كيف تسير إجازاتك غالباً؟ هل تحتفظ بقائمة طويلة من المناطق السياحية لزيارتها في فترة وجيزة، أم تفضلّ السفر ببطء؟ قلت هذا سابقاً، وسأكرره لمرات عديدة؛ لا أفهم كيف يمكن للأشخاص السفر إلى ٣ دول في أقل من أسبوعين! أحب السفر ببطء للاستمتاع بكل لحظة في رحلتي، فإجازتي هي للراحة، وليس الجري من مكان لآخر. والسفر البطيء، ليس بمفهوم جديد أبداً، ولكنه يكتسب شعبية كبيرة مؤخراً. ولاحظت المزيد من الأشخاص يسعون لتجارب سفر حقيقية، واستخدام الشركات السياحية التي تقدم خيارات مستدامة. العالم يتغير، وقد بدأنا نعيد التفكير في هدفنا من السفر لاسيما إفادة المجتمعات المحلية. ولا يعني هذا بالضرورة السفر شهرين أو ثلاثة! وجدت عائلات تسافر لمنطقة واحدة لأسبوعين وتقضي فيه وقتاً ممتعاً
تخيل معي هذا السيناريو؛ إجازتك ١٧ يوماً في السنة، وقررت قضاء ١٠ أيام منها في دولة ما. وبينما أنت تعدّ برنامجك السياحي، تتخيل يومك يسير كالتالي: الإفطار في الثامنة صباحاً، الخروج في التاسعة، زيارة الشلال، القيادة ساعتين إلى المنطقة التالية، ساعة استراحة غداء، زيارة المتحف، يلعب الأطفال في بضعة ساعات في مدينة الملاهي، العشاء، سهرة… الخ. ثم تنام في الواحدة أو الثانية صباحاً. هل تعبت من قراءة الجملة السابقة؟ تعبت من مجرد تخيل الجدول السياحي! ١٧ يوماً على هذا المنوال. وإن كنت ترتب جدولك السياحي، فلربما تلاحظ نفسك الآن واضعاً قائمة طويلة جداً من المناطق السياحية التي تريد زيارتها.
هل تذكر “أحتاج إجازة بعد الإجازة”؟ هذا السبب الفعلي لما نقوله فور عودتنا من رحلة سياحية.
مفهوم السفر البطيء
فكّر في تذكر المرة الأولى التي سافرت فيها إلى مكان جديد. تذكر الدهشة التي غمرتك عندما جربت طبقاً جديداً، أو تعرفت على ثقافة جديدة، أو رأيت شيئاً ما يتم بطريقة جديدة. هذا الإحساس الذي تتذكره، أساسه مفهوم السفر البطيء.
لا يعني السفر البطيء بالضرورة السفر ببطء أكثر. بل يتعلق الأمر بتخصيص وقت لتجربة الثقافة المحلية، والمناطق السياحية وعيش شعور أعمق باحترام عادات الآخرين وثقافتهم وتاريخهم. يتعلق السفر البطيء أيضاً بتجنب الجداول السياحية الرائجة، والتي غالباً ما تكون استغلالية وغير مستدامة. يتعلق الأمر بالبحث عن طرق لاستكشاف وجهتك باستخدام وسائل النقل المحلية، وزيارة المناطق الأقل شهرة على طول الطريق.
متى بدأ كطريقة للسفر؟
بدأ مفهوم السفر البطيء في الثمانينيات، عندما بدأت حركة طهو الطعام المتأنية في إيطاليا في زيادة الوعي، بالحفاظ على الزراعة والأطعمة التقليدية والطهي. إن حركة الطعام البطيئة متجذرة في إحساسنا بالارتباط بالناس، والأماكن، والأطعمة والثقافة. كما أنه يقف ضد نوع الأطعمة السريعة التي يتم إنتاجها بكميات كبيرة، والتي لا تقدم فائدة تذكر لصحتك. كما يربط الغذاء من خلال سلسلة التوريد بالمجتمعات والبيئة.
السفر البطيء هو رد فعل ضد فكرة “الأماكن التي يجب زيارتها”. إنه يمثل خروجاً عن خط سير الرحلة المعتاد عليه، حيث يقيم الأشخاص في فنادق متكاملة الخدمات، ولا يكادون يغامرون بالخروج إلى المدينة التي يزورونها. تمنح مسارات الرحلة هذه للمسافر القليل من التقدير للثقافة أو التاريخ أو الموسيقى أو الفن المحلي. وبدلاً من ذلك، تهدف إلى إفادة الاقتصاد المحلي، والأشخاص، والأماكن من خلال احترام تقاليدهم وثقافاتهم المحلية. يتطلب هذا النوع من السفر استكشاف وجهات جديدة بوتيرة أبطأ، وقضاء الوقت في التعرف على المجتمع المحلي، ودعم الشركات المحلية.
كيف أصبح شائعاً؟
لا يقتصر دور السفر البطيء على مساعدتك والمكان الذي تزوره فحسب، بل يفيد الاقتصاد المحلي والبيئة أيضاً. وبشكل جزئي، ظهرت طريقة السفر البطيء كرد فعل لنوع السياحة المعتادة، والتي لا تقدم فائدة تذكر للاقتصاد المحلي ويمكن أن تلحق الضرر بالبيئة. يبحث العديد من الأشخاص الآن عن رحلات تقدم رحلات أكثر واقعية، وذات مغزى من تجارب السفر. كما أصبحت السياحة المستدامة، والسياحة التطوعية، وحياة الرحالة الرقميين تحظى بشعبية متزايدة.
لقد تغيرت طريقة سفرنا استجابة لجائحة كوفيد-١٩، حيث أصبح الناس يولّون أهمية حقيقية لعيش حياتهم بشكل أفضل كل يوم. أصبحت الكثير من مسارات الرحلات العالمية المزدحمة شبه مستحيلة، مع عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على السفر. ولا يزال بعضها مغلقاً حتى الآن، أو أن السفر إليها ليس بتلك السهولة التي اعتدنا عليها. أوه! وارتفاع أسعار تذاكر الطيران بشكل جنوني منذ شهرين والذي سيستمر حتى نهاية العام. وبدلاً من التساؤل عن البلد الذي سيزورونه في رحلتهم القادمة، يتجه المسافرون إلى القرى المجاورة، والرحلات البرية بالسيارة، وقضاء عطلاتهم قريباً من مدينتهم.
تكتسب طريقة السفر الجديد هذه أيضاً شعبية كبيرة، حيث يبحث المسافرون بعد كوفيد-١٩ عن المناطق السياحية غير المزدحمة. وقد جعل الوباء الناس أكثر وعياً بأهمية دعم الشركات المحلية الصغيرة. علاوة على ذلك، نظراً للانتقال السريع الذي أحدَثه كوفيد-١٩ حول العالم فيما يتعلق بالعمل عن بُعد، فقد أصبح العمل أثناء السفر أكثر شيوعاً. ولهذا تعمل العديد من الدول على توفير تسهيلات للرحالة الرقميين الذين يمكنهم السفر إلى هناك أثناء العمل عن بُعد.
فوائد السفر البطيء
هناك فوائد متعددة للسفر ببطء، سواء للمسافر أو للمجتمعات المحلية. فحينما تسافر ببطء، بشكل صحيح، فإنك ستصنع ذكريات وعلاقات دائمة، مع تعزيز ممارسات السياحة المستدامة. وفيما يلي بعض أهم مزايا السفر البطيء التي يمكنني تلخيصها لك:
- التعرف على السكان المحليين والثقافة المحلية، بدلاً من مجرد زيارة مكان لفترة وجيزة كجزء من مجموعة سياحية كبيرة. وقد يؤدي ذلك إلى تجارب وعلاقات أكثر عمقاً، تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء رحلتك.
- زيارة المحلات الصغيرة المملوكة للمحليين، والسكن في فنادق أو شقق تديرها العوائل المحلية. وذلك بدلاً من سلاسل الفنادق أو المنتجعات العالمية الكبيرة.
- يمنحك فرصة للنمو والتعلم والاستمتاع بتجارب جديدة على مستوى أعمق. ومن المرجح أن تُعيد بهذا حبك للسفر في المقام الأول.
- يكون لديك وقت لرؤية كل ما في المكان. لا تنتقل من مكان سياحي إلى آخر، لذا يمكنك قضاء وقتك في الاستكشاف والتعرف على التاريخ والثقافة والاستمتاع بكل بساطة بمحيطك.
- غالباً ما يكون أرخص بكثير من السياحة التقليدية. فلن تنفق نقودك على أشياء مثل السفر بالطائرة واستئجار السيارات وباقات الرحلات. يمكنك التوفير أيضاً من خلال السكن مع العائلات، أو بيوت الضيافة المحلية، والتسوق المحلي، وتناول الطعام في المطاعم المجاورة.
- تتعلم تقدير الأشياء البسيطة في الحياة التي غالباً ما تأخذها كمسلّمات. مثل وجبة ساخنة لذيذة، أو سرير مريح، أو غروب الشمس الجميل.
- الانفصال عن العالم الخارجي وأن تكون حاضراً حقاً في محيطك. سيساعدك ذلك على الاسترخاء والراحة، مما يجعلك منتعشاً ومرتاحاً حينما تعود لموطنك.
- ليست هناك حاجة للإسراع من مكان إلى آخر أو محاولة رؤية وزيارة كل شيء بأسرع ما يمكن.
لا تعليق