نوارا إيليا مزارع الشاي توك توك السريلانكية

نوارا إيليا مزارع الشاي توك توك السريلانكية


غالباً ما يشار إلى هذه البلدة الصغيرة باسم “إنجلترا الصغيرة”. ولا عجب في ذلك! تتمتع هذه المنطقة المحاطة بالمرتفعات بطابع وردي غامض، وكأنك في قرية ريفية بريطانية. ولا تدرك غالباً أنك في سريلانكا إلا حينما ترى عربات توك-توك منتشرة في الشارع. بينما تنتشر فيها الأكواخ من الحقبة الاستعمارية، والفنادق على الطابع البريطاني، وأسيجة مُعتنى بها، وحدائق غنّاء جميلة. وفي الواقع، كانت نوارا إيليا (أو نوراليا كما يسميها العرب) ذات يوم هي الملاذ المفضل، بمناخها البارد لرواد مزارع الشاي السريلانكية.

لقد أفسدت طفرة البناء الأخيرة المشهد إلى حد ما. ممتزجاً بالطرق غير المعبدة، والصخب المنتشر، ليشكل تشابكاً سريلانكياً عجيباً. لكن نوارا إيليا لا تزال تشكل قاعدة جيدة للاسترخاء لبضعة أيام. تتميز المناطق الريفية المحيطة بمزارع الشاي والخضروات المُعتنى بها، والتلال الصخرية بالمناظر الطبيعية الخلابة. دللت نفسي هذه المرة بقضاء ليالي في إحدى الفنادق الاستعمارية، والاستمتاع بالوجبات الشهية بعد رحلات التسلق الكثيرة، والتراث الفريد من نوعه للمدينة.

وبتوجّهي إلى التلال العالية في سريلانكا، سرعان ما تم استبدال المناطق الساحلية الرطبة في الجزيرة بالأجواء الباردة. تتعرج الطرق بشكل غير مستقر فوق التلال الخضراء، لتتحول إلى خصلات باردة من السحب والضباب الذي يتدلى بينها.

نوارا إيليا مزارع الشاي توك توك السريلانكية

ما الذي يجعل نوارا إيليا مميزة؟

أعلى مدينة في سريلانكا وقلب أجمل منطقة في البلاد، بلد التلال الجنوبية، تقع نوارا إيليا تحت جبل بيدوروتالاغالا الشاهقة في وعاء من التلال الخضراء المغطاة بالشاي. على الرغم من أن المنطقة كانت محتلة من قبل مملكة كانديان، إلا أن المدينة نفسها من صنع بريطانيا. تم تأسيسها في منتصف القرن التاسع عشر كملاذ من قبل السير إدوارد بارنز، ووصفت “نوراليا” بأنها “إنجلترا الصغيرة” في سريلانكا للطريقة التي تشبه بها هذه الآثار الفيكتورية قرية ريفية إنجليزية جذابة.

تتمازج الألوان ببطء على طول الشوارع فيها، تتقاطع مع خليط اللون الأخضر حيث يقوم قاطفوا الشاي باختيار أحدث الأوراق النابتة من كل شجيرة. أثناء قيامهم بقطع الأوراق، يرمونها على أكتافهم في الأكياس الثقيلة التي تعلو على ظهورهم، مثبتة بحزام واحد حول جباههم. يرتدي البعض الساري الملون والبعض الآخر يلجأ إلى القمصان الطويلة على أمل أن تحميهم من أشعة الشمس خلال الأيام الطويلة في الحقول.

وبالانتقال إلى الجنوب الشرقي إلى مركز بؤرة هذه المنطقة المنتجة للشاي، يتم استبدال الضباب الدخاني والتلوث في كاندي بهواء نقي مملوء بالندى. سرعان ما تتحول أشجار النخيل والأراضي الرطبة إلى غابات من أشجار الأوكالبتوس الرقيقة الشاهقة، وبدأت المباني الخرسانية تضعف تدريجياً، واستبدلت بأكواخ خشبية ذات أسقف مموجة، يتم استبدالها بدورها بجدران حجرية وأكواخ، وكنائس ريفية محاطة بحدائق مشذبة مليئة بالشجيرات وباقات ملونة. عدد قليل من العقارات لها أسماء مألوفة: لكل مبنى يحمل اسم السنهالية، فيما هناك العديد من العقارات المترامية الأطراف التي تحمل ألقاب مثل Lavander house أو Warwick Gardens، و Stafford Bungalow أو Somerset. هذه إنجلترا، لكن ليس كما تعرفها.

نوارا إيليا مزارع الشاي توك توك السريلانكية

مازالت تحمل روح سريلانكا في قلبها

وبينما أقضي الكثير من رحلاتي في البحث عن شيء مختلف، والبحث عن مكان لكسر الروتين، تشعرني نوارا إيليا وكأنني في هضاب ويلز، بشكل لا يصدق. وبشكل آخر، تذكرني بمرتفعات كاميرون هايلاند في ماليزيا، وكأنها أختها الكبرى! تهيمن المباني الاستعمارية على المدينة، بنايات نصف حجرية ونصف خشبية، محاطة بأسوار من الحديد الملتوي، مع مروج مقصوصة بعناية وحقول الأزهار. كنت أجول في الشوارع وأجد حدائق الورود، وأبراج الساعة، ومحلات الشاي، ومكتب بريد صغير جذاب، وكنيسة. هناك أيضاً بحيرة للقوارب. ونادي غولف، ومضمار لسباق الخيل عند الحافة الشمالية لمدينة نوارا إيليا.

وكلما قضيت فيها أياماً، اكتشفت أنها لا تزال تحمل روح سريلانكا فيها. عربات التوك-توك المنتشرة، محطة الحافلات المليئة بالغبار. فيما الأبقار تسرح في شوارعها، ولا يؤذيها أحد، ويتجمع الرهبان في أردية برتقالية خارج معبد المدينة مع تمثالها الضخم والملون لبوذا.

ما بين الشاي والقهوة في نوراليا

على الرغم من أن المنطقة مرادفة للشاي، إلا أن القهوة كانت في يوم من الأيام المنتج الرئيسي لتلال سريلانكا. تم إحضارها إلى هنا من قبل العرب، قبل وصول الأوروبيين إلى الجزيرة، حيث استخدم السنهاليون الأوراق لإضفاء نكهة على الكاري بدلاً من تخمير الفاصوليا. وعندما وصل البريطانيون إلى الجزيرة، بعد محاولات فاشلة لزراعة السكر والنيلي، قرروا تجربة القهوة، مستوحاة من نجاحها في المستعمرات الأخرى لجامايكا وغيانا ودومينيكا.

ثم رأت سيلان اندفاعاً لتناول القهوة عندما استثمر العسكريون وموظفو الخدمة المدنية وحتى المدنيون في المزارع، من خلال الوعد بالثروة والغرابة. لسوء الحظ، بعد شهور في البحر، متبوعة برحلات طويلة عبر التلال سيراً، وجد معظمهم أن “العقارات” التي اشتروها لم تكن أكثر من بقاع من الغابات البكر التي كانت بها سرقت من كاندي.

على الرغم من ذلك، نجح البريطانيون في الإشراف على الإنتاج الناجح للقهوة حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما دمر المحصول “صدأ البن”، وهو فطر من الورقة كان يلقي بالنفايات في المزارع في جميع أنحاء العالم. بحلول نهاية القرن التاسع عشر، اقتلع العديد من المزارعين نباتات البن الخاصة بهم واستبدلوها بشجيرات الشاي المستوردة من الصين. لقد ازدهرت النباتات وأصبح الشاي هو العنوان الأشهر لسريلانكا.

فندق قراند نوراليا سريلانكا

الإقامة في فندق قراند على الطراز الاستعماري

إنها الأيام الأخيرة لي في سرلانكا، وأردت السكن في فندق جيد، عُرف بالخدمة الممتازة والطعام الشهي. لذلك اخترت فندق Grand، والذي يقع على مرتفعات نوارة إيليا، بجوار ملعب  للغولف. تحيط به المساحات الخضراء الاستوائية، ما يجعله جيداً للمشي في الصباح بعد الإفطار. إضافة إلى المطعمين الجيدين في الفندق، وأحدها الخارجي للاستمتاع بالأجواء المعتدلة، بينما تشرب الشاي.

هناك فنادق أخرى رأيتها في المنطقة خلال تجوّلي، ولكنني لم أقم فيها، مثل:

Booking.com
المناطق السياحية في نوارا إيليا سريلانكا مزارع الشاي توك توك الشلالات

أين تذهب في نوارا إيليا

كانت نوارا إيليا حقاً محطة سحرية في سريلانكا. عشت أياماً بين أوراق الشاي الأخضر الزمردي، والشلالات العالية، والمباني الاستعمارية الجذابة التي جعلتني أشعر وكأنني في المملكة المتحدة، وبالتحديد سكوتلاندا. يمكنك معرفة سبب تسميتها بإنجلترا الصغيرة في سريلانكا بمجرد وصولك. فالطقس بارد إلى معتدل، تمطر السماء معظم اليوم، وهناك أطنان من المباني ذات الطراز الاستعماري منتشرة في كل مكان. حتى مزارع الشاي تم تسميتها على اسم المدن والمقاطعات الإنجليزية!كنت محظوظة جداً بزيارة نوراليا بداية الربيع، في يوم دافئ وصافٍ للغاية والذي كان نادراً

تمكنت ما بين الأمطار، والشمس المتوارية بين الصحاب بزيارة عدد من المناطق السياحية فيها. ركبت توك-توك كما يفعل السائحون عادة، وتجوّلت في عدد من مناطقها.

اطّلع على قائمتي الخاصة على خرائط جوجل، للمناطق السياحية التي زرتها، والمطاعم والفنادق في نوارا إيليا

المناطق السياحية في نوارا إيليا سريلانكا مزارع الشاي توك توك الشلالات

تجوّل في العديد من مزارع الشاي

إحدى الأسباب التي تدفع المسافرين لزيارة نوارا إيليا هو زيارة إحدى مزارع الشاي السريلانكية الممتدة. فبمجرد نزولك من القطار، تنغمس في أميال وأميال من أوراق الشاي اللامعة. تتشابك المزارع مع بعضها البعض بكل معنى الكلمة. هناك العديد من مزارع الشاي في نوراليا التي يمكنك زيارتها، وقد يكون الاختيار من بينها محيّراً، لذا، اسأل فندقك عن ترشيح واحدة، وقم بزيارة القليل!

تقدم معظم المزارع جولات مجانية، ويدعونك دائماً لتذوق منتجات المزارع. ولهذا السبب تجد الكثير من السائحين يغادرون متجر الهدايا بصناديق وأكياس الشاي في سلالهم. أشهر مزارع الشاي في نوارا إيليا هي بيدرو لكنني لم أزر هذه المزرعة، فلم تكن التجربة من ضمن اهتماماتي الشخصية. كنت في المقابل أتجول في المزارع وأحيي العاملين، وأتحدث معهم. كان سائق التوك-توك هو مترجمي، وحسب كلامه يتم دفع ما بين اثنين إلى ثلاث دولارات عن كل ساعة لقاطفي الشاي. لم يكن الرقم كبيراً لي، ولا أعتقد أنه رقم مناسب للعمل. لذلك؛ تذكر هذا في كل مرة تشرب كأس الشاي، فهناك عامل أو عاملة وقفت تحت شمس سريلانكا لتختاره لك.

بحيرة جريجوري نوارا إيليا سريلانكا

اقضِ مساءاتك في بحيرة جريجوري

جسناً، من الأفضل زيارة الحديقة في النهار، ولكنني كنت اعمل في أوله غالباً. زرت الحديقة مرتين، للاستمتاع بالمناظر المحيطة ببحيرة جريجوري. لم تكن الحديقة مبهرة بشكل كبير، ولكنها مكان رايع لمشاهدة السكان المحليين وهم يتنزّهون. فيما كانت تقام بعض الاحتفالات تلك الأيام، وسماع الموسيقى المحلية جيد للتعرف عليهم. ستجد عدداً من الأنشطة السياحية مثل القوارب أو الدبابات المائية (جت سكي)، وبعض المقاهي والوجبات الخفيفة.

زُر حديقة فيكتوريا

كانت على مقربة من الفندق، ويمكنني السير إليها. كانت زيارة ممتعة قضيت فيها المساء، بعد هطول الأمطار الغزيرة ظهراً. إنها حديقة ضخمة يتم صيانتها جيداً، ومناسبة للأطفال. تحتوي هذه الحديقة على أزهار ضخمة، وقوارب، وأراجيح لإضفاء أجواء على المكان. كان جيداً للمساءات التي أردت فيها الاسترخاء بعد ساعات طويلة من العمل.

شلالات نوارا إيليا نوراليا سريلانكا

زُر شلالات نوراليا العالية

هناك العديد من الشلالات في نوارا إيليا التي يمكنك زيارتها، ولكن القليل منها فقط ما يستحق العناء. انبهرت بشلالات رامبودا، التي مررت بها خلال الرحلة، ولم أتوقف هناك كثيراً بسبب الأمطار، ولا حتى الوصول لقمّتها. قد لا تحتاج إلى لياقة عالية جداً للصعود والنزول، ولكن، من المفضل ارتداء حذاء مناسب.

تقع الشلالات الأخرى في مناطق سياحية شهيرة يؤمها السائحون عادة، مثل Glen Falls و Bomburuella. زرت أيضاً Lovers Leap، والتي تشتهر بطابع رومانسي، وتعتبر من أجمل الأماكن في نوارا إليا. عليك المشي عبر مزرعة الشاي واتباع المسار على الطريق الترابي للوصول إلى المنطقة. إنه أحد أكثر الشلالات الخلابة في نوراليا، حيث ينخفض الشلال المتتالي من ارتفاع ٣٠ كم. يُقال، أنه المكان الذي قفز فيه العشاق إلى الموت باسم الحب، ولكن لا تفعل ذلك! فقطا استمتع  بالمناظر السريلانكية الخلابة.

الوصول إلى نوراليا نوارا إيليا سريلانكا بالقطار

الطريقة الممتعة للوصول إليها

نوارا إيليا هي محطة شهيرة بين إيلا وكاندي، ونقطة التقاء رحلات قطار التلال الشهيرة. غادرتُ إيلا، على متن الدرجة الأولى بالقطار بتكلفة ١٥٠٠ روبية سريلانكية، ونزلت في محطة Nanu-Oya. ستجد أيضاً الدرجة الثانية (١٥٠ روبية) والثالثة (٨٠ روبية)، ولكن أعتقد أنها كانت متاحة للسريلانكيين فقط ذلك اليوم، فقد كانت تقام احتفالات في البلاد. من نانو أويا، ركبت توك-توك إلى الفندق. لاحظ أن نوراليا كبيرة نوعاً ما، لذلك تأكد من مكان فندقك قبل الحجز. فعندما تختار واحداً بعيداً عن وسطها ستكون غالباً في مكان شبه منعزل، أو بعيد عن المطاعم الجيدة.

خيارات التنقل لاستكشاف نواليا

تنتشر عربات توك-توك في كل مكان في نوارا إيليا، إضافة إلى السيارات للباحثين عن الرفاهية. وعلى الرغم من تمركز المطاعم الجيدة في وسط المدينة، إلا أن المناطق السياحية متباعدة إلى حد كبير. لذلك ستحتاج دائماً إلى سيارة أو توك-توك ينقلك. أو جرّب استئجار دراجة نارية أو عجلة من باب التغيير، لاسيما في المناطق القريبة من وسط المدينة.

المغادرة إلى كولمبو

تغير مسار رحلتي فجأة حينما كنت في نوارا إيليا. فنظراً للأحداث الاقتصادية والسياسية في سريلانكا، كان عليّ مغادرتها أسبوعاً قبل الموعد الأصلي. قضيت الأيام الأخيرة ما بين كولمبو  ونيقومبو ما بين مقابلة السفارة الماليزية، والتخطيط لرحلتي إلى النيبال. لم يكن هناك أي شيء مميز في نيقومبو، ولا أدري لمَ يفضلها الكثيرون من المسافرين العرب، وهو غالباً اختلاف للأذواق لا أكثر!

غادرت سريلانكا وقلبي محمّل بحبها. أحب هذه البلاد كثيراً، وشعبها الطيب لا يستحق كل ذلك العناء الذي يعيشه. إنها بلاد غنية بالثقافة والتاريخ، وعاش الكثير من النكبات والمآسي، وأتمنى من كل قلبي أن يتعافى كل ما يعكّر صفوه.

أسما قدحAuthor posts

Avatar for أسما قدح

Malaysian Travel Blogger on #TRLT. En-Ar Translator & Content Writer | مدونة ومترجمة ماليزية رحالة في الطرق الأقل سفراً

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *