قررت المغادرة إلى إزمير (Izmir) بعد أن قضيت أربعة أيامٍ في شوارع إسطانبول. كان لديّ هدف واحد في تركيا؛ وهو استكشاف أكبر عدد ممكن من المقاهي المحلية الصغيرة! كانت تلك ببساطة إحدى الحيَل التي اتخذتها هرباً من البرد القارس في ألمانيا العام الماضي. أخذتني هذه المدينة الكبيرة، إزمير الجميلة إلى عالم من الحداثة والتقاليد الخلابة، بلمساتها المنعشة، ووددت لو أنني قضيت فيها أكثر من أسبوع واحد.
تنقّلت في شوارعها الضيقة مع “سكوت”، النيويوركي الذي التقيته في إسطانبول حيث كنا نتشارك نفس الفندق، وكانت إزمير في طريقه أيضاً. كان يومي فيها يسير بكل هدوء، أصحو على رائحة القهوة التي يعدّها “يونس” صاحب الفندق الذي سكنت فيه. أعمل قليلاً حتى الظهيرة، ثم أخرج إلى الشارع الرئيسي حيث تصطفّ المطاعم المحلية الصغيرة جِوار بعضها. أحدها ذو كراسي زرقاء حديدية، تطبخ فيه السيدة طعاماً منزلياً. أسير بعدها في شوارع إزمير مع “سكوت”، الذي لا تنتهي حكاياته عن أوروبا الشرقية التي سكنها لأكثر من ٢٥ عاماً. ثم أعود للعمل مجدداً لساعاتٍ قليلة. وحينما يحلّ المساء، أنتقل مباشرة إلى الحانة الصغيرة بعد شارعين من الفندق، مالكه تركي عاش سنواتٍ طويلة في أستراليا، وعاد إلى تركيا مؤخراً. نتحدث عن كل شيء، حتى يبرد الجو أو تمطر السماء، أو يأتي “سكوت” لنمشي في الشوارع الأخرى.
إزمير، المدينة الكبيرة
تعتبر إزمير (Izmir) ثالث أكبر مدينة من حيث عدد السكان في تركيا، بعد اسطنبول وأنقرة، وثاني أكبر تجمع حضري على بحر إيجه بعد أثينا في اليونان. تفترش المدينة المياه البعيدة لخليج إزمير، والداخلية إلى الشمال عبر دلتا نهر جيدز، ثم إلى الشرق على طول السهل الغريني الناتج عن عدة تيارات صغيرة، وتضاريس أكثر وعورة قليلاً في الجنوب.
مدينة النخيل!
هل تذكر أغنية المقدمة لمسلسل “في مدينة النخيل“؟ كانت الأغنية تتكرر في رأسي طوال فترة مكوثي في إزمير. تذكّرني هذه المدينة بمدينة النخيل جداً، حتى أنني أسميتها كذلك! وبالفعل؛ إزمير هي إحدى أكثر مدن تركيا متعة؛ شوارعها مظللة بأشجار النخيل، والجوانب جميلة، والمنازل أنيقة. كوجهة نهائية لـ”طريق الملك”، الذي يمتد على طول الطريق إلى إيران، تواصل إزمير كونها نقطة محورية للسياحة والترفيه. يشتهر ساحل المدينة بمطاعم الأسماك على طول الساحل، بالإضافة إلى الحانات والمقاهي والمطاعم المحلية. بينما المناطق النائية غنية بالآثار، والأطلال التي تروي حكاية حضارات قديمة لا حصر لها.
سُميرنا، في التاريخ القديم
كانت المدينة تُعرف باسم سُميرنا (والتي تعني “بلد الأم المقدسة”) في العصور القديمة الكلاسيكية، وهو اسم ظل مستخدماً باللغة الإنجليزية ولغات أخرى مختلفة حتى حوالي عام ١٩٣٠، عندما سعت الحكومة إلى تغيير الاسم اليوناني الأصلي إلى الاسم التركي، إزمير. ومع ذلك، لا يزال الاسم التاريخي سميرنا مستخدماً حتى اليوم في بعض اللغات، كالأرمينية، والإيطالية، والكتالونية والبرتغالية والإسبانية. تتمتع سُميرنا (إزمير – Izmir حالياً) بأكثر من ٣٠٠٠ عام من التاريخ الحضاري المسجل، وما يصل إلى ٨٥٠٠ عاماً من التاريخ كمستوطنة بشرية منذ العصر الحجري الحديث. يعود ذلك طبعاً إلى موقعها المتميز على رأس خليج ينحدر في فجوة عميقة، في منتصف الطريق على طول ساحل الأناضول الغربي، وقد كانت إحدى المدن التجارية الرئيسية في البحر الأبيض المتوسط لمعظم تاريخها.
إزمير التي تجمع بين التاريخ والحداثة
صُنّفت إزمير خلال الألفية الأولى قبل الميلاد بأنها واحدة من أهم مدن الاتحاد الأيوني، ويعتقد أن هوميروس عاش هنا خلال هذه الفترة. أنهى الفتح الليدي للمدينة حوالي ٦٠٠ قبل الميلاد هذه الفترة، وبقيت إزمير أكثر بقليل من قرية طوال فترة الحكم الليدي والحكم الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد. خلال القرن الرابع قبل الميلاد، تم بناء مدينة جديدة على سفوح جبل باجوس (كاديفيكال) في عهد الإسكندر الأكبر. كانت الفترة الرومانية في إزمير، التي بدأت في القرن الأول قبل الميلاد، ثاني أعظم عصر لها. تبع الحكم البيزنطي في القرن الرابع واستمر حتى الفتح السلجوقي في القرن الحادي عشر. ثم في عام ١٤١٥، تحت حكم السلطان محمد جلبي، أصبحت إزمير جزءاً من الإمبراطورية العثمانية.
أين أقمت في إزمير (Izmir)
في الطريق من إسطانبول إلى إزمير، حجزت غرفة خاصة في سكن مشترك لأقيم فيه في إزمير. لم أكن أعرف المنطقة حينها ولم يكن لديّ أحد أسأله عن أفضل المناطق التي يجب عليّ اختيارها في المدينة. وقع اختياري على المكان بسبب ديكوره الجميل، والساحة التي تتوسطها نافورة صغيرة. كان المكان مثالياً جداً، على الصور. لكن المبنى قديم جداً، والتدفئة سيئة. أضِف إلى ذلك وجود طفل صغير أعتقد أنه ابن صاحبة المكان، صوته مزعج وعالٍ للغاية، وكثير الحركة. تركت المكان بسببه، وكتبت شكوى عليه.
انتقلت بعدها إلى مسكن مشترك آخر، والذي التقيت فيه “يونس”، صاحب الهوستيل. المبنى صغير وقديم، بثلاثة أدوار، رممّه “يونس”، وجعله فعلياً مكاناً سعيداً، كاسمه: My Happy Home Hostel. المكان -على صِغره- هادئ، وحميمي يُشعرك فعلياً أنك في البيت، فمالكُه يعيش فيه أيضاً. ستشعر بالأجواء الخاصة للإقامة في منزل يوناني تاريخي، وغرف النوم مصممة لستة أشخاص، ومع كل سرير خزانة خاصة. يمكنك الاستفادة من مرافق المطبخ، ولعب مختلف ألعاب الطاولة في المناطق العامة. يمكنك أيضاً الاستمتاع بمشروباتك، والانخراط في محادثة ممتعة أثناء مشاهدة غروب الشمس على الشرفة.
يقع الهوستيل أيضاً بالقرب من Alsancak، قلب الترفيه في إزمير، حيث ستجد العديد من المطاعم والمقاهي هنا. كما يمكنك الذهاب بسهولة إلى كل مكان سيراً على الأقدام، أو باستخدام مترو الأنفاق من وإلى محطة Alsancak.
أين ذهبت في إزمير (Izmir)؟
ككل المرات التي أسافر فيها، ليس لديّ خطة لأي دولة أو مدينة. تركيا التي أقمت فيها حوالي ٣ أسابيع؛ لم أخطط لزيارة أي مدينة فيها، ولأن زيارتي كانت في الشتاء، فكان من الأسهل والأنسب البقاء في إسطانبول وإزمير. ثم.. ما الذي أريد أن أزوره أو أراه في إزمير؟ لم أخطط لأي من هذا أيضاً، وكانت كلها زياراتٍ عفوية، بعد جلسة مطوّلة مع “يونس”، الذي اقترح عليّ زيارة هذه المناطق، من وجهة نظر تركي، عارف بالسياحة. سأذكر لك هنا المناطق المفضلة لديّ في إزمير.
منطقة البازار – سوق Keremalti
مركز المشاة في إزمير، وهو حقاً مكان مذهل! المتاجر في كل مكان، والكثير من الناس وخاصة الروائح والنكهات القادمة من جميع الجهات. مشيت لساعاتٍ طويلة في هذا المكان، وتهت لمرات لا تحصى، وفي كل مرة أكتشف فيها قهوة صغيرة لم أتمكن من العثور عليها في المرة القادمة. لذلك؛ ستكون نصيحتي لك: امشِ وإذا رأيت قهوة تحبها، اجلس! قد لا تجدها مرة أخرى.
Kızlarağası Hanı
يقع هذا السوق المغطى في منطقة البازار، ولكنني ذكرته على حدى لأنه مكان فريد من نوعه حقاً. تم بناؤه في الأصل عام ١٧٤٤، وحافظوا عليه بأعمال الترميم والصيانة. لم أذهب إليه للتبضع، ولست أراك تفعل الشيء ذاته. زُره لجمال المبنى والجو الذي يسود المكان. يمكنك العثور في الطابق الأرضي على جميع الهدايا التذكارية الكلاسيكية الرائعة، لم تكن جذّابة بشكل كبير لي. لكنني حين صعدت إلى الطابق العلوي، زرت تجار التحف والحرفيين. كانت زيارته ممتعة، على الرغم من أنني لم أشتري شيئاً.. فحقيبتي صغيرة جداً على كل حال.
المشي على الكورنيش
أحب هذا المكان بشكل كبير، ومشيت فيه على ساعات مختلفة من اليوم. كنت أنتهِز عدم هطول الأمطار لأمشي هناك، خاصة بعد وجبة غداء تركية ثقيلة، وشهية. امشِ على طول بحر إيجه، ستحبّ المكان بكل ما فيه، وقد تمشي ٥ كيلومترات دون أن تشعر بتعب! طورت المدينة متنزهاً يمتد على عدة كيلومترات، ونادراً ما ستكون وحيداً، هنا الكثير من المحليين يمشون أيضاً، أو يأتون لتناول مشروب، إضافة إلى العدائين، وبائعي بلح البحر، والصيادين. ولن تلاحظ المسافة التي قطعتها أبداً!
برج الساعة في إزمير
أذكر أنني وقفت هنا، والتقطت مقطع فيديو قصير جداً بينما أردد “نِسوّي حركات سيّاح!” 🙂 وأرسلتها على انستقرام. زرتها مراتٍ عديدة خلال تواجدي في إزمير (Izmir)، بعد زيارة السوق القديم، وأفضل المرات التي زرتها كانت بعد توقّف الأمطار التي هطلت طوال اليوم. إنه أحد المناطق الكلاسيكية في إزمير، وعليك أن تلتقط صورة فيه. يقع هذا البرج في ساحة كوناك، وقد تم بناؤه عام ١٩٠١ من قبل المهندس المعماري الفرنسي ريمون شارل بيريه.
Asansör – أفضل منظر لإزمير
اسم Asansör مشتق من الاسم الفرنسي: مصعد (ascenseur باللغة الفرنسية). لمَ سمّي بهذا الاسم؟ لأنه ببساطة مصعد (أو بالأحرى مصعدين) يسمح لك بالمرور بسهولة من شارع إلى آخر دون الاضطرار إلى ابتلاع الفرق في الارتفاع. المصعد مجاني ويمكنك من الأعلى مشاهدة جزء كبير من إزمير (Izmir)، والاستمتاع بمنظر ساحر لها.
ميناء كوناك
تم تحويل مبنى الجمارك السابق، الذي صممه السيد غوستاف إيفل (نعم، نفس المبنى الموجود في البرج في باريس)، في البداية إلى سوق للأسماك وأصبح في السنوات الأخيرة سوقاً كبيراً وعصرياً للغاية وأنيقاً إلى حد ما. إن كنت تعرفني جيداً، فستعرف أنني لا أحب الأسواق ولا المشي فيها، لكنني أحب الهندسة المعمارية للمكان، والتي كانت فعلياً تستحق المشاهدة.
أطلال أقورا
Agora، هو متحف في الهواء الطلق حيث يمكنك الاستمتاع بمشاهدة آثار مدينة سميرنا القديمة. تم تدمير أجورا القديمة، التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، بسبب زلزال عام ١٧٨ قبل الميلاد. ولكن سرعان ما أعاد الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس بناؤها. يمكنك في المتحف الحالي مشاهدة القنوات المائية التي بناها الرومان والتي لا تزال تعمل. تم إغلاق جزء كبير من الموقع للجمهور لأن أعمال التنقيب والترميم لا تزال جارية، ولكنه يظلّ يستحق الزيارة، حتى لو كنت تمشي على الأرض أسفل مستوى البازيليكا القديمة.
المواصلات والتنقل في إزمير (Izmir)
التجول في إزمير سهل للغاية! هناك حافلات ومترو أنفاق وخطوط ترام. لم أستخدم أثناء إقامتي إلا الترام ومترو الأنفاق فقط، والعبّارة لاستكشاف الجزء الآخر من المدينة. ستدرك أن المترو هو الخيار الأكثر اقتصادياً منذ وصولك إلى المطار. إن وصلت إلى المطار الدولي، سترى الكثير من الحافلات وسيارات الأجرة،سيخبرك البعض أنه لا يوجد مترو (هذا ما أخبرني به بعض سائقي سيارات الأجرة). لذا نعم، المترو ليس في المحطة الدولية، ولكن في المطار الداخلي، والذي يبعد ٥ دقائق سيراً على الأقدام. يذهب المترو من المطار مباشرة إلى وسط المدينة، وأعتقد أنه لا يتعدى 15 ليرة تركية للفرد، يشمل هذا السعر الرحلة وكذلك شراء بطاقة إزمير كارت.
Izmirimkart هي البطاقة الثمينة التي ستحتاجها في جميع رحلاتك داخل إزمير. تبلغ تكلفة البطاقة ٦ ليرات تركية ويمكن فرض رسوم عليها في جميع محطات المترو، ولا يوجد حد أدنى لزيادة الرصيد. ثم تكلفة كل رحلة ٣ ليرة تركية. قد يتوجب عليك تغيير القطار أو الانتقال من مسار إلى آخر في كل رحلة، ولن يتعدى ذلك أكثر من ٩٠ دقيقة. باختصار، إنها طريقة مريحة للغاية ورخيصة للتنقل في هذه المدينة الجميلة!
من ناحية أخرى، كن حذراً، ففي إزمير (Izmir)، لا تعمل خرائط قوقل بدقة، ولا تنشر وسائل النقل العام على الإطلاق. لمعرفة أفضل طريق تتخذه في إزمير، فعليك استخدام تطبيق Trafi المجاني.
استئجار الدراجة في المدينة
مثل العديد من المدن المتطورة في العالم، تم تجهيز إزمير بشبكة كاملة من الدراجات الحديثة والمتطورة، التي يمكن للجميع استئجارها. تقع دراجات (Bisim) بشكل أساسي على شاطئ البحر، وهي طريقة ممتازة للتجول بسرعة وبتكلفة زهيدة أثناء الاستمتاع بالمناظر الطبيعية. تم تجهيز كورنيش البحر بأكمله بمسار دراجات رائع ويمكن ركوب الدراجات أيضاً دون أي قلق على متن العبّارات لتمديد الرحلة قليلاً.
لا تعليق