مع تدرج وسهولة السفر -نوعاً ما- خلال عام ٢٠٢٢، بدأت البحث فعلياً عن دول ومناطق للعمل عن بعد. وكنصيحة سريعة؛ لا تذهب إلى أشهر وجهات الرحالة الرقميين إذا كنت تبحث عن أفضل مكان للعمل عن بُعد. أكتب هذه التدوينة من مقهى صغير في ساحة دوربار باكتابور، العاصمة القديمة للنيبال. فيما أقضي آخر ثلاث ليالٍ من رحلتي فيها، والتي كانت في الأساس إجازة من العمل!
وبصفتي رحالة رقمية، أعمل عن بعد بالكامل، فإن إحدى أهم الأمور التي تعلمتها عن نفسي، هو أن الوجهات الشهيرة للرحالة الرقمية لا تقدم نوعية الحياة التي أبحث عنها. فلا أشعر فيها أنني جزء من المكان، لست سائحة أو مقيمة، وليست طبعاً موطناً لي! فبدلاً من أن أكون في هانوي المزدحمة، أو بانكوك الملوثة بالغبار، أعتبر نفسي محظوظة جداً لأنني أقمت أسبوعين في مدينة بوخارا النيبالية، واكتشفتها على مهل. وأعلم تماماً أن هذه المدينة الصغيرة جداً لن تكون في قائمة أفضل وجهات الرحالة الرقميين، على موقع NomadList. وهذا بالضبط ما أحتاجه للشعور بمساحتي الخاصة، والأهم، التعرف على المكان بهدوء ورويّة. مطارها الحالي مثلاً، وحتى الجديد لا يبعد أكثر من ١٥ دقيقة من البحيرة. ومن الطريف، لاحظت أنني لست وحدي في هذا الأمر حينما يتعلق الأمر بالبحث عن مواقع العمل عن بعد غير المكتشفة.
إذن، ما هي أفضل مدن العمل عن بعد هذا العام؟
بورتو، البرتغال
تعتبر البرتغال إحدى الوجهات الأكثر شعبية في العالم للعاملين عن بعد لسبب ما. إنها تتمتع بأجواء رائعة، وستجد مجتمعاً يفكر بطريقة تشبه توجهاتك، والكثير من المقاهي الصديقة للعمل عن بُعد ومساحات العمل المشتركة. بصرف النظر عن ذلك، تعد البرتغال حقاً بلداً جميلاً لاستكشافه عندما لا تعمل عن بعد. بعد جلسة العمل الصباحية، اقض استراحة الغداء في إحدى المقاهي المريحة في المنطقة لتغيير بيئة العمل ولزيادة الإنتاجية والتحفيز. في المساء وعطلات نهاية الأسبوع، استكشف المنطقة، أو تعلم هواية جديدة مثل السالسا في لشبونة، أو ركوب الأمواج في إريسيرا. تعرف ما التجربة التي أتطلع لها كثيراً في البرتغال؟ العمل عن بُعد من أحد الكارافانات أثناء السفر على طول الساحل البرتغالي.
بعض الأمور التي أضعها في الاعتبار عند اختيار وجهتي التالية هي الطقس، والمقاهي الملائمة للعمل عن بعد، ومساحات العمل المشتركة مع الإنترنت عالي السرعة، ونمط الحياة الصحي، وتكلفة المعيشة، والقدرة على إحاطة نفسي بأشخاص يسهل الحديث معهم. عادةً ما أستخدم موقع Nomadlist للعثور على وجهات مثيرة للاهتمام، أو الحصول على توصيات من أصدقائي المسافرين على الدوام منذ سنوات طويلة.
ما الذي يجعل البرتغال ملائمة للعمل عن بعد أو الرحالة الرقميين؟
تتمتع البرتغال بشكل عام بشعبية لا تصدق بين مجتمع الرحالة الرقميين في أوروبا لأسباب كثيرة، فيما تمنحك تأشيرة (D7) حرية الوصول والتداول في منطقة شنغن. كما يوفر حرية العيش والقيام بالعمل في البرتغال. لديك أيضاً خيار أن تصبح “مقيماً غير عادي” في البرتغال لأغراض ضريبية، وتقدم هذه الحالة معدلات ضريبية ممتازة لمدة عشر سنوات. توفر هذه التأشيرة مزايا أخرى للوصول إلى حقوق الإقامة بما في ذلك الصحة، والتعليم، والضمان الاجتماعي وغيرها. إنه أيضاً طريق للحصول على الجنسية البرتغالية وجواز السفر البرتغالي. اقرأ تدوينة تأشيرة الرحالة الرقميون في الدول الأوروبية لتفاصيل أكثر.
وبغضّ النظر عن ذلك، فتوافد المزيد من العاملين عن بعد والرحالة الرقميين رائع للغاية! وهذا ما يعني لي التنوع الثقافي والتواصل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة.
وارسو، بولندا
أتطلع كثيراً لتجربة العيش كرحالة رقمية في شرق أوروبا، حتى توصلت إلى وارسو، المشهورة بتكلفة معيشة منخفضة. إنها آمنة للغاية، مستوى اللغة الإنجليزية ممتاز بشكل عام، وإذا كنت ترغب في تعلم اللغة البولندية، فهناك الكثير من الأشخاص سعداء بمساعدتك. إنها مدينة عالمية وستجد فيها الكثير من المطاعم النباتية والصحية. هل سمعت عن المخابز البولندية؟ إن كنت محباً للمعجنات، فاستعد لذلك! كما أنها مدينة صديقة للدراجات؛ فبها العديد من مسارات الدراجات وشارع طويل يتحول إلى مشهد احتفالي حيوي خلال أشهر الصيف.
ما الذي يجعل وارسو ملائمة للرحالة الرقميين والعاملين عن بعد؟
مع العمل عن بعد لسنوات الآن، وجدت أنني لست بحاجة إلى الكثير لأكون سعيدة في موقع ما. ولكن هناك شيء واحد أقدره في وجهات العمل عن بعد هو وجود بنية تحتية جيدة للسفر في الأماكن التي أعيش وأعمل فيها. من المهم لي جداً أن أكون قادرة على التنقل عبر المدينة في الترام أو الحافلة أو حتى الدراجة. لا يوجد شيء أسوأ من الانتظار والزحام المروري.
وكما ذكرت سابقاً، تكلفة المعيشة في وارسو منخفضة جداً مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، وهي نقطة رائعة في حقها. يجعل من السهل الاستفادة من كل ما هو معروض دون مراقبة مصروفات باستمرار. وإضافة إلى المميزات التي ذكرتها أعلاه، فالصيف في وارسو مذهل. ولكن الشتاء البولندي قاسٍ، وهذا أمر بسيط للغاية؛ يمكن حله بالسفر إلى وجهات ملائمة أكثر لمحبي الأجواء المعتدلة.
كوالالمبور، ماليزيا
حسناً.. شهادتي في كوالالمبور مجروحة. ولكن، ابقَ معي للنهاية!
أوصي بكوالالمبور لأن الماليزيين مرحبون بالوافدين للغاية، وفي المدينة العديد من الثقافات المختلفة المتعايشة مع بعضها بأمان وسلام. إنها مكان يدمج تاريخه الرائع مع هوية حديثة تنافس بسهولة مدينة نيويورك أو لندن، على الرغم من أنها أقل شهرة. إذا كنت تعمل عن بعد مع شركة أو عملاء في أوروبا والولايات المتحدة، فإن المنطقة الزمنية الماليزية رائعة، حيث لديك بضع ساعات متقاطعة. ولكن يمكنك بسهولة أداء عملك اليومي قبل أن يستيقظ أي شخص آخر ويزعجك باتصالاته، مما يمنحك مساحة للتركيز على العمل معظم اليوم.
عدت للإقامة في كوالالمبور خلال جائحة كوفيد-١٩، كان الأمر عادياً طبعاً، ولم يكن يعكر مزاجي سوى عدم قدرتي على السفر. ولكن، أضمن لك إقامة رائعة في أي حي تختاره من المدينة. استيقظ، وتناول القهوة، أو اذهب إلى صالة الألعاب الرياضية (المجانية) أو للسباحة في المبنى الذي تقيم فيه. ثم اقضِ معظم يومك في العمل من مساحة العمل المشتركة، والتي ستجد الكثير منها في وسط كوالالمبور وبأسعار جيدة. وللغداء، تلذذ بأشهى الأطعمة المحلية والعالمية، بأسعار متوسطة، فماليزيا جنة الطعام والمطاعم. وبعد كل هذا العمل المتعب، اقض نهاية الأسبوع في أي مدينة قريبة، أو استمتع بالمناطق السياحية والطبيعية التي لا تبعد أكثر من ٣٠ دقيقة من وسط المدينة.
ما الذي يجعل كوالالمبور ملائمة للعمل عن بعد والرحالة الرقميين؟
أطلقت ماليزيا تأشيرة في أكتوبر ٢٠٢٢ برنامج DE Rantau، وهو برنامج يهدف إلى جعل ماليزيا مركز الرحالة الرقميين المفضل لتعزيز التبني الرقمي وتعزيز التنقل المهني الرقمي والسياحة في جميع أنحاء ماليزيا. حيث يهدف البرنامج إلى إفادة كل من المواهب المحلية والرحالة الرقميين. فبالإضافة إلى تقديم DE Rantau Nomad Pass، الذي سيدعم تسهيل إقامة الرحالة الرقميين الأجانب في ماليزيا لمدة ١٢ شهراً، فإن وزارة الاتصالات والوسائط المتعددة في ماليزيا (K-KOMM) من خلال مؤسسة الاقتصاد الرقمي الماليزي (MDEC)) ستنشئ نظاماً بيئياً نابضاً بالحياة، يمكنه دعم نمط حياة الترحال الرقمي حتى يتمكن المستخدمين من استعادة التوازن في العمل والمعيشة.
على الرغم من مواجهة منافسة شديدة مع جيرانها، تمتلك ماليزيا جميع المكونات الصحيحة لتكون الخيار الأكثر جاذبية للرحالة الرقميين. ففيها بنية تحتية قوية، وتكلفة معيشة معقولة، وتنوع ثقافي، وسكان متعددي اللغات، وأطباق لذيذة، والعديد من العروض الأخرى لتعزيز مكانتها. من خلال قيادة هذه المبادرة ، ستشرف MDEC على تطوير محاور الترحال الرقمي والأنظمة البيئية المحلية الشاملة المناسبة لنمط حياة الرحالة الرقميين. وسيتم ذلك بالتعاون مع مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال بالإضافة إلى تأهيل الرحالة الرقميين من خلال برامج التوعية والتوعية وتسهيل الحصول على تأشيرة DE Rantau Nomad Pass. بالإضافة إلى ذلك -في مرحلته الأولى- ستشمل مراكز الرحالة الرقميين المحددة في: بينانغ، لنكاوي، قدح وكوالالمبور.
وما يجعل الإقامة في ماليزيا ممتعاً أكثر كونها نقطة الوصول والمغادرة لكثير من دول جنوب شرق آسيا. يمكنك ببساطة السفر منها إلى أي وجهة سياحية في إندونيسيا، أو كمبوديا، واليابان وغيرها. ستندهش كيف أن تذاكر الطيران الدولية الاقتصادية منخفضة جداً، ولا تبعد تلك الوجهات السياحية الرئيسية عنها أكثر من ٣ أو ٤ ساعات جواً.
لاس بالماس دي جران كناريا، إسبانيا
بدأت خلال بحثي هذا العام أيضاً عن وجهات صديقة للعائلات. مساحات عمل مشتركة، ومجتمع رحالة رقميين نابض بالحياة، وبعض الخيارات المناسبة للمراهقين وأسلوب حياة مناسب لهم. فعندما يدور جدول عملك عن بُعد حول نصف يوم يقضيه ابنك في المعسكر الصيفي، فهذا يساعد في إبقائك يقظاً وأكثر تركيزاً وانضباطاً. غالباً ما يختلف جدولي اليومي حينما يسافر معي الصغيرين أو أحدهما، أحاول الاستيقاظ مبكراً للتأكد من أنني منظمة ومستعدة للانطلاق! ودائماً ما يكون إعطاء الأولوية لوقت الأسرة في العصر أمراً ضرورياً لجعل الترحال العائلي مناسباً للجميع.
لا تنس أن تطّلع على تدوينة تأشيرة الرحالة الرقميون في الدول الأوروبية، والتي تحدثت فيها عن تخطيط إسبانيا لإطلاق تأشيرة جديدة تماماً للرحالة الرقميين. وذلك للاستفادة من تزايد خيارات العمل عن بعد، والذي زاد بعد أزمة كوفيد-١٩. وبموجب قانون بدء التشغيل الذي تم تقديمه مؤخراً في البرلمان الإسباني، سيتم السماح للأشخاص الذين يعملون عن بُعد في الشركات الأجنبية بالعيش في البلاد، دون الحاجة إلى تأشيرة عمل كاملة. أملين أن يؤدي هذا إلى تعزيز المواهب والاستثمار في إسبانيا، وتحسين أوراق اعتماد البلاد كمركز أعمال عالمي.
ما الذي يجعل لاس بالماس دي جران كناريا ملائمة للعمل عن بعد والرحالة الرقميين؟
الطبيعة السياحية للجزيرة يعني توفر الكثير من الخيارات، وإحدى وجهات العمل عن بعد. قد يكون من الصعب الحصول على شقة أو فيلا للإقامة في بعض الشهور، ولكن هناك المزيد من الخيارات المتاحة في السوق. أود أن أرى المزيد من الخيارات المتاحة للعائلات. في المقابل؛ ستجد هنا اتصال انترنت لائق، ومساحات مخصصة لعقد الاجتماعات، والعروض التقديمية. نظراً لطبيعة عملي، فإن مساحات العمل المشتركة الجماعية لا تناسبني دائماً. ومع عائلتي؛ لا نحتاج إلى رعاية يومية لهما، فهما الآن مراهقان ويمكنهما الاعتماد على نفسيهما كثيراً، ولكنني أحتاج غالباً إلى مُساعِدة للتنظيف وبعض الأعمال المنزلية.
بوخارا، النيبال
لم أتخيل أنني سأكتب هذه الجزئية من التدوينة، ولكنها الحقيقة. وقعت في حب بوخارا من أول يوم قضيته فيها. وعلى الرغم من أن مفهوم الرحالة الرقميين جديد نسبياً في النيبال بشكل عام، لكنك ستجد فيها كل الميزات التي تبحث عنها لسهولة العمل عن بعد.
فمن جهة؛ الأمان، وتعرف جيداً أهمية الأمان -لي شخصياً- أينما سافرت، فحتى أماكن مثل تايلاند تجد بها بعض المخاطر واحتمال التعرض للسرقة والقتل. لكن النيبال مختلفة تماماً. إنها إحدى أكثر الدول سلامة في العالم، وموطن للكثيرين من محاربي العنف. إضافة إلى وجود الشرطة السياحية، للتعامل مع المشكلة التي يواجهها الزوار. وأخيراً، تتميز النيبال بسهولة الحصول على التأشيرة السياحية، حيث يمكنك الحصول عليها مباشرة عند الوصول. كما يعتمد الاقتصاد النيبالي إلى حد كبير على السياحة مما يجعل البلد أيضاً محترفة للغاية في الأمور المتعلقة بشؤون السياحة واحتياجات السفر.
ما الذي يجعل بوخارا ملائمة للرحالة الرقميين والعمل عن بعد؟
إنها تتميز بعدد من المناطق ذات المناظر الخلابة، وسهولة استكشاف الوجهات الطبيعية المحيطة بالمدينة. وجدت بها أيضاً الكثير المقاهي التي يمكنك العمل منها، وشبكة الانترنت التي تحسنت كثيراً مؤخراً. ناهيك عن المطاعم والمقاهي التي يمكنك فيها قضاء وقت ممتع وتناول الطعام والاستماع إلى الموسيقى. تكلفة المعيشة في النيبال حتى في مدنها الرئيسية غير مرتفع أبداً مقارنة بمعظم دول جنوب شرق آسيا الأخرى. فبشكل عام، تعد كاتماندو وبوخارا أكثر المدن شهرة، وحتى في هذه المدن لن تحتاج إلى أكثر من ٦٠٠ دولار شهرياً لتكاليف المعيشة الأساسية. كتبت مجموعة من التدوينات تحكي تجربتي الكاملة في النيبال، اقرأها هنا.
لا تعليق