بدأت المدن العربية تبرز مؤخراً كوجهات للرحالة الرقميين، بعد أن كانت بعضها مجرد وجهات سياحية لمحبي التاريخ والآثار. وهذا ما جعلني أبحث خلال العام ٢٠٢٢ عن الوجهات المناسبة للعيش والإقامة لفترة طويلة، في شمال أفريقيا والخليج، أو حتى الشرق الأوسط عامة. بدأت رحلة البحث في الجزائر، حيث تنقلت خلال شهر مايو ٢٠٢٢ ما بين أشهر مدنها، ولكنني لم أجد ضالتي هناك، إضافة إلى انغلاق البلاد حتى تاريخ تواجدي فيها. انتقلت بعدها إلى تونس، والتي كانت أكثر تفتّحاً وسهولة للعيش مقارنة بجارتها، ولكنني لم أحب الطعام فيها، وبطء الانترنت. ثم كانت مصر، أشهر الدول العربية التي يتداول اسمها بين الرحالة الرقميين، لاسيما دهب، والقاهرة، والإسكندرية أحياناً.
في المقابل، تكررت زياراتي لبعض الدول العربية في السنوات قبلها ولفترات متفاوتة، مثل سلطنة عمان، والأردن، ولبنان، الإمارات والسعودية. زياراتي القصيرة لها لا يعني أنني لا أتابع التطورات المتعلقة بالرحالة الرقميين في المدن العربية، بل العكس تماماً. وقد ساعدني هذا في جمع أكبر قدر من المعلومات والتعرف على التسهيلات عن قرب.
الرحالة الرقميون كقوة اقتصادية في المدن العربية
لا ينبغي تجاهل الإمكانات الاقتصادية للرحالة الرقميين، حيث يقومون بضخ الموارد في الاقتصادات المحلية وتعزيز ريادة الأعمال في المجتمعات التي يزورونها. ومع ذلك، مع ازدهار حركة الترحال الرقمية والعمل عن بعد، من الضروري أيضاً حلّ المخاوف المحيطة بالأمن والمسؤولية الاجتماعية. حيث يمكن تنفيذ تدابير قوية للأمن السيبراني لحماية الأشخاص والأجهزة، مع تعزيز الممارسات المستدامة أيضاً، سيضمن إمكانية تسخير طريقة العمل الجديدة هذه بشكل إيجابي لجميع أصحاب المصلحة المعنيين.
الشرق الأوسط كوجهة للرحالة الرقميين
يساء فهم منطقة الشرق الأوسط والدول العربية إلى حد كبير، بسبب الطريقة التي يتم تصويرها بها في وسائل الإعلام الغربي. ولا تتعلق هذه المفاهيم الخاطئة بالأمان فقط، وإنما بأمور أخرى إلى جانبها. فهناك مثلاً حاجز اللغة، وتشابه التضاريس، وانعدام الأمن. ولكنك إن عشت أو سافرت في الدول العربية فستعرف أن معظم هذه المفاهيم غير صحيحة. وقد تتساءل، ما الذي يجعل المدينة مناسبة للرحالة الرقميين؟
قائمة الوجهات المناسبة للرحالة الرقميين حول العالم طويلة للغاية، يتفق البعض عليها، ويضحك الآخر. لاسيما بعد انتشار أسلوب الرحالة الرقميين في العالم أكثر وأكثر معززاً بالوظائف المستقلة، أو العمل عن بعد، وريادة الأعمال. وهذا ما جعل بعض الدول والمدن العربية تهتمّ بهذا العدد المتزايد ومتطلباته فحرصت على:
- استتباب الأمن
- توفير شبكات اتصال وإنترنت موثوق وعالي السرعة
- تواجد المجتمعات الحالية للرحالة الرقميين
- انخفاض أو توسّط تكلفة المعيشة
- جمال الطبيعة واعتدال المناخ إلى حدٍ ما
- توفّر الأنشطة الترفيهية بسهولة
ومع أخذ هذه المعايير في الاعتبار، عليك أن تكون مستعداً جيداً، فليست كل الدول أو المدن العربية يمكن العيش فيها للرحالة الرقميين. حتى وإن كانت من المدن الحديثة التي تتوفر فيها معظم وسائل الراحة للمواطنين.
العثور على سكن في المدن العربية
إحدى النقاط الرئيسية التي يجب دراستها عند التخطيط للعمل عن بعد في الشرق الأوسط أو المدن العربية. العثور على سكن يناسب احتياجاتك قد لا يكون الأسهل أبداً، خاصة إن أردته مريحاً وهادئاً للتركيز على العمل. وقبل اختيار مكان إقامتك، من الجيد أن تفكر بجدية في موقعك وتعطي الأولوية لما هو مهم لك. فعلى الرغم من سحرها، غالباً ما تكون الفنادق في المباني القديمة. ولا تحتوي جميع أماكن الإقامة في المدن العربية على مكيف، وهو أمر ضروري إذا كنت مسافراً في الصيف. وربما ستحتاج إلى دفع مبلغ أكبر بكثير مقابل غرفة مكيفة، لكن الأمر يستحق ذلك في كثير من الحالات.
شبكات الانترنت والجوال
الوجود الإلكتروني والبقاء على اتصال أمر بالغ الأهمية للرحالة الرقميين. حيث يمكنهم العمل فقط عندما يكون لديهم اتصال إنترنت موثوق وسريع، ولحسن الحظ، يمكنك الاعتماد بشكل كبير على الانترنت في معظم الدول أو المدن العربية. ولكن؛ يُنصح دائماً بعدم الاعتماد على اتصالات الوايفاي التي توفرها المساكن المشتركة، أو الفنادق، أو حتى الشقق الشخصية. ومن الأفضل أن يكون خيارك الموثوق جاهزاً، فقد واجهت مشاكل كثيرة في شقة استأجرتها في دهب، وكل الفنادق في الجزائر بدون إنترنت لا ينقطع! ولا تنسَ طبعاً وجود VPN قبل أن تغادر يمكنك الاعتماد عليه، فالكثير من المواقع أو الخدمات يتم التلصص عليها.
تأشيرات الرحالة الرقميين في الدول العربية
ما لم تحصل على تأشيرة الرحالة الرقميين في دبي، فستسافر دائماً معتمداً على التأشيرات السياحية. وحتى مع تأشيرة دبي للرحالة الرقميين فلن يُعفيك هذا من السفر والتنقل بحرّية في كل الدول العربية أو الإقامة في المدن العربية بدون تاريخ محدد. ولسوء الحظ، فإن أسلوب حياة الرحالة الرقميين غير مشهور جداً في الدول العربية، أو الشرق الأوسط بشكل عام. وهو ما قد يضعك في منطقة قانونية، لأنه من الناحية الفنية، ليس من المفترض أن تعمل بتأشيرة سياحية. كان الأمر سهلاً عليّ في دهب، وسلطنة عمان، وتونس. ولكنني واجهت صعوبات لشرح وظيفتي “كاتبة محتوى” لموظفي الجوازات في مطار بومدين.
وهذا ما يدفع الكثير من الرحالة الرقميين على تبسيط الأمور لموظفي الجوازات. فهم يُسافرن في إجازة فقط، وهم يتنقلون في البلاد لأسباب سياحية بحتة.
الخدمات المصرفية للرحالة الرقميين في المدن العربية
قد تشكل إدارة أموالك أثناء العمل بالخارج تحدياً. فمثلاً، قد يتم إلغاء بطاقاتك البنكية عند استخدامها من بلدان أجنبية والدفع أثناء الإقامة في الخارج. وقد يكون فتح حساب مصرفي تجربة مزعجة، فلا زالت هذه الدول تتطلّب تأشيرة أو إقامة فيها حتى تستطيع فتح حساب بنكي. وهذا ما يجعل بطاقات السفر الائتمانية سهلة الاستخدام، حيث أنها لا تفرض أي رسوم على المعاملات الأجنبية وتقدم العديد من المزايا الأخرى. اقرأ تدوينة الحلول المصرفية من موقع وايز، والتي ستفيدك في هذا الأمر. ونعم، استخدمت بطاقة وايز في كل الدول العربية التي زرتها.
الثقافة والعادات في المدن العربية
هناك اختلافات ثقافية ودينية كبيرة فيما يتعلّق بالنساء، ويجب أن توضع دائماً في عين الاعتبار قبل السفر في المدن العربية. ومهما كان، فالدول العربية لاتزال محافظة بما يخص الملبس، والأماكن التي يُسمح للسيدات بالتواجد فيها. وإن كانت هذه القوانين غير مكتوبة، ومجرد عادات وتقاليد يعرفها المواطنون. ففي القرى المصرية مثلاً، لا يزال مسُتنكراً أن ترتدي السيدات بناطيل قصيرة، ولم يكن تواجدي بين الرجال كسيدة على دراجة نارية شيئاً عادياً.
أي الدول أو المدن العربية مهيأة للرحالة الرقميين؟
كثيراً ما يتساءل أصدقائي عن اختياري لبعض المدن العربية عن غيرها كمستقر لي، كرحالة رقمية. وفي الحقيقة، لم أمكث في أي من المدن العربية -سوى دهب- وقتاً طويلاً، وبعضها كانت زياراتي قصيرة فيها للعمل أو حضور اجتماعات أو مناسبات عائلية فقط. ولكن، ستجد هذه المدن في نتائج البحث عن أفضل المدن العربية للرحالة الرقميين في الشرق الأوسط:
دبي، الإمارات
تبدو دبي، الوجهة الأكثر تقدماً وحداثة في الإمارات، وكأنها سراب في الصحراء. تنمو المدينة الخليجية سريعاً ببناياتها الشاهقة وناطحات السحاب اللانهائية، وتجذب الناس من جميع أنحاء الأرض. فيما يتوافد إليها السائحون للاستمتاع بالأزياء والتسوق والموسيقى، والحياة الليلية والمطاعم العالمية.
وعلى الرغم من أن دبي متجذرة في الثقافة الإسلامية والتقاليد الخليجية، إلا أنها ترحب بالعاملين الأجانب. يساعدها في ذلك طقسها الحار والرطب، والشواطئ المكتظة بالأنشطة الترفيهية للمحليين، والسائحين وحتى الرحالة الرقميين. وقد اشتهرت بالكمّ الهائل من الثروات ووكالات الإعلان والشركات العالمية التي توفر فرصاً كثيرة للعمل. وبالطبع، شبكة واي-فاي موثوقة، والكثير من الخدمات والتسهيلات الحديثة التي تحتاجها يومياً. قد تكون دبي باهظة الثمن إذا وقعت في حب نمط الحياة الفاخر، ولكن من الممكن السفر والعيش بسعر رخيص في هذه المدينة المستقبلية.
تأشيرة الرحالة الرقميين في دبي
يمكّنك “برنامج العمل الافتراضي في دبي” من الانتقال إلى دبي (من خارج الإمارات) ومواصلة العمل في الشركة التي تعمل بها فعلياً عن بُعد. صالح لمدة عام واحد، وقابل للتجديد عند إعادة التقديم. مخصص للذين يعيشون ويعملون خارج الإمارات. إضافة إلى الشركات الناشئة، ورجال الأعمال الذين يستوفون معايير الأهلية، مع إمكانية اصطحاب الأسرة. تبلغ الرسوم ٢٨٧ دولاراً أمريكياً للفرد، إضافة إلى التأمين الطبي والرسوم الإدارية.
ويتوجب تقديم دليل على العمل مع عقد صالح لمدة عام واحد من صاحب العمل الحالي. إضافة إلى راتب شهري لا يقل عن ٥٠٠٠ دولار أمريكي، وتقديم قسيمة راتب الشهر الماضي وكشوف حساب بنكية للأشهر الثلاثة السابقة.أما إن كنت مالكاً لشركة، فإنك بحاجة إلى تقديم إثبات ملكية الشركة لمدة سنة أو أكثر، ومتوسط دخل شهري قدره ٥٠٠٠ دولار، مع تقديم كشوف مصرفية لحساب الشركة للأشهر الثلاثة السابقة.
مراكش، المغرب
كانت ولاتزال المغرب في قائمة الدول التي أريد العيش فيها كرحالة رقمية. يعود ذلك إلى ظهور نجمها مؤخراً كإحدى أفضل الوجهات للرحالة الرقميين في شمال أفريقيا، وقُربها -إلى حدٍ ما- من أوروبا. ومن أسواق مراكش المزدحمة إلى شواطئ الصويرة الجميلة، ستجد في المغرب ما يناسب الجميع. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من مساحات العمل المشترك في جميع أنحاء المغرب، مما يوفر للرحالة الرقميين بيئة عمل مريحة ومنتجة في بعض المواقع الرائعة. بالإضافة إلى ذلك، يشتهر المطبخ المغربي بمزيجه الفريد من النكهات والتوابل، مما يجعله جنة عشاق الطعام.
فمراكش مدينة نابضة بالحياة في قلب المغرب، وتشتهر بهندستها المعمارية المذهلة وأسواقها الصاخبة وحياتها الليلية المفعمة بالحيوية. ولهذا، تعد وجهة رائعة للرحالة الرقميين الباحثين عن تجربة الثقافة المغربية الغنية، مع إمكانية الوصول إلى وسائل الراحة الحديثة. ولحسن الحظ، يتمتع المغرب ببنية تحتية قوية وموثوقة للإنترنت، حيث تعد سرعة الإنترنت في المغرب من بين الأسرع في أفريقيا، بمتوسط السرعة ٧.٣٦ ميجابايت في الثانية. وبشكل ما، يمكن لمعظم الرحالة الرقميين العيش في المغرب بميزانية شهرية متوسطة تتراوح بين ١٥٠٠ – ٢٠٠٠ دولار، والتي تشمل الإقامة والخدمات الأخرى.
ستختلف تكلفة الإقامة في المغرب حسب المكان الذي تختاره طبعاً، وبشكل عام، تميل البلدات والمدن الصغيرة خارج المناطق السياحية إلى أن تكون ميسورة التكلفة. على سبيل المثال، يمكنك العثور على أماكن إقامة طويلة الأجل بأسعار معقولة في مدن مثل فاس والصويرة مقابل حوالي ٥٠٠ دولار شهرياً. وإذا كنت تفضل الإقامة في مدينة أكبر مثل مراكش أو الدار البيضاء، فيمكنك أن تتوقع دفع ما يقرب من ١٠٠٠ دولار شهرياً مقابل شقة لائقة.
مسقط، عمان
إن كنت تعرفني شخصياً، فستعرف حبّي المتجذّر لسلطنة عمان، والطبيعة الجميلة فيها. مسقط، عاصمة عمان، أقدم دولة مستقلة في العالم العربي. والتي تعتبر بديلاً ودوداً وتاريخياً، ومنخفض التكلفة مقارنة لدبي والمدن المجاورة الأخرى. وفي عام ٢٠٢٢، احتلت عُمان المرتبة الثانية عالمياً في الود تجاه المقيمين الأجانب. كما ستجد في مسقط العديد من الأسواق والمناظر الخلابة، بينما المدينة محاطة بجمال طبيعي، وصحاري مثل بدية، ومواقع مثل وادي شاب لجذب السائحين والرحالة الرقميين.
نسبة الأمان عالية فيها للغاية، وهذا ما أكرره على مسامع أصدقائي. أوه! حتى سائقوا التاكسي في المطار لطفاء للغاية، يكفي أنني قلت لهم “شكراً، لكنني أنتظر أحد أصدقائي”، حتى تمنّى لي وقتاً سعيداً في عمان، ولم يحدث أن تلقّيت رداً مشابهاً في أي بلد!
الحياة في مسقط للرحالة الرقميين ميسورة التكلفة نسبياً، وإذا قررت البقاء لفترة أطول، فإن البنزين رخيص جداً! 😁
عمّان، الأردن
تعتبر المدينة قاعدة رائعة للعمل عن بعد، ولا يبعد البحر الميت ومدينة البتراء القديمة سوى بضع ساعات بالسيارة. فسرعات الإنترنت في عمّان جيدة، وهناك العديد من مساحات العمل المشتركة والمقاهي. كما تزدهر الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط، وعمان هي مسقط رأس جملون، الذي كان سابقاً أكبر بائع تجزئة للكتب عبر الإنترنت في الشرق الأوسط. عمّان مدينة التلال، ومن الجيد أن تتعرف على أسماء الشوارع أو المعالم غير المعروفة، حيث أن أسماء الشوارع وأرقام المنازل لا تستخدم على نطاق واسع من قبل السكان وسائقي سيارات الأجرة.
جدة، السعودية
لنواصل رحلتنا على البساط السحري، فلنسافر إلى جدة، السعودية. إنها ثاني أكبر مدينة في البلاد، حديثة وعاصمة اقتصادية. هذه المدينة الصاخبة بمينائها المزدحم وشوارعها المشمسة، والمقاهي المنتشرة في كل مكان لديها ما يناسب الرحالة الرقميين. بينما تصل سرعة الإنترنت إلى ٧ ميجابت في الثانية (كمتوسط)، ويمكنك العمل من أي مكانٍ تقريباً. قد يعيبها ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة طوال العام، لكن الشتاء فيها لطيف والأجواء عليلة. مطارها شبه موصّل بالكثير من الوجهات العالمية أيضاً، ما يعني سهولة السفر لأي مكان.
لا تتوفر تأشيرة الرحالة الرقميين في السعودية حتى الآن، ولكن، يمكن لمعظم الجنسيات التقديم على تأشيرة السائحين، والسارية لمدة عام كامل، مع إمكانية الإقامة فيها ٩٠ يوماً كل دخول.
سأختارها شخصياً، لولا ارتفاع أسعار السكن والمعيشة بشكل عام. وعليك دائماً اختيار الحيّ المناسب للسكن والعمل حتى تتجنّب الزحام.
المدن العربية التي اخترتها كرحالة رقمية
خصصت جزءاً كبيراً من سفري وترحالي في المدن العربية، واستقريت عدة أشهر في دهب. وحتى في السنوات التي بعدت فيها عن الدول العربية، كنت على اطلاع كبير بما يحدث فيها، ولازلت أقرأ حتى اليوم عن التسهيلات المناسبة فيها للرحالة الرقميين غير العرب.
تونس، عاصمة تونس
لا يمكنني التأكيد ١٠٠٪ على سهولة العيش فيها، فقد أقمت فيها شهراً فقط. ولكنني، تنقلت خلال ذلك الوقت بين أجزاء مختلفة من المدينة، وعشت في عدد من أحيائها. التجربة فيها ممتعة، فتونس غنية بالتاريخ والثقافة، والمكتبات. إضافة إلى سهولة التنقل فيها، باستخدام أوبر أو بولت والتي كانت بتكلفة معقولة أغنتني عن ركوب الحافلات. مع وجود عدد كبير من الأسواق التجارية التي تغطي الكثير من الضروريات والخدمات اليومية. لم تكن المطاعم فيها متنوعة بكثرة في كل حي، ولكنك مع البحث الصحيح، ستجد في تونس العاصمة مطاعم جيدة، ومطابخ عالمية. أما السكن، فقد عشت في فنادق، وشقق فندقية، وشقق AirBnb، والأخيرة كانت معظمها فللاً مناسبة للعائلات، وبتسهيلات جيدة.
وبحكم انخفاض العملة المحلية، فقد كانت المعيشة للأجانب فيها ميسورة، ومعظم احتياجاتك اليومية سهلة. وفي الحقيقة، لمست تأثير وضعها الاقتصادي السيء على شعبها، فهناك لمحة قنوط ويأس ومحاولات عديدة لمغادرة البلاد. ولكن، لايزال الأمن فيها مستتباً، والمشي في الأحياء السكنية والتجارية حتى بعد الظلام آمناً.
دهب، مصر
حسناً، إن لم ترغب في ممارسة أي نشاط ذو علاقة بالبحر، فذهب غير مناسبة لك أبداً. السكن في دهب ليس صعباً أبداً، إن كنت على قناعة بإمكانية العيش بدون ماكدونالدز وستاربكس. يؤمّ هذه القرية الصغيرة الكثير من محبي المغامرات البحرية، ما بين الغوص سكوبا، والغوص الحر، وركوب الأمواج الشراعية (Kitesurfing). هناك رياضات أخرى بدأت في الظهور بشكل طفيف مثل ركوب الخيل، أو الملاكمة، ولكن دهب ليست الأفضل لها أبداً. ومع توافد الكثير من “الهيبيز” في محاولة لتحويلها إلى “بالي”، انتشرت جلسات اليوغا والتمارين المتصلة بها.
مازال أمام دهب الكثير لتصبح مدينة سياحية، وهذا ما يجعلها المفضلة لدي، وأتمنى أن تبقى على ماهي عليه. فالخدمات فيها مناسبة للعيش البسيط، ويمكنك ببساطة طلب أي شيء ترفيهي ليصلك من القاهرة أو اشتريه من شرم. المشكلة الأكبر فيها توافد الكثير من الروسيين والأوكرانيين، ما تسبب في رفع أسعار إيجار الشقق والخدمات. فحينما سكنت في دهب ٢٠٢٢، كانت أهدأ وأكثر رحابة صدر مقارنة بعودتي الأخيرة لها في أبريل ومايو ٢٠٢٣. وقد لا يكون الانترنت فيها سريعاً جداً، ولكنك لاتزال قادراً على مشاهدة مسلسلاتك المفضلة على نيتفليكس.
ومع وضع كل تلك المفاهيم في الاعتبار، فإن المستقبل مشرق للرحالة الرقميين والشرق الأوسط على حد سواء. فاحتضان هذه الأساليب الجديدة للعمل والسفر يوفر فرصاً لا حدود لها للنمو والتعاون والتبادل بين الثقافات. مع دخول الشرق الأوسط إلى عالم المشاريع الرقمية، فإنه يتخذ خطوة مهمة نحو إعادة تصور نفسه كنوع جديد من المركز العالمي الذي يحتضن حرية وإمكانات العالم الحديث.
وإن كنت ممن يعرف خطط سفري في ٢٠٢٣، فقد كانت لديّ رغبة إكمال الرحلات في أفريقيا، من جنوب أفريقيا، إلى ناميبيا، ثم السنغال، موريتانيا، وإنهاء الدائرة الأفريقية في المغرب. ولكن الخطة -كالعادة- تغيّرت في اللحظات الأخيرة، واخترت العيش في موريشيوس، وتأخير خطتي إلى سنوات أخرى.
لا تعليق