انطلق العالم في سباق جنوني لزيارة أكبر عدد ممكن من وجهات السفر. وهذه الحتمية مدفوعة بانتشار أسعار تذاكر الطيران التنافسية، ونمو الطبقة الوسطى عالمياً، وظهور حسابات انستغرام المروّجة للسفر. ولكن، ظهرت في الآونة الأخيرة قوى موازية تدعو إلى عكس ذلك تماماً. مثل التقليل من استخدام الطائرات الباعثة للدخان الملوث، والابتعاد عن الوجهات التي تعاني من السياحة المفرطة، مثل آيسلندا وأنغكور وات. والتي نشأ على إثرها التعرف على وجهات سفر جديدة، أو السفر في الطرق الأقل سفراً. ثم جاءت الظروف المصاحبة للجائحة، كوفيد-١٩. والذي ساعد -بشكل أو آخر- من تحسين الوجهات السياحية، حيث أصبحت السماء أنقى في الهند حيث تمكن السكان المحليين من رؤية جبال الهيمالايا. والآن؛ مع بدء العالم في الانفتاح، يسعى العديد من مقدمي الخدمة للحفاظ على هذه الفوائد من خلال تبني الروح المتنامية للسفر البطيء. اقرأ تدوينة مفهوم السفر ببطء التي شرحت فيها عن فوائده.
كيف يمكنك السفر ببطء؟ هنا عدد من الاقتراحات التي ستفيدك حتماً!
١- سافر خارج الموسم السياحي
لتجربة السفر البطيء بشكل حقيقي، من الجيد السفر في غير المواسم السياحية. عادة ما يكون هذا قبل أو بعد أوقات الذروة السياحية عندما تكون الأسعار أرخص والسائحين أقل. قد يكون السفر خلال هذه الفترة أقل إرهاقاً، فلن تتنافس مع العديد من السائحين الآخرين على المكان والوقت للاستكشاف. لذا امنح نفسك هدية عدم الاضطرار إلى محاربة الحشود من خلال زيارة وجهتك المختارة في وقت غير تقليدي.
٢- لا تحاول أن ترى أو تفعل كل شيء
بدلاً من محاولة رؤية كل شيء والقيام بكل الأنشطة أثناء إجازتك السنوية القصيرة، ابحث عن بعض التجارب الواقعية والمغامرة. اختر زيارة الأماكن التي لا تقع على الطرق السياحية المعتادة مثلاً. فمع السفر البطيء، تعد الوجهات السياحية غير المعتادة أمراً جيداً. وامنح نفسك الوقت للاستمتاع بأنواع الأنشطة المناسبة لك، ولا تشعر بالضغط للقيام بما يفعله العديد من السائحين الآخرين في نفس المكان. ابحث عن أشياء غير معتادة للقيام بها، وستعود ببعض القصص الرائعة من رحلتك.
تذكر أن السفر البطيء يتعلق كله بأخذ الوقت للاستمتاع بمحيطك واللحظة التي تعيشها. أنت في إجازة على كل حال، ولست في معسكر للتدريب! لا بأس في النوم وتخطي بعض الأنشطة لمشاهدة معالم المدينة. أو خذ وقتك للدردشة مع السكان المحليين واستكشاف وجهتك. لست مضطراً إلى التسرع من مكان إلى آخر إذا كنت لا ترغب في ذلك – فالسفر البطيء يدور حول التيسير والاستمتاع بنفسك. لذلك من الأفضل التركيز على الاستمتاع بكل لحظة والاستمتاع بتجاربك. سيساعدك هذا حقاً على التواصل مع محيطك وتحقيق أقصى استفادة من وقتك.
وعلى الرغم من أنه من المغري ملء كل دقيقة من رحلتك بالأنشطة، فمن المهم أن تأخذ وقتاً للاسترخاء وإستعادة نشاطك. فبعد كل شيء، يتعلق السفر البطيء بالاستمتاع بنفسك، وليس القلق! لذا، سواء كنت تقضي فترة ما بعد الظهيرة في مقهى، أو توجهت إلى الجبال للقيام بنزهة خلابة، خذ بعض الوقت كل يوم للجلوس والتنفس في محيطك. ستستريح وتقلل من الإرهاق أثناء رحلتك، وسيُحدث فرقاً كبيراً في تجربة السفر الإجمالية.
٣- استلهم من الكتب والأفلام التي تتحدث عن وجهتك
قبل أن تغادر في رحلتك القادمة، استلهم أفكار السفر من قراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام في وجهتك. سيساعدك هذا في الحصول على فهم أفضل لثقافة وتاريخ المكان الذي تزوره. كما سيوفر لك بعض الأفكار حول الأشياء التي يمكنك القيام بها أثناء وجودك هناك. على سبيل المثال، شاهدتُ فيلم 14 Peaks: Nothing Is Impossible قبل زيارة النيبال. وقرأت عدداً من كتب ألبرت كامي قبل رحلتي إلى الجزائر. وإن كنت ستزور إيطاليا، فاقرأ Under the Tuscan Sun، أو شاهد The Italian Job. سيساعد هذا في تحديد شكل رحلتك، وسيجعلك متحمساً لكل الاحتمالات.
٤- ليس عليك أن تعرف كل شيء!
إحدى حسنات السفر البطيء أنه يسمح بقدر معين من العفوية، وقد يكون هذا مخيفاً ومثيراً في نفس الوقت. إذا كنت معتاداً على التخطيط المسبق لكل شيء، فقد يكون من المريح أن تتخلى عن التنظيم الصارم، وانظر كيف تسير الأيام في وجهتك. امنح نفسك وقتاً للاستكشاف ومعرفة أين تأخذك الرياح، ولا تخف من الابتعاد عن المسار المطروق واكتشاف شيء جديد. إذا انتهى بك الأمر تائهاً في منطقة ما، فيمكنك دائماً طلب المساعدة من أحد السكان المحليين، أو توجيهات وتوصيات بشأن ما يجب القيام به. وبهذا ستزور البلاد الجديدة على طريقة السكان المحليين.
٥- استخدم وسائل النقل العام أو المشي بدلاً من استئجار سيارة
إحدى أفضل الطرق للسفر ببطء هي استخدام وسائل النقل العام، أو المشي بدلاً من استئجار سيارة. سيسمح لك بالتعرف على محيطك وتجربة الحياة المحلية بطريقة لا تسمح بها القيادة. وسواء كان الأمر يتعلق بركوب مترو الأنفاق في مدينة نيويورك أو المشي على طول نهر بانكوك، فإن قضاء بعض الوقت في التنقل عبر وسائل النقل العام يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً بين الشعور بأنك سائح، والانغماس في مكان ما. ومن يدري! لعلك ترى شيئاً يبعث على الاهتمام في رحلتك!
وبطريقة أخرى رائعة لإبطاء رحلاتك هي التنقل على عجلتين بدلاً من أربع. لن يساعدك هذا في توفير المال على تكاليف النقل فحسب، بل ستستمتع بوقتك والرحلة. لذلك إذا كنت تبحث عن وسيلة أكثر راحة للتنقل، ففكر في استئجار دراجة نارية أو هوائية أثناء رحلتك. فقط تأكد من صقل مهاراتك قبل الانطلاق في الطريق.
٦- إعادة زيارة الأماكن التي زرتها سابقاً
إن زرت وجهة ما، فمن المحتمل أنك شاهدت المعالم السياحية الشهيرة. ولهذا، ستكون الزيارة الثانية فرصة رائعة للقيام ببعض الأشياء التي فاتتك في المرة الأولى، مثل التجول في متحف مفضل أو التسكع في حي جديد. لذلك إذا كنت محظوظاً بما يكفي لتتمكن من العودة وزيارة الوجهات المفضلة مرة أخرى، فلا تتردد في الاستفادة من ذلك. فعلت ذلك مراراً في رحلاتي السابقة؛ أعود دائماً مثلاً إلى ولاية صباح، أو حديقة تامان نيجارا في ماليزيا. والآن في مصر، حيث أعود إلى دهب ونويبع التي زرتها سابقاً.
٧- تسوّق في الأسواق المحلية
عندما تسافر، فمن المغري شراء الهدايا التذكارية في المطار أو المتاجر العامة الأخرى. ولكن بمجرد أن تتذوق طعم التسوق في السوق المحلي، فلن ترغب في العودة إلى المتاجر التي تبيع منتجات صينية رخيصة في وجهتك. ولذا؛ بدلاً من شراء جميع الهدايا التذكارية في المناطق السياحية، توجه إلى الأسواق المحلية لترى ما يبيعونه. قد تجد بعض السلع المصنوعة يدوياً الرائعة، والمنتجات الطازجة، وغيرها من البضائع الفريدة التي لا يمكنك الحصول عليها في أي مكان آخر.
٨- تذوق أطباق غير مألوفة
ستجد نفسك حينما تسافر ببطء أنك تبحث عن الأطباق والأطعمة المحلية. إنها طريقة أخرى رائعة للتعرف على البلاد التي تزورها. قد يكون من المغري تناول الطعام في سلسلة مطاعم مألوفة أثناء السفر، ولكنك ستتمتع بتجربة أفضل بكثير إذا جربت مطبخ وجهة أجنبية بدلاً من ذلك. للقيام بذلك، اسأل السكان المحليين عما يحبون أن يأكلوه، أو زُر أسواق الطعام المحلية، أو جرب دروساً في الطهي حتى تتمكن من تعلم كيفية إعداد وجبات لذيذة. لن يساعدك هذا فقط في التعرف على طريقة الحياة المحلية، ولكنه سيمنحك أيضاً بعض الذكريات الشهية حقاً!
وعلى نفس المنوال، ابحث عن المطاعم والمقاهي المحلية لتناول الطعام فيها، تلك التي ليست موجودة على الخرائط السياحية. بهذه الطريقة يمكنك دعم الاقتصادات المحلية وسبل العيش. ستتاح لك أيضاً فرصة أكبر للحصول على تجربة أصيلة وغامرة في مكان غير مليء بالسائحين.
٩- ابقَ في مكان واحد لفترة من الوقت
إن كنت ترغب حقاً في السفر ببطء والتعرف على مكان ما، فمن الجيد البقاء في مكان واحد لفترة من الوقت. ستتمكن هنا من استكشاف محيطك، والتعرف على طريقة الحياة المحلية. لذا بدلاً من التنقل من مكان إلى آخر كل ليلتين، حاول العثور على أماكن إقامة يمكنك البقاء فيها لمدة أسبوع أو أسبوعين على الأقل. سيساعدك هذا على توفير المال وتجنب الشعور بالاندفاع وأنت تحاول حشر كل شيء في إطار زمني قصير.
خذ الوقت الكافي للبحث قبل حجز أي مكان للإقامة، لأنك ستقضي الكثير من الوقت في منزلك المؤقت. وشخصياً، أفضّل العثور على مكان يتميز بطابع شخصي ويقدم تجربة جيدة، بدلاً من مجرد مكان للمبيت فقط أو رخيص. فبدلاً من الإقامة في سلسلة فنادق عالمية، اختر المبيت في بيوت الضيافة المحلية (Bed and Breakfast)، أو الشقق والبيوت أو الفلل الخاصة على Airbnbs، أو الإقامة مع العائلات إن كنت تسافر وحدك. فعندما تقيم في مكان مملوك ومُدار محلياً، فسيكون من الأسهل التواصل مع السكان المحليين وتكوين فهم أعمق لثقافتهم.
١٠- سافر في الطرق الأقل سفراً
إذا كنت تريد حقاً إبطاء رحلتك وتجربة مكان ما بعمق، فمن الجيد أن تترك المسارات المعروفة من وقت لآخر. ويعتبر هذا سهلاً إن كنت تزور وجهة شهيرة، فرنسا مثلاً. حيث غالباً ما تكون المسارات السياحية المشهورة مزدحمة جدًا! لذا بدلاً من التمسك بالمواقع السياحية المعتادة، اخرج في رحلة استكشافية، وتعرّف على وجهتك أيضاً. وبقليل من الجهد، من المؤكد أنك ستجد بعض الجواهر الخفية التي تستحق وقتك. اقرأ تجربتي الشخصية عن السفر في الطرق الأقل سفراً.
ثم ضع هذا السيناريو؛ إنك تستقر في مكان ما لفترة شبه طويلة، وتسافر في الطرق الأقل سفراً. سيكون من المناسب القيام برحلات قصيرة ليوم أو اثنين في الوجهات القريبة منك. تعد الرحلات اليومية طريقة رائعة لزيارة بعض البلدات والقرى الصغيرة البعيدة عن المسارات المشهورة. كما يمنحك فرصة لتجربة طريقة الحياة المحلية حقاً، حتى لو كان ذلك ليوم واحد فقط. لذلك إذا سنحت لك الفرصة، فلا تتردد في حجز رحلات ليوم واحد.
١١- تعرف على السكان المحليين أو المغتربين
يعرف المسافرون ببطء أن إحدى أفضل الطرق للاستمتاع بالمكان هي الجلوس ومراقبة الأشياء اليومية المعتادة التي تحدث من حولهم. توجه إلى مقهى أو حديقة محلية وخذ بعض الوقت لمشاهدة الناس. إنها طريقة رائعة لمعرفة كيف يعيش السكان المحليون حياتهم اليومية.
وبصفتك مسافراً ببطء، ستحتاج إلى التواصل مع الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة المحلية. انضم إلى موقعي Meetup أو Internations، أو ابحث عن مجموعات فيسبوك في وجهتك. يمكن للمقيمين مساعدتك في تجنب الفخاخ السياحية، والتعرف على الجواهر الخفية لمدينتهم أو بلدتهم.اطلب من باريستا أو بائع في السوق الحصول على توصيات بشأن الأنشطة التي يمكنك ممارستها، بالإضافة إلى مكان لتناول الأطباق المحلية الشهية. وإذا كنت تريد التواصل مع الآخرين ولكن لا تتحدث اللغة المحلية، فاستخدم تطبيقاً مثل ترجمة Google لمساعدتك على التواصل.
تجربتي الشخصية في السفر ببطء
لم أكن يوماً ممن يحبون التنقل من مدينة لأخرى على عجل بين الوجهات السياحية. ولهذا كنت أزور جزيرة بالي مثلاً وأقضي فيها أسبوعاً. وأقصر الرحلات التي قمت بها خارج كوالالمبور تكون أربعة ليالي على الأقل.
أما خلال سفري كرحالة اقتصادية فقد كنت أمكث شهراً كاملاً في كل بلد أزوره، ولا أحرص عادة على التنقل في المدن سريعاً. يكفيني زيارة أربعة مدن أو قرى، لأقضي في كل منها أسبوعاً مثلاً. قضيت أسبوعين في مدينة دالات، فيتنام، عكس ما يفعل بقية السائحين حين يقضون ليلتين فيها. إندونيسيا حينما قضيت عشرة أيام على متن قارب في جزر راجا أمبات. والأخيرة في تايلاند، حين قضيت خمسة أشهر، أمضيت معظمها في جزيرة بوكيت، ثم بانكوك، وكوه ساموي، وأقلها في تشيانغ ماي.
وبنهاية السنة الماضية؛ عدت للسفر كرحالة رقمية بسبب عملي الذي يستدعي السفر. عدت للتنقل شهراً أو ثلاثة أسابيع في كل بلد؛ فمن مارس وحتى يوليو عشت بين سريلانكا، النيبال، الجزائر، تونس، وأخيراً مصر. تخيل التنقل بين خمسة دول متباعدة في أربعة أشهر. لذلك؛ قررت أخذ قسط من الراحة، والحد من التنقل المتواصل الذي كنت أعيش فيه بين كل بلد. من هنا؛ جاءت فكرة العودة إلى السفر ببطء، وتمديد إقامتي في دهب، مصر لبضعة أشهر هذا الصيف.
أصبح من المزعج حزم حقيبة سفري كل ثلاثة أيام أو أسبوع مثلاً. ومن المرهق أكثر التنقل بين المدن بمواصلات متعددة أو حتى الرحلات الجوية، واختيار الفنادق والمقارنة بينها. نعم؛ هي جزء من متعة السفر، لكن تكرار العملية دائماً والتوفيق بين التنقل المتواصل (مرتين أسبوعياً) والعمل مزعج في الحقيقة. هناك أيام لا أشعر فيها بالخروج وممارسة أي شيء في المدينة أو الجزيرة، لكنني أخاف أيضاً من تفويت التعرف على المنطقة أو الوجهات السياحية. ولذلك إن كنت رحالة رقمياً فتمهّل! ليس هناك ما يجبرك على التنقل الدائم، وليس هناك ما سيفوتك أبداً في البلاد التي تزور.
لا تعليق