مرحباً! مرّ عام آخر ومازلت في أفريقيا، تخيل ذلك! لا تقلق، لن أكرر عليك الجملة المعتادة “هل تصدق أن سنة أخرى قد مرت!”، فقد كان عاماً بطيئاً جداً، وكثيراً، وللغاية بالنسبة لي. ربما لأنني قررت أن أعيش أسلوب حياة الرحالة الرقميين بشكل آخر، أعني هنا، مستقرة أكثر من السنوات الماضية. أو ربما لأن موريشوس -بكل ما فيها- تسير على نمط بطيء للغاية، وتعقيدات بيروقراطية لا تنتهي. لا عليك، سأحكي لك عن بيروقراطيتهم في مايو، حينما أكمل عاماً كاملاً من الحياة في جزيرة استوائية. وسواء مرّ العام سريعاً أو بطيئاً، الأهم هنا أننا مررنا بصحتنا، سالمين وآمنين ومعافين.
٣٦٥ يوماً رحالة رقمية في أفريقيا
متأكدة من أنك عشت هذا العام رحلة جامحة، مليئة بالتقلبات والمنعطفات غير المتوقعة. كان ذلك عامي على الأقل. بعد خمس سنوات من السفر والعمل عن بعد.
أخبرتك في السنة الماضية، عن تكرار سؤال: أين سأذهب في ٢٠٢٣، ولكن السؤال تغيّر هذا العام تماماً. كانت عائلتي وأصدقائي المقربين جداً يتساءلون باستمرار عن سبب اختياري موريشوس والعيش فيها. أسئلة من نوع: أين تقع؟ لماذا أفريقيا؟ جزيرة! لم؟ ولا أتعجّب أسئلتهم، فأنا أيضاً سألته مرات عديدة، وناقشت كل ما يتعلّق بالأسباب ووسائل المعيشة فيها. وربما ستتفاجأ فيما بعد حينما أقول لك أنني بدأت التعوّد على بيتي الملحق به مسبح وحديقة صغيرة، والحياة التي أعيشها على بُعد ٥ دقائق من الشاطئ.
كل هذا؛ بينما يأخذ أصدقائي من الرحالة الرقميين لحظات من ديسمير للتفكّر في أحداث ٢٠٢٣، ويتذكّرون مغامراتهم الممتعة، ويتأملون حياتهم كرحالة رقميين. وربما بين فترة وأخرى يقيّمون سرعة الوايفاي في الدول التي زاروها، ويتساءلون عن قرارات حياتهم المصيرية.
يناير: الحياة في جزيرة زنجبار – تنزانيا
سمعت عن زنجبار كثيراً قبل أن أسافر لها، الشواطئ الرملية البيضاء، وحفلات الشاطئ، والأطباق البحرية. بنيت لها في مخيلتي الكثير، وقررت أن أختبر فيها “الحياة من جزيرة استوائية“، لتكون النسخة الأفريقية من تجربتي.
قضيت أول أسبوع منها في فندق بوتيكي صغير على شاطئ ميتشامفي (Michamvi)، لكنه كان مملاً للغاية، ولا يصلح للسباحة. في المقابل؛ هناك الكثير من شباب الشاطئ (Beach Boys) القادمين من نواحٍ أخرى من تنزانيا، يبيعون الحشيش ويتحرشون بالسائحين. قررت بعدها المغادرة إلى شاطئ جمبياني (Jambiani Beach)، لأجد مكاناً اجتماعياً أكثر، يمكنني منه العمل والاستمتاع بالشاطئ. ومن المهم ألا يكون وسط احتفالات المراهقين والسائحين في باجي (Paje). وجدت حينها سكناً مشتركاً مميزاً، تملكه سيدة أمريكية، طلبت منها أن أسكن هنا ثلاثة ليالٍ لأقيّم المكان أولاً. كل غرفه مبنية من حاويات الشحن، به مسبح صغير، ومكان مفتوح بأكمله في الأعلى. ووجدت نفسي أحجز الغرفة الخاصة الوحيدة هنا لمدة شهر كامل!
بعد أسبوعين من إقامتي في جمباني، تعلّمت بعضاً من السواحيلية من العاملين في المكان. كان اتفاقنا؛ أعلمهم الإنجليزية، ويعلمونني السواحيلية. وبشكل ما، تسمع آسيوية تقول للبائع: أسانتي سانا!
كتبت خلال هذ الشهر:
فبراير: أفضل شعوب أفريقيا تجدهم في مالاوي
حان وقت مغادرة زنجبار وشواطئها الرملية بانتصاف فبراير. لم تكن مناسبة تماماً للغوص، وستعجبك حتماً إن كنت تحب ركوب الشراع، لكن الهواء والرياح تزعجني جداً.
سمعت كثيراً عن مالاوي، والميزة الأشهر عنهم أنهم أكثر الشعوب الأفريقية حميمية. إنها قلب أفريقيا الدافئ، يُقال أنها تنبض بشكل أسرع الآن، ربما على الوتيرة التي اعتدنا عليها. اشتهرت باحتوائها على كل ما يبحث عنه المغامرون والسائحون غير العاديون، إنها حتماً ليست الوجهة السياحية التي اعتاد عليها الكثيرون. حيث توصف هذه الجوهرة غير المعروفة نسبياً في هذه القارة المتنوعة بأنها “قلب أفريقيا الدافئ“، وبها الكثير لتقدمه؛ الحياة البرية، والثقافة، والمغامرة، والمناظر الطبيعية، وبالطبع ثالث أكبر بحيرة في أفريقيا. وجهة سياحية على مدار العام، حتى أن البعض يذهب إلى حد وصف ملاوي بأنها الوجهة الأكثر جاذبية واكتمالًا في أفريقيا!
قضيت فيها أسبوعاً فقط، وتمنيت لو أن أنني قضيت فيها وقتاً أطول. مشكلتي فيها سوء البنية التحتية، حيث شوارعها الضيقة غير المعبّدة، والتي تجعل التنقّل بين مدنها صعباً. فمثلاً استغرقت مسافة ٢٣٠كلم حوالي ٦ ساعات بالحافلة! لا يشمل ذلك ساعات الانتظار ولا ساعات التوقف. وعلى الرغم من ذلك، ومن المقرر أن تعود السياحة وتتصاعد إلى ما كانت عليه قبل أزمة كوفيد-١٩. لم أسترح كثيراً في مدنها الصغيرة، فقررت السفر إلى عاصمتها ليلونجوي (Lilongwe). حسناً، لا أحب العواصم، ولكن هذه العاصمة لا تشبه أياً من العواصم التي زرتها.
كتبت خلال هذا الشهر:
مارس: العالم مختلف تماماً في جنوب أفريقيا
تعبت نفسياً في الحقيقة، فالسفر لحوالي خمسة أشهر في شرق أفريقيا ليس سهلاً أبداً! وبعد استشارات وتفكير مطوّل مع أصدقائي رحاب ومحمد الخضير، قررت مغادرتها إلى جنوب أفريقيا.
نعم، العالم مختلف تماماً في جنوب أفريقيا! أذكر أنني ذهلت حينما وصلت مطار جوهانسبرغ، يختلف تماماً عن أي مطار توقفت فيه في الشهور الماضية. هنا أوبر، مطاعم عالمية، ومحلات، أوه! وفي الخارج شوارع واسعة ونظيفة، ومُنارة! وعلى الرغم من الكثير من التحذيرات والآراء المتعددة عن الأمن فيها، لم أشعر بالخوف فيها أبداً. ليس كما شعرت بعدم الارتياح وقلة الأمان في أديس أبابا مثلاً.
قضيت فيها أسبوعاً، زرت عدداً من الأحياء بمرافقة سكان محليين، وتناولت أطعمة مشوية شهية، فيما تسوّقت أخيراً بعد ما يقارب السنة من مغادرة كوالالمبور. لقد نمَت جوهانسبرغ بسرعة وتحولت سريعاً من مستوطنة صغيرة إلى مدينة كاملة. وبدا أن لا شيء يمكن أن يوقف نموها، ولا حتى الحرب الأنجلو-بويرية. في تلك الأوقات المضطربة وما بعدها، كانت جوهانسبرغ معروفة دائماً بأنها القلب الذهبي النابض لجنوب إفريقيا.
ومنها، انتقلت إلى كيب تاون، المدينة المفضلة لديّ في أفريقيا كاملة! أحب هذه المدينة لتنوّع الأنشطة فيها، حفلاتها، سهولة التنقل، ومطاعمها المميزة. أما شاطئها، فعلى الرغم من برودة مياهه، استمتعت كثيراً بمراقبة الغروب فيها. تسلّقت جبل الطاولة مع “شون”، وزرت الكثير من الأحياء المحلية فيها. كانت مدينة هادئة ومتطورة، وممتعة في آن واحد. ولولا انقطاع الكهرباء فيها لقررت العيش فيها أطول فترة ممكنة من العام.
كتبت خلال هذا الشهر
أبريل: الحب أوله وكله في دهب
كان من المفترض أن أغادر جنوب أفريقيا إلى ناميبيا، لزيارة الصحراء والمحيط فيها. ولكن، نسيت أنها تقع في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، والذي يعني الكثير من الأمطار، والبرودة الشديدة، حتى في الصحراء. وإن كنت تعرفني جيداً، فستعرف أنني لا أطيق الجفاف والبرد معاً! ماذا عن دول أخرى في أفريقيا؟ السنغال، موريتانيا، والمغرب.. تبدو فكرة جيدة وممتعة، ولكنني كنت مهووسة بالغوص أكثر، ولن أجده في أي من هذه الدول! لذلك، قررت العودة إلى مكاني المفضل للغوص، دهب.
لم تختلف دهب كثيراً عما تركتها في أكتوبر ٢٠٢٢، فالفاصل هنا ستة أشهر فقط. على الرغم من ذلك، لم يكن من السهل إيجاد بيوت للإيجار بسعر مناسب، لقد توافد إليها الكثير من الروس والأوكرانيين، فيما انخفضت العملة وارتفعت أسعار كل شيء. لم يكن هذا ليُثنيني عن البقاء فيها، والاستمتاع بالأجواء الربيعية في الصحراء، حيث الشمس حارة في النهار، ولكن المساءات أريحية وممتعة. ما بين رمضان، وأجوائه الممتعة هنا، ولقاء أصدقائي، ومجتمع الغواصين، هذا المكان ليس سيئاً أبداً. وعلى الرغم من مرضي في أول أسبوع قضيته هنا، إلا أنني أعلم تماماً بأنني سأكون بخير، عكس ما شعرت به في زنجبار.
كتبت خلال هذا الشهر:
مايو: هناك الكثير لأتعلّمه عن الغوص!
بدأت دروس الغوص الاحترافي أخيراً، مع أحمد كامل، أحد أشهر مدرّبي الغوص الاحترافي في دهب. كانت صداقتنا قوية للحد الذي جعلني آخذ وقتي وراحتي تماماً في التعلم على يديه، وفي الحقيقة، كان صبره بلا حدود. أحمد، أو “اسكندرية” كما نناديه، بخبرته الطويلة جعلني أحب الغوص أكثر، وأفهمه بشكل أفضل، وأعرف ما عليّ أفعل في ظروف مختلفة.
حسناً، سأعترف، لم تكن التجربة وردية وسهلة تماماً، فهناك الكثير عليّ تعلّمه وإتقانه حتى أتمكن من إكمال هذه الدروس. ابدأها بمعرفة الكثير من التفاصيل الصغيرة في معدات الغوص، وطريقة تركيبها. وبدلاً من حمل أنبوب غوص واحد، عليّ حمل اثنين! وهذا يعني تمرين الجزء الأعلى من الجسد، والكتفين والظهر، حتى أستطيع المشي حاملة أكثر من ٢٥كغ على ظهري. أنهيت التدريبات المطلوبة مني في بداية مايو، ومنها، أصبح بإمكاني الغوص بأنبوبتي غوص، بدلاً من واحدة. وإن كان هذا يعني أي شيء، فهو بالنسبة لي الكثير من الهواء لأتنفسه تحت الماء، عكس غيري. والآن بدأت أولى خطواتي حتى هدف الوصول إلى ٦٠ متراً.
في نهاية مايو، كان عليّ السفر من دهب إلى موريشيوس، وكانت أفضل وأرخص رحلة مغادرة تمرّ عبر السعودية. كانت الفكرة جيدة، ترانزيت لليلتين، وقضاء بعض الوقت مع عائلتي بعد كل هذه السنوات.
كتبت خلال هذا الشهر:
يونيو: موريشوس، مصافحة أولى
حينما يأتي ذكر موريشوس في أي مكان، تُرسم في مخيّلتك أشجار جوز الهند العالية، والشواطئ الرملية. وهذا صحيح إلى حدٍ ما، حتى تقرر العيش فيها، وتحقيق حلم الحياة في جزيرة استوائية – بنسختها الأفريقية. بحثنا كثيراً عن الحياة في موريشوس، ولكنها كانت قليلة جداً، ولم يكن من السهل تخيّل شكل الحياة هنا، فكلانا معتادان على المدن الكبيرة.
وصلنا هنا، بقرار السكن لمدة أسبوع في منطقة، مستأجرين خلالها شقة صغيرة في حي محلي. بدأنا من فليك-إن-فلاك، والتي كانت مخيّبة جداً. فالشقة عكس ما أُعلن عنها على AirBnb، بينما الشاطئ مليء بالمرجان المكسر فلا يمكنك المشي على طوله بسهولة. انتقلنا بعدها إلى ألبيون، ١٥ كم شمالاً من الشاطئ السابق. كانت الشقة جيدة إلى حدٍ ما، ولكن المنطقة كانت مملة وبعيدة عن كل شيء. أخيراً، اخترنا شاطئاً آخر في الشمال، نصحنا به مجموعة من الأصدقاء. حسناً، اخترنا منطقة وسط بين شاطئين، هنا مركز للغوص، عدد من المقاهي والمطاعم. لم تكن المنطقة سيئة أبداً.
كتبت هذا الشهر:
يوليو: أصبح لدي بيت هنا!
بعد أن قررنا السكن في إحدى الأحياء، شمال جزيرة موريشيوس، بحثنا لبضعة أسابيع عن بيت أو شقق جيدة. لم تكن الخيارات كثيرة، فالمعروض أقلّ جودة مما يُطلب دفعه. وغالباً ما تكون بين أمرين: مبنى كبير، بغرف واسعة، ومسبح، ولكنه قديم إلى حدٍ ما، والأثاث ليس مناسباً للاستخدام البشري. فيما يمكن الخيار الثاني بمبنى جديد، غرف أصغر، على النظام الأمريكي المفتوح، وبعيد عن الشاطئ.
اخترت الأول طبعاً! إن كنت سأسكن في جزيرة فلديّ بعض المتطلبات البسيطة: لا يبعد أكثر من ١٠ دقائق مشياً للشاطئ، به مسبح، حديقة، والعديد من الغرف لاستقبال أصدقائي حينما يزورون موريشوس. يمكنني دائماً تبديل الأثاث، وإجراء تعديلات على البيت بما يناسب احتياجاتي. المشكلة الأكبر، والتي لم أكن أعرفها أن إيجاد عاملين هنا ليس بذات السهولة التي اعتدّت عليها في كوالالمبور، ألمانيا أو حتى بانكوك.
كتبت هذا الشهر:
أغسطس: غصت حتى ٤٤ متراً
موريشيوس نائية وبرية، مما يجعلها وجهة رائعة ليس فقط لمن يقضون شهر العسل الباحثين عن الرفاهية ولكن للمغامرين أيضاً. أما محبي الغوص، فهذا يعني عدداً من الرحلات الجميلة تحت الماء في المحيط الهندي. هنا مجموعة كبيرة ومتنوعة من الشعاب المرجانية الصلبة والناعمة ومعها بعض الأسماك والسلاحف والأخطبوط. أما إن كنت تبحث عن أشياء أكبر، فسوف تكافئك موريشيوس بالدلافين وأسماك القرش وحتى الحيتان الحدباء والحيتان المنوية.
أردت هذه المرة أن يكون عيد ميلادي مختلفاً، ستكون أيضاً الرحلة ١٠٠ لي! لذلك أردتها رحلة غوص خاصة، في مكانٍ جديد، وعمق جديد. وهذا ما حدث!
أخبرت مركز الغوص الذي أذهب معه كل أسبوع بخطتي، كان يوم الإثنين ٢٨ أغسطس، كنت العميلة الوحيدة في الرحلة، معي مرشدَين أحدهم للسلامة، والآخر لينزل معي حتى عُمق ٤٤ متراً. إن كنت أغوص في دهب، فسيكون الحدّ الأقصى لي بناء على شهادتي الحالية هو ٣٠ متراً. ولكنها موريشوس! كل شيء ممكن هنا، لمجرد أنني أكملت دروس الغوص الاحترافي في مصر. وطريقتي الهادئة للغوص طبعاً، واستقراري تحت الماء.
كتبت هذا الشهر:
سبتمبر: رحالة رقمية ماليزية في موريشيوس
يُصادف سبتمبر نهاية فصل الشتاء في موريشيوس، والذي بدأ من يونيو، وحينما أقول إنه الشتاء فهو مجرد هبوط درجة الحرارة حتى ١٨ مئوية. والغريب، أنك سترى الموريشيوسيون يرتدون جاكيتات شتوية وحتى جلدية، بينما الجو معتل ومريح بالنسبة لي.
بدأنا سبتمبر باحتفال يوم الاستقلال الماليزي، بما أن يوم ٣١ كان وسط الأسبوع. يعيش هنا عدد قليل من الماليزيين، لا يزيدون عن ٣٠ فرداً، عدد منهم من السيدات اللاتي تزوجوا موريشيوسيين من أصول هندية أو صينية. بيتنا كان يعمّ بالضحك، والنكات المحلية، والكثير الكثير من الطعام الماليزي الشهي.
لن أقول أنني اعتدت العيش هنا، لم أجد مساعِدة للبيت بعد، والحديقة لازلت أنظفها بنفسي. يدور يومي بين التنظيف وإصلاح بعض الأعطال في البيت، وفي أيام أخرى، أقضيه على الشاطئ فقط. قد تبدو الحياة وردية هنا، يوم على الشاطئ، وآخر على قارب بحري، ولكن الحقيقة أكثر جدية عن ذلك. فعلى الرغم من أنها جزيرة صغيرة، إلا التنقل من نقطة لأخرى يستغرق وقتاً. وإن فكّرت في المشي، فالشوارع بلا أرصفة، والسائقون متهورون على كل حال. وهذا ما جعلني أفضّل قضاء معظم الأسبوع في البيت بدلاً من استنزاف وقتي وجهدي في المكاتب المشتركة.
كتبت هذا الشهر:
أكتوبر: كوالالمبور ولنكاوي.. أخيراً
تمرّ الأيام بطيئة في موريشيوس، وقد تبدو مشوشة حينما أحاول تذكّر الأحداث المهمة فيها. كانت المرة الأولى التي جربت فيها الغوص ليلاً في موريشوس. اعتدت على ذلك في دهب، ولكنها تجربة جديدة للغاية هنا. لحسن الحظ، كانت إلى حطام سفينة KT Mawar، مكان أعرفه تماماً، وجربت الغوص فيه مرات عديدة.
ثم انتظرت نهاية الشهر بفارغ الصبر، حيث حدت إلى ماليزيا في آخر أسبوع من أكتوبر. غادرت ماليزيا في ٢٠٢٢، حينما بدأت رحلاتي لذلك العام في سريلانكا، ولم أخطط العودة إليها إلا في يناير ٢٠٢٤. ولكن، كان عليّ الحديث عن تجربتي الشخصية كرحالة رقمية في مؤتمر للرحالة الرقميين في كوالالمبور ولنكاوي. فقرتي متخصصة عن خلق التوازن بين السفر، والعمل كرحالة رقمية، والحياة – حيث الكثير من التجارب التي أحببت مشاركتها. لقد أتيحت لي فرصة رائعة للقاء والتواصل مع زملائي الرحالة الرقميين الرائعين، حتى أنني حظيت بشرف مشاركة المسرح مع نخبة منهم. وناقشنا معنى أن تكون رحالة رقمياً في ماليزيا أو خارجها، تحت برنامج DE Rantau.
ثم سافرنا إلى لنكاوي، الجزيرة الماليزية المفضلة لدي، والتي كشفت عن بعض من أروع لحظات الحياة. لم تكن العودة إلى لنكاوي ضمن خططي في ٢٠٢٣، ولكن بفضل مؤسسة الاقتصاد الرقمي الماليزية (MDEC)، وجدت نفسي أمام فرصة مذهلة للتعمق في أحد أكثر الموضوعات قرباً لي؛ تحقيق التوازن بين السفر والحياة والعمل. تحدثت كثيراً عن هذا الموضوع في مدونتي ومع أصدقائي، وهو موضوع استكشفته وبحثت عنه وكتبت عنه لسنوات. والآن، يسعدني أن أُتيحت لي الفرصة لمشاركة أفكاري ليس فقط مع الهاشتاغ #DigitalNomad ولكن مع جمهور أوسع أيضاً.
كتبت هذا الشهر:
نوفمبر: عُمان، لؤلؤة القلب
غادرت ماليزيا عائدة إلى أحب الدول إليّ في الخليج العربي – سلطنة عمان. كانت الرحلة بدعوة كريمة من وزارة السياحة العمانية، لزيارة بعض المناطق السياحية التي أزرها خلال رحلاتي السابقة والترويج لها. وفي الحقيقة، تبُهرني عُمان في كل مرة أزورها، وكل مناطقها. كانت هذه الرحلة قصيرة جداً أيضاً، ولكها كانت مليئة بالأحداث، والناس، والمفاجآت.
تأكدت هذه المرة أن انبهاري لعُمان نابع من تمسكها بأصالتها وعراقتها، وهو ما جعلها تتميز باحترافية بين عواصم المنطقة. ألق نظرة على مبانيها، لن تجد أبراجاً زجاجية بتصاميم متكررة مزعجة. ستجدها كلها تتمحور حول “الهوية العمانية” بشكل أخاذ، يجعلك تدقق في كل جزء من مبانيها. تراها في قرية وكان، ومسفاة العبريين، وكل جزء من الجبل الأخضر، بل وحتى مسقط، تقف بهية وجميلة. أوه! هل سمعت عن السوجرة؟ تعدّى هذا النزل المحلي الصغير كل خيالاتي! نُزل يجمع غرفاً مبنية في الجبال مؤثثة للراحة، حتى أن بها حوض استحمام لتسترخي فيها تماماً!
ولم ترُد عُمان أن أغادرها دون ذكرى تخصّها، بمغامرة لن أكون قادرة على تجربتها في مكان آخر. كانت Via Ferrata ضمن جدول تجارب السفر في الجبل الأخضر. وإن لم تعرف؛ فإنني أخاف من المرتفعات، ولا يمكنني السير على الأرضيات الزجاجية. إلا أنني هذه المرة في منتجع أنانتارا الجبل الأخضر، وبمتابعة قريبة من “حسين”، سِرت بعناء وخوف. كنت مُعلّقة بحبال وحلق حديدي، لنسير على بُعد ٢٠٠ متراً، عبر حافة الجرف بالإضافة إلى أول خطوط انزلاقية (Zipline) جبلية في سلطنة عمان. يأخذك المسار في رحلة قصيرة (لكنها كانت طويلة على قلبي!🫢) عبر الوادي، لتتنقّل على طول الصخور العمودية، وتصل إلى أعلى جسر فولاذي في الشرق الأوسط.
كتبت هذا الشهر:
- كينيا: التأشيرة الإلكترونية السياحية
- فيما بدأت تقديم خدمات الاستشارات والنصائح لمَن يريدون أن يصبحوا رحالة رقميين. يمكنك التسجيل فيها عبر صفحة كيف تصبح رحالة رقمياً؟
ديسمبر: الحياة في جزيرة استوائية في أفريقيا
كنت أعدّ العشاء كالمعتاد، مساء الإثنين ١١ ديسمبر، بعد يوم طويل من العمل وتنظيف البيت. وصل “شون” من عمله، ليخبرني بوجود ضيفة هنا، كانت كلبة وجدها واقفة أمام البيت. عرضنا عليها الماء، وبعض الطعام، وتركناها تنام في الحديقة مع ترك الباب الخارجي مفتوحاً قليلاً. لم تغادر، وبقيت حتى الصباح، وحتى اليوم! آمبر (Amber) كانت في الحقيقة كلبة ضالة، قامت إحدى جمعيات العناية بالحيوانات بتعقيمها وتطعيمها. تعيش الآن في بيتنا، وتمشي معي إلى الشاطئ وتسبح أحياناً.
ديسمبر شهر الزيارات أيضاً، إنه الصيف، زارني فيه حمزة، ابن أختي الكبرى ليقضي أسبوعاً من إجازته السنوية هنا. كنا محظوظين بالشمس والأيام الدافئة التي ساعدته على الغوص لثلاثة أيام. كانت تجربة الغوص الأولى بالنسبة لي مع أحد من عائلتي، تخيل ذلك! بدأت بتعليمه بعضاً من الحِيل التي أعرفها، وكنت فخورة بسرعته في التعلم. بدأت أفكر بعدها في إكمال دروس الغوص لأصبح مدربة للغوص، ولكن، تذكرت بعد ذلك أنني لا أحب تعليم أحد. وتعليم حمزة أو تدريب أحمٍ ما أعرفه يختلف تماماً عن تدريب الغرباء.
هذه الجزيرة لا تعرف كيف تحتفل برأس السنة. حفلاتها شاطئية غريبة، تخيل أنه يُسمح للأطفال حضور هذه الاحتفالات وتراهم يتنقلون بين الكراسي والطاولات. كانت تجربة غريبة إلى حدٍ ما، ولا أعرف إن كانت هذه الحفلات ماهو معتاد عليه هنا.
كتبت هذا الشهر:
ماذا بعد أفريقيا؟ ١٩٦١ يوماً رحالة رقمية
لقد انتقلت من المقاهي إلى مساحات العمل المشتركة، فلكل منها ميزة مختلفة. وأتقنت فن الإيماءة المهذبة عندما يسألني أحد السكان المحليون عما أفعله، فقط لأرى أعينهم تلمع، بينما أشرح معنى “الرحالة الرقميين”.
بدأت تدوين هذه الملخصات في السنوات الأخيرة فقط، لأذكّر نفسي أنني أعيش حياة طيبة وهانئة، خاصة حينما اتخذت الترحال والسفر كأسلوب حياة. كانت ٢٠١٩ مليئة بالأحداث النفسية وظهر تأثير السفر واضحاً علي. وكلنا عشنا حياة مختلفة في السنة التي تليها، وكنت مدونة سفر غير قادرة على السفر. حتى بدأ العالم يفتح أبوابه من جديد، وكانت الحياة في عام ٢٠٢١ كخطوات طفل متعثرة أحياناً. ثم استمرت حياتي على المنوال ذاته، حيث كنت رحالة رقمية في ٢٠٢٢، وزرت فيها دولاً لم أتخيل في يومٍ أن أقرر العيش فيها. ثم أكملت حياتي كما اعتدتها، حتى استقريت أخيراً في جزيرة استوائية، كما كنت أحلم دائماً! ولكن، هل تعلم أن تحقيق الأحلام ليس كما تتوقع؟ هذه الحياة يا صديقي عجيبة.
ولكن إلى جانب هذه الحكايات، لا أنسى الأماكن الرائعة التي زرتها، والأشخاص الرائعين الذين التقيتهم. كبرت، تعلمت مهارة، وبالتأكيد تغلّبت على شيء ما كان يخيفني. عشت وسط ثقافات جديدة، وجربت أطعمة جديدة لا أستطيع نطق اسمها. وتعلمت بضع كلمات بلغات مختلفة، حتى وإن كانت مجرد تحياتٍ أو أرقاماً. لقد أصبحت -بشكل ما- أكثر قدرة على التكيف والمرونة والانفتاح. وتعلمت أن أفضل الأماكن وأجملها عادة ما تكون معزولة عن التقنيات، وأن أفضل قراراتي ما كان أكثرها جنوناً، وأفضل الخطط ما كان أكثرها عفوية.
لذلك، بينما أستعد لعام آخر من الحياة على جزيرة استوائية في أفريقيا، أتمنى أن يكون عامك أفضل من عامي.
Love this and so good to meet you in Langkawi, I’ll keep an eye on all your future travels and hope to meet somewhere around the world again
Thanks Dan! I’m enjoying reading your blog too, see again somewhere around the world.
تدوينة طويلة لكن رائعة ! أسلوبك في الكتابة جيد، قدرتك على الوصف عالية. لقد اكتشفت مدونتك هذه مؤخرا فقط، لقد نسيت كيف.