الأسبوع الماضي متوجهة إلى غربها. عودتي هذه المرة إلى كوالالمبور بعد سفري الطويل تحمِل معها الكثير من الاجتماعات. التقيت بينجامين، الذي وصل كوالالمبور قبلي بأيام، وكان علينا اللحاق بقطار آخر لحضور اجتماع مهم يجمعنا بأحد العملاء. نظر إليّ سريعاً، وضحك معقباً، أين كنت تحملين هذا في حقيبتك؟
كنا متأخرين على كل حال، والقطار السريع لم يكن ذلك اليوم سوى اسم. توقف القطار بشكل متكرر، مزدحماً بشكلٍ لم أعتده في وقت الذروة، أو أن سفري وغيابي المطوّل عن هذه المشاهد في كوالالمبور أثّر علي كثيراً. كنت أرتدي لباساً رسمياً، على غير عادتي في الشهور الماضية. لم أكن أشعر بالراحة في القميص الحريري، وأعترف، أصبح الأمر غريباً علي. وبما أن عودتي الآن أطول من المرات السابقة، أصبح عليّ حضور مناسبات اجتماعية. الوقوف والمشي لثلاث ساعات مثلاً بينما أرتدي حذاءً عالياً، كمساء اليوم حين أحضر احتفال اليوم الوطني الأسترالي. مجملاً؛ عليّ الظهور بشكل مختلف عني، أو كما يقول بنجامين، مرتب!
أي أحد ينظر إليّ الآن لا يعرف أنني عِشت حياة أخرى. مَن يعرف أنني كنت أسير مسافات طويلة حافية، أو أن أفضل مطعم في لاوس كان يقدم مشوياتٍ بسيطة، وألذّ الوجبات التي أكلتها طُبِخت على موقد صغير. ثم أنني في ليلة ما لم تغطيني سوى النجوم -إذا تجاهلنا الخيمة الناموسية. كنت أركب “أنكوت” إلى كل مكان في رحلتي الأخيرة إلى إندونيسيا، وكنت أكثر سعادة حينها. لا أحد يعرف ما يكمن تحت الطبقات الخارجية.
كيف أثّرت طريقة سفري هذه في حياتي؟
هناك متعة يحملها الهواء معه فيما أمرّ بمسارٍ مغبر وطريق غير معبدة. عندما أخرق القواعد أحياناً، أو أحاول على الأقل. حين يبدأ اليوم بدون تخطيط مسبق، وأجدني فجأة في مغامرة لا أدري إن كنت سأنجو منها!
منذ أن بدأت حياة الرحالة الرقميين في ٢٠١٨، كنت أعرف ما الذي أريد من خلاله. قد تكون البداية مضطربة وغير مرتّبة، ولم أكن أستطيع التحكم في ذلك بشكل كامل مع قلة المعلومات. بدأت سفري على الأقل مع انتهاء فصل الصيف، كان ذلك يعني مغادرة الكثيرين وانخفاض أسعار السكن بشكل ملحوظ. ناهيك عن توفر الكثير من خيارات السكن حتى في القرى الصغيرة، وبدأت باستكشاف المناطق تِبعاً لذلك. قرية هنا، ومعبد هناك، ثم غابة ومرتفعات لم أجدها في كتيّب الرحلات. وكما ذكرت سابقاً في تدوينة “حياة مختصرة، بنفَس طويل“، كنت أشعر بامتلاء ذاتي في تلك المناطق.
لا أخفي أبداً أنني أشعر بسعادة غريبة كلما سكنت منطقة مجهولة. هناك شعور لا يمكن وصفه حينما أُسأل عن وُجهتي، وغالباً لم يسمع الكثيرون عنها، حتى بعض السكان المحليين أنفسهم قد يكونون لا يعرفونها. أذكر أنني حضرت حفلاً في نوفمبر عام ٢٠١٥، وكانت تجلس إلى جواري دبلوماسية أسترالية. تحدثنا عن التجهيزات للإجازة السنوية طبعاً! أخبرتها أنني هذا العام سأقضي الكريسمس في بلدة بلايني (Blayney). سألتني مراراً عن الاسم، وكانت تشكّ في أن البلدة في أستراليا. أخبرتها أنها تبعد ٣ ساعات عن سيدني، وبحثَت عن المكان في الخارطة. لم تكن قد سمِعت بها من قبل.. والمفاجأة حين أخبرتها أن سكانها لا يزيدون عن ٣ آلاف نسمة! كانت -قبل كل شيء- متعجبة من معرفتي بالمنطقة.
من أجل تجربة وحكايات تستحق أن تُروَى
غالباً ما أتلقى رسائل على تويتر أو بريد المدونة لترتيب جدول سياحي في ماليزيا، أو حتى رأيي في ترتيب الرحلة التي يريدون قضاءها هنا. وبالطبع، يُطلَب مني دائماً أن أضع “سيلانجور أو لنكاوي” في القائمة! سأكون صريحة، إنني أتجاهل الرد على بعض الرسائل التي لا تنمّ عن معرفة مرسلها بما يريد. وحينما يعرف ويكون مطلبه عادياً جداً، أحوّله إلى الموظفين المتعاونين معي. هذا النوع من الرحلات التي لا تخرج عن المسار المتكرر ما عادت تسرّني، وما عدت أشعر أنني من خلالها أقدم أمراً مستحقاً، أو حتى أقدّم ماليزيا -كما يجب- لمَن لا يعرفها. أوه! وأكثرها بُغضاً، سؤال: “وين أحصّل راس مندي في كوالا ولينكاوي؟“.
في المقابل؛ أنتشي كثيراً إلى رسائل من نوع آخر، أولئك الذين يسألونني عن الطرق الأقل سفراً في ماليزيا أو أي دولة أخرى زرتها. الذين يسألونني عن المناطق والأنشطة غير المعتادة، أو على الأقل؛ يكتبون إليّ أسماء الأماكن صحيحة كما هي. الأشخاص الذين يكتبون ليقولوا “أعلم أنك كتبت عن هذه الأماكن في مدونتك، ولكن أين الأماكن السرية، تلك التي لا يعرفها أي شخص آخر؟”. كثيراً ما يبحث هؤلاء الناس في سفرهم عن التواصل مع أشخاص خاصين، أو حتى مقدسين، أي أمرٍ مختلف عن المعتاد. عن قصة يمكن أن يعيشوها ويسترجعوا ذكرياتها حين يروونها لأصدقائهم.
هل نحتاج حقاً إلى مكان بعيد عن جميع السائحين لعيش تجربة حقيقية خلال السفر؟
بالنسبة لي، نعم. في سفري؛ أحب القرى الصغيرة. أحب البلدات التي يعرف سكانها أنني زائرة. وجهي الجديد يجعلهم يحدّقون فيّ قبل أن أبتسم، ويبادلونني الابتسامة. لا أحب المدن، فلا أحد فيها يرحّب بك، أو يدعوك لمشاركته كأس الشاي. ولا أحد في المدن ينتبه إلى وجودك أساساً، ليس كمَن في القرى، كلهم يعرفون أنني غريبة. ويعرفون أنني بحاجة إلى المساعدة دائماً، وأغلبهم يساعدك حقاً إذا ما احتجت.
العسكري الذي أوصلني
كان عليّ الانتقال إلى منطقة Sangkhlaburi، لأقضي عشرة أيام من العزلة والتأمل، ساعدتني صاحبة المسكن المشترك في كانشانابوري بتوصيلي إلى المحطة وتسهيل كل شيء. وحينما وصلت إلى وجهتي، وجدت إنني الآن على بُعد ساعة براً من ميانمار. توجّهت إلى مركز الشرطة أمامي؛ سألت العسكري عن المبنى الذي أريد التوجه إليه، أخبرني أنه يبعد ٥ كيلومترات من هذا الطريق، مشيراً إلى طريق زراعي. أخبرته أنني أنتظر الحافلة التي ستذهب إلى هناك. هزّ رأسه نافياً، وعقّب بأنها مسافة بعيدة، ثم أشار للموظّف خلفه، تحدث إليه بأمرٍ ما. أخبرني: إنها قرية بعيدة، سيوصلك إلى هناك، اركبي الدراجة النارية خلفه. في الحقيقة، كنت قلِقة نوعاً ما، وهناك الملايين من الأفكار في رأسي.
مررنا في طريق زراعي صغير غير معبد، ولم أكن أرتدي خوذة. أرى أهل القرية يحدّقون فيّ بين الفينة والأخرى. شكلي الغريب، وحقيبة الظهر التي أحمِلها، ثم جلوسي خلف عسكري. كانت نظراتهم تزيد قلقي، وكنت أسأل نفسي: هل ما يحدث الآن هو بالضبط ما يحدث في أفلام الرعب التايلاندية؟ بدأت أرى إشارات للمبنى، توجّهنا إليه، وطلبت منه أن ينتظر حتى أتأكد من المكان. وحينما أخبرته أننا في المكان الصحيح، وقبل أن أناوِله شيئاً من النقود، رأيته قد ولّى وذهب عائداً إلى مركزه.
سألني العاملون في مركز التأمل كيف وصلت هنا. حكيت لهم ما حدث مع رجال الشرطة، وكانوا جميعهم متعجبين. لم يحدث هذا من قبل لأي أحدٍ منهم أو ممن جاءوا إلى المركز من قبل. حسناً، لم يحدث لي ذلك أبداً خلال سفري المتكرر . لم يحدث أن أوصَلني أي شرطي إلى أي مكان.
خمسة عشر ألف روبية
كنت بداية الشهر الماضي أتجوّل في سومطرة، إندونيسيا. الجزيرة التي لا يعرفها الكثير من السائحين الأوروبيين، ناهيك عن العرب. اخترت الإقامة أسبوعاً كاملاً في جزيرة سيموسير، حيث بحيرة توبا. كانت إقامتي لدى عائلة إندونيسية، استأجرت منهم غرفة كبيرة. ولأنها إندونيسيا، فهم يحبون طرح الأسئلة والتحدث مع الغرباء، أصبحت مشهورة. لم يبقَ أحد في الشارع الذي أقمت فيه لا يعرف من أي أنا، أين أسكن، ومتى سأغادر. وبالطبع؛ صاحبة البقالة التي أمام البيت، تراني كل صباح حين أخرج للمشي. ابتعتُ منها اليوم الأول موزاً وجبناً والكثير من الشوكولاتة، ثم آتيها كل يوم أشتري منها قارورة ماء.
أخبرتني في اليوم الخامس أنها حصلت على مجموعة جيدة من الأناناس، وأبقت لي واحدة لأجربها، ناولتها قيمة الأناناس بعد أن قطّعتها لي. لم يكن لديها أوراق مالية كافية لتعطيني الباقي كاملاً، وبما أنه في أول اليوم، فغالباً ستحتاج إلى ما لديها من نقود الآن. سكتّ، أفكر في الطريقة التي يمكنني صرف ورقة نقدية بقيمة مائة ألف روبية. لم يكن أحد من الباعة حولها يملك أي أوراق نقدية بعد. طلَبت مني أن أعود لاحقاً لأدفع لها قيمة الأناناس، ستكون هي هنا على أية حال. غادرت بقالتها الصغيرة مترددة، وأخبرتها أنني سأعود إليها بعد الغداء.
لم أمرّ بتجربة كهذه في أي مدينة عِشت فيها، ولم يصادف أن حدث أمر كهذا لي من قبل في أي من سفري. الثقة التي منحتني إياها، وهي لا تعرفني بشكل شخصي. لا تعرف مني أي ماضٍ، ولا يهمها ذاك. تعرف فقط أنني أسكن في البيت المقابِل، وأنها يمكن أن تأتمنني على خمسة عشر ألف روبية.
ما الذي تغيّر؟
لا تجعلني أي من هذه القصص كائناً فريداً من نوعه. ولست أقوم بأي شيء خارج حدود ما هو طبيعي للتفاعل البشري اليومي، فلماذا يتفاجأ أصدقائي المقربين عندما أخبرهم عن أصدقائي الجدد من الحافلة؟ ثم عن “ديريك” و”ستان” و”كلاس” وحتى “روز” الهولندية. أو حتى عن “مارتين” الذي جمعنا قارب، ثم مصادفة اكتشفنا أننا متوجّهون في ذات الرحلة بالحافلة. يتفاجؤون حينما أخبرهم عن كل مَن عرفتهم خلال سفري، وكيف أنني كنت في أحيانٍ قليلة أبدأ الكلام أو أعلّق على أمرٍ ما. كل ما في الأمر أنني أصبحت أكثر انفتاحاً على هذا النوع من التواصل العشوائي مع مَن حولي. كانت لي تجارب مماثلة قبل مغادرة عملي وأصبحت رحالة رقمية، ربما يكون الأمر نفسه هو الذي جعلني أحاول شق طريقي عبر القرى بحثاً عن الأسواق المحلية وتذوق كل شيء، بدلاً من التجوّل في المعالم المتكررة والأسواق التجارية. في سفري؛ أنا مفتونة أكثر بالتفاعل مع الناس.
وعندما تصِلني رسائل تسأل عن الأماكن غير المعروفة، أرسل لهم قائمة. لكنني أقترح أيضاً أن يظلوا منفتحين على التواصل مع الآخرين أينما ذهبوا. نعم، أحب الابتعاد عن السياح والكثير من الأشخاص الذين يسافرون من أجل السفر، ولكن الأمر لا يتعلق دائماً بأكثر الأماكن نأياً. ثم إنني أُبقي على قائمة خاصة أحتفِظ بها لأصدقائي الذين يزورونني.
بالمناسبة . أنا الرجل الذي يدخل خلسة إلى مدونتك ليقرأ كل شيء دفعة واحدة . وفي كل مرة أعاهد نفسي وجدران غرفتي وأقسم ألف قسم أني لن أدخل إلى مدونتك مرة أخرى . وبعد يومين أو ثلاثة لا أكثر , تسول لي نفسي أن ألقي نظرة فقط . وتقنعني أنه لا ما نع من نظرة فقط ثم مالمشكلة في نظرة خاطفة . ثم أقتنع ليس لأن حجتها مقنعة ولكني لأني جاهز للاقتناع . أتعرفين ما المشكلة ؟؟ المشكلة أنني بمجرد أن أنتهي من كتابتك الجديدة , أشعر بكم رهيب من الحزن . لأن الكتابة انتهت و لم تعد جديدة . وأشعر أنك مخادعة كبيرة لأنك تسافرين طويلا وتتركيننا ننتظر وننتظر وننتظر !!!
إيه يا امرأة . في المرة القادمة يجدر بك أن تكتبي كتابة لا تنتهي أبدا .
قبل ثلاثة أشهر تقريبا ذهبت إلى ماليزيا للمرة الأولى في حياتي . وكنت أريد الذهاب من كوالالمبور إلى بينانج بالقطار .. ولكني وجدت مدينة بينهما اسمها ايبوه . فقررت الذهاب إليها دون أن يكون لدي اي معلومات عنها ولكن كان معي أعظم مرشد سياحي هناك . وهو نفسه الذي كان معي في كوالا لمبور ربما تعرفينه جيدا . كان اسمه ( قدماي العزيزتان ) وكان يجبرني على المشي في كل مكان من الساعة الخامسة فجرا وحتى الليل . في ايبوه حصل لي أجمل موقف . فقد ضاعت محفظتي التي كان فيها كل ثروتي . ثروتي البالغة 500 رنقت للستة أيام المتبقية . وقتها كنت أبحث عن اي جسر لأعيش تحته متشردا طوال الحياة . وكنت أحاول أن احسن علاقتي مع الكلاب الضالة لأننا عما قريب سنصبح أبناء شارع واحد . والمشكلة الأخرى أن لغتي الإنجليزية لم تكن قوية جدا كأي مواطن أمريكي . بل كانت أقل من ذلك بقليل ” بقليل فقط ” ربما نستطيع أن نطلق على لغتي أنها كانت ” صندوق قمامة ” .. الحمد لله أني كنت حاسبت صاحبة الهوستل البارحة وإلا لاضطررت إلى إلى إلى الله أعلم ماذا كانت ستصنع بي !! آمل ألا يكون إخبار الشرطة أحد خياراتها . لأني بصراحة لا أريد أن أخرج في برنامج مسجون في الغربة . بالتأكيد هي لن تفكر بأخذ أغراضي رهنا لديها . فماذا ستصنع هي بحقيبة ظهر ليس فيها سوى ثلاثة قمصان وبنطال واغراض شخصية .
هذه المرة الأولى التي اسافر لوحدي . وتقريبا هذه هي المرة الأولى التي أسافر أصلا خارج السعودية . أحببت كوالا لمبور جدا وأحببت إيبوه أكثر وأحببت ماليزيا جدا .
عند عودتي إلى الرياض كنت مصابا بشيء من الصدمة والذهول من اشياء كثيرة . من بين هذه الأشياء كان ” النساء” . نعم النساء . بحكم أنك تعرفين أن لدينا في السعودية شيء من الفصل بين الرجال والنساء . وبحكم أني لم أكن أحب ولا أفضل الدخول في أي علاقة مع أي امرأة . لأنه بكل بساطة لا فائدة من ذلك .. لأني إن أردت امرأة فسأذهب إلى والدها من الباب مباشرة من دون اللف والدوران . للأمانة كانت النساء الوحيدات اللاتي تعاملت معهن في حياتي كنّ أمي وأخواتي فقط . آه وتذكرت هنالك واحدة أخرى هي المرأة التي ترد عليك لتطلب البيتزا .. فهذا العالم كان مجهولا جدا بكل ما تعنيه الكلمة . يكفيني أن أخبرك أني كنت ولا زلت أصاب بالخجل جدا وأكره نفسي حينما اضطر لسؤال إحداهن عن شيء . وحينما كنت في ماليزيا كنت أسأل نفسي كيف يمكنهن أن يتعاملن مع الغرباء أمثالي بشكل طبيعي وبلطف مبالغ فيه أيضا . بالطبع كنت أعرف أنه ليس لجمال عينيّ ولا لتسميح خاطري ولا للقميص المهترئ الذي أرتديه . ولكن لأن الماليزيين لطفاء بشكل عام . بالطبع أيضا لم أقع في الحب . لأني لو كنت ساقع في الحب فيجب علي أن أحب فتاة المقهى وفتاة المطعم وفتاة الدكان وفتاة الاستعلامات وفتاة علمتني كيف أشتري عملة معدنية لأغسل ملابسي وكل فتيات ماليزيا الماليزيات . المثير للسخرية أني كنت إذا وجدت فتاة تعمل في أي مكان لا أدري هل أقابل ابتسامتها بابتسامة أم أنها ستعتبر هذا تحرش ؟؟ هل أقول شكرا إذا قدمت لي خدمة أم أنها ستعتبر هذا مغازلة . وفي أول الأيام كنت أصنع أكثر الأشياء إثارة للسخرية . فقد كنت أقف وأحدق في الفتاة مثل الصنم لأني نسيت كل شيء ولا أعرف ماذا أقول .. إحدى المرات كنت أقف في طابور لأحاسب وكانت المحاسبة فتاة . جاء دوري ولم انتبه لأن الطابور كان متعرجا قليلا والمكان مزدحم. كانت تشاور بفرح إلى صديقتها التي تقف بجواري وكنت أنظر إليها دون أن أصدر أية ردت فعل . فكررت المحاسبة المشاورة مرة أخرى وهي تنظر إليّ تحديدا . أشرت إلى نفسي بإصبعي هل تقصدينني أنا ؟؟ وهزت رأسها نعم . ماذا ؟؟ يا إلهي !!! كل هذه المشاورة كانت لي أنا ؟؟ ولي وحدي ؟؟ وقتها كدت أن أهرب من شدة الخجل . لكن الحمد لله أني نسيت طريق الخروج . هذا الموقف يشعرني بالضحك كلما تذكرته