قد يكون الترتيب للسفر من أكثر الأمور التي تستهويني مع السفر ذاته. يمكنني اعتبار العام الحالي أكثر الأعوام سفراً، باختلاف أهدافه، مدته، وعدد الأفراد فيه. مجملها تسع رحلات في أربعة دول خلال عامٍ واحد. ولأنني في كل مرة أتعلّم عن الرحلة التي قبلها، أردت من خلال سلسلة تدوينات تلخيص كل ما تعلّمته والأخطاء التي حدثت، وكيف تغلّبت على عدد من الأمور. سأبدأها بفترة ما قبل السفر: الترتيب المبكّر.

أسس الترتيب للسفر والاستعداد له

أول ما أبدأ به، فلا أسافِر إلى أي مكان دون أخذ فكرة عامة عنه. يحدث ذلك غالباً حتى قبل اختيار المكان نفسه فقد لا يُناسب رغباتي في السفر. أقرأ دائماً عن طبيعة المكان، التسهيلات المتوفرة فيه، السكان المحليين، المطاعم، وحتى المسافة من المطار إلى الفندق. لماذا؟ لأن ذلك ببساطة يعني تحديد تكاليف التنقل من-و-إلى المطار، واختيار الوسيلة المناسبة. أقارن كذلك المسافة بين مجموعة من الفنادق والأماكن الأخرى التي سنزورها، أسعار تذاكر الدخول للمتاحف أو الأماكن السياحية بشكل عام، الأماكن التي تقبل الدفع النقدي فقط أو التي تقبل أشكالاً أخرى للدفع… الخ. أحياناً تكون هذه المفاجآت غير سارة وقت السفر.

أقرأ عن المناسبات المقامة في نفس الفترة التي أكون فيها هناك، فمثلاً صادف وجودي في جزيرة Phuket الفترة التي تقام فيها حفلات Fullmoon على جزيرة ما بعيدة، كان جيداً حين اكتشفنا أن هناك حفلة مشابهة تقام على طرف آخر من الجزيرة. التي نحن فيها. كذلك فترة تواجدي في جزيرة بالي كانت تصادف احتفالات عيد Diwali، وكنت أريد معايشة التجربة هناك، حين سألت المحليين اكتشفت فيما بعد أن الاحتفال غالباً للهندوس الهنود وليس الإندونيسيين.

أخطاء:

• إحدى الأخطاء التي وقعت فيها كذلك أنني اعتمدت على فكرة قبول بطاقات الصعود الالكترونية في مطارات ماليزيا بمجرد إظهارها في شاشة الجوال، هذا الأمر لم يكن مقبولاً في مطار جزيرة بالي، واضطررت إلى البحث عن ماكينة طباعة البطاقة بعد أن وصلت إلى بوابة ما قبل الجوازات والوقوف عشر دقائق أخرى.
• قد تهمّك معرفة اللغات المستخدمة في تلك المنطقة. فعلى الرغم من أنها أماكن سياحية وأغلبية مَن يعملون هناك يجيدون الإنجليزية -كلغة محايدة- لكنها لمسة محببة حين تُحيي المحليين بلغتهم. فهذا يُعطي انطباعاً باهتمامك بثقافاتهم واحترامك لعاداتهم. معرفتي البسيطة باللغة الملايوية سهّلت عمليات الشراء في إندونيسيا مثلاً، يتكرر الأمر في تايلاند حيث معرفتي المسبقة بالأرقام وبعض الكلمات التي تعلّمتها من أقاربنا حين كنا صِغاراً. في كمبوديا كان الأمر مختلفاً، كنت أسأل المساعدين في المحلات أو العاملين في الفندق عن بعض الكلمات لمجرّد الكلام والضحك معهم -ونسيتها فوراً بالطبع- كانت تجربة جميلة.

اختيار الوقت المناسب مع الترتيب للسفر

أهم بند في عملية التخطيط للسفر فهو يؤثر بشكل كبير في أسعار التذاكر والنُزل وحتى النشاطات التي ستقوم بها خلال الرحلة. إحدى الأخطاء التي وقعنا فيها خلال رحلتنا إلى جزيرة تيومان، أننا قررنا الذهاب خلال عيد العمّال. كانت الجزيرة ممتلئة إلى حدٍ ما، وبالكاد استطعنا حجز مقاعد في الناقلة البحرية (ferry) وإتمام عمليات الحجز الكترونياً قبل موعِد السفر بأسبوع، إضافة إلى صعوبات واجهتنا خلال حجز منتجع Berjaya في جزيرة تيومان. وهو ما اضطرنا إلى المكوث في منتجع آخر.

اختيار فترة السفر سيؤثر كذلك في وُجهة السفر عموماً. فمثلاً أبتعِد تماماً عن السفر إلى جزيرة لنكاوي أو بينانج خلال فترة الصيف والتي يكثر فيها السائحون العرب/الشرق أوسطيون، وربما تصادِف إجازات منتصف العام محلياً، ما يعني ارتفاع أسعار الفنادق بشكل جنوني. وإذا حدث أن رغبت في السفر إلى جزيرة ما، أختار الجزر الواقعة في شرق ماليزيا مثل كوتا كينابالو أو أي منطقة أخرى في ولاية صباح. أو التوجّه إلى خارج ماليزيا بشكلٍ عام.

أكّد حجوزاتك مبكراً ضمن الترتيب للسفر

ترتبط هذه النقطة بما قبلها، خاصة إذا كانت خطوط الطيران تقدّم رحلات مخفَضة خلال مواسم السفر أو قبلها بفترات تصل إلى شهرين أو ثلاثة. بدهياً؛ ترتفع أسعار تذاكر الطيران خلال أيام إجازة الأسبوع، واليومين قبله وبعده، كذلك خلال فترة الإجازات والعطل الرسمية، وإجازات المدارس والأعياد. لذا أسافر غالباً في اليوم الثاني من الإجازة الأسبوعية الطويلة أو يوم الأحد إلى الوجهة التي أريد.

موعد الرحلة المغادِرة خلال اليوم سيؤثر كذلك في أسعار التذاكر، فالرحلات في أول اليوم وآخره غالباً ما تكون بتكلفة أقل من بقية اليوم، وعادة ما تروّج لها خطوط الطيران -خاصة منخفضة التكلفة- بعروض مغرية. وبالطبع لا تنسى البحث في مواقع أو تطبيقات مثل Skyscanner للمقارنة بين أسعار التذاكر. الرحلات الليلية خاصة في رحلات العودة تعني أيضاً مطارات أقل ازدحاماً وطوابير أقصر بكثير.  أستخدم كذلك تطبيقات لخطوط الطيران المحلية مثل Malaysia Airline، AirAsia و Malindo Air، جميعها تعطيني تنبيهاً لموعد الرحلة وحفظ كامل المعلومات الشخصية، وتعرّفني بالعروض الترويجية.

رحلتي إلى سيام ريب، كمبوديا لم تكن في الحُسبان، وتم حجز تذاكر السفر ١٢ ساعة قبل الرحلة نفسها. ربما لم تكن أسعار التذاكر مرتفعة جداً باعتبار أن موعد الرحلة كان صباح الأحد، وكان موعِد السفر في مجمله خارج الموسم السياحي في كمبوديا. رغم ذلك كانت مغامرة مجنونة.

حدّد عدد أيام السفر

غالباً ما تكون رحلاتي قصيرة تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمس أيام، بسبب ارتباطي الكامل بالعمل وعدم تمكّني من ترك التزاماتي الأخرى أكثر من أسبوع. لهذا السبب تكون رحلاتي إلى وُجهة واحدة ومحددة مسبقاً. سيرتبط الأمر بطبيعة الحال ببرامج الرحلة، وطبيعتها، وقت الوصول والمغادرة حتى تستغل الفترة بشكل مثالي، وعدد أيام الراحة، ثم عدد الأيام التي ستمكثها في منطقة أو مدينة معينة إن كنت ستسافر إلى عدة مدن مرة واحدة.

في الرحلات الاستكشافية أو التي أعرف أننا سنبذل فيها جهداً إضافياً -كالتنقل بين الشواطئ كما حدث في لنكاوي، لذلك أضع يوماً يليه للراحة والتواجد بالقرب من الفندق أو القيام بنشاطات لا تستهلك طاقة كبيرة كالمشي، أو زيارة المتاحف في المنطقة. لماذا؟ لأنه ليس هناك أسوأ من المرض خلال أو بعد العودة من الإجازة.

حدد الغرض من هذه الرحلة

لن نتحدث هنا عن رحلات العمل، فالقليل يحدث في ذلك النوع من الرحلات. ما أقصِد به في هذه النقطة؛ هل هي رحلة كاملة للاستجمام، أم هل هي رحلة استكشافية، أم حضور مناسبة عائلية؟ الترتيب للسفر مهم هنا.

رحلات الاستجمام قد تعني حجز فنادق متوسطة أو فخمة، وبها مختلف المرافق. مع قرب التسهيلات والأماكن التي نريد ارتيادها (مطاعم، محلات صغيرة، مساج وغيره مثلاً). في جزيرة بالي أقمنا في نُزل جميل متكامل وبعيد عن إزعاج وسط المنطقة. وعلى العكس؛ الرحلات الاستكشافية التي تعني أنك -غالباً- ستمكث اليوم بأكمله في الخارج وستعود للنوم فقط، هذا بالنسبة لي يعني كذلك اختيار فنادق اقتصادية (مع شرط النظافة)، ولا تهمّني مرافق الفندق بما أنني لن أستخدمها. كما حدث في رحلتنا إلى جزيرة Krabi مثلاً كانت مخصصة لزيارة عدة جزر أخرى محيطة بها (Island Hopping)، ومشاهدة الأحياء البحرية. لذا لم نختَر شاطئاً يدعونا للمكوث فيه فترة طويلة، بل كانت هادئة وأقرب إلى جزر أخرى أصغر.

في المقابل؛ كانت رحلتنا إلى جزيرة بينانج لحضور حفل زواج صديقين. وهذا يعني اختيار الفندق الذي ستقام فيه مراسيم الزواج والحفلات الأخرى الملحقة به. ثم البحث عن أقرب مركز تسوّق من الفندق في حال احتجت إلى شيء ما، وكذلك حزم نوع مختلف عن ملابس السفر المعتادة. إضافة إلى أننا اخترنا السفر براً – فمن الصعب حمل أربعة فساتين بإكسسواراتها في الطائرة، مع قُصر المسافة في كل الأحوال.

مَن سيسافر معك؟ كيف سيؤثر ذلك في ترتيب السفر

يتأثر كل شيء إذا كنت ستسافر مع أطفال، ستحتاج إلى التأكد من أن الفنادق توفّر خدماتٍ مناسبة لهم (مسبح للأطفال مثلاً)، اختيار مطاعم تقدم وجبات للأطفال أو نوعية الأطباق التي يفضّلها صغارك. سيؤثر ذلك أيضاً على اختيار المرافق المحيطة بمكان الإقامة، وإلى أين ستسافرون بشكلٍ عام بما أن هناك مدناً لا تناسب الأطفال أو بها مرافق محدودة. أطفالي مثلاً يحبون الأماكن شبه المزدحمة وبالطبع أي مكان لا يتطلّب المشي لساعات طويلة.

عدد الأشخاص سيؤثر بشكل غير مباشر كذلك في اختيار طرق التنقل في وجهة سفرك. وسيلة النقل الأمثل والأقل تكلفة في الدول الآسيوية هي “توك توك” مثلاً، ولا تحمِل أكثر من  شخصين إلى ثلاثة (٢ بالغين وطفل)، فمن الطبيعي إذا كان عددكم أكبر من ذلك اختيار إما وسيلة نقل أخرى أكبر خاصة من المطار إلى الفندق والعكس، أو كما فعلنا في كمبوديا حيث كنا نطلب من الفندق توفير اثنين منها.

هل تؤثر الأحوال الجوية في الترتيب للسفر؟

ترتبِط هذه النقطة بالنقطة الأولى، وهي جزء مهم لترتيب السفر. تؤثر الأحوال الجوية على الفترة التي ستسافِر فيها، في ماليزيا مثلاً وجنوب شرق آسيا عموماً تتأثر كثير من المناطق بمواسم الأمطار الغزيرة والفيضانات. يستغلّها البعض لأنها الفترة التي يقل فيها عدد السوّاح وتنخفض أسعار كثير من الفنادق والمرافق السياحية. لكنها في أماكن أخرى تصبح خطرة لاسيّما خلال مواسم الفياضانات.

شخصياً، يرتبِط هذا الأمر كذلك بحزم حقائب السفر والملابس التي سأحمِلها معي. أسافِر غالباً خِفافاً، ولا أعترف بشحن حقيبة السفر، أو السفر بحقيبة كبيرة عموماً وأكره جرّها في المطارات. خلال تجارب هذا العام؛ تمكّنت من حزم ما يكفي وأكثر لرحلة الأيام الخمس إلى جزيرة بالي، ورحلات أخرى متوالية في حقيبة صغيرة لا يزيد حجمها عن ٢٥ ليتراً، وأعمل على جعل ذلك أمراً ثابتاً وشراء حقيبة مخصصة للسفر. المرة الوحيدة التي أخذت فيها حقيبة أكبر كانت لي والصغيرين يمكننا أخذها معنا إلى داخل الطائرة.

مررت في السابق بتجارب جوية غير ناجحة بالكامل. كأن حدث وأن نسيت حمل مظلة للمطر في أستراليا عام ٢٠١٥، حسناً ليس الأمر بتلك الصعوبة، لكنني اضطررت إلى شراء مظلة بعشر دولارات أسترالية، مقابل وجود ٣ مظلات في البيت شبيهة لما اشتريت اشتريتها بثلث السعر ونفس الجودة.

وضعت في هذه الصفحة قائمة بها تصنيفات لكل المواقع والتطبيقات التي أستخدمها قبل وأثناء السفر. لا تنسوا أن تطلعوا عليها أيضاً. فكرة التدوينة كانت كتابة شيء مبسّط لتجاربي وما تعلّمته من أخطائي، لم أتوقع أن يطول بهذا الشكل! أرجو أن يفيدكم في تخطيطكم للسفر مستقبلاً ويكون مرجعاً لكم.